دفاع
الدكتور/ أبو بلال عبدالله الحامد
من
اللجنة العربية لحقوق الإنسان
دعاوى
المدعي العام في المحكمة الكبرى بالرياض
أمام
الهيئة المشكّلة لمحاكمة المعتقلين الثلاثة
من دعاة الدستور والمجتمع
المدني الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة مقاضاة الموقوفين الثلاثة من دعاة
الدستور الإسلامي : الفالح والدميني والحامد :
o
o
القاضي
محمد بن خنين - رئيس الهيئة
o
القاضي
عبداللطيف بن عبداللطيف - عضو الهيئة
o
القاضي
سعود العثمان - عضو الهيئة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
أُشير إلى قرار
الهيئة في ما اعتبرته جلسة رابعة لمحاكمتنا ، يوم الأربعاء 18 / 10 / 1425هـ بأنها
غير مختصة في النظر في قضية دعاة الدستور الإسلامي .
هذه
دفوعي أمام دعاوعي المدعي العام ، وتجدون كل نسخة موقعة في كل صفحة ، وعدد صفحاتها
، وقد دعاني إلى إرسالها إليكم الأمور التالية :-
1. اعتبار قرار الهيئة المشكّلة لمحاكمتنا نحن
المعتقلين الثلاثة من دعاة الدستور ، بالحكم بعدم الاختصاص في النظر في قضيتنا ، جزءاً
من محاولة القضاء التدليس على العدالة ، إذ إن القضاء على العموم والهيئة على
الخصوص لا زال لا يدري ما لجهة التي يمكن أن نترافع أمامها ، رغم مضي سنة على اعتقالنا ، فقرار الهيئة كشف
جانباً يدل على أن ضمان نزاهة القضاء غير متوافرة . من أجل ذلك ليس لنا - نحن
المعتقلين الثلاثة من دعاة الدستور – تعليق لا بالموافقة ولا بالمخالفة ، على
قرارا الهيئة ، لأن الجلسة التي اتخذ فيها القرار جلسة ســـرية ، ولذلك لزمنا نحن
المعتقلين الصمت ، لاعتبار الجلسة السرية باطلة الإجراء ، ولأن ما بني من الأحكام على
إجراء باطل فهو باطل ، وهذه قاعدة قانونية في الشرع الإسلامي وفي سائر
القوانين العدلية .
2. إن محاولات الهيئة للالتفاف على مفهوم
العلانية ، تدل على تدخلات من أطراف أخرى سواء في جهاز القضاء أم من الحكومة ،
وهذا يدل على أن البت في السرية والعلنية ، ليس قراراً تستقل باتخاذه الهيئة ،
وهذا يدل على أن أي محكمة أخرى ، تحال إليها القضية ، لن تستقل بتقرير سرية
الجلسات من علنيتها .
وحيث أننا نحن المعتقلين
الثلاثة من دعاة الدستور الإسلامي قد قررنا عدم حضور أي
جلسة سرية ، فإرسال الدفوع مكتوبة خير من
عدم إرسالها .
3. وبناءً على ذلك فسواء وافقت محكمة التمييز
على عدم الاختصاص واعادتها إليكم ، أو أحالتها إلى هيئة أخرى . فالمسالة تحصيل
حاصل ، إنها المحاكمة السرية إذن .
صورة مع التحية لصاحب
المعالي الرئيس الأعلى للقضاء
صورة مع التحية لصاحب
المعالي وزير العدل
صورة مع التحية لصاحب
الفضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالرياض القاضي سليمان المهنا
4. ولكي أرفع عنكم الحرج وعن الهيئة التي تحال
إليها القضية ، وأدفع عن نفسي العنف المادي المتوقع ، الذي يحتمل أن يكون كالعنف
اليدوي الذي مارسه الجنود مرتين متتاليتين بأمر من القضاة ، حين دفعوا بأيديهم
رجلاً تجاوز عمره الخمسين ، يعاني من مرض
السكري ومضاعفاته ، التي أوصلته إلى استخدام حقن الأنسلين بكرة وعشيا ، وما يصحب
التقدم في العمر والسكر من لين العظام ، وارتخاء المفاصل ، ولكي لا اضطر مرة أخرى
لمراجعة مستشفى قوى الأمن لعلاج تمزق أربطة العضلات الذي حدث بسبب أمركم الجنود
بدعِّنا من ظهورنا دعّا .
5. ولكي أجنب نفسي مزيداً من ألفاظ التقريع
القاسية من مثل القاضي سعود العثمان ،
كحديثه عن أنه سيطحن الحب في رؤوسنا ، وأمره لنا بالأدب في حضرته ، وكل هذه الأمور
يقولها قاض يتوقع منه أن لا يظهر منه ما يخل بحياده ونزاهته . ولأن أمره لنا
بالأدب هو الصورة المصغره للعبارة التي وصفنا بها الأمير سلطان : " أبناء
تمردوا على آبائهم " ، وأتصور أن هذا السلوك مخل بنزاهة القضاء ، وان من تصدر
منه مثل هذه التصرفات في قضية من القضايا ، ينبغي أن يتنحى ، أو أن يُنحى من البت
فيها ، تحقيقاً للعدالة ولكي يثبت القضاء أن مثل هذه التصرفات ليست هي القاعدة ،
وإنما هي كبوة نادرة . كل هذا قبل أن يسمع دفوعنا ، ولأن باقي أعضاء الهيئة لم
يتخذوا موقفاً علنياً يمنع مثل هذا الإخلال .
6. ولأن حكم الهيئة بعدم الاختصاص غير طبيعي ،
فقد أثير موضوع الاختصاص في مشروع الجلسة الثانية 7 / 7 / 1425هـ وصرح لنا احد
أعضاء الهيئة بأن هناك أمراً سامياً لهم بالحكم فيه بالقضية ، فكيف يقول القضاء أن
القضية إذن مستثناة من الاختصاص بالأمس ، ويقول : أنه غير مختص بالنظر فيها اليوم
، بعد سبعة أشهر من إحالة القضية ، وبعد حوالي سنة من سجننا ، منذ 25 / 1 /
1425هـ 16 / 3 / 2004م وهذا يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها ، وهو
دليل من عدد من الأدلة على أن ضمانات النزاهة في محاكمتنا غير متوافرة .
لذا أرسل إليكم الدفوع فإن رفضت هيئة
التمييز قراركم وأعادت القضية إليكم ، اطلب النظر في القضية على أساسها ، وإن
وافقت هيئة التمييز قراركم ، أرجو إحالتها إلى المحكمة الجزئية التي تحال إليها
القضية ، ونحملكم جميعاً - وعلى الخصوص رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي صالح
اللحيدان ورئيس المحكمة القاضي سليمان المهنا ووزير العدل على العموم - تبعة ما
ينالنا وينال غيرنا من إجحاف يمارس باسم الشريعة .
وأقول للجميع : وسيرى الله عملكم
والمؤمنون ، وهم شهود الله في أرضه . وانظروا ما ذا ستقولون اليوم لشهداء الله في
أرضه ، وماذا ستقولون للواحد الديّان يوم الحساب ، أمام عدالة السماء ، يوم لا
ينفع مال ولا بنون ولا سلطان إلا من أتى الله بقلب سليم . وما ذا سيقول الشعب عن
دور القضاء في قمع دعاة القسط الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، عندما يجرم
ما اعتبرته الشريعة بصورة قطعية ، واجباً أو مستحباً ، أو مباحاً على أقل تقدير.
أنني لا أطالب بالبراءة من التهمة فحسب بل
أطالبكم بتعويضي مادياً ومعنوياً على ملحق بي من جور وظلم . وثقوا أن إنصافكم ،
سيقيم سداً من السدود أمام تجاوزات وزارة الداخلية ، وسيبرهن على أن في القضاء
إصلاحيون يريدون تعزيز استقلال القضاء ، ومثل هذه القضية فرصة لكم إن كنتم راغبين
؛ لاسيما أن تداعياتها لن تنتهي بصدور حكمكم الذي قد يفتح ملف القضاء برمته شعبياً
وإعلاميا .
لقد انتهى الزمن الذي يتم فيه التعتيم على
الأحكام القاسية ، التي تجرم الحقوق الشرعية في التعبير والتأثير ، و " ما
يوم حليمة بسر " ، ولن يسكت دعاة الدستور أين ما كانوا عن القضية ، وسيتظلمون
، و " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " فاتقوا الله في
أنفسكم أيها القضاة ، وتذكروا أن العدالة والشورى من أصول الدين ، التي ما أصيب
الملة والأمة طوال العصور إلا بتهميشها ، وشر أنواع التهميش أن لا يعدها الفقهاء
والوعاظ وطلاب العلم والآمرون بالمعروف والنهي عن المنكر ، من الأولويات المقدمة
على الثانويات ، وشر أنواع الظلم أن يبرر القضاء منكرات الظلم والاستبداد ، فيصبح
ركناً من أركان الفساد . إن ظلم الدولة واستبدادها أعظم أنواع الفساد الديني ، وأن
إنكار هذين من أعظم أنواع الإصلاح الديني ، وصدق الله العظيم : " فَاسْتَقِمْ
كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ ، وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ
وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أولياء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ . . . وَاصْبِرْ
فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي
الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ
ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى
بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " ( هود : 112-117 ) .
د
/ أبو بلال عبدالله الحامد الأستاذ
السابق في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سجن
عليشة حرر
في 18
/ 12 / 1425هـ 28
/ 1 / 2005م
[2]
العناصر
أما قـبـل : |
شكر للمحامين ، وتحديد دورهم |
أولاً : |
لما ذا نصرُّ على علانية المحاكمة ؟ |
ثـانـيـــــاً: |
سجن
ثلاث مرات ( السوابق : سوابق جهاد حقوق إنسان في سبيل الله أم سوابق فتنة
وإجرام؟ ) |
ثـالـــثـــاً : |
البحرين واللبراليون والعلمانيون؟ |
رابعـــــاً : |
المشاركة في تبني العرائض وتزعم الموقعين وحث غيرهم |
خـامســـاً: |
اجتماع فندق الفهد اجتماع على خير مشروع أم على منكر محظور |
ســادسـاً : |
هل الكلام في القنوات الفضائية جريمة سياسية لذاته أم بسبب أداته ؟ |
ســـابـعاً : |
النهي عن المنكرات السياسية واجب شرعي ، وتجريمه بدعة سلطانية
نطالب القضاء بإثباتها على وزارة الداخلية ؟ |
ثــامــنـاً : |
إلى
متى تضرب السلطة دعوات الإصلاح السياسي – ولاسيما دعوة الدستور الإسلامي - بسلاح
يلبس لباس الدين ؟ أليست العدالة والشورى هما مقتضى البيعة على الكتاب والسنة ؟
أليس مصطلح الدستور الإسلامي ، هو الضابط للعدالة والشورى ، فهو لهما كالتعريف
الجامع المانع |
تاســعـاً : |
الحصانان المتباريان أيهما يسبق : الدستور
الإسلامي الذي يضمن حقوق الشعب والعدالة والشورى أم تفاقم المشكلات وانفلات
الأمور ؟ |
عـاشـراً : |
المدعي العام يهاجم المجتمع المدني والدستور ، فهل أحاط بهما
علماً ؟ |
حادي عشر : |
مفهوم ولي الأمر السعودي ، هل أنزل الله به من سلطان ؟ |
ثاني عشر |
بصلاح المؤسسات نطالب ، فهو الذي ينتج صلاح الأشخاص:العدل أساس
الحكم ، والشورى الشعبية أساس العدل ، والدستور الإسلامي هو المسطرة ، والمجتمع
المدني الإسلامي ، هو سور الملة والأمة . |
أمـا بعـد : |
دعوتنا إلى الدستور هي مضمون شعار ( المشاركة الشعبية ) |
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، الذي التزم بالعدالة والشورى وعلى
المهتدين بهديه من دعاة القسط والمعروف إلى يوم الدين . "ربنا أفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت
خير الفاتحين"
أما
قبل :
أصحاب الفضيلة رئيس وأعضاء
الهيئة القضائية لمحاكمتنا في المحكمة العامة بالرياض نحن المعتقلين الثلاثة من
دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي .
[ 4 ]
فأولا : شكر للمحامين المحتسبين لله :
في البدء أسجل شكري الوافر لفريق الدفاع من المحامين المحتسبين الذين
ساعدونا في هذه الدفوع ، وقدموا لنا خلاصة تجاربهم ، لقد ضرب الفريق أمثلة حية ، للإيثار وتقديم المصلحة العامة على الخاصة ،
والتطوع للدفاع عن الموقوف وإغاثة الملهوف ، ومن أجل ذلك أعلن شكري وشكر زملائي
للمحامين ، وأسأل الله لهم جميعاً حسن الثواب .
لقد سبق المحامي عبدالله
الناصري المتطوعين فذلل عديداً من المصاعب ، وصابر ، كما صابر الأساتذة : المحامي
عصام بصراوي والمحامي سليمان الرشودي والمحامي عبدالعزيز الوهيبي ، حتى استبعدهم
وزير العدل . في برهان من براهين تدخل الحكومة في القضاء .
والأساتذة : المحامي
إبراهيم المبارك وعبدالرحمن اللاحم ومحمد السنيدي كانت جهودهم تجربة جديدة في أول
محاكمة سياسية علنية , واجه فيها المحامي النشيط عبدالرحمن اللاحم عقوبة السجن
بسبب تحمسه في الدفاع عن علنية المحاكمة ، ولم يبق إلا المحامي خالد المطيري ،
الذي سلمه الله من الآفات والمعوقات رغم كثرة المشقات ، فواصل جهده مستعيناً بخبرة
من ذُكرتْ أسماؤهم ، وبخبرات الأساتذة الآخرين من خارج منطقة الرياض ولاسيما
الدكتور: باسم عالم . فلكل هؤلاء شكر موصول بشكر ، وعند الله وحده الأجر .
وأنوه بفضل الشيخ سليمان الرشودي القاضي السابق والمحامي الآن , الذي راجع
هذه المبيضة وأود أن أذكر بما يلي :-
1-
لعلكم تستغربون أن يدافع كل منا عن نفسه مباشرة ، من دون أن
يكل الدفاع إلى المحامين ، كما جرت العوائد ، أمام القضاء ، عند الاستعانة
بالمحامي ، ويبدو أن لدى عدد غير قليل لبس في وظيفة المحامي عن المعتقل ، إذ يحصرونها في الدفاع أمام المحكمة ، بيد أن
أهم وظائف محامي المعتقل هي أن يشارك في
ضمان حقوق المعتقل ، بمواصفات (توقيف) إنسانية ، بحيث لا يتحول مفهوم الإيقاف
من (تعويق) عن الحركة ، إلى (تضييق) ينال
الجسد والنفس بكثير من الأذى كما جرت العادة في السجون السعودية . وقام المحامون
بجهد كبير في هذا المجال ، ولاسيما الأستاذ عبدالله الناصري .
2-
أن يدلي المتهم باعترافاته في جو شرعي ، ليس فيه ضغط على
الإرادة ، يفقده الرضا والاختيار أو أحدهما بسبب ضغوط السجن النفسية ، التي
تسلبهما معا أو تسلب احدهما ، وقد توافر
ذلك أيضاً .
3-
أن يدافع المحامي أمام الرأي العام ، فيلتزم الموضوعية ويدين
أي انتهاك لحقوق المتهم ، وقد قام الأخوة بجهد كبير في هذا المجال ، ولاسيما
الأستاذ عبدالرحمن اللاحم ، الذي أدخل الزنزانة من أجل إدانته المحاكمة السرية .
4-
بعد هذه الوظائف الحقوقية الثلاث ، تأتي مسألة الاستعانة
بالمحامي من أجل الدفاع عن المتهم ، الذي بذل فيها المحامون أمام المحكمة أو
المحامون المستبعدون جهداً طيباً ، كالمحامي ابراهيم المبارك ، واخص بالذكر
الأستاذ عصام بصراوي ، الذي عكف على إعداد دفاع شامل ، استفدنا منه جميعاً .
نحن على كل حال لا نستغني عن ما للمحامين من خبرة علمية وعملية ، لتدعيم
الجوانب القانونية والشرعية في دفوعنا ، وقد استفدنا من هذه الخبرة كثيراً ،
ولاسيما في وقوفهم معنا ، الذي دلل على شجاعتهم ونبلهم ، ولذا فنحن محتاجون إليهم
، ولكننا نرغب في أن ينبري كل منا للدفاع
عن نفسه بنفسه للأسباب التالية :-
( 1 ) لدينا من الثقافة الفقهية والقانونية والسياسية والمعرفية ، ما يكفي،
التي شفَّ عنها الوثائق العشر للإصلاح الدستوري : "خطاب الرؤية"
و "النداء الدستوري" و "رؤية لاستقلال القضاء السعودي"
و "المسودة الأولى للدستورالإسلامي للدولة الإسلامية الحديثة" و "دعوة الدستور الإسلامي" ، فضلاً عن الخطابات السبعة التي كتبناها لـ : للهيئة
السابقة المشكلة لمحاكمتنا و لرئيس المجلس الأعلى للقضاء و للأمير
عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب الملك .
( 2 ) نحن لا نبحث عن المخارج التي تبرئ ساحتنا ، كما جرت العادة حين يتبع
المحامون الأسلوب السائد ، عندما يتولون الدفاع ، وهو محاولة كسب القضية بالإفراج
، أو تقليل مدة العقوبة ، بترك التصريح إلى التلويح ، وتلمس الأعذار ، وتليين
العبارات ، لكي تبرئ المحكمة ساحتنا ، أما
ما نريده فهو أن نصدع بكلمة العدل ، أمام السلطة سواء أكانت سياسية أم قضائية أم
اجتماعية ، أم دينية تؤول صريح الشريعة ، للإخلال بمقاصدها ، أو للإخلال بترتيب
أولوياتها ، أو نظامها الهندسي المترابط ، أو تهميش أصول الدين كأحكام الإمامة ،
واشتراط الشورية والعدل في البيعة ، من أجل ذلك أصررنا على علانية المحاكمة .
بل هدفنا الأساسي هو عرض مشروع الإصلاح السياسي الذي شارك في تبنيه
والدعوة إليه ، ووقعه أكثر من ألف شخصية علمية واجتماعية وثقافية ، هذا المشروع
نعتقد أنه هو الحل الوحيد ، الذي يصد العاديات التي تنذر بها الظروف المحلية
والإقليمية والدولية .
ومن اجل ذلك حرصنا معشر المعتقلين من دعاة الدستور الإسلامي ضامناً لحقوق
الأمة ، وتطبيق شرع الله ، على أن نحدد دور المحامين بما ذكرنا .
[ 5 ]
أولاً : لماذا نصرُّ على علانية المحاكمة ؟
أننا لا نطمع في إنصاف القضاة لنا. سواء تولينا الدفاع عن أنفسنا أم قام
بذلك المحامون ، وإن كان إنصافنا أمراً محتملا لماذا ؟ لسببين :
الأول : لأننا نطالب بإصلاح القضاء ،
وفوق ذلك نطالب بإصلاح النظام الأساسي للحكم نفسه ،
الثاني : أن كثيراً من ألفقها والمثقفين ,
لا يحيطون بتفصيلات الموضوع علما, وأحدهم هو المدعي العام , ولا دليل عندنا على أن
القضاة مستثون من هذا ، ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، إننا نقر بما نسبه إلينا المدعي العام ( مذكرة
الدعوى ص 7 س 3 ) : " التشكيك في استقلالية القضاء "
ومن أجل ذلك نريد علانية المحاكمة لتكون منصةً نعلنُ من خلالها دفوعنا، كما
أعلن المدعي العام اتهامنا ، وينبغي لنا أن لا نبالي بالثمن الذي ندفعه ، لأننا
ندرك أن الإصلاح السياسي ، ولو كان سلميا ، لن يكون من دون تضحيات ، فهذه سنة الله
في خلقه ، وقد تصل التضحيات إلى الفصل عن الوظيفة ، وإلى شتى أنواع المضايقات ،
وقد تصل إلى الإقامة في السجون ، وقد تصل إلى الشهادة ، وعلينا أن نوطن النفوس على
ذلك, ونسأل الله أن يرزقنا الثبات على الحق , ليكون شعارنا قولة يوسف عليه السلام
: " رب السجنُ أحبُ إليَّ من ما يدعونني إليه " أو قولة خبيب بن عدي :
ولست أبالي حين أقتل مسلما على
أي جنب كان في الله مصرعي
[ 6 ]
فعندما ننعي على الحكومة وعلى القضاء
تفريطهما بمبدأ العدالة ، لا ينبغي أن نتوقع الإنصاف ، فهما إذا لم يتفهما مشروعنا
خصمان ألدان ، وحكم القضاء المتوقع دليل جديد على أن القضاء شريك للحكومة في قمع
دعاة القسط ( الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ) سواء من خلال سكوته على سجن الناس من دون محاكمة ، أم توثيق الاعترافات
غير الشرعية ، أو من خلال التدليس في المحاكمات السرية ، أو من خلال إصدار أحكام
تجرِّم ما اعتبرته الشريعة حقاً أو واجباً ، وأكثر من ذلك إصدار أحكام قاسية
بالسجن والجلد على ما هو مباح في الشرع أو واجب .
نعلم أن هناك عدداً كبيراً من القضاة
الفضلاء ، لم تتلطخ سمعتهم بقبول امتيازات
عن زملائهم كمنح الأراضي والجوائز أو
المكافآت النقدية أو العينية ، ولم تتلطخ أيديهم بمداخلات مع الأمراء والأعيان ،
مما تشين القاضي وكاتب العدل ، وتطعن في نزاهته وحياده ، مثل هؤلاء لا نشك في
رغبتهم وحرصهم على الإنصاف ، ولكننا نشك في قوتهم وقدرتهم على الحياد للأسباب
الآتية :-
( 1 ) أن القضاء نفسه أصدر عديداً من الصكوك
، للأمراء والأعيان ، ملَّكهم بها كثيراً من المساحات الشاسعة في المدن فضلاً عن
السواحل والأرياف ، وأحد هذه الصكوك بمدينة جدة ، فقد قررت المحكمة صحة منح إمام
الدولة ، أحد الأمراء ، ثمانين مليون متر مربع . إن القضاء الذي يسمح بمثل هذه
الاعتداءات الصارخة على مال الشعب ، لا يُتوقع أن تكون فيه منظومة عدلية ضامنة
لإقرار العدالة والحقوق ، نحن لا ندين القضاء أشخاصاً ، بل نقول إن صدور مثل هذه
الصكوك ، يدل على أن ضمانات النزاهة للناس عامة وللمتهمين بالقضايا السياسية خاصة
غير موجودة .
( 2 )
أن القضاء لا يقوم بما يجب على القاضي ، من تفقد للسجون من نواحيها الثلاث :
الأولى : الاطمئنان إلى أنه لا يوجد
في السجن أحد دون حكم قضائي .
الثانية : الاطمئنان إلى شروط السجن
الشرعية ، وأنه محصور بـ(التعويق) لأن ممارسة (التضييق) على السجين جور كبير . عشته ورأيته وسمعت به ،
فهو القاعدة في السجون السياسية في بلادنا . " ولا ينبئك مثل خبير "
الثالثة : الاطمئنان إلى أن السجين
يلقى رعاية صحية كافية ، نفســياً وجسدياً وغذائياً .
( 3 ) أن القضاة يسمعون عن التعذيب في السجون
، ولعلهم يقرّونهُ أو يدلسون ، وهم في هذا مخالفون للشريعة ، وإن تمسكوا ببعض آراء
الفقهاء الذين تأثروا بفقه الضرورة المستقر في ظل الحكم الجبري الجائر،أمويا
وعباسيا وعثمانياً وطوائفياً ، وقد نص نظام
الإجراءات الجزائية ، على حظر التعذيب ، فهل للقضاة قدرة على تفقد السجون وإدانة
التعذيب ؟ والقضاة يومياً يصادقون على
عديد من التعهدات والإقرارات ، دون أن يسألوا السجين المتهم عن مسألة صحة الاعتراف
، ودون أن يكون لهم سلطة على وزارة الداخلية ، ليلزموها بمنع التعذيب ، إذا ثبت
عليها ، ليحموا المتهم من الضغوط التي تجبره على الاعتراف تحت التعذيب النفسي أو
الجسدي أو هما معا ، أو التهديد بهما .
نحن في السجن منذ سنة تقريباً ، ولم نسمع
أن قاضياً جاء ليتفقد السجون ، القضاء الذي لا يقوم بوظيفته في تفقد السجون ، هل
يضمن إنصافه ؟
[ 7 ]
( 4 ) أن من الواضح أن الحكومة تسيطر على
القضاء ، وأن القول بأن القضاء مستقل ومحايد ، كلام لا برهان عليه ، بل إن من يقرأ
النظام الأساسي للحكم أو نظام القضاء ونحوهما ، يدرك أن القضاء ولاسيما في الأمور
السياسية ، تابع لوزارة العدل ، وهذا مخل باستقلال القضاء ، وفوق ذلك فإن وزارة
العدل خاضعة للتنسيق مع وزارة الداخلية ، ومجلس القضاء الأعلى خاضع لوزارة العدل ،
وهكذا أُنشئت وزارة العدل لكي تكون كابوساً على القضاة ، كما عرف القاضي النزيه عبدالله بن حميد – رحمنا الله
وإياه –الذي استقال من محاكم القصيم عند إنشائها ، رفضاً لتدخلاتها .
( 5 ) من أبسط الأدلة المشاهدة على ضعف
ضمانات حياد القضاء ، أن وزير العدل يعزل خمسة من محامينا ، ويأمر القاضي بتنفيذ
ذلك ، فكيف يطمع في حياد قاض يستسلم لقرار شخص إداري ليست له صفة قضائية . وطبيعة
ووظيفة ومؤهلات الوزير غير قضائية ، والأنظمة التي أصدرتها الدولة تدل على تضخم في
مركز وزير العدل ، يخل بضمانات نزاهة القضاة .
[ 8 ]
( 6 ) من أبسط الأدلة على ضعف ضمانات حياد
القضاء ، أن حرس المحكمة الذين يضبطون الأمن في ردهاتها تابعون لوزارة الداخلية ،
وهم يدخلون بالأسلحة الرشاشة والمسدسات ، وكأن المحكمة مبنى وزارة الداخلية أو
البلدية ، ولو كان للقضاء استقلال ، لكان للمحكمة حرس خاص ، يأتمر بأمر قضاتها ،
ويحمل شعارها ، فالقضاة حسب نظام القضاء ، هم الذين أنيط بهم حفظ النظام داخل
المحاكم .
( 7 ) أن مركز ( الإمام )عند القضاة تضخم
فصار هو مرجع السـلطات الثلاث ، وهو – عندهم - أدرى بالمصلحة ، فإذا كان الإمام
أدرى بالمصلحة ؟ فقد قرر الأمراء المصلحة سلفاً ، عندما سجنونا ومر علينا الآن حوالي سنة ، فالحكم علينا في
المحكمة إذن إدارى ، لمنح ذلك مشروعية دينية ، وطابعاً قضائياً .
( 8 ) أن مركز الإمام أمام القضاة أيضا تضخم
، حتى اعتبروه هو القاضي الأول ، وهو القاضي الأصيل ، فإذا كان الأمراء هم القضاة
الأُصَلاء ، وليس قضاة المحاكم إلا وكلاء ، فكيف يمكن تحقيق العدالة في نزاع قائم
أصلاً ، بين الأمراء ودعاة الدستور الإسلامي .
( 9 ) ومؤدى ذلك أن تصبح الأمور ملتبسة ،
ويزيدها التباسا ، قاعدة التعزيز التي تعطي للقاضي ، بأن يمدد العقوبة من ضربة
بالسوط إلى ضربة بالسيف ، فكيف يُطمئن إلى العدل في إطار هذه القاعدة الفضفاضة ؟
( 10 ) أن القضاة ليس لهم ثقافة سياسية
كافية ، في موضوع الدعوى كالدستور والمجتمع المدني ، فهم لا يدركون أن الدستور
والمجتمع المدني ، يمكن أن يكون إسلامياً ، كما يمكن أن يكون علمانياً أو شيوعياً
وقد يخطئون في إدراك قضايا ومفاهيم الدستور والمجتمع المدني الإسلامية التفصيلية ،
ومفاهيم الدولة الشورية ، كالتعددية ، وحرية الرأي والتعبير ، وأعرف مناهجهم في
كليات الشريعة والمعهد العالي للقضاء ، سواء من خلال تدريسي في كلية الشريعة ، أو
من خلال عضويتي في المجلس العلمي ومجلس الجامعة في جامعة الإمام ، وسيطبقون إذن
علينا منظومة القضاء العباسي ، الذي تقنع قناع الشريعة ، فأخل بها إخلالاً عظيماً
. تحت ألفاظ : ( عصيان ولي الأمر) و ( والفتنة ) و ( سد الذرائع ) و ( البلبلة ) ؛
ومن المتوقع إصدارهم عقوبات قاسية على أمور مباحة في الشرع أو واجبة .
[ 9 ]
( 11 ) ليس في القضاء مدونة تحدد ما هو
جريمة وما هو جنحة ، وفي جو الاجتهاد المفتوح من دون معالم تضيع حقوق الأمة .
( 12 ) أن الهيئة السابقة المشكلة لمحاكمتنا
، ثبت عليها الالتفاف على مفهوم علنية الجلسات أو التدليس عليه ، فهي تجعل جلسة
إلقاء التهم علينا علنية ، حتى تُشرِّق التهم علينا وتُغرِّب ، وتنشر في وسائل
الأعلام ، فإذا جاء دورنا للدفاع ، أحالوها إلى سرية ، مخلين بمبدأ تساوي الخصمين
أمام القاضي .
( 13 ) وفوق هذا تعسف القضاة في استعمال
حقهم في تحويل العلنية إلى سرية ، مع أن هذا يضرنا نحن المتهمين ، فهل القضاء يخاف
من العلانية ؟ ولماذا يخاف من وسائل الأعلام والصحافة ؟ سؤال ينبغي الجواب عليه .
وتحويلها إلى سرية ، تعسف في استعمال
الصلاحية ، ضرَبَ به القضاة روح العدل والنظام ونصوص اللائحة الجزائية . فإذا كانت
الحكومة والقضاء هما خصما المتهم ، فكيف تضمن إجراءات العدالة في محاكمة سرية ؟
( 14 ) ومن ما يدل على عدم توافر ضمانات نزاهة
القضاء وحياده في القضايا السياسية ، أن هيئة محاكمتنا ، وبعد تسعة أشهر من سجننا
، وبعد خمس جلسات اكتشفت أنها غير مختصة بالنظر في القضية ! سبحان الله ! بعد تسعة أشهر ونحن في المعتقل ، وبعد خمس
جلسات طوال شهور ، تكتشف الهيئة أنها غير مختصة ، كيف لم تكتشف ذلك في الجلسة
الأولى ، وهذا يدل على التفريط بحقوق الناس ، أليس هذا دليلاً على ظلم في نظام
القضاء ، هل القضاة معصومون عن الخطأ ؟ من
يحاسب على مثل هذه الأخطاء ؟ قضية يمر
عليها حوالي عام ، والقضاء لم يبت في جهة الاختصاص ، والمتهمون مسجونون ، ما ذا
يدل عليه هذا التخبط ؟! هل يدل على نزاهة
القضاء ؟!
( 15 ) أن العدالة لا تجزأ، فهي منظومة
متكاملة، والدين لا يُبعض، فعندما يخل القضاء بهذه الأمور الأساسية, من حقوق الناس
عامة والمتهمين خاصة، فإن العدل غير محتمل وإن كان ممكناً، لذلك رفضنا المحاكمة
السرية. وأصررنا على علنية المحاكمة, ليعرف الناس ما يجري داخل الأروقة والغرف
المغلقة.
[ 10 ]
( 16 ) أن التحقيق معنا يفتقد الصفة الشرعية
القانونية معا ، لسببين :
الأول عام وهو أن التحقيق نوع من
أنواع القضاء ، وهيئة التحقيق والادعاء ملحقة – كما نص نظامها- بوزارة الداخلية .
وهذا مخالف لطبيعة عملها ، فعملها قضائي ، ولا يضمن عدلها مالم تكن تابعة للسلطة
القضائية . أو مستقلة على الأقل مرتبطة
بالملك مباشرة . صحيح أن نظامها عامل المحققين كالقضاة ، لكنهم لا يتمتعون بحصانة
قضاة القضاء العام ، ومثل هؤلاء في الدول الشورية ، كفرنسا يعاملون كالقضاة تماماً
، ويسمون القضاة ( الواقفين ) تمييزاً لهم عن قضاة المحاكم العامة الذين يسمون
القضاة ( الجالسين ) .
الثاني : بسبب سيطرة وزير الداخلية
على الهيئة ، لا تُنفذ قراراتها التي نصت عليها لائحة الإجراءات الجزائية ، مع
احترامنا لمن فيها من الفضلاء ، فالمشكلة ليست في الأشخاص ، المشكلة في نظامها
المكتوب من جانب ، وفي تجانف التطبيق عن النص المكتوب من جانب آخر ونضرب لذلك
نموذجاً من ضعفها :
أ - الهيئة لم تصدر مذكرة قضائية
بسجننا ، ومعنى ذلك أن هناك أمراً سامياً ، خالف نظام الإجراءات الجزائية الذي
حدد جهات القبض بها .
ب- ليس للهيئة سلطة قضائية ، لأن ما
قمنا به لا يُعدُ – في نظام الإجراءات الجزائية- من الجرائم التي تتطلب التوقيف ،
ومثل تُهَمُنا يُحال فيها المتهمون إلى القضاء من دون توقيف ، فالذي أمر بتوقيفنا
قد أصدر قراراً إدارياً خالف به النظام ، فمن يستطيع الانتصاف منه ؟
ج- قررت الهيئة قبول التزامنا بطاعة الدولة
بـ( المعروف ) ، وكاتبت وزير الداخلية ، تطلب إطلاق سراحنا ، فرفض أن نشترط
" الطاعة بالمعروف " . وقد
حصل هذا لغيرنا أيضا ، مِنْ مَنْ سجنوا في قضايا ، تعتبر من الحقوق الشرعية ،
كشقيقي عيسى الحامد ، وأحمد بن عبدالرحمن القفاري . وحاصل ذلك أن الهيئة ليست لها سلطة ، إنما هي
هيئة إدارية وأسيرة نظام مكتوب ، لا يحقق شروط العدل ، وهذا النظام المكتوب على
ضعفه ، لا يُطبق إلا إذا شاء وزير الداخلية .
[ 11 ]
هذه الملاحظات التي ذكرنا: مما وضعتنا
قضيتنا تلقاءه من دون قصد ولا تعمد ، وحيث إننا نشكك في استقلال القضاء ، فإنه
ينبغي لنا أن نبين المشكلات والحلول . ونؤكد مرة أخرى على أن ضمان نزاهة القضاء
وعدالته واستقلاله ليس في كفاية الأشخاص فحسب ، بل إن كفاية وفاعلية النظام
القضائي أهم ، ولا يمكن ضمان إنصاف القضاء ، ولاسيما إذا كانت الخصومة بين الأفراد
والدولة ، إلا بتوافر الآليات والإجراءات التي لم تتوافر في القضاء السعودي حتى
الآن، وأهمها :
1- وجود مدونة دستورية تكفل حقوق الناس
اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ، كما أقرها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من
تنادي الأمم الحديثة إليها .
2- وتكفل حقوق المتهم ، ولاسيما السجين ، سواء أكان موقوفاً أو معاقباً ، كما أقرها
الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الأمم الحديثة إليها ، واللوائح التي
أصدرتها الدولة جيدة ، ولكنها لا تكفي ، وفوق ذلك فإنه لم يستقر تطبيقها ، كعلانية
المحاكمة وحظر التعذيب ومشروعية توكيل المحامي .
3- وجود مدونة قضائية للقواعد القضائية ، التي
يحكم بها القضاة تتوافر فيها صفات أربع : التحديد والتدوين ، والتوحيد في جميع
المحاكم ، وإعلانها للكافة ، وضبط قاعدة التعزير ، بصورة تزيل فوضى الاجتهاد .
4- ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دام
إمام الدولة ينفرد بتعيين القضاة وعزلهم ، ما لم تكن المجالس القضائية هي المخولة
بـ( التعيين الأولي ) ، وما لم تقتصر سلطة
إمام الدولة على الاعتراض أو إصدار القرار .
5- ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دامت الحكومة هي التي تصدر القوانين
والأنظمة ، ما لم يوجد مجلس نواب ،يجسد أهل الحل والعقد ، من أولي الأمر
الذين أوجب الله طاعتهم ،المطلقة ، لأنهم يجسدون إجماع الأمة ، ويقرر مدونات قواعد
القضاء وقواعد حقوق الإنسان والمتهم ، ويقر جميع القوانين التي تصدرها الدولة ،
كقوانين الجنسية والعملة والضرائب والميزانية ، ويكون هو الأدرى بالمصلحة ، لأنه
يمثل الأمة ، فالأمة هي المكلفة بحفظ الشرع كما قال الإمام ابن تيمية .
[ 12 ]
6- ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما لم تنشأ (محكمة العدل العليا) ،لكي
تقر مشروعية القوانين التي تصدرها الدولة ، ويكون من صلاحياتها نقض كل قانون يخاف
شريعة القسط .
7- ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دام مركز
وزير العدل أقوى من مجلس القضاء الأعلى ، وما لم تعزز إجراءات حصانة ونزاهة القضاة
، تفتيشاً وتأديباً وعزلاً وترقيةً ونقلاً . ولا يكون ذلك من دون قصر دور وزارة
العدل على الخدمات ، وتوسيع صلاحيات مجالس القضاء ، ورؤساء المحاكم ، وتوليهم
شئونهم المالية والإدارية . إن دور وزارة العدل المالي والإداري من معوقات
استقلال القضاء ، ويفتح الباب للتدخلات . إن وزارة العدل وظيفتها الأساسية هي خدمة
القضاء ، لا ترؤسه .
8- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دام في
الدولة أكثر من ثلاثين لجنة -تجارية وعمالية وضريبية ومصرفية وعسكرية- مستثناة
من شروط القضاء الشرعية ، ولا بد إذن من ضم هذه اللجان إلى مظلة القضاء .
9- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دام القضاء الإداري الذي يسمى (ديوان المظالم )
منفصلاً عن جهاز القضاء العام ، ينفرد إمام الدولة بتعيين رئيسة ، ولابد لضمان
النزاهة من ربطه بسلطة القضاء .
10- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دامت هيئة التحقيق والإدعاء مرتبطة بوزير الداخلية
، والتحقيق نوع من أنواع القضاء ، وينبغي –لضمان النزاهة- من ربطه بسلطة
القضاء .
[ 13 ]
11- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام دور القضاء في متابعة ومراقبة السجون مفقوداً
أو هامشياً، ومن أجل تعزيز دور القضاء في ضمان العدالة ينبغي ربط السجون بإشراف
وزارة العدل، لأن السجين إما موقوف قضيته أمام القضاء، وإما معاقب صدر عليه حكم
قضائي، والقضاء في كلتا الحالتين لابد أن يكون حاضراً.
12- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دامت المحاكم تصدر أحكاماً كثيرة ولا تنفذ، إما
بسبب الروتين، أو بسبب تدخلات السلطة التنفيذية ومماطلة الكبراء، ومن أجل ضمان
النزاهة ينبغي أن ينشأ مكتب قضاء تنفيذي في كل محكمة، يشرف عليه قاض، وفيه كتبة
وجنود، لإلزام المماطلين بتنفيذ الأحكام.
13- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دام كثير من القضاة يغلقون أبواب مجالس القضاء ، ويميلون
إلى السرية في الجلسات ، ولضمان النزاهة ، ينبغي اعتبار أي محاكمة سرية باطلة
، إلا إذا تراضى الخصمان على سريتها ، ولاسيما إذا كانت سياسية .
وينبغي السماح للفئات الأربع المعنية
بالعدالة بالحضور : أهل الأعلام والمحامون وجماعات حقوق الإنسان ، والمهتمون
بالشأن العام . فأولئك هم شهود الله في أرضه . إن الغرف المغلقة هي آفة العدالة في
كل زمان ومكان .
14- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء ، ما دام بطء البت في القضايا هو القاعدة ، سواء
أكان بسبب قلة عدد القضاة ، أم بسبب عدم تقسيم المحاكم إلى اختصاصات ، أم بسبب ضعف
أدوات قياس الانجاز ، فالعدالة المتأخرة نوع من أنواع الظلم ، كما هو معروف في
معايير نزاهة القضاء .
15- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دامت ضوابط كفاية القضاة المهنية على هذا
الحال، وليس ثمة قدرٌ وافٍ ، من الثقافة الحقوقية والقانونية ، ولاسيما في القضايا
المالية والاقتصادية, تتسم بالدقة والوضوح والمنهجية ، ولا يكفي التدريب بعد
الخدمة لتلافي هذه النواقص ، ومن أجل ذلك ينبغي إصلاح التعليم القضائي في أقسام
كليات الشريعة ، لرفع مستوى كفاية القضاة المهنية .
[ 14 ]
16- ولا
يمكن ضمان نزاهة القضاء ، مالم تضمن جميع حقوق القضاة ، بحيث يأمنون الحيف في
النقل والتفتيش والعزل ، ويكون لهم الحق في إقامة جمعية خاصة بهم ، تدافع عن
حقوقهم ، وتسهم في تعزيز استقلال القضاء ، وتجديد الآليات والإجراءات ، فالقاضي
الذي لا يتمتع بحقوقه ، لا يستطيع صيانة
حقوق الناس .
لا نلقي الكلام على عواهنه عند ما نقول
إن ضمانات النزاهة والحياد غير متوافرة في القضاء السعودي ، بل ننطلق من رؤية
علمية منهجية مدعمة بالتأسيس الفقهي كما في كتابي المطبوع : " معايير استقلال
القضاء الدولية في بوتقة الشريعة الإسلامية . بيروت . الدار العربية للعلوم .
1425هـ 2004م " ومدعمة بالأمثلة والأدلة المستقاة من الأنظمة
العدلية التي أصدرتها الدولة ، بينتها في كتابي " استقلال القضاء السعودي :
عوائقه وكيفية تعزيزه " بحث ألقي في المؤتمر العربي الثاني للعدالة . القاهرة
. فبراير 2003م
والمأمول من المحافظين في القيادة السياسية
والقضاء ، من أمراء وفقهاء , أن يتذكروا أن المحاكمة العلنية ؛ حق أجمعت
عليه الأمم ، حتى فرعون الذي حكم بقتل السحرة ، لم يقل لموسى نحاكمك محاكمة
سرية ، أو نلقيك في سراديب السجون ، بل قبل المنازلة "العلنية" : فقال (
موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ) .
إذن فكيف تحاول الهيئة القضائية أن
تجبرنا -ولاسيما القاضي سعود العثمان-
على خيارين أحلاهما مر: إما أن يَدُعَّنا رجال الأمن في المحكمة إلى الجلسة ،
بأكفهم دعَّاًً ودفعاً باستخدام العنف اليدوي ، حتى يصاب أحدنا بتمزق عضلي في
الكتف ، أو يلتهب ظهر الأخر ، أو يخر وجه الثالث على الأذقان ، وكلنا "كهول" تجاوزوا الخمسين عاماً ،
يعانون من داء السكري , وما يصاحب هذا وذاك من لين العظام ، لإجبارنا على محاكمة سرية ، لا تحضرها صحافة
ولا إعلام , ولا محامون ولا دعاة حقوق إنسان ولا مهتمون بالشأن العام ولا رأي عام .
لماذا ؟ هل هي لا تريد أن يسمع الناس
هذا الكلام. القضاء أعلن بذلك أنه غير مستقل عن سلطة الحكومة ، هل القضاء يخاف
العلانية ؟ أم أنه تابع لوزارة الداخلية ، يمارس التدليس على ما يقع في دهاليز
البوليس :
والستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر
[ 15 ]
ثانياً : سجن ثلاث
مرات ( السوابق : سوابق جهاد حقوق إنسان في سبيل الله أم سوابق فتنة وإجرام؟ ) :
الدعوى:
قال المدعي العام (ص 8 س 5) "من خلال أوراق القضية تبين أن الأول سبق
سجنه ثلاث مرات ، ومنع من السفر ، ثم وجه وزير الداخلية بتسليمه جواز سفره ، وأخذ
عليه تعهد بتاريخ 22/10/1420هـ وأفهم بأن العودة إلى شيء من مسببات الحظر يستدعي
عقوبات اشد ، ولكنه لم يلتزم بما تعهد به"
[ 16 ]
الدفاع :
حضرات القضاة :
1-
التشويه
عبر الإيحاء والتدليس ،
واضح من سلوك المدعي العام بابتار الاستشهاد ، واقتناص الكلمات ، ولي أعناق
النصوص.
فهو يبحث عن سوابق عبدالله الحامد ، فيصرح بأنه سجن ثلاث مرات ، وأنه كتب
تعهداً خطيا ، ولم يصرح المدعي العام بأسباب السجن ، في المرات الثلاث ، لأن أسباب السجن تثبت أن
الحامد كان على صواب وأن وزارة الداخلية على خطأ ، وتضعف مذكرة الإدعاء إن لم
تنقضها من أساسها فعبد الله الحامد سجن ثلاث مرات ، المرة الأولى سببها
اشتراكه في إنشاء ( لجنة حقوق الإنسان الشرعية ). وإنشاء لجنة حقوق الإنسان
الشرعية ، واجب شرعا ، حتى لو جرمته وأثمته هيئة الإفتاء. والمناداة بها من
صميم الولاء للدولة ، حتى لو اعتبرها بعض الأمراء من عقوق الأبناء .وهي من ما
يرسخ الوحدة الوطنية ، القائمة على الشريعة الإسلامية ، حتى لو اعتبرها أمراء
آخرون من ما يخل بها ، ولجنة حقوق الإنسان عمل أهلي ، داخل في باب التواصي بالحق
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى .
وقد وقع تعهدا غير شرعي ، فالتعهد باطل ،
لأن العمل غير مجرم في الشريعة ، فإنشاء اللجنة من باب الاحتساب على السلطة
، وقد قرر الفقهاء كابن تيمية وابن حزم والغزالي ، أن رفض السلطة قيام الناس
بالاحتساب عليها ، منكر من المنكرات السلطانية, لأن الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر مشروع ، بأذن السلطة وعدمه.
2- التعهد باطل لأنه تعهد إكراه لأن الحامد مجبر على ذلك وإن لا بقي
في سراديب سجن الحائر وزبانيته الرهيبة , فقد سجن في الحائر حوالي أربعة أشهر في
زنزانة انفرادية ، لم يشاهد فيها الشمس إلا مرة واحدة ، في حدود عشر دقائق ، ولم
يهاتف أهله إلا بعد أكثر من ستين يوما من الاعتقال ، وقد حتت الرطوبة والظلمة شعر
رأسه وجسده ، وظل طوال تسعين ليلة ، يقاد ليليا إلى غرفة التحقيق ، منذ حوالي
العاشرة حتى آذان الفجر ، ويخوفه فلان وفلان بأن لديهما غرفة خاصة بآلات
التعذيب التكنولوجية . وضرب بالعصا حتى تكسرت أظافره وسال الدم منها وسال الدم من
أذنه اليسرى ، ومنع من القراءة والكتابة ، ولا محامي ولا حقوق ، فأي مشروعية لهذا
التعهد ؟
3-
إثارة النقطة السابقة ، تستدعي الحديث عن التعذيب وانتهاك الحقوق ، التي شاهدها
الحامد في الحائر ، وقد كتب قصائد مطولة ، عن انتهاك الحقوق ، و لاسيما (ملحمة
السجن)، التي نددت بأساليب التعذيب النفسي والجسدي ، وهي قصيدة مطولة من
حوالي 750 بيت عن التعذيب النفسي والجسدي الذي يقوم به البوليس ، ويقره القضاء
بالإغضاء والتدليس ، وقد كتبها الحامد ، وكأنها الوصية التي تبقى بعد موته
، جواباً لرئيس التحقيق آنذاك ، الذي هدد الحامد بالاغتيال ، وقال له
ما مضمونه : إلزم بيتك ، فأنت حشرة ، وإن لا فإن الدولة تقضي عليه بحشرة على
قدر مقاسك. وكتبها ليقول للذين يخوفونه برمال الدهناء ، أو بمستشفى شهار:
حتى لو اختل عقلي أو دفنت حيا ، فإن كلماتي حية. كتبتها لكي لا تنمو تراكمات
انتهاك حقوق الإنسان والمتهم في سجون بلاد الحرمين ، فتصير على غرار إنجازات
(صلاح نصر) أو (أبو غريب).
4- الحامد لم يوقع تعهدا واعتذارا ، إلا بعد أن قال ما يعتقده الحقيقة
في صفحات طوال ، ولم يقل أن عمله غير مشروع ، بل قال إنه اجتهد اجتهاداً
شرعياً مشروعا ، ولكنه قام بما يرى أنه حدود استطاعته في إنكار المنكرات
السلطانية.
5- ثم إن الحامد وقع تعهدا على عدم الكلام في موضوع حقوق الناس ، ثم إن
الدولة نفسها وهيئة الإفتاء اعتبرت قيام لجان لحقوق الناس حلالاً ومشروعا ، بعد أن
كان جرما وعلمنة ، وها هي الدولة تقيم لذلك اللجان ، وها هم الفقهاء الذين
حرموا قيام لجنة حقوق الإنسان الشرعية ، يمتدحون قيام اللجنة الوطنية لحقوق
الإنسان ، الحرام بالأمس صار حلالا اليوم ، وهذا دليل على أن الدولة تجرم من دون
أساس شرعي ، وأن هيئة الإفتاء تابعة غير مستقلة . وما أشبه الليلة بالبارحة
فهاهي دعوة ( الدستور الإسلامي ) ضامناً لحقوق الناس ليس غريبا أن يعتبرها بعض
الأمراء والفقهاء والقضاة اليوم جرما ، وأن تعتبرها الدولة غدا عندما تفئ إلى
الإنصاف من وسائل تحقيق مقاصد الشريعة ، فإذا بالقضاة والفقهاء يتبعونها؟!.
[ 17 ]
6- وسجن الحامد مرة ثالثة ، بسبب كتابه (حقوق الإنسان) بين عدل الإسلام
وجور السلطان ، والسبب الذي بدا ( من خلال تركيز أسئلة التحقيق ) أن أحد فصول الكتاب بعنوان: لا صاحب سمو ولا
صاحب دنو في الإسلام؟ فهل هذا الكلام حق أم باطل؟ ولم يعتذر الحامد عن الكتاب ولا
عن ما فيه من أفكار ، ولقد رفض الاعتذار عن الكتاب ، وخرج من دون أي تعهد.
7- في كل المرات السابقة لم أكتب شيئاً من التعهدات غير الشرعية ، أقصى ما
يمكن أن نقول: إننا اجتهدنا اجتهادا شرعيا بضوابط الاجتهاد الشرعي وهو
اجتهاد معتبر ، فإن كان خطأ فلنا أجر ، وإن كان صواباً فلنا أجران ، وليس تحديد
الصواب والخطأ مقصورا على صاحب سمو ولا صاحب فضيلة.
8- سوابق الحامد - في ميزان وزارة الداخلية- من أعمال المجرمين ( أصحاب السوابق ) أي تُضاعف
على تكرارها العقوبة، هذا ما صرح به الأمير نايف في لقائه بدعاة الدستور الإسلامي
عندما هددهم بالسجن عامة وخص أرباب السوابق بمزيد من الترهيب ، أليس من المنكرات
الصريحة أن يعتبر
السلطان ما قررته الشريعة من واجبات
ومستحبات جرائم ؟ ومن الغرائب أن تجرم الحكومة حقوقاً للناس أقرت
بها الدولة ووقعت على تعهد بضمانها في المؤتمرات والوثائق العربية والدولية ،
كـ(مؤتمر تونس ) و (وثيقة القاهرة لحقوق
الإنسان في الإسلام) .
أما إذا سوّغ القضاء أعمالها وبررها ،
فقد أعلن عن أمرين : الأول : أنه غير مستقل عن الحكومة . الثاني : انه الضلع
الثاني من ثنائية قمع حقوق الناس : وقمع البوليس ، وقمع القضاء . فانتظار الإنصاف
منه إذن كما قيل :
والمستجير بعمرو
عند كربتهِ كالمستجير من الرمضاءِ
بالنارِ
غرض المدعي العام من ذكر سجني ثلاث مرات ، أن
يقول للقضاة : إن سوابق الحامد التي يحسبها الناس من فضائل دعة القسط والشورى ،
إنما هي من سوابق الجريمة والجُناة ، كالزنا والخمر والمخدرات ، فضاعفوا عليه
إذن العقوبات ، فما ذا سيقول القضاة ؟
[ 18 ]
ثالثاً :البحرين
واللبراليون والعلمانيون؟
الدعوى:
قال المدعى العام : " فكرة إعداد خطاب " رؤية لحاضر الوطن
ومستقبله ، بدأت أثناء لقاء في مملكة البحرين ، حيث جرى نقاش بين عدد من الأطياف
الثقافية ، منها إسلامية ولبرالية وعلمانية ، واتفق بينهم على أسسه وشارك هو في
إعداده".
[ 19 ]
الدفاع :
يا حماة
الشريعة :
1-
ماذا يريد المدعي العام من هذا الكلام ؟ عندما أشار إلى أن بداية الاتفاق بين دعاة
الدستور والمجتمع المدني الإسلامي ، كانت
في البحرين بين إسلاميين ولبراليين وعلمانيين ، وماذا يريد بذكر البحرين
واللبراليين والعلمانيين ؟ إنه يريد تشويه مقاصد دعوة القسط والشورى الإسلامية ،
التي جوهرها تطبيق الشريعة ، وهي مقتضى البيعة الشرعية على الكتاب والسنة .
والحقيقة أن المثقفين وجدوا أن الساحة تكاد تخلو من خطاب إصلاح
استراتيجي واللبراليون والعلمانيون ،
مشغولون بقضايا الحقوق والحريات الأساسية والتعددية والتسامح ونحوها من قضايا
الدستور والمجتمع المدني ، وهياكله
الرسمية والأهلية؟ والإسلاميون المهتمون
بتجديد الخطاب الإسلامي يوافقون هذه الفئات على العناية بهذه القيم ، لأنها قيم
إنسانية عالمية مشتركة ، والإسلام قد وضع
مبادئها قبل أربعة عشر قرناً .
2- عندما ظهر خطاب الرؤية ، تعجب الناس كيف التفت كل هذه التيارات على
خطاب واحد ، وهي في البلدان العربية مشغولة بالخلاف على الثانويات ، تعجبوا
وكيف وقع ليبراليون وعلمانيون على خطاب إسلامي لأنه يتصور أن الإسلام غير معني
بقضايا العدالة والشورى ، مؤصلاً الفقه السياسي عبر منهج أصول فقه الكتاب والسنة ، وعندما أنجز دعاة
الدستور والمجتمع المدني ، خطاباً إسلامياً أثبتوا ما في الإسلام الأصيل (الكتاب
والسنة ) من نبع صاف يروي العطش إلى العدالة والحرية السامية .
لذلك فإن المثقفين الذين وقعوه بكافة أطيافهم دللوا على أن جوهر المشكلة ، ليس في صورة
الإسلام الناصعة في ظلال الحكم الراشدي الشوري ، بل في صور الإسلام المشوهة
والباهتة والمحرفة ، التي استغلت شعار الإسلام ، وقمّصتهُ أفكار ونظريات نبتت في
ظلال الحكم الجبري ، أو بحلولٍ غابرة لمشكلات وقتية بائدة ، يُراد تقليدها في كل عصر
ومصر .
إن قضية الإسلام ، قضية عادلة ولكن بعض المحامين عنها فاشلون ، كيف ظهرت
الاتجاهات والدول العلمانية على أنقاض الخلافة الإسلامية؟ لم تكن لتظهر لو كان
الخطاب الإسلامي الرائج عند الجمهور ، قد ثمّن شق الشريعة المدني ، الذي عموده
العدالة والشورى ، كما أن عمود شق الشريعة الروحي الصلاة ، لأنها لم تدرك ارتباط
إقامة العدالة بإقامة الصلاة الذي أشار
إليه الحديث الشريف "أول ما تفقدون من دينكم الحكم وآخر ما
تفقدون منه الصلاة " ، والمقصود في
الحديث هو الحكم الشوري لا الجبري .
هذه الفئات من علمانية ولبرالية، واشتراكية أثبتت أنها تتبنى مشروع الدستور
الإسلامي، وأنها لا تغرب ولا تشرق، عندما تجد خطابا عند دعاة الإسلام وفقهائه، يحل
المشكلات المعاصرة، ويركز على الشق المرئي من الديني, ويعيد إلى العدالة والشورى,
مركزهما بصفتهما من أركان الدين العظمى كما
ذكر الشيخ محمد الغزالي وغيره .
لأن المهتمين بالشأن العام ، يركزون على
العدالة والشورى الجماعية ، ولم يتطلعوا إلى الأفق الغربي ، إلا بحثا عن
الخلاص من الحكم الجبري الجائر ، عندما لم يتصدر الفقه التقليدي ورموزه ، لبناء
منظومة فكرية إسلامية ، تكشف أن الإسلام لم يحلّق في الآفاق ، إلا بجناحي
العدالة والحرية الإسلامية ، وعندما خلب الغرب الأبصار ، بالحرية البراقة
والعدل الجذاب ، دار عديد من المثقفين والمفكرين في ذاك مدار ، لأن ورثة علم الشريعة الإسلامية صاروا مجرد مقلدين
يرددون نصوص الفقهاء الأولين وكأنها نصوص مقدسة
كما قال الشاعر:
رأى البدر غربيا فحن إلى الغرب ولو لاح شرقيا لحن إلى الشرق
[ 20 ]
3-
ماذا حصل حين أمكن صوغ خطاب العدالة والشورى، الذي هو
مضمون عبارة ( الدستور والمجتمع المدني الإسلامي ) مؤصلا فقهيا ؟ صوغاً حديثاً
للفكر السياسي ، يتمسك (السلفية) منهجاً ومادة قرآنية ونبوية وينتج أفكاراً مؤسسة
على كليات الكتاب والسنة القطعية ، إنها السلفية الجديدة ، فالسلفية حرّكت تجديد ،
وعندما لا تعالج المشكلات ، فإنها هي حركة تقليد ، السلفية في عهد الأئمة الأوائل
الأربعة ، ولاسيما الأمام أحمد بن حنبل ، كانت جواباً للسؤال اليوناني ، والسلفية
في عهد الإمام أحمد بن تيمية ، كانت جواباً لسؤال البدع والانحرافات المخلة
بالقصور الفكري .
والسلفية في عهد الإمام محمد بن
عبدالوهاب كانت تخليصاً للتوحيد من شوائب الشرك .وإقامة لحكومة المستبد العادل . نمط السلفية اليوم
إنها هي التي تجيب عن أسئلة العدل والشوري في الدولة الإسلامية الحديثة ، لتقاوم
تحديات العلمنة وسباق العولمة,ورياح الهيمنة الافرنجية ، إنها السلفية الجديدة (
دعوة الدستور والمجتمع المدني الإسلامية ) .
فمن شكك في أن الدعوة إلى الدستور
والمجتمع المدني ليست سلفية ، فليأت ببرهانه ؟ :
جاء شقيق عارضاً رمحه إن بني عمك فيهم رماح
[ 21 ]
رابعاً : "المشاركة
في تبني العرائض وتزعم الموقعين وحث غيرهم":
الدعوى :
1- قال المدعي العام: (ص 3 ص
10) " كان مما أفاد به المدعى عليه
الأول قيامه بالمشاركة في إعداد وتبني وإصدار بيانات وعرائض" وقال (ص 7 س 14)
"إعداد الأول للعرائض (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) و (نداء إلى القيادة
والشعب معا : دعوة الإصلاح الدستوري) "
2- وقال أيضا: " ثم قام بعد ذلك بإعداد البيان المسمى (نداء إلى
القيادة والشعب معا)، حيث أسند له ذلك من قبل زملائه وهذا البيان توسيع لما ورد من
أفكار في خطاب (الرؤية) وقيامه بعد ذلك رفق الثاني بمراجعة عدد من التواقيع عليه
كلا من طرفه ".
3- قال المدعى العام: ص 2 س 12 ، 13
"واتصال الأول والثالث بوسائل الإعلام الخارجي والتحدث إليها باعتبارهما من
زعماء الإصلاح السياسي"
[ 22 ]
الدفاع:
حضرات القضاة :
1- هل الحامد انفرد بتبني العرائض؟، الحقيقة أن عديداً من المهتمين
بالإصلاح ، أحسوا أن من واجبهم تقديم رؤية في الإصلاح السياسي ، ( الدستور
والمجتمع المدني الإسلامي )وبدأت الفكرة تناقش من خلال لقاءت عفوية ، وبرزت محاور
الفكرة لدى العديد منهم ، بعناصر خمسة:
( أ ) لا إصلاح تربويا ولا اقتصاديا ولا
إداريا ، إلا إذا أسس على إصلاح سياسي ، ولا إصلاح سياسيا ، ما لم يناد بـ(
الدستور المجتمع المدني الإسلامي ) .
( ب ) تأسيس ذلك على الإسلام الصافي
.(إسلام القرآن والسنة وتطبيقات النبي صلى
الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين). لا على الآراء الفقهية التي عاشت في ظلال
الحكم الجبري الجائر ، أموياً وعباسياً وعثمانياً وطوائفياً .
( ج ) مؤازرة القيادة ، والثوابت
الوطنية ، وفق مبادئ الإسلام (أي بالتزامها بالعدل والشورى الجماعية الملزمة)
، ونصحها وتذكيرها بذلك لأنه هو مقتضى
البيعة على الكتاب والسنة .
( د ) وأن يكون الخطاب (عاما) أي
وطنيا ، ليس خاصاً بفئة من الناس ، بل يعبر عن تطلعات الجميع ، للخروج من ضيق
مفهوم الدولة المذهبية إلى سماحة الدولة الإسلامية ، والقبول بالتعددية تجاه
الأقليات والطوائف كما جسدها الخلفاء الراشدون ، ولا سميا علي بن أبي طالب–رضي
الله عنه- وعمر بن عبدالعزيز رحمه الله
أمام الخوارج .
(هـ) وأن يكون موجها للقيادة وللشعب معا
، إذ لا يمكن أن يكون إصلاح ما لم يتراكب الطرفان.
[ 23 ]
2- كان اللقاء عفويا في مملكة
البحرين ، على هامش مؤتمر محاربة تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني ، تبلورت
هذه الأفكار ، عند مناقشتها بين الجميع ، وكلف الحاضرون المجاهد المدني محمد سعيد
طيب بصياغتها ، وعدل عديد من المشتركين الصياغة ، حتى ظلت أربعة أشهر تعدل في جدة
والرياض والدمام ، أكثر من عشرة أشخاص مشتركون في التبني ، وحث الآخرين والتزعم ،
وأكثر من خمسة عشر شخصاً مشتركون في الصياغة.
3- وكذلك خطاب الإصلاح الدستوري ، تناقش أكثر الإخوة في موضوعه ، ورأوا أن
من المناسب تذكير الناس في القيادة والمجتمع بالإصلاح كل عام مرة وهذا ليس بعيب
، وما لا يقل عن ربع الموقعين اشترك في بلورة الأفكار ، وصغت الخطاب ، وراجعته
الفعاليات من إسلامية ولبرالية ، في الحجاز ونجد والمنطقة الشرقية ، وتبناه أكثر
من عشرين شخصية.
[ 24 ]
4- لم يسجن من هؤلاء الذين نادوا بالإصلاح السياسي إلا ( 13) شخصا ، لأن الدولة تعرف نتائج سجن أكثر من مئة
شخصية من رموز الإصلاح السياسي ، لكن من المؤكد أنها تعرف أننا لم نتزعم الموقعين
. أن يستطيع إنسان أن يجمع خمسة توقيعات ، هذا ليس تزعما.
على كل حال فإن التزعم في سبيل الخير شرف ، ولكننا لا ندعيه ، ليس لأننا
نخاف من دفع ثمنه ، بل لأننا نخاف من غمط حقوق الآخرين . والبحث عن المنصة
لإلقاء خطبة أمر مشروع ، فنحن في دعائنا نكرر: "واجعلنا للمتقين إماما"
أن يكون الإنسان قدوة للجهاد المدني
والعمل الصالح, أمر من ذروة سنام الإسلام .
5- ولكن غرض المدعى العام اتهام سمعناه في وسائل الإعلام ، هو رمي دعاة
الإصلاح بالبحث عن الأضواء والشهرة ، وكأن الأضواء يجب أن تركز على أناس
تحددهم الحكومة ، كما تحدد الصور في قنوات التلفزيون.
هذا جزء من حملة التشويه التي يقوم بها الإعلام الموجّه ، عبر الوجوه
المكشوفة والوجوه المقنعة ، التي تمارس وظيفتها في تشويه دعاة الإصلاح ، الإصلاح
عامة ودعاة الدستور الإسلامي خاصة ، التي
سمعنا فيها وقرأنا وصفنا بعبارات مثل : " القفز في الظلام" ،
"الجنوح الفكري"، والحديث من "اللاذقية " و "لبنان"
و "مصر" ونحو ذلك من ما يصدر من بعض الخادعين والمخدوعين أصلحنا الله
وإياهم ، ونحن ينبغي أن نتأسى بقولة النبي الصالح : " اللهم اغفر لقومي ،
فإنهم لا يعلمون "
لأنه ينبغي لدعاة الإصلاح السياسي ، أن يضعوا نصب أعينهم القاعدة الذهبية
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (من اشتغل بالشأن العام ، فقد تصدق
بعرضه) . وأن يقولوا للمرجفين قولة جميل :
هنيئاً مريئاً غير ماء
مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت
لأن من يتصدى للإصلاح السياسي –
فضلاً عن من يدعو إلى الدستور الإسلامي في
ظلال الحكم الجبري الجائر - ليس معرضاً للأذى الظاهري فحسب ، بل إن الذي
خلف الكواليس أشد ، وعلى من سار في هذا الطريق أن يسأل الله الثبات ، و أن يدفع
الثمن برضا واطمئنان .
[ 25 ]
6- إذا كانت الدولة لا تريد أن يتحدث الناس لقنوات (LBC) و(الجزيرة)و(الحرة) و(ORBIT) وغيرها
من استوديوهات سورية ولبنان ومصر ، فلتسمح لهم بأن يتحدثوا من خلال استوديوهات
محطة الرياض ، بدلاً من قصر هذه المحطة ، على المحسوبين على السلطة ونحوهم ؛
مِنْ مَنْ شلت الحكومة أيديهم, خيفة أن
يعلقوا الجرس.
هل يريد المدعي العام أن لا يبرز أي إنسان بروزا طبيعيا ، اللهم إلا إذا
كان مغنيا أو لاعباً ، ليس له تأثير
إيجابي على الشئون العامة ؟ هل من
الإثم أن يظهر أناس يقدمون وجهات نظرهم ،
ويطئون الأشواك ، ويجتازون الأسلاك ؟ أم ذلك مخالفة لولي الأمر.
[ 26 ]
7- هل يريدون من كل كاتب يعلن رأيه في قناة أو صحيفة أن يستأذن السلطة
؟ نحن لسنا رعية تجري خلف كل ناعق ،
نحن شركاء في الوطن متساوون في الحقوق والواجبات ، علمنا الرسول صلى الله عليه
وسلم فقال: "لا يحقر أحدكم نفسه" (رواه البخاري واحمد وابن ماجه ) ،
وقال "إن الله يكره الضعيف الذي لا زَبَرَ له ( رواه مسلم والدارمي) ، لسنا
قاصرين نحتاج إلى ولي أمر وصي ، كوصاية الراعي على رعية الأغنام ، لا بد لمن أراد
أن يؤثر عليها من أن يستأذن الراعي .
والرسل ودعاة القسط يتهمون دائما ، بالأهداف الدنيئة وحظوظ النفس العاجلة ،
كالبحث عن الشهرة والمال والمنصب ، من أجل ذلك لا نستغرب أن نتهم بأننا نقدم
أنفسنا بأننا من زعماء الإصلاح ، ولكن لنا قدوة بالرسل عليهم السلام ، فقد قيل لهم
أكثر من ذلك : "ما يقال لك إلا ما قد
قيل للرسل من قبلك".
[ 27 ]
8- ونحن لا نزكي أنفسنا ، من حظوظ النفس العاجلة ، فالنفس أمارة بالسوء إلا
من رحم ربي ، ونحن من حيث القصد الأصلي ، لا نبحث عن مكان ولا مكانة ، زعيم
الإصلاح الحقيقي هو (دعوة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي ) نحن نحاول أن ترتبط
دعوة الإصلاح بأمرين الأول: المنهج والثاني الهدف. لكي نسهم في
إخراج الرأي العام من الدوران حول الأشخاص أو الأفكار الثانوية ، إلى الدوران حول
الأفكار الأساسية : أي المنهج السلمي والهدف المحدد هو الصعود إلى نموذج الدولة
الإسلامية الشورية العادلة ، والخروج من مفهوم الدولة الجبرية الجائرة أموية
وعباسية وعثمانية وطوائفية ، وهذا معنى عبارة : ( الدستور الإسلامي ) والوسيلة هي
الجهاد السلمي عبر الكتابات والبيانات ونحوها ، وهذا هو معنى عبارة (المجتمع
المدني الأهلي الإسلامي .
بضعة بيانات:
رؤية (لحاضر الوطن ومستقبله) (في خندق الشرفاء)، و(معاً من أجل الوطن) و
(الإصلاح الدستوري) ، و (رؤية لاستقلال القضاء) و ( نحو دستور إسلامي للدولة
الإسلامية الحديثة : السعودية نموذجا ) ، هؤلاء هم زعماء الإصلاح ، ونحن
نحاول أن ندور مع الحق حيث دار ، ونحاول أن نكون "أذلة للمؤمنين" أن نذل
للحق طاعة لله ، وحريصون على البقاء في الصفوف الخلفية ، لأن ذلك أضمن وأسلم من
الصفوف الأمامية, واضعين نصب أعيننا " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا
يريدون علوا في الأرض ولا فساداً".
[ 28]
9-
لكن السبب الأساسي في اتهامنا بالتزعم ، أننا رفضنا أن نوقع على تعهد بطاعة
الإمام (المطلقة)، واشترطنا ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، من أن الطاعة
بالمعروف ، لأننا ندرك أن البيعة الشرعية لآل سعود مشروطة بالالتزام بالكتاب
والسنة ، وندرك أن مقتضى البيعة على الكتاب والسنة ؛ وندرك أن العدالة والشورى ، هما الشرطان
الأساسيان في أي بيعة شرعية ، كما نص الفقهاء كابن عطية وغيره ، وأن الدولة لا
يمكنها تحقيق العدالة من دون شورى ملزمة : إما (مباشرة) عبر تجمعات المجتمع الأهلي
ولاسيما المدني ، وإما (غير مباشرة) عبر مجلس النواب ( أهل الحل والعقد ). أي لا
يمكن أن يكون الحكم شورياً في الدولة الإسلامية الحديثة إلا إذا كان دستورياً،
الدستور الإسلامي موجزه أن السلطة للأمة وان الحاكم وكيل ، أليس هذا ما قرره ابن
تيمية رحمنا الله وإياه بقوله : " الأمة هي الحافظة للشرع" .
لعل ذلك لم يرق لمن سجنونا ، فقد جرت
التعهدات المألوفة في المباحث على أن تُملى على الراغب في الخروج من غيابة السجن ؛
عبارات غير مشروعة مضمونها : "أقر
بأنني أخطأت في حق نفسي وحق وطني وحق ولي الأمر ، وأنني أحدثت فوضى وبلبلة وفتنة ،
وأنني لن أعود إلى شيء من ذلك ، و أنشغل بتربية أبنائي عن الشأن العام ، لأكون
مواطناً صالحاً ". هل بمثل هذه التعهدات تستقر الوحدة الوطنية القائمة على
الشريعة ، هل بذلك جففت منابع العنف والغلو والتدخلات الأجنبية؟ تلك التعهدات
(تجرم) ما اعتبرته الشريعة (واجبا) مفروضا ، واعتبرته الطبيعة الإنسانية حقاً
مشروعاً ، هل هذه العبارات من تطبيق للشريعة التي قامت عليها الوحدة الوطنية ، أم
أنها من إجراءات التطليق ؟
ولأننا تعهدنا تعهداً شرعياً ، أرادوا حصر المسؤولية بنا ، على أساس أن
الموقعين نوعان: زعماء تبنوا الخطاب وهم هؤلاء الثلاثة ، والباقون موقعون عاديون ،
وهذا مخالف للحقيقة ، ولو كان صحيحاً لما كان جرماً ، بل هو واجب شرعي ، أو
مستحب أو مباح ، علي أقل تقدير .
[ 29 ]
10- من أجل ذلك قالوا لنا: سنسوقكم إلى المحكمة ، لقد هددوا مئات الصحفيين
والكتاب والدعاة بهذه المحاكم ، صار
القضاء شبحاً مخيفاً ، أمام المثقفين ، من
أجل ذلك تناجينا بالبر والتقوى و تساءلنا : لماذا لا نقبل التحدي؟ قلنا: لا مانع
لدينا ، وإن كنا لا نرغب في تصعيد الموقف إلى القضاء ، فإذا جرم القضاء المحتسبين
، تكون قد برأت ذمتنا ، لاسيما إذا أعلن القضاء دفوعنا كما أعلن اتهامنا.
[ 30 ]
خامساً :اجتماع فندق
الفهد اجتماع على خير مشروع أم على منكر محظور (القشة التي قصمت ظهر البعير) :
الدعوى:
قال المدعى العام (ص 3 سطر 23 و 24 و 25): "كما أفاد (أي الحامد)
بمشاركته في الدعوة والإعداد للاجتماع الذي تم في فندق الفهد كروان ، وأن إيصال
الدعوة قد كتب باسمه ، وأنه تم في هذا الاجتماع مناقشة أمور عامة تتعلق بالإصلاح
في البلاد "وقال أيضا (ص 1 ص 16 و 17 و 18):" وقيامهم بعقد اجتماعات
ومنتديات ، وإصدار وثائق لاجتماعاتهم ومن ذلك الاجتماع الذي عقد مؤخرا في فندق
الفهد كراون بمدينة الرياض في 15/01/1425ه ، وعزمهم على عقد اجتماع لاحق في
08/04/2004م"
[ 31 ]
الدفاع:
الأكارم أعضاء الهيئة القضائية:
1 ـ لم يعقد من الاجتماعات إلا اجتماع واحد ،
هو ما تم في فندق الفهد كراون في 5/1/1425ه ، فما هي الاجتماعات الأخرى؟
2 ـ المحاسبة على النيات: وقال: إننا عزمنا على عقد
اجتماع لاحق ، أين الدليل على العزم؟
وهل المحاسبة أيضاً تكون على نية عمل قادم ؟
3 ـ إصدار وثائق لاجتماعات: أين هذه الوثائق؟.
4 ـ الشريعة تقرر بصراحة ، وكذلك تنص المواثيق التي وقعتها الدولة ، على
أنه لا يجوز (تجريم) شيء لم تجرمه قاعدة قضائية ، ولا نجد في مدونة القضاء نصا
يقول : إن الاجتماعات في الفنادق - سواء أكانت ثقافية أو عائلية أو اجتماعية-
محظورة ، وليس في القواعد القضائية نص يقول إن الاجتماع للأمر بالعدل والنهي عن
الظلم ، يعاقب بكذا وكذا.
5 ـ ثم إننا تلقينا ضوءاً أخضر من الأمير عبدالعزيز بن فهد ، لأنه
هو الذي طلب منا تأجيل الاجتماع في رمضان ، وذكر لنا في منزل الدكتور توفيق القصير
في رمضان سنة 1424هـ أنما التأجيل موقوت برمضان ، وذكر أنه مستعد أن يحضر الاجتماع
، بعد رمضان أيضا ، فإذا كان الاجتماع جريمة ، فنحن إذا نطلب حضور الأمير عبد
العزيز بن فهد ، ليدلي بشهادته ، ونطلب حضور الملتقين به في منزل الدكتور
القصير لسماع شهادتهم.
[ 32 ]
6 ـ
(السند) أو (الإيصال) الذي ذكره المدعي العام، ليس سند دعوة ، بل (سند) وصل استلام
الفلوس وكتابته باسم (الحامد) أمر عادي ، والحامد على كل حال مفوض من إخوانه
بترتيب مكان اللقاء من قبل الداعين في الرياض ، وهم بضعة أشخاص ، ولم تجر العادة
أن يكتب وصل استلام أجرة عشاء في استراحة أو فندق بعدة أسماء .
[ 33 ]
سادساً : هل الكلام في القنوات الفضائية جريمة
سياسية لذاته أم بسبب أداته ؟
الدعوى:
قال المدعى العام ص 4 س 2 "كما أقر بإجراء مداخلة مع قناة
(LBC)الفضائية بتاريخ 9-10/ 1/1425هـ
[ 34 ]
الدفاع:
أطلب من المدعى العام أن يحضر نسخة موثقة من قناة (LBC)الفضائية ، أي أن يكون الشريط من مصدره الرئيسي ، إذا كان القاضي
يجرم ما نسبه إليّ المدعي العام في مطلع الصفحة الرابعة (السطر الرابع) حتى نهاية
السطر الخامس من الصفحة الخامسة.
لأن المدعي العام قام باقتطاع نصوص ، يحتمل أنه جردها من سياقها العام ،
والسياق اللغوي ضروري لفهم الفكرة ، والإنسان يمكن أن يخطئ حتى في فهم القرآن
الكريم ، إذا لم يرد المجمل إلى المفصل, والمطلق إلى المقيد, والعام إلى الخاص,
والمتشابه إلى المحكم.
وأفكاري صريحة في قنوات أخرى كبرنامج الجزيرة (الشريعة والحياة مايو 2003م)
وبرنامج (LBC) قبل شهر من البرنامج الذي اعتمد عليه ، وبرنامج ((ORBIT)) في الكويت ، وهى مشروحة في كتبي (معايير استقلال القضاء الدولية
في بوتقة إسلامية)، طبع الدار العربية للعلوم ، بيروت 1425هـ (2004م)، وكتاب
(ثلاثية المجتمع المدني) طبع الدار العربية للعلوم ، بيروت 1425هـ (2004م)، وكتيب
(استقلال القضاء السعودي. عوائقه وسبل تعزيزه) بحث ألقى في مؤتمر العدالة الأول ،
القاهرة 1423هـ (2002م)، وكتيب ( نحو دستور إسلامي , يجسد مفهوم الحكم الشوري
المعادل , بديلا عن الحكم الجبري الجائر، والعلماني الذي يدعي الخصوصية المفرط في الهوية
)، وقصيدة ( يسألني ياسر ما الدستور: الإسلام دستورنا).
والكتب سواء منها المخطوط والمطبوع متداولة حاضرة في الإنترنت ، والغامض
يرد إلى الواضح ، والتلميح يرد إلى التصريح ، والمتشابه -وهو موجود في كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم - يرد إلى المحكم.
فإذا كان الصريح وجهة نظر معتبرة ، فتجريمها جريمة ، ولو افترضنا انه غير صريح فالاتكاء على الظنون
والشبهات ، لا يتم على أساسه تجريم ، ولو افترضنا أنه خطأ صريح ، فإن دوافعه شريفة
. وليس ثمة قصد جنائي "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" وكما قال
الشاعر:
وعليّ أن أسعى وليـ س عليً إدراك النجاح
[ 35 ]
سابعاً : النهي عن
المنكرات السياسية واجب شرعي ، وتجريمه بدعة سلطانية نطالب القضاء بإثباتها على
وزارة الداخلية ؟
1- قال المدعى العام ص 3 س 2 " الغاية
ليست الإصلاح بل التأثير على الرأي العام"
2- وقال
"أن المتهمين يقومون بـمحاولة إلزام ولي
الأمر"
3- وقال "التدليس
على الناس بهدف التشويش على آرائهم وتأليبهم على ولي الأمر.
وتأليب الرأي العام المحلي والدولي ، لمصادمة
السياسة الشرعية لولي الأمر ، وتشكيل جماعات ضغط على الدولة ، وتزعمها".
4- قال المدعى العام ( ص 6 س 24 ): "الضلوع في المشاركة في تبني
العرائض المشار إليها وتزعم الموقعين عليها ، "ص 1 س 9" وتهيئة الحلول
لأنفسهم في التأثير على حكومة هذه البلاد ، وحملها على تحقيق مطالب وأهداف ومصالح
قاموا بتحديدها مسبقا ، ويزعمون أنها من الإصلاح ، ومحاولة إلزام ولي الأمر بها ،
وحث الناس على ذلك ، تتضمن في مجملها تهميش دور ولي الأمر".
[ 8 ]
الدفاع:
حضرات حراس العدالة :
1- ليتنا نستطيع: بضغطنا السلمي ، ومجتمعنا الأهلي ، أن نحمل الدولة على تعزيز العدالة وتعزيز
الشورى الشعبية الملزمة ، إذن لحققنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم
"لتأطرنهم على الحق أطرا ، ولتقصرنهم عليه قصرا ، أو ليخالفن الله بين
قلوبكم". ولسحبنا البساط من تحت أقدام حركات العنف وحركات الإصلاح
الانقلابي . إذن لرسخت العدالة والشورى في
الدولة .
ودعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي ؛ لم يقدموا أنفسهم أوصياء على
الشعب ، بيد أن بعض الأمراء لم يألف من المواطن المطالب السياسية ، فاعتبر كل
عدل وشورى وإصلاح تشويشاً على الناس ،
وإساءة إلى سمعة الدولة ؟، حتى لو كان صوتاً لا يهش ولا ينش ، دعوة الإصلاح إنما
هي توحيد لجهود الإصلاح السياسي . وهي إنجاز يحسب للمثقفين الذين التقوا على قواسم
مشتركة تصب في مصلحة المجتمع والقيادة . هل الذي لا يشوش على الدولة ، أن ينفرد
الإسلاميون بخطاب ، والسلفيون بآخر، والإخوانيون بثالث ، والأشاعرة برابع والشيعة
بخامس، والقوميون بسادس واللبراليون بخطاب سابع ، ثم يثور بينهم الصراع والصداع.
على أن دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي قالوا : هذا رأينا ولم
يلزموا الدولة ، وليس لهم سلطة معنوية تسمح لهم بالإلزام ، فكيف يعد ذلك
تأليباً على ولي الأمر؟؟.
2- والحكومة لديها أجهزة إعلام ضخمة ، فكيف تعتبر بيانات لم يوقعها أكثر من
ألف شخصية إلزاما للدولة بتحقيق مطالب معينة ، أو محاولة لإلزام الحكومة بذلك. هل
التأثير في الرأي العام ، حق خاص بأجهزة الحكومة من إذاعة وتلفاز وصحف.
والتأثير في الرأي العام مسألة طبيعية ، فوسائل الإعلام هدفها الإخبار
والتأثير ، فلماذا يحجر على هؤلاء ، أن يسعوا إلى التأثير على الناس؟ هل في
خطاباتهم محذورات ، تسيء إلى استقرار قيام الدولة على الشريعة !
[ 37 ]
3- إنهم أفراد عزل يطالبون بتعزيز العدالة والشورى، يخشى المدعي العام من
تأثيرهم على الناس ، لأنه يريد دعاة العدل في قسمة المال والمناصب و الشورى في
الإدارة السياسية معزولين ، " لا
يجدون على الخير أعوانا"، لكي تتراكم الديون ويتفاقم الفساد السياسي و
الإداري ، وننتظر الإصلاح بضغوط الهيئات الدولية ( كمنظمة الجات ) أو ضغوط الدول الكبرى .
ونود أن نسأل المدعي العام ، هذه الأنظمة العدلية: نظام الإجراءات
الجزائية ، ونظام المرافعات ونظام المحاماة ، وهيئة التحقيق
والإدعاء العام التي أنشئت قبل أمس ، واللجنة الحكومية لحقوق الإنسان
التي أنشئت اليوم ، هل اكتشفت القيادة ضرورتها فجأة ، بعد أكثر من نصف قرن على
إنشاء الدولة؟ أم أنها أنشئت استجابة لمطالب دعاة الإصلاح السياسي منذ حرب الخليج
، الذين نالهم الأذى عامة والذين فصلوا من أعمالهم خاصة ، والمجاهدون المدنيون
الذين طالبوا بحرية التعبير والرأي المشروعة فذاقوا ويلات السجون ؟ أما أنها بسبب
الضغوط الأجنبية ، ورياح التغيير الإقليمية والعالمية ، فإن كانت بسبب الضغوط
الأجنبية ، فلماذا تسمح الدولة للهيئات الدولية أن تضغط وتؤثر ، وتحرم على
مواطنيها ، الذين هي لهم وكيل يعبر عن إرادتهم.
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس ؟
وإن كانت بسبب جهاد دعاة الإصلاح السياسي ، فلماذا تقمعهم وهم في مطالبهم
يتأسون بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوة الآمرين بالمعروف والناهين عن
المنكر ، في تلك الوظائف المقدسة في الدعوة والشهادة والبشارة والنذارة والإعلان ،
التي تصت عليها سورة الأحزاب (( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً
وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا))
[الأحزاب:46] إذ لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فالرسول خاتم
الأنبياء والعلماء المصلحون ودعاة القسط من الناس هم ورثة الأنبياء ، نسأل الله أن
يجعلنا منهم.
[ 38 ]
4- المدعي العام يجرم من دون نص نظامي أو شرعي : المدعي العام يجرم من
دون نص قضائي على الجرائم والعقوبات ، ونسي ما نصت عليه المادة (38) من النظام
الأساسي للحكم بقولها "... ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص
نظامي.." وقد جاء هذا النص تأسيساً على قوله تعالى "وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولاً" (الإسراء آية 15) وقوله "وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث
في أمها رسولاً يتلوا عليهم آياتنا" (القصص ، آية 59) ومؤدى مبدأ شرعية
الجرائم والعقوبات في الشريعة الإسلامية أنه لا يجوز توقيع العقاب على أي شخص ؛
إلا عن فعل قد تم النص على تجريمه بشكل محدد قبل ارتكاب الفعل ، وهو ما يسمى بمبدأ
( التنبيه والاستجابة ) ، أي الإنذار والتحذير من جانب السلطة ، ثم الاستجابة من
جانب المكلَّف ، فلا حكم ولا تكليف قبل ورود النص المجرم للسلوك تجريماً محددا ،
حتى يتمكن الأفراد من معرفة الأفعال التي تعد محظورة ، و يسعوا إلى تجنبها.
وباستقراء لائحة الدعوى العامة التي قدمها المدعي العام نجد أن جميع التهم
الواردة فيها تخالف مبدأ الشرعية المشار إليه أعلاه ، حيث لم يرد نص ، لا
في الشريعة ولا في الأنظمة ، يجرم ما قمت به
خاصّة . وما قام به دعاة الدستور
عامة .
5- بل إن المدعي العام فعل ما هو أسوأ من
ذلك فهو يجرِّم ما أوجبته الشريعة أو استحبته أو أباحته على أقل تقدير ،
فدعوى الإدعاء فيها مخالفة صريحة للمقاصد الإسلامية الكلية ، التي دلت
عليها الأدلة الخاصة ، كقوله تعالى "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير
..."، أو الأدلة العامة كقوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"،
والإسلام لم يقل يا أيها الفقهاء ، ولا يا أيها الأمراء مروا الناس بكذا وكذا ، بل
الخطاب جاء للأمة ، وفى ذلك دليل على أن الأمة مخاطبة بهذه الأوامر ومسئولة
بجميع أفرادها عن القيام بذلك كما نص الفقهاء كابن تيمية ، ومنوط بها تنفيذ شرع
الله ، واتخاذ الوسائل المناسبة لذلك ، يؤيده ويبينه الدليل العملي الصريح في
تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كان المصطفى يشاور الناس في كل أمر هام
وعام . . . ومن أجل هذا فإن تأثير أهل
العلم والثقافة في المجتمع مما يحقق المصلحة العامة للأمة فهو أمر محمود ، مشروع
على العموم، بل هو واجب على الخصوص.
[ 39 ]
6- اختلطت الرؤية على المدعي العام في الفرق بين التيار الفكري والتيار
السياسي ، التيار الفكري سلاحه القلم والكتابة ، والتيار السياسي سلاحه
التنظيمات السياسية ، والقيام بالمظاهرات والاعتصامات ونحو ذلك ، ونحن لم ننشىء
تنظيماً سياسياً ، نحن مجموعة من أساتذة الجامعات والفقهاء ، والمفكرين
والمثقفين ، مختلفون في المشارب والثقافة والخلفيات الاجتماعية والمناطقية وغيرها
، نحاول رسم خط فكري ، للإصلاح السياسي ، ولذلك أطلق بعض الإخوة على هؤلاء :
" دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني" هؤلاء الدعاة همهم تأصيل هذا
الموضوع فكريا ، بالإسهام بترسيخ ثقافة المجتمع المدني قيماً ونظماً (مؤسسات رسمية
وأهلية) منبثقة من الشريعة الإسلامية نصوصاً واستقراءا ، يؤلفون الكتب والأبحاث ويكتبون
المقالات ، وهم في القنوات الفضائية كغيرهم ، ليس هناك من لقاء خاص بهم ، بل هم قد
اشتركوا مع أعضاء من مجلس الشورى ورؤساء صحف ، وعرضوا آراءهم في الصحف والقنوات
والإنترنت ، وقد عارضها رسميون موظفون وآخرون مستقلون ، وصوتهم ضعيف ، لا يصل إلى
واحد في المئة من أصوات الرسميين ، فلما ذا كل هذا التكبير من حجمهم وحجم اتجاههم
؟
[ 40 ]
ثامناً: إلى متى تضرب
السلطة دعوات الإصلاح السياسي – ولاسيما دعوة الدستور الإسلامي - بسلاح يلبس لباس الدين ؟
أليست العدالة والشورى هما مقتضى البيعة على الكتاب والسنة ؟ أليس مصطلح الدستور
الإسلامي ، هو الضابط للعدالة والشورى ، فهو لهما كالتعريف الجامع المانع .
امتلأت مذكرة المدعي العام ، بعبارات مضمونها أن دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي ، قاموا بما يسئ إلى
الدولة أو إلى الوحدة الوطنية القائمة على الشريعة.
1- فقال في( ص 7 س 8 ) : "التشكيك في
نهج ولي الأمر وكيان الدولة ، القائم على تطبيق الكتاب والسنة".
2- وقال في ( ص 7 س 3 ،و 5 ) : "تأليب الرأي العام المحلي والدولي
لمصادمة السياسة الشرعية لولي الأمر" ، " والتشكيك في المبادئ الشرعية
التي تقوم عليها بلادنا "
3- وقال في ( ص 7 س 7 و 8 ) : "وكل هذه الأمور تؤدي إلى الإساءة إلى
سمعة الدولة وعصيان ولي الأمر والخروج عليه"
4- وقال المدعي العام في ( ص 8 س 10 و 11 )
: " ما قام به المذكورون مخالف لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم من وجوب طاعة ولي الأمر "
5- وقال أيضا في ( ص 8 س 15 و 16 ) : " ما أقدم عليه المذكورون محرم ومعاقب
عليه شرعاً ونظاماً "
[ 41 ]
يا فقهاء الشريعة:
الدفاع:
1- خطابات الإصلاح عامة -ودعوة الدستور والمجتمع المدني الاسلامي -إنما هي
خطاب إسلامي على العموم ، بل سلفي على الخصوص في المنهج كسائر الدعوات والحركات
السلفية ، التي تقدم من صيدلية القرآن والسنة ما يعالج التحديات ويحل
المشكلات ويراعى المتغيرات والمعطيات في كل عصر ومصر
وهو لمصلحة الأسرة الحاكمة خاصة ،
ولمصلحة الشعب عامة ، فكيف يكون إخلالاً بطاعة الحاكم إنه دعوة إلى المرحلة
الوسطى، بين النموذج الأعلى للحكم الشوري العادل الراشد الذي جسده الرسول صلى الله
عليه وسلم الذي هو معيار الحكم في الإسلام ، والنموذج الأدنى للحكم الجبري الجائر
الذي جسده الحكم الجبري الجائر أموياً وعباسياً وعثمانياً وطوائفياً. دعاة الدستور
والمجتمع المدني الإسلامي ، لا يرغبون في القفز فوق الواقع ، ولكن لا يريدون
الاستمرار في الوقوع في مستنقع الواقع ، عبر التقنع بقميص فقه الضرورة وسد الذرائع
، الذي فوت على الأمة كبريات المنافع.
2- صيغة ارتباط الحكم بالعدالة ، هي الصيغة التي تبناها الشيخان محمد بن عبدالوهاب
ومحمد بن سعود ، فوجه الوهابية السياسي هو أنها مقاربة لإقامة الحكم الوسط ، بين
الخلافة الراشدة وخلافة الجبر الجائرة ، ولذلك رفض الشيخ محمد بن عبدا لوهاب ،
استئثار آل سعود بالمال ، ورفض هدر المال العام رفض أن يأخذ الأمير محمد بن سعود عشر ثمار أهل الدرعية
، وقال : سيعوضك الله خيراً.
ولكن مسألة الشورى ، لم تكن ركناً أساسياً في الحكم ، جرياً على نهج
المصلحين الذين تبينوا نظرية " المستبد العادل " لكن التاريخ أثبت أن
الشورى هي أساس العدالة ، وعلى هذا ظهرت الدولة الحديثة . بحيث أصبح من الضرورة
العودة إلى الفقهاء الذين نصوا على اشتراط العدالة والشورى في البيعة . فهما مقتضى
البيعة على الكتاب والسنة .
[42 ]
2-
وآل سعود اليوم مطالبون بتعميق شرطا البيعة على الكتاب والسنة
، وتجديد آلياته ، فالولاء لهم ولاء مؤسسي
، الولاء المؤسسي لإقامة الشريعة في شقيها الروحي والمدني ، وأبرز ما في
الشق المدني ، هو العدالة والشورى، وهما شرط في البيعة عند فقهاء السياسة
الشرعية . أما الولاء الشخصي فسيكون عبادة
لأرباب وأسياد ، وتضييعاً للعباد والبلاد ، وترسيخا للاستبداد ، وفتحا لأبواب
البلاد للاستغراب والانسلاب؛ ليس ولائي شخصياً ولا أظن ذلك ولاء أحد من الألف
الذين وقعوا مطالب الإصلاح ، ولاؤنا وطاعتنا ، وفق مبادئ الإسلام ، التي
قررت أن العدالة والشورى هما مقتضى البيعة على الكتاب والسنة .
وأهم مبادئ الإسلام في شقه المدني هي العدالة والشورى، وقد أدرك الإصلاحيون
أهمية هذا المعنى: الصيغة الوسطى، من دون قفز في الولاء ، وأهمية دعوة الدستور
والمجتمع المدني ، من أجل ذلك تكاثرت توقيعاتهم على الخطابات من كافة الأطياف ،
توقيعاتهم تعلن مقولة إصلاحية: "لنتفق على الأساسيات ، وليعذر بعضنا بعضاً
في الثانويات"، الأساسيات هي : الدستور والمجتمع المدني في بوتقة إسلامية.
ما قاله دعاة الاصلاح ليس ذلك قفزاً في الظلام ، ولا إفتئاتاً على الإسلام
، بل هو المحجة البيضاء التي عرفتها الأمم في جميع البلدان اليوم ، وليس ذلك
مفضياً إلى الخروج على الإمام ، إن دعاة الإصلاح من خلال دعوتهم أحرص على استقرار
الحكم ، من بعض أفراد العائلة الحاكمة ، الذين يسيئون الإدارة ويستبدون بالقرار ،
ويضيعون أموال الشعب.
[ 43 ]
4- تيار المطالبة بالدستور الإسلامي ضامناً لحقوق الناس وحرياتهم المشروعة
أزعج بعض الأمراء لماذا ؟
لأنه حدد مشكلة الدولة العربية ، منذ عهد بني أمية حتى الآن ، بأنها
الاستبداد الناتج عن تمازج الذهنية الصحراوية بالكسروية ، و حدد الحل بأنه الحكم
العادل الشوري ، الذي لا يقفز على وقائع التضاريس ، الهدف والوسيلة واضحان في
خطاب الرؤية ، ولعل لدى المدعي العام غموض ناتج عن الإيحاء ، بسبب كوني
مشاركاً ثانوياً محاصراً في القناة ، إذ لم تسمح محطة الرياض أن أظهر في الشاشة ،
كما ظهر المحاور الثاني في استديو الرياض ، بل انحصرت مشاركتي بالتعليق عبر الهاتف
. فلم تتضح له المصطلحات والمفاهيم ،
ويمكن معرفة رأيي بوضوح في محاضرتي التي ألقيتها في جامع بريدة الكبير قبل
بضع عشرة سنة : رجب : 1413هـ (1993م) بعنوان (المشكلة والحل) التي طرحت فيها الحل
الأوسط للدولة العربية ، والمحاضرة قد نشرت بهذا العنوان. بيروت ، الدار العربية
للعلوم 1424هـ (2004م) موجز الكلام أن
العدل والشورى أساس الحكم ، فهما إذن من
أصول الدين ، لأن ما يترتب عليه مصالح كبرى للأمة ، معدود في أصول الدين ، كما قرر
فقهاء المقاصد الشرعية كالشاطبي ، ومن أنكر ذلك فعليه البرهان .
والدعاوى إن لم يقيموا
عليها بياناتٍ أصحابُها
أدعـيـاءُ
نحن نطالب بتعزيز الحقوق واستقلال القضاء ، واتخاذ خطوات جدية في سبيل
الحكم العادل الشوري ، و الحكم الشوري له مبادئ وله هياكل ، عندما نقول الإسلام هو
الحل ، أو تطبيق الشريعة هو الحل ، ألا ينبغي أن نعيِّن التفريعات والآليات ، وأن
نحدد المبادئ ؟
[ 44 ]
5- وأهم المبادئ هي : أن المخاطب بتنفيذ أحكام الشريعة هي الأمة ،
فالقرآن لم يقل : يا أيها الفقهاء ولا يا أيها الأمراء ، حتى في مسألة البغي على
السلطة خاطب الأمة ، فالأمة أدرى بمصالحها العامة ، في سياستها مع الأمم الصديقة
والشقيقة والعالمية ، وفي شئون اقتصادها ، زراعة وصناعة وتجارة ، وفي أمور التربية
المدرسية ، والتربية الاجتماعية وفي التقنية والتصنيع وفي الإدارة العليا والوسطى
والدنيا ، فالأمة هي المكلفة بحفظ الشريعة ، كما صرح ابن تيمية في الفتاوى ، ولم
يأت نص واحد يصرح أو يلمح أن الفقهاء أو الأمراء وحدهم ، أدرى بمصلحة الأمة ، بل
جاءت النصوص تقول للناس كافة ليس للمسلمين وحدهم ، أنتم أدرى بشئونكم ، بل أن
القرآن طالب العامة بمراقبة الخاصة ، وحذر من الانقياد للفقهاء والأمراء دون دليل
، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال
الناس بالباطل) ، ولذلك عقد الشيخ محمد بن عبدالوهاب لذلك فصلا في كتاب التوحيد
فقال : "باب من أطاع الرؤساء والعلماء في غير طاعة الله فقد اتخذهم أربابا
" ، وساق حديث عدي بن حاتم الشهير في تفسير الآية ، ووضّح هذا المفهوم عديد
من المفسرين والفقهاء كابن تيمية والرازي.
6- دور الحاكم العادل في الأمة أنه وكيل لها ، وليس وكيلا عليها ،
فليست الأمة قاصرة أو سفيهة ، ليتوكل عليها ، وليمسك بيديه أزمة السلطات
الثلاث:تنفيذية وتشريعية وقضائية ، والأمة هي ولية أمر نفسها فيمن تختاره ، ومن
أجل ذلك تأتي فكرة توزيع السلطات إلى ثلاث .
ومن أجل ذلك فإن الإسلام من خلال تركيز مرجعية الأمة لا الحاكم قرر أن
الحاكم إنما هو "سلطة تنفيذية" للشريعة وللأمة ، ليس مرجعية لا للتشريع
ولا للقضاء، ولا للأمة . كما نص الفقهاء كابن تيمية والرازي والنيسابوري ومحمد
عبده ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار . ونظام الحكم السعودي لم يعبر عن هذا الأمر
بصورة كافية ، بل عبر بما يدل على خلافها تارة ، وما يوحي بخلافها تارة أخرى . وفي
الأنظمة التي أصدرتها الدولة أدلة وافية فضلاً عن التطبيقات، وقد شرحت ذلك في
كُتيب : ( استقلال القضاء السعودي: عوائقه وكيفية تعزيزه )
[ 45 ]
7- كيف تستطيع الأمة أن تضمن أن يكون دور الحاكم تنفيذا لإرادتها
ومرجعيتها، ما لم تكن وسيلة ذلك هي الشورى الجماعية الملزمة ، التي تنازل لها
الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأيه ، في مواقع كثيرة أصرحها في غزوة بدر وأحد
والخندق ، فإذا كان إجراء الشورى ابتدءاً ونتيجة ، واجباً على نبي معصوم ، فكيف لا
يجب على خليفة أو ملك.
والشورى الجماعية مقصد من مقاصد الإسلام القطعية الكبرى، ولا يسهل في
الدولة الإسلامية الحديثة أن تتجسد الشورى الجماعية الملزمة ، في الأمور الثانوية
بصورة مباشرة إلا عبر الاستفتاء العام وعبر الجماعات الأهلية ولاسيما المدنية .
ومن أجل ذلك تلجأ الدول العادلة إلى الأساليب غير المباشرة في الأمور
الثانوية عبر المجالس البلدية والمناطقية
، أما في الأمور الأساسية فلا تتجسد الشورى الشعبية إلا بقيام مجلس لنواب
الأمة ، يمثل إرادة الأمة وسلطتها في تنفيذ أحكام الشريعة . هذا المجلس هو التطبيق
المناسب اليوم لمفهوم "أولي الأمر" الوارد في موضعين من سورة النساء ،
فأولوا الأمر هم الذين يجمعون مثلث القوة النيابية : معرفية وأخلاقية واجتماعية ،
وبذلك يصبحون متبوعين ، في الرأي والدهاء والفضل والخبرة والعلم ، وأهل الرأي
والدهاء والخبرة والعلم والفضل .
أولو الأمر ( في القرآن ) ( وفي التراث )
هم أهل الحل والعقد ، فهم وحدهم إذن الذين يجسدون إجماع الأمة ، إنهم أهل العقل والرأي الذين يهتمون بأمر الناس ،
ويعملون بإخلاص لمصلحتهما ، هذا ما صرح به ابن كيسان وقرره النيسابوري والفخر
الرازي والتبريزي وغيرهم ، وقال بمقتضاه ابن تيمية وابن عاشور ، وعدد من التابعين
كعكرمة ومجاهد .
وهو مقصود من فسّر ( أولوا الأمر ) بالفقهاء والعلماء كأبي العالية وابن
عباس وجابر بن عبدالله ومالك بن أنس وأبي بكر المزني وابن نجيع والضحاك والحسن
البصري وعطاء ، والنسفي والسيوطي والبغوي ، وجسده الرسول صلى الله عليه وسلم في
تصرفاته .
الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يكوّن هيئة من حفاظ القرآن ، للبت في قرارات الحرب والسلم الكبرى ، بل
شاور الأمة ، وصدر عن الأمة في كل تصرفاته الكبرى ، وقبِلَ معارضة الأفراد
والجماعات ، واخذ برأي الأغلبية يوم أحد ، رغم أن نتيجة الحرب كانت هزيمة ،
فالمشاورة واجبة ، والالتزام برأي الناس -فيما يخص شئونهم- واجب .
وأولو الأمر – على كل حال-ليسوا
الحكام وليسوا الفقهاء وحدهم ، بل هم أصحاب البصيرة والرأي الثاقب والتجربة
والخبرة ومنهم الفقهاء ، وهذا معنى آية الطاعة في سورة النساء ، لأن الآية الأخرى
( آية الاستنباط ) ركزت على وصف أولي الأمر بالاستنباط ، والاستنباط عقل وذكاء
ودهاء وعلم ، فالقرآن يفسر بعضه بعضاً ، وأشارت آية الطاعة إلى أناس بجانب الرسول
وهم موجودون والرسول موجود ، ومن نماذج ذلك السعدان : سعد بن عبادة وسعد بن معاذ ،
وسلمان الفارسي والحباب بن المنذر وأبو بكر وعمر .
واختيار أهل الحل والعقد ، يمكن أن يكون بالتعيين ، لو كان الذي يقوم
بالتعيين نبي معصوم ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يعين فلم يقل
للأنصار غيروا السعدين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ ، وضعوا بدلاً منها أبا بكر وعمر
، بل اتبع رأي المتبوعين ، وهذا ما اشترطه ابن تيمية في مفهوم أولي الأمر أن
يكونوا متبوعين ، بيد أن الرازي والنيسابوري بينا أن مناسبتي الآيتين تحددان
المفهوم بإجماع الأمة ، وتبني رأيهما الشيخان محمد عبده ومحمد رشيد رضا ، وفقهاء
السياسة الشرعية ، في العصر الحديث، إذن لمجلس النواب حق المحاسبة والمراقبة ،
باعتبار النواب تجسيداً لسلطة الأمة ومرجعيتها، وقد شرحت ذلك في كتابي (نحو دستور
ومجتمع مدني إسلامي ) بديلاً عن الحكم العربي المفرّط بالعدالة ، والدستور
العلماني المفرط بالهوية ، وكل يؤخذ من
كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر ، وكما قال ابن القيم:
العلمُ قال اللهُ قال
رسولهُ قال الصحابةُ هم أولو العرفانِ
[ 46 ]
9- هل الوحدة الوطنية التي يقولون إنها قائمة على الشريعة ( ظاهراً ) ، لا
تحتاج إلى تعزيز؟، هذا العنف الذي دخل فيه الآلاف ، وهذه المعارضة
في الخارج التي تشد إليها الملايين وينضم إليها عشرات الألوف ماذا تدل عليه؟، وكل
ما ذكره الإصلاحيون الألف في خطاباتهم ، إنما ينصب على دعم الوطنية القائمة على
الشريعة .
ليت المدعي العام يتفضل ببيان المخالفات الشرعية ، التي جاءت في
خطابات الإصلاح السياسي ، إذا كانت المخالفة لنصوص الشريعة ، أما إذا كانت مخالفة
لأقوال بعض الفقهاء ، ولم يدعمها المدعي بنصوص
قطعية فلا عبرة بها ، لأنها مخالفة للآية (58) من سورة النساء وغيرها من
الآيات والأحاديث ، أفلا يسعنا أن نجتهد كما اجتهدوا ، وخلافنا لبعض الفقهاء في
هذه المسائل ، لم نقل به وحدنا ، فهو من الخلاف المعتبر ، ومن المعروف كما قرر ابن
تيمية وغيره أنه ليس للحكومة أن تجبر الناس على الالتزام باجتهادها ، والحكومة
تملك من الوسائل ما ترد به على دعاة الدستور والمجتمع الاسلامي ، وتكويناته
الأهلية ، فلماذا جرمت الحكومة دعاة الدستور وأدخلتهم غياهب السجون ؟ وأخرتهم هيئة
التحقيق والادعاء العام خمسة شهور عن المثول أمام المحكمة ، ولماذا أصرت على أن
يحاكموا سراً ؟ وكيف لازال لم يكتشف
القضاء الجهة المختصة بالنظر في القضية حتى مرور حوالي عام من سجننا ؟ ولماذا توقفنا الحكومة في السجون ، في قضية نصت
الأنظمة على أنه لا توقيف فيها إلا بحكم قضائي ؟ لماذا تدع علينا أمام القضاء ونحن
طلقاء وتترك للقضاء تقدير التجريم والتأثيم والتحريم ، فإن قرر القضاء سجننا
سَجَنت ، وإن برأَنا قبِلت ؟
[ 47 ]
تاسعاً : الحصانان
المتباريان أيهما يسبق : الدستور الإسلامي الذي يضمن حقوق الشعب والعدالة والشورى
أم تفاقم المشكلات وانفلات الأمور ؟
الدعوى:
1- قال المدعى العام عني (ص 4 سطور 1 ـ 3):
"كما زعم بأن غياب المجتمع المدني أدى إلى الصراعات الدموية ، وأن عدم الأخذ
بما طالب به ورفاقه من إصلاح مزعوم ، قد يؤدي إلى الفتن أو الفوضى أو الحروب
الأهلية".
2- وقال المدعي العام (ص 5 س 4 و 5) أيضاً:
"محاولة السعي إلى إثارة الرأي العام ، بتأييد العمليات الإرهابية ، كخطوة
تمهيدية للإصلاح حسب زعمه".
3- وقال المدعي العام أيضاً: (ص 15 س 13 و
14): "حاملاً عبر حديثه مضامين باطلة ، في دعوة الناس لتأييد الأحداث
الإرهابية ، كأداة من أدوات الإصلاح".
4- وقال أيضا عنا جميعاً ( ص 7 س 2 ) :
" إثارة الفتن ، وتبرير العنف والإرهاب"
[ 48 ]
الدفاع:
يا حضرات القضاة : تقوا الله وانصفوا القائمين بالاحتساب السياسي الآمرين
بالمعروف والناهين عن المنكر :
1- هناك فرق بين تبرير العنف وتفسيره
لم يحط به المدعي العام علما ، فالذي يبرر العنف
يؤيده ، هو الذي يقول بعبارة محددة قاطعة صريحة : إن العنف هو الحل أمام انسداد الأفق ، فما دامت
الدولة العربية تستخدم العنف ، فإنه لا سبيل إلى إصلاحها إلا بالعنف نفسه ، بنفس
الأدوات التي بها تجبر الناس ، إذا كان الحاكم
يستخدم العنف من أجل السيطرة على مصير الشعب والتفريط بمصالح الأمة ، وهدر
أموالها ، فإن سبيل إصلاحه الوحيد هو العنف. أي كما جوز للحاكم لنفسه استخدام
العنف من أجل الاحتفاظ بالسلطة ، يجوز للشعب استخدام العنف من أجل الوصول
إليها ، مثل هذه المقولة تعتبر تبريراً للعنف. فليثبت عليَّ المدعي العام مثلها.
وأنى له ذلك ، لأنني صريح في رفض العنف : خلاصة كلامي: حتى إذا
استخدم الحاكم العنف من أجل الاحتفاظ بالسلطة ، لا ينبغي استخدام العنف من أجل
إصلاح السلطة لأسباب جوهرية ، أهمها أن التغيير الذي يقع بالعنف يمكن الانقلاب
عليه بالعنف ، وأن الأسلوب المضمون للإصلاح هو العمل السلمي الذي يرسخ مبدأ الصراع
الرمزي المأمون العواقب ، بدلاً من الصراع الدموي الذي يعرض البلاد والعباد
للمخاطر . هذه الفكرة التي شرحتها ودللت على فوائدها ومشروعيتها في عديد من كتبي ،
منذ سنة 1412هـ (1993م) أكتب ضد العنف ، ورأي واضح صريح مشروح في كتاب (البحث عن عيني الزرقاء) طبع الدار
العربية للعلوم ، بيروت ، 1424هـ (2003م)، و لاسيما في الكُتيّب المنتشر مخطوطاً
منذ عام 1413هـ (1993م) الكلمة لا الرصاصة. الذي طبعته الدار العربية للعلوم ،
بيروت 1424هـ (2003م)، وكتيب (للإصلاح هدف ومنهاج) الدار العربية للعلوم ، بيروت
1425هـ (2004م). وأنا عند المثقفين
والناس العاديين ، في داخل البلاد وخارجها ، مِنْ مَنْ قرأوا بعض كتبي أو مقالاتي
في جريدة (الحياة) من دعاة المجتمع المدني الإسلامي منذ حرب الخليج سنة 1411هـ فكيف
يفهم المدعى العام النصوص على مزاجه وهواه ، ولو افترضنا أنه فهمه ممكن لكان
غير محتمل ، لأن لازم القول ليس بقول ، على ما قرر الأصوليون.
[ 49 ]
2- أما تفسير العنف والغلو ، مسألة في علم الاجتماع السياسي ، فإن علم
الاجتماع السياسي يقول-وليس أنا- : إن
أي بلد يفتقد فيه الناس الحد الأدنى من الكرامة والعدالة ، لابد أن يعاني من أزمة
ثنائية الفقر والقهر التي هي سبب الاختلال في أي بلد.
والاختلال يصيب غالب الناس باللامبالاة والتسيب والإهمال ، فتفسد الإدارة
وتكثر الرشوة ، ويتهاون الناس بالنظام العام ، ويصبح الناس كالرعية المنساقة من
دون إدراك ، وعند اشتداد الأزمة تظهر حركات التمرد الإيجابي والسلبي
والتمرد نوعان: ارتدادي على الذات يفجر فيه الناس مشكلاتهم على ذواتهم ،
وهذا يفسر كثرة الأمراض البدنية والنفسية ، كالسكري والضغط والسرطان ، والكآبة
ونحوها ، والانتحار ، وحوادث السيارات والتفحيط واللجوء إلى الخمور والمخدرات.
ونوع هجومي وهو نوعان: عسكري يفجر فيه المتمردون تمردهم على المجتمع عن
طريق مواجهة السلطة بنفس أدواتها المادية والعسكرية ، وهذا يسمى الخروج على
الدولة وهناك تمرد سلمي مشروع ، في المجتمعات الواعية ، وهو أن ينشط دعاة
الإصلاح السلمي ، لتحديد المشكلات ، وتحديد الحلول ، ويقوم الناس بالتعاون على
البر والتقوى حتى يتعزز صلاح الدولة .
[ 50 ]
3- وعبدالله الحامد من دعاة الدستور والمجتمع الإسلامي الذين كرروا في
خطاباتهم: إذا أرادت الدولة أن تسحب البساط من تحت أقدام أهل الغلو والعنف ، فآلة
ذلك هي السماح للناس بالكلام والتعبير والتجمع السلمي ، لكي لا يكون الكلام
والتجمع في السراديب وراء الكواليس فينتج الغلو والعنف ،وبعبارة لافتة إذا
أردنا أن نقول: لا للعنف والغلو ، فلنقل : نعم للإصلاح الدستوري ، ولنقل
لنشوء جمعيات المجتمع المدني: نعم.
الحل البوليسي لا يكفي فهو (فالأنومبا) أو حالة انسداد الأفق ، هي ناتج
طبيعي في مزارع الفقر والقهر ظهور العنف طبيعي كـ(الثيِّل) الذي ينمو في أحواض
النخيل والأشجار ، يمكن أن يحصد اليوم بالسلاح ، لكنه ينبت غدا بصورة أكبر وأكثر ،
ما دامت الجذورْ حية و الماء ساريا ، ما سبب العنف والغلو؟ السبب الأساسي المكون
سياسي ، إنه الفقر والقهر ، اختلال العدالة والإدارة وتفاقم الفساد ، والسبب
الملون أو الثانوي يتوسل بخطاب ديني
هذا ما قلناه عموماً ، وقلته خصوصا ، وشرحته أيضا في كتيب (ثلاثية المجتمع
المدني) بيروت ، الدار العربية للعلوم ، 1425هـ (2004م).
4- وعلم الاجتماع السياسي أيضا يقول: إن بلدنا إذا تأخر في الإصلاح السياسي
، و لم تأذن الدولة بظهور التجمعات الأهلية ولاسيما المدنية ، معرض إلى الفتن
الداخلية ، واضطراب حبل الأمن ، والتدخلات الأجنبية.
علم الاجتماع السياسي التطبيقي يقول: إن غياب تجمعات المجتمع المدني الأهلية
، وفقدان حرية التعبير المشروعة هو الذي أدى إلى الصراعات الدموية وليس أنا.
[ 51 ]
5- في مذكره (دعوة الدستور
الإسلامي"سداد" ) قلنا : إن
الناس لن تستجيب لأفكار الإصلاح السياسي ، ما لم تحدث أزمة حادة هذا ما يقوله علم
الاجتماع السياسي وليس أنا0
السؤال :أما ترون الأزمة الحادة؟ حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة
، والتدخلات الأمريكية في أفغانستان والعراق ، والعنف الذي ضرب بلادنا
، والضغوط الأجنبية في بلادنا ، كل هذه الأمور أليست تعبيراً عن أزمة حادة ؟
فإذا كانت هذه الحقائق لا تروق لبعض الناس ، فليمنعوا تدريس علم المجتمع
السياسي ، وعلم التغيير الاجتماعي في الجامعات ، وليفقئوا عيون زرقاء اليمامة
، هل يريد المدعي العام أن نغمض عيوننا ونقول عن الكوارث التي تطل بقرونها ،
وتهددنا بالحرب الأهلية أو التقسيم أو العلمنة والإمبريالية : "هذا عارض ممطرنا".
[ 52 ]
عاشراً : المدعي
العام يهاجم المجتمع المدني والدستور
الإسلامي ، فهل أحاط بهما علماً ؟
إن من الواضح أن المدعي العام ، ليست له ثقافة كافيةفي الفقه السياسي
والدستوري ، فهو ينطق المِلكية الدستورية (بكسر الميم) فالمَلكية الدستورية تحولت
إلى (مِلكية) بكسر الميم ، لعل سبب ذلك أن مصطلح (المِلكية) يكثر تداوله في كتب
الفقه العباسية ، إذن لماذا يدين نقدنا التراث العباسي؟ وهو ثانياً يقول :
المجمَّع المدني (بتشديد الميم)، وكأننا أمام مجمّع تجاري ، فهو معذور إذا لم يعرف
مضمون المصطلح ؟ وهو ثالثاً : يخلط بين مصطلح (ولي) الأمر و (أولي) الأمر ،
يظُنهما من أصل واحد ، وأنهما بمعنى واحد ، فهو إذا يجرم مفاهيم لم يحط بها علماً
:
فإن كنت لا تدري فتلك
مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة
أعظم
وقد سبق أن شرحنا مفهوم (استقلال القضاء) والآن
نشرح مصطلح الدستورالإسلامي. من
خلال عناصره ووظيفته ، ولكي لا يحكم القضاة على الدستور والمجتمع المدني ونحوها من
المفاهيم ، من دون سبر غورها في وظائفها وطبيعتها : نقول باختصار إن إدارة الدولة
تشبه نظام الري بالمزرعة ، ففي بعض المزارع تكون السقاية غير منضبطة ، فيذهب الماء
من دون رياسة وبصرٍ بتوزيعه ، فكثير منه يضيع عبر الجداول ، ولاسيما في التربة
الرملية ، وكثير يضيع في الأحواض ، بسبب كثرة الرمال ، أو عدم استواء أحواض
البرسيم أو القمح ، وتجد توزيع الماء على الشجر مختلاً ، فكثر من الشجر تعاني من
العطش ، وبعضها يموت عطشا ، قلة منها قد تغرق بسبب كثرة الماء ، النتيجة هدر المياه ، واختلال السقاية ،
،والحاصل في ختام الموسم هو عدم تناسب المحصول مع مستوى الجهد المبذول . الدستور
كنظام الري بالتنقيط تتوزع فيه المسئولية والمهام ، لكي يصبح كل شيء على ما يرام .
[ 53 ]
ماذا يعني الدستور الإسلامي ؟
1-
أن تكفل الدولة لكل عاطل دخلاً يقوم
بحوائجه ، لكي تحصنه من الانحراف والسرقة والأمراض النفسية . حتى يتوافر له عمل
مناسب .
2-
أن تكفل الدولة لكل مريض علاجاً ، فلا يحظى
الكُبراء بالمستشفيات الفخمة ، ويرمى الفقراء والضعفاء في المستشفيات المتواضعة .
3-
أن تستوعب الجامعات الطلاب ، في خطة تراعي
أن التعليم المجاني حق لكل مواطن.
4-
أن تعتني الدولة بالتعليم الفني والحرفي ،
حتى يتعود الشباب على العمل الحرفي ، فتتقوى أجسادهم وعقولهم ونفوسهم ، ويستغني
الوطن بهم عن ملايين العمالة الوافدة
5-
أن يتساوى القوي والضعيف في الحقوق
والواجبات أمام القضاء .
[ 54 ]
6-
أن توزع الثروة والمال ، بالتساوي بين
الأفراد والطبقات الاجتماعية ، وبين المناطق.
7-
أن توجد إجراءات فعّالة تضمن القضاء على
الواسطة والمحسوبية والرشوة التي فتكت بالإدارة .
8-
أن تتكافأ فرص الوظائف كلها ، أمام الناس ،
بصرف النظر عن طبقاتهم الاجتماعية والمذهبية والإقليمية ، وأن يكون أساس الوظيفة
العامة هو ( الجدارة ) .
9-
أن توضع ضوابط صارمة لحفظ المال العام ،
وأن تتم مراقبة المال العام ، ومحاسبة أي مسئول يثبت عليه التفريط ، مهما كان
مركزه ، وان يحال إلى القضاء كل وزير أو أمير متهم بالتفريط أو استغلال النفوذ أو
السرقة أو الرشوة .
10- أن تخضع أعمال كل مسئولي الدولة -مهما علت مراكزهم - للمسائلة
عن حسن التصرف ، مراقبة ومحاسبة .
[ 55 ]
11- أن
يعنى بالطبقات الفقيرة والمهمشة ، بحيث تضمن الحاجات الأساسية لكل مواطن ، من سكن
وطعام وكساء وتعليم .
12- أن
يكون الفقراء هم الأولى بالأراضي السكنية ، وصغار المزارعين هم الأولى بالأراضي
الزراعية.
13- أن
تسود الشفافية والوضوح ، في كل التصرفات الحكومية .
14- أن
لا تتخذ الحكومة قرارات كبرى ، في الحرب والسلم والعلاقات الخارجية وأمور التربية
والتعليم والمال العام ، إلا بتفويض من الشعب .
15- أن
يتساوى الناس في الخدمات التي تقدمها الدولة .
[ 56 ]
16-
يتسع مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليضم كافة المنكرات الروحية
والمدنية، ويتسع للأمر بمعروف العدالة، والنهي عن منكرات إهدار المال العام ،
والمحسوبية والرشوة ، وكافة المنكرات التي يسميها الفقهاء (المنكرات السلطانية) ،
وأن يكون أهليا للأفراد والجماعات أيضا
17- أن
يكون كل من يتولى وظيفة قيادية كفياً عدلاً معروفاً بالنزاهة .
18- أن
لا يتعرض أي مواطن لأي إجراء يحط من كرامته ، أو ينتهك حريته وحقوقه التي قررها
الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الأمم الحديثة إليها ، وعدم تجريم أي عمل أو
اتخاذ عقوبة عليه إلا بنص قانوني ، يجرم الفعل ويحدد العقوبة .
19- أن
يعبر الشعب عن إرادته ، التي خوله الله بها ، في تلمس مصالحه ، وفق مقاصد الشريعة
إما بإسلوب مباشر ، عبر جمعيات المجتمع الأهلي المدنية ، وإما بإسلوب غير مباشر ،
عبر ممثليه من أهل الرأي والخبرة ، الذين هم أهل الحل والعقد .
20- أن
يكون دور الحكومة تنفيذياً فحسب ، بتوزيع مسئوليات الدولة ثلاثة فروع : فرع
التشريع ، وهو مجلس النواب ، وفرع القضاء ، وهو للقضاء ومراقبة شرعية الأنظمة
والقرارات التي تصدرها الحكومة أو مجلس النواب عبر ( محكمة العدل العليا ) ، وتختص
الحكومة بتنفيذ الإدارة السياسية .
[ 57 ]
حادي عشر : مفهوم ولي الأمر السعودي : هل انزل الله
به من سلطان ؟
( أ ) يقولون إنه : أدرى بالمصلحة .
( ب ) يقولون إنه : هو القاضي الأصيل وما
القاضي في المحكمة إلا وكيل
( ج
) الواقع أنه : يحتكر مرجعية جميع السلطات غير المباشرة الثلاث ( تنفيذية وتشريعية
وقضائية ) فضلاً عن سلطة المجتمع الأهلي وهي السلطة الرابعة، أليس ذلك –بالمصطلح السياسي والقرآني- هو (الطغيان ) فهل
أنزل الله بهذا المفهوم من سلطان؟
( د ) إذن فهو يختزل رأي الأمة في شخص .
الدعوى:
1- قال المدعى العام (ص 3 الأسطر 16 ـ
22): "كما تضمنت أقواله ما يفيد
اعتراضه على ما تضمنه النظام الأساسي في الحكم المادة (44) بأن الملك هو مرجع
القضاء"، وقوله إن هذه الفقرة تجسيد لاتجاه فكري قديم ، يرى أن إلى
الحاكم [هو] القاضي الأصيل ، وأن القضاة ليسوا إلا وكلاء ، وأنه أدرى بالمصلحة
، وأنه الحكم عند التنازع ، ومطالبته بفصل القضاء عن سلطة ولي الأمر ،
وادعائه بأن الفقهاء القدماء في ظل الاستبداد القديم ، لم يتمكنوا من بناء منظومة
دستورية متكاملة ، تحدد مركز ولي الأمر".
2- قال المدعى العام أيضا (ص 3 س 1)عنا
جميعاً " التشكيك في نهج ولي الأمر وكيان الدولة القائم على تطبيق الكتاب
والسنة . . . والتدليس على الناس . . . وتأليبهم على ولي الأمر "
[ 58 ]
الدفاع:
يا حضرات القضاة:
أولاً :
1-أجل أقول بملء فمي إن لمصطلح ولي الأمر ،
مضموناً سعوديا يجسد الطغيان ، ما أنزل الله به من سلطان ، وهذا القول دللت عليه
في كتابي (معايير استقلال القضاء الدولية ، في بوتقة الشريعة الإسلامية. دار
العلوم العربية. بيروت 1425هـ - 2004م).
وقد فصلت ذلك ودللت عليه في بحث ألقيته
في مؤتمر العدالة العربي الثاني الذي عقد في القاهرة سنة 1423هـ وعنوان البحث
(استقلال القضاء السعودي عوائقه وسبل تعزيزه) . . . وفي هذا المفهوم حتى في صيغته العباسية ، فضلاً
عن مفهومه السعودي مخالفة للمفهوم الشرعي لإمام الدولة وصلاحياته
والفقهاء الذين رددوه ، من العباسيين ومن
بعدهم ليس لديهم دليل من الكتاب والسنة ، ولا من نهج الخلفاء الراشدين. وعلى كل
حال لم يكن الفقهاء العباسيون الذين ذكروه يخصون به الخليفة ، بل كان أمير
الإقليم والبلدة والقرية والقاضي وصاحبي المظالم والحسبة داخلين في مفهومه .
[ 59 ]
2- لقد قدم المدعي العام – من خلال
دعوانا-لنا برهاناً على أن النظام السعودي يطبق هذه القاعدة فلا نحتاج إلى إثبات
ذلك ، ودلائل ذلك واضحة ، حتى في الأنظمة العدلية (الأربعة) التي أصدرتها الدولة ،
بعد عام 1422هـ ، وهي النظام الأساسي للحكم ، ونظام المرافعات الشرعية ،
ونظام المحاماة ، ونظام الإجراءات الجزائية ،
ولقب ( ولي الأمر ) في الإدارة السعودية
في البداية يطلق على إمام الدولة ، ثم توسع فيه ، حتى صار يطلق على كل أمير من
الأسرة الحاكمة ، إذا كان يشغل منصباً حكوميا ، وصار هذا المفهوم راسخا ، فصار
لكل وزير من الأسرة المالكة مهام فوق مهام وزارته ، تدل على أنه يتمتع بسلطة (ولي
الأمر) ، بحيث يصبح له سلطة تتجاوز مهام وزارته ،
ونضرب لذلك مثلا:
وزير الدفاع ، يرأس أعمالاً خارج وزارة الدفاع ، وبعيدة عن طبيعة اختصاصها : فهو رئيس
الدعوة في الخارج ، رئيس المجلس الأعلى للتعليم ، ففي أي بلد تكون
رئاسة الثقافة والتعليم ولاسيما العالي ، لوزير الدفاع ؟ ثم هو أيضاً وزير الطيران ، ثم المفتش
العام؟.
نموذج آخر ، وزير الداخلية ، أيضاً يرأس أعمالاً خارج وزارته : فهو رئيس
اللجنة العليا للحج ، ورئيس المجلس الأعلى للإعلام ، ففي أي بلد يرأس
المجلس الأعلى للثقافة والإعلام وزير الداخلية ؟! هيئة التحقيق والإدعاء العام مرتبطة
بوزارة الداخلية ، وكذلك اللجنة التي
يسمونها ( الوطنية ) لحقوق الإنسان ، وأنما هي ( الحكومية ) ، لأن الوطنية توحي
بأنها أهلية ، عشرات من المهام ، ففي أي
بلد في العالم تكون الجهات الحقوقية كهيئة الادعاء وحقوق الإنسان مرتبطة بوزير
الداخلية ؟! وأول من يخشاه الناس على حقوقهم ، هم البوليس !
وعلى هذا فالأمور الأساسية عندنا ،
صارت مرتبطة بأحد الأمراء ، هذا ليس حكماً ملكياً محدد الصلاحيات ، هذا
حكم تنتشر فيه أفراد العائلة السعودية في كل مكان وكيان ، وهذا التصرف مضر
بالعائلة المالكة نفسها ، كما أنه مضر بالبلاد والعباد ، أن تتحول
الدولة إلى شركة عائلية ، هذا أدى إلى التنازع على المناصب ، وأدى إلى الاختلاف
على القرارات ، وأدى إلى تغليب مصالح الأفراد الخاصة على المصلحة العامة ، بل
على المصالح العامة للأسرة المالكة نفسها
أيضا .
[ 60 ]
ثانياً
:-
إن بعض الأمراء في الأسرة المالكة ،
يتحدثون ويتصرفون وكأنهم من جنس الملائكة ، وكأنهم يستوحون من عبارة الشعب السعودي
، أنهم يملكوننا وأنهم بالسيف يربوننا ، وبدلاً من أن يدركوا
تسميتنا بالشعب السعودي خطأ ينبغي تصحيحه ما دام يفهمون (ولي الأمر) هذا الفهم ،
على أن الأمر الطبيعي أن ينسب الحاكم إلى الشعب ، فيقال الرئيس المصري والسوري واليمني
والملك الأردني والمغربي ، أما عندنا فالأمر الطبيعي أن ينسب الشعب إلى الأسرة
الحاكمة ، فيقال الشعب السعودي :
وماذا (بنجد) من المضحكات ولـكـنه ضـحـك كالبكا
ألسنا بحاجة في هذا البلد إلى أن يصبح
صاحب السمو الذي لا أحد يعلوه ، هو الدستور
والقانون المؤسس على الشريعة ؟ فمن هو إذن الوصي على المواطنين ، هل هم
الذين لهم كل هذه السلطة ؟ أم أفراد مطاردون ، يمشون ذلولا ذا خيفة الأجهزة
القتاتة ، ويوقعون التماسا يرجون فيه تعزيز العدالة والشورى. ألا يحق لنا
المطالبة بتحديد دور الأسرة المالكة ؟
ما دام قد اتسع إلى قدر مضر بها نفسها على الخصوص وبالدولة
وبالمواطنين على العموم ، حيث تعددت
فيها الرؤوس التي تمسك بمفاصل القرار ، وتعدد الرؤوس يؤدي إلى ضعف الحكم
الملكي نفسه ، وليس هذا تهميشا لدور الملك ، بل تحديد لمفهوم رئيس الدولة
وإمام الأمة مبني على قانون الشريعة والطبيعة معا.
[ 61 ]
يا حضرات فقهاء الشريعة : هل ولي الأمر أدرى بالمصلحة؟
ثالثاً : -
ونظرية ولي الأمر أدرى بالمصلحة نظرية شاعت في العصر العباسي ، وفي ظلال
الحكم الجبري ، وليس عليها دليل معتبر ،
وعل كل حال فإن الأسرة المالكة وسعت مفهوم ولي الأمر أولا ، ثم اعتبرت
نفسها أدرى بمصالح الأمة ثانيا ، واستفراد الأسرة المالكة بالقرارات
المصيرية الكبرى جر الدولة إلى أخطاء كبرى وصغرى من أبرز مظاهرها :-
1-
اتخاذ القرارات الكبرى من دون أخذ رأي الشعب :
كالدخول في حروب وإدخال قوات أجنبية للبلاد ، وبناء قواعد أجنبية فيها ،
والإنفاق على حروب مجاورة وغير مجاورة من بيت مال الأمة ، وعقد اتفاقات
سياسية علنية أو سرية وغيرها ، من دون أخذ
رأي الشعب.
هل يكفى أن تأخذ الدولة رأي هيئة الإفتاء ، وتقول : قرر الفقهاء ذلك ،
وهيئة الإفتاء مكونة من فقهاء فضلاء ، ولكن ليس من اختصاصهم وفق نظامها الذي
حصرتهم به الدولة ، أن يفتوا في الأمور السياسية ، لو كان مصرحاً لهم بذلك ، لما
كان لهم مؤهلات الفتوى السياسية ، فللسياسة فرسانها ، ولا بد للحكومة حين
تصدر قرارات كبرى من الالتزام بالاتجاه الشعبي الذي يجسده نواب عن الأمة ، فهم
الذين يقررون الحل والعقد ، هؤلاء هم أولو الأمر الذين يجسدون إجماع الأمة ممن لهم
وزن اجتماعي وثقافي وأخلاقي ، وليس أولو الأمر محصورين بالفقهاء ولاسيما
الفقهاء الموظفين غير المستقلين.
الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يكوّن هيئة من حفاظ القرآن ، للبت في قرارات الحرب والسلم الكبرى ، بل
شاور الأمة ، وصدر عن الأمة في كل تصرفاته الكبرى ، فكيف يقولون لنا : أولوا
الأمر هم الحكام والفقهاء . . . أن من يجد آيات الله القرآنية مجملة من التصريح ،
يجد آياته الكونية والاجتماعية شديدة الوضوح.
والأمر كما قال ابن تيمية : " لا نسلم أن يكون الإمام حافظاً للشرع ، بل
يجب أن تكون الأمة حافظة للشرع ، وحفظ الشرع يحصل بمجموع الأمة ، كما يحصل
بالواحد كالنبي المبلغ عن ربه " ( منهاج السنة : 6 / 457 )
إن هذه المشكلة مقرونة بمشكلة أشد وأعظم ، وهو أن يتصور بعض الأمراء ، أنه لا
أحد يحاسبهم إلا الله ، وأنهم إن أصابوا فلهم أجران ، وإن اخطأوا فقد ضمنوا أجراً
واحداً ، وبذلك ينطلقون في اجتهادات وهمية ، ولذلك يستحلون بها الحرام من
أموال الأمة ، ولا يجدون في ذلك حرجاً ، وأعظم من ذلك أنهم يعتبرون أنفسهم من
المتفضلين والمحسنين على الناس ، في المبرات والأوقاف ونحوها .
بل إن بعض الأمراء يعتبرون الأمة غنيمة أو تركة خلفها لهم والدهم الملك
عبدالعزيز ، فهم يقولون : " أخذناها بالسيف الاملح" ، القول بالأخذ
بالسيف الاملح مغالطة ، فأكثر بلدان نجد والأحساء والحجاز، دعت الملك عبدالعزيز ،
لإنقاذها من طغيان الطغاة كالمهنأ أو الشريف أو الرشيد أوالأتراك، وإنما دعو الملك
عبدالعزيز بسبب السمعة الطيبة لأجداده ، ولما عرف الشعب من عدلهم ، ولو كانت
(بالسف الاملح) لما وحد الجزيرة خلال
أربعين عاماً ، بينما ظل حده يحاصر الرياض ( عندما كانت بلدة صغيرة ) ودهام
بن دواس أربعين عاماً!! وحتى لو صح أنهم
أخذوها في السيف ، فالسيف لا ينشئ مشروعية للحكم ، فمشروعية الحكم مبنية على الحكم
بالعدل والشورى ، وهذا ما قال الفقهاء عن عمر بن عبدالعزيز أن لم يصبح إماماً شرعياً
إلا عندما شاور وعدل . ولذا لم يستقر الأمر لعبدالعزيز إلا بالعدل والإنصاف ، ولن
يستمر الأمر لهم ، إذا استمروا على هذه
الحال .
والسبب الأساسي في ذلك أن الفقهاء أكثر الناس في هذا البلد تبعة ، فلم يوضحوا لهم مفهوم الحاكم في الإسلام
، ولم يبينوا لهم أن العدالة والشورى من
أصول الدين ، وطوال خمسين عاماً والفقهاء مشغولون بشق الإسلام الروحي كالصلاة
والصيام ونحوها ، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم ، والقضايا الثانوية ، ولم ينشئوا
خطاباً دينياً يعالج الفساد الإداري فضلوا وأضلوا ، وأوقعوهم وأوقعوا الناس في ما أسماه ابن تيمية
ونحوه ( الطاعة الشامية ) :" كثير من أتباع بني أمية أو أكثرهم ؛ كانوا
يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب ، وان الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه
الإمام ، بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء ، ولما أراد يزيد بن عبدالملك أن
يسير بسيرة عمر بن عبدالعزيز ، جاء إليه جماعة من شيوخهم ، فحلفوا له بالله الذي
لا إله إلا هو ، أنه إذا ولى على الناس إماماً ، تقبل الله الحسنات ، وتجاوز له عن
السيئات ، ولذلك تجد في كلام كثير من كبارهم ؛ الأمر بطاعة ( ولي الأمر) مطلقاً
، وأن من أطاعه فقد أطاع الله ، ولذلك كان يضرب بهم المثل ، فيقال (طاعة شامية
) ( منهاج السنة : 6 / 430 )
[ 62 ]
3-
تعالوا يا قضاة العدل ، لندلل على أن ثنائية الفقهاء والأمراء هم
سبب فسادنا :
لو كان العلماء والأمراء هم أولي الأمر لكان بلدنا أفضل بلدان العالم عدلا
وشورى، لأن مسئولية الاختلال الواقع اليوم ، هي نتيجة انحصار المسئولية الرسمية
بثنائية (الشيوخ) من الأمراء و (المشايخ) من الفقهاء ، تلك الصيغة
التي بدأت مع مسيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نافعة ، ولكن نفعها نسبي مقيد
بذلك الزمان ، وليس بمعياري مطلق ، يصلح لزماننا . فقد استطاع الأمراء
(الشيوخ) اليوم تحديد نفوذ هيئة الفقهاء (المشائخ) بتمرير ما يريدون من فتاوى
لخدمة السلطة فحسب ، وقصر فكر المشائخ عن مواكبة التغيرات والنوازل ، حتى السفر لا
يسمح لبعضهم أن يسافروا خارج المملكة خشية اجتماعهم بعلماء أوسع منهم إدراكاً
سياسياً ومدنياً ومعلومات عن فقه الواقع الدولي ، أو يدخلوهم في مشروع جماعي
لمصلحة المسلمين ، من أجل ذلك قُصر الفقهاءُ فاقتصروا على المجال الروحي والأمور
الثانوية ، وتركوا المدني والشئون العامة كالنفط والأراضي والإدارة والتربية
الاجتماعية والإعلام . فإلى متى نترك أزمة الأمور لبعض الفقهاء الخادعين أو
المخدوعين الذين يريدون أن يحموا تخلفنا السياسي بليِّ أعناق نصوص القرآن ،
ويقولون لنا: ولي الأمر أدرى بالمصلحة ؟ ،
أيريدون أن نستمر في الطاعة الشامية الأموية ؛ أفننشد مع عبدالله بن المبارك ؟
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
وليست المشكلة في فقهاء السلطة فحسب ، بل
حتى في الفقهاء المنسوبين إلى الصحوة ، اقرؤا فتاواهم عن الإضراب والمظاهرات .
[ 63 ]
4-
خلل في الاستئثار بالإدارة:
تعالوا يا قضاة الحق ، لنرى كيف
استأثرت الأسرة بالإدارة ، في واحد من الدلائل الواقعية على بطلان نظرية ولي الأمر
أدرى بالمصلحة ، أن المناصب الكبرى أغلبها في مرافق الدولة يتولاها عدد كبير من
الأمراء ، وهذا مخالف للإدارة الناجحة ، كان الأمير محمد بن عبد العزيز رحمنا الله
وإياكم وإياه قد نصح الأسرة بأن تكتفي بوزارات السيادة ، ولكن الأسرة لم تفعل ذلك
، وصار أفرادها يتنافسون أحياناً تنافساً محموما ، في الحصول على أعلى المراكز ،
حتى صار كثير من مراكز القرار بأيديهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فهم وزراء
ونواب وزراء ووكلاء وزراء وأمراء الأقاليم كلها من الأسرة وكذلك نوابهم ،
وفوق ذلك ولّوا الأسر المرتبطة بهم ، حتى صارت في الأقاليم النائية ، هذا الخلل
أدى إلى مفاسد كبيرة ، فأين تطبيق الشريعة في التولية ، وأين مفهوم الملكية
الناجحة ، وأين ما نص عليه الملك عبدالعزيز رحمنا الله وإياكم وإياه من أن نظام
الحكم ملكي (شوري)؟ كيف تحولت الدولة الشورية إلى شركة عائلية مستبدة مستأثرة ؟ بل
أصبحت الأمة والبلاد شركة موروثة لأولاد عبدالعزيز ومؤسسة خاصة لهم ، وكأنها تخضع
للنفوذ والمصالح الأمريكية مقابل حماية سلطة كبار الورثة وصار أصحاب الحق
الحقيقيين وهم الشعب من الرعاع ، ومن يرفع صوته أو بنانه ، فهو مخل بالوحدة
الوطنية القائمة على الشريعة ، أي وحدة وأي شريعة ؟ إنها وحدة العائلة وشريعة
الغاب .
[ 64 ]
4-
هدر المال العام :
وهناك دليل واقعي آخر على أن ولي الأمر ليس
أدرى بالمصلحة ، هدر المال العام:
تعالوا يا قضاة العدل والإنصاف لنقارن بين الناتج النفطي اليومي ويحسبه
بالسعر المعلن في البورصة ويقارنه بميزانية الدولة ، كي ندرك أن كثيراً من ناتج
البلاد القومي يختفي ولا يسجل في كشوفات وزارة المالية ، فأين يذهب؟ المتوقع أنه
في جيوب بعض أمراء الأسرة المالكة والمحسوبين عليهم؟، هذا فوق تدخل عناصر الأسرة
المالكة في المناقصات ، وغيرها من أمور لم تعد تحتاج إلى برهنة. فأين تطبيق
الشريعة؟ وأين مفهوم القول بإتباع سياسة الملك عبد العزيز رحمنا الله وإياكم وإياه
، وأنا أطلب من المحكمة أن تأذن لي باستشهاد خبراء الاقتصاد ، عن حجم هدر المال
العام ونتائجه الكارثية على مستقبلنا
ومستقبل أولادنا ، هناك عديد من شغل مناصب حكومية مثل الدكتور عبدالعزيز بن
محمد الدخيل وكيل وزارة المالية السابق.
بل أطلب حضور وزراء المالية والنفط الذين شغلوا منصبي وزير المالية ووزير
النفط خلال ربع قرن ، لنثبت للمحكمة مدى الفجوة بين دخل البلاد ومصروفاتها.
[ 65 ]
5- الاستئثار بالمال : نخبة فاحشة الثراء وملايين الجوعى والفقراء
تعالوا ننظر هل الوحدة الوطنية القائمة على تطبيق الشريعة ، في نهب بعض
الأمراء أراضي الشعب العامة ، في دليل آخر من أدلة الطغيان . وهناك أدلة مادية على
تطاول بعض عناصر القيادة على المال العام ، فهذه مدينة الرياض ووزارة العدل
والقضاء وكتابة العدل تعرفأن أكثر الصكوك ذات المساحات الكبيرة أفرغت
لأمراء باعوها على تجار العقار ، وقام تجار العقار بتفريدها للمقاولين الصغار ،
وقامت عليها حركة المساهمات التي أفسدت مفهوم الاستثمار العقاري ، والذي يخرج من
أي الجهات الأربع على امتداد خمسين كيلاً من مدينة الرياض ، وعلى طريق القصيم
مثلاً يرى البتر والشبوك ، والذي يشاهد
سواحل جدة و الدمام والقطيف ، يرى الأمراء ومحاسيبهم يدفنون ساحات من أرض البحر ، ليصدر
القضاة أو كتاب العدل لهم صكوكاً بها ، أحد هذه الصكوك – الذي وصل إليه صدفة
من أحد الثقات -مساحته حوالي ( ثمانين مليون متر مربع ) فأين تطبيق الشريعة إذن ، المال هل هو لولى
الأمر أم للشعب؟ الأرض هل هي للأسرة الحاكمة أم للشعب ؟ الرسول صلى الله
عليه وسلم: حدد وظيفة الحاكم فقال "إنما أنا قاسم "، لا نحتاج إلى حاكم
كريم ينقل بعض مرضانا على حسابه في طائرات ، ولا ينفق عليهم في المستشفيات ، أو
يأذن لنا لمن له واسطة بالدخول في (المستشفى التخصصي) أو غيره ، مالنا يكفينا ،
الأسرة الحاكمة تأخذ من المال العام ظلماً وعدواناً من دون حساب ، ثم يقوم بعض
أفرادها بإنفاق شيء منه على شكل مبرات وهبات وأوقاف ومكرمات وخيريات ، فأين تطبيق
الشريعة ؟:
إذا حججت بمال أصله دنس فما حججت ولكن حجت العير
وهل على مثل هذه الظالم تقوم الوحدة الوطنية التي يزعم وزير الداخلية اننا
نهددها بمثل هذا الكلام ؟ هل الذين يريدون الوحدة الوطنية ، هم الذين ينهشون
المال العام من دون مراقبة ولا محاسبة ، أم هؤلاء الداعون إلى العدالة والشورى ؟
أطلب من هيئة القضاء الموقرة أن تأذن باستدعاء بعض الشرفاء الذين
رأوا بأعينهم كيف توزع الأراضي حيفا وجورا ، مثل الدكتور محمد بن عبدالعزيز آل
الشيخ وزير الشئون البلدية والقروية السابق ، وكتاب العدل الذين يصدرون مثل هذه
الصكوك في مدينة الرياض فحسب ، هل هذا من نهج الملك عبدالعزيز رحمنا الله وإياكم
وإياه.هل هذا من السياسة الشرعية التي يزعم المدعى العام أننا أخللنا بها ؟
ترجو النجاة ولم تسلك
مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
[ 66 ]
6- تنازع الصلاحيات:
من الواضح أن بعض عناصر القيادة التي تعوق الإصلاح وفقنا الله وإياها ،
تريد تضخيم الأمور ، وتشويه المقاصد والوسائل ومحاكمة النيات ، وهذا أمر طبيعي ،
علينا أن نتفهمه ونصبر على أذاه. ولذلك فقد اعتبرت هذه العناصر خطابات الإصلاح
دعوة إلى تهميش دور ولي الأمر ، ولكن الحقيقة هي أن الخطابات تدين تهميش دور الشعب
، وهذا يشير بطبيعة الحال إلى تضخم دور ولي الأمر ، هم يقولون ولي الأمر أدرى
بالمصلحة ، ونحن نقول: الشعب أدرى بالمصلحة ، ولم يقم دعاة الإصلاح بإلزام الحكومة
بقوة مادية ، بل هي آراء ومقترحات ، ولم يفرضوا آراءهم بقوة مادية . ولكن العناصر التي لا تريد الإصلاح تهتز
حتى من الكلمات ، كما قال الممثل النجدي : " آكل الطعام النيئ يشكو وجع بطنه
" .
[ 67 ]
7- الخلل في
التحليل
أنهم يهاجمون الدعوة إلى الدستور ، ويثيرون الشبه حولها ، وكأن الدستور مسألة فيها
قولان ،
كالجهر بالبسملة ، أو الوضوء من لحم
الجزور . أو كأنه يمكن الالتفاف عليها تحت عنوان ( دستورنا الكتاب والسنة ) .
نطالب المدعي العام بأن ينبهنا إلى الآيات والأحاديث التي تبيح لولي الأمر هذه المحرمات . هذه حقائق علمية سياسية اجتماعية ، فالشمس تشرق
من الشرق ، وتغرب من الغرب ، ليس في ذلك قولان. الدستور هو سر نهوض الغرب ،
والدستور والمجتمع المدني هو رائد الرعيل الأول ، من سلفنا الراشدي الصالح ، فهو
الذي أقام عهد الشورى والعدل زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ،
وفقدانه هو الذي اسقط الخلافة الراشدة ،
وهو الذي أباح بغداد للتتار بالأمس وللإفرنج اليوم.
[ 68 ]
ثاني عشر :
بصلاح المؤسسات نطالب ، فهو الذي
ينتج صلاح الأشخاص:العدل أساس الحكم ، والشورى الشعبية أساس العدل ، والدستور
الإسلامي هو المسطرة ، والمجتمع المدني الإسلامي ، هو سور الملة والأمة .
الدعوى :
1- يقول المدعي العام عني (ص 4 س 23 إلى ص 5 س 5): " وكان خلال حديثه
، لا يألو جهداً في تأليب وإثارة الناس ،
ضد توجهات ولي الأمر الإصلاحية ، فيرفض الإصلاح في مجال التعليم ، لمجرد أن
الحكومة هي من وضع الخبراء ، مطالباً بأن يكون الإصلاح للأمة ، بعبارة عامة تدل
على عدم الرضا على توجهات الدولة".
2- ويقول عني (ص 4 سطور 3 ـ 13): "كما أقر بإجراء مداخلة مع قناة (LBC)الفضائية بتـاريـخ 9-10/1/1425هـ وقد تضمنت هذه المداخلة إعلانه
الرفض ، لأي إصلاح تقوم به حكومة هذه
البلاد ، بما في ذلك قيام الدولة بإقامة هياكل التجمع المدني ، على نطاق
تدريجي ، والتوجه إلى المشاركة الشعبية ، بالانتخاب في المجالس البلدية ، ومن ثم
مجلس الشورى".
3- ويقول عن دعاة الدستور على العموم "وهذا يدل على أن الغاية التي
يسعى إليها المتهمون المذكورون ، ليست إلا مناهضة ولي الأمر ، ويتضح ذلك
بجلاء خلال هذه المداخلة ، التي سعى فيها المتهم الأول إلى إثبات هذا المقصد علنا
، عند مشاركته في البرنامج الحواري وموضوعه (مسيرة الإصلاح في المملكة العربية
السعودية)، حيث أخرج المذكور الحوار عن موضوعه الأساس ، فبدأ حديثه بالتشكيك في
الخطوات الإصلاحية القائمة اليوم ، في هذه البلاد ، لإثارة الناس ضد ولي
الأمر".
4- ويقول المدعي العام عني على الخصوص
(ص 4 س 14 ـ 23): "حاملا عبر حديثة مضامين باطلة ، في دعوة الناس
لتأبيد الأحداث الإرهابية ، كأداة من أدوات الإصلاح ، ذلك لأن الإصلاح المرتضى حسب
زعمه ، ليس هو الإصلاح الرسمي ، فبدأ حديثه مشكله في كلمة الإصلاح ، التي تستخدم
لتصحيح أوضاع نظامية ، من قبل الدولة .
5- قال المدعي العام أيضا عني :
وركز من خلال عباراته إلى أن المراد لديه من الإصلاح بما مؤداه نزع يد
الطاعة ، وقد أورد هذا المضمون مغلفا مصطلحات سياسية غربية ، كقوله المطالبة
بتطوير نظام الحكم إلى ملكية دستورية".
6- وقال في (ص 4 س 19 و 20) عني أيضا : "ثم يربط في حديثه بين
مشكلة الفقر ونظام الحكم الشرعي في هذه البلاد تمهيدا لفكرته في ضرورة نزع
الطاعة من أجل الإصلاح".
7- ثم قال عني (ص 4 سطور 21-24):" ويشير المتهم الأول خلال حديثه أيضا
، أن التفاهم مع الحكومة وصل إلى خط مسدود ، طالما أن الملك هو المرجع للسلطات
الثلاث، وأن الحكم في هذه البلاد لن يكون ملكية دستورية".
[ 69 ]
الدفاع :
يا مرتجى العدل والإنصاف :
نعم نحن نقول أنه حان الوقت لتطوير نظام الحكم الملكي من صيغة سلطة
مطلقة وحكم مطلق الصلاحيات إلى حكم ملكي شوري نيابي . ( أي الدستور )
ونقول أيضا إن الحكم بالكتاب والسنة هو أساس البيعة الشرعية ، التي
مقتضاها اشترط العدل والشورى كما صرح الفقهاء ، وان العدل والشورى في الدولة
الإسلامية الحديثة لا يتجسد إلا بأنظمة تكفل العدل والشورى ، وان المصطلح
الدقيق الذي يعبر عنهما من دون لف أو دوران يسمى ( الدستور) وإن الدستور قد يكون
علمانياً أو شيوعياً ، لأن يجسد قيم الأمة التي تنشئة ، ولذلك فإن من الوضوح أن
يوصف بـ(الدستور الاسلامي) ونقول أيضا
: إن كل الإصلاحات التي لا تنطلق من المفهوم الشوري للحكم ، إنما هي ثانوية ، وغير
مضمونة الاستمرار ، ويمكن أن تنقلب عليها الحكومة ، في أي فرصة سانحة .ولعل في
الفقرات السابقة ما يكفي ولكن المدعي العام ذكر أمثلة ، ولكل سؤال جواب ، ، ولكل
غموض بيان .
1- هذه الانتخابات البلدية التي
جعلوها غاية الإصلاح هل هي منحة تبرعت بها الدولة صدقة وإحسانا ؟ أم هي جزء قليل من حقوق الشعب ماطلت الدولة
به زمنا طويلا؟ وتريد أن تعطيه الناس اليوم تقسيطا ومشلولاً ، ثم ما وقع من
إصلاح : هل جاء عفوا من دون مطالبة ، أم أنه نتيجة تراكمات المطالب الإصلاحية ،
التي بدأت بالنصيحة الكبرى بعد حرب الخليج الثانية 1411هـ (1991م) ، التي وقعها
حوالي ألف شخص من أساتذة الجامعات والقضاة والفقهاء ، وثنيت المطالب بإنشاء جمعية حقوق الإنسان سنة 1413هـ بجهود
عديدة للأفراد والجماعات ، واستؤنفت اليوم بالمطالبة بالدستور التي ركزت على
الإصلاح السياسي ، وبدأت بخطاب الرؤية وثنيت بـ(النداء الدستوري) وثلثت بـ(استقلال القضاء) ورابعها ( نحو دستور
اسلامي )
فما سبب بدء الدولة بالإصلاحات ، كالانتخابات البلدية اليوم ، وإنشاء
مجلس الشورى بالأمس وإن كانت بسبب
الضغوط الأجنبية وشروط وقانون وشروط منظمة الجات ، فمعنى ذلك أننا نحتاج إلى الضغوط الأجنبية ، كي ننهج طريق
الحكم الشوري ، ومعنى ذلك أن الأمريكان حين تغدوا بالعراق قد يتعشون بنا ، ولماذا
لا نصلح أنفسنا إلا بالضغوط الأجنبية؟، وإن كانت الإصلاحات بسبب جهود النخبة
الإصلاحية ، فلماذا تجرم جهود النخبة ؟ ،
وإذا كان من الأمراء الإصلاحيين فذلك خير وبر ، ولكن لماذا لم ينتبهوا إلا اليوم ،
ولماذا لا يستثمرون الظروف ، لإصلاح الحكم و يعدوا الأمة بالدستور ؟ وخلال خطوات عملية جدّية محددة
الزمن ، وإلا فقد نحتاج إلى نصف قرن قبل أن يتحقق ذلك الاستحقاق ، فهل يضمنون عدم
تقلب الأحوال .
ثم أي خطوة صغيرة أو ثانوية أو غير ذات أولوية ، تصور للأمة على أنها كبيرة
، البلديات كانت في عهد الملك عبد العزيز كلها انتخاب وقد أبطلت القيادة الانتخاب
، وسائر تشكيلات المجتمع المدني ، منذ بداية عهد الملك فيصل رحمنا الله وإياكم
وإياه سنة 1385ه ، ولعل الناس يتذكرون الأمير سلمان أمير منطقة الرياض ، عندما ظهر
وهو يتجول على مراكز الانتخاب. بعد مضى خمسين عاما ، يعطوننا نصف ما أعطانا
الملك عبد العزيز ، ثم تسمي القيادة ذلك إصلاحا حقيقيا ، ثم تسمي القيادة دعاة
الإصلاح : عندما يجهرون : (إصلاحيين رديكاليين ) و عندما يهمسون بأنهم (من
القافزين في الظلام)، وعندما يثبتون تعتبرهم
( من دعاة العنف والإرهاب ) ؟.
نعم للمجالس البلدية فوائد كبيرة ، وهي خطوة مشكورة على كل حال ، تدرب على
القيادة ، وتراقب ميزانيات البلديات ، ولكن هل لها سلطة المحاسبة ؟ هل
هي بلديات حكم محلي ؟ هل مجلس بلدية الرياض كمجلس بلدية فرانكفورت أو حتى
كراتشي؟ مهما يكن من صلاح في البلديات ، فإن المشكلة الكبرى ليست ي البلديات ،
فالفساد في البلديات عَرَضٌ وناتج عن الخلل في رأس هرم القيادة ، ليست المطالب
السياسية تتحدث عن كفاية أشخاص أو تثاقلهم ، بل عن كفاية مؤسسات ونظم وعجزها .
الخلل مؤسسي يخل بمصالح الشعب الكبرى، في التربية والإدارة والمال ، والقرارات
الخارجية والداخلية ، التي تتعلق بمصير الشعب. كم سنة نحتاج لكي يظهر مجلس
النواب ، على هذا الحساب ؟ خمسين عاما على الأحسن ، سيكون البلد محملا بالديون
الخارجية ، وسيكون الأمراء المعتدون على المال العام قد نهبوا كل ثروة البلاد ، وسيكون العنف سيد
الساحة ، وسيكون لحمنا طريا للاستلاب والاستغراب .
[ 70 ]
2- ثم ما هو مجلس الشورى الذي يزعمون أنهم تفضلوا به علينا ، وهو مجلس
متواضع ، لا يهش ولا ينش ، يوصي ويقترح في الأمور الثانوية ، أقامه الملك
عبد العزيز رحمنا الله وإياكم وإياه ، ثم عطل في سنة 1385ه ، فعودته بعد خمسين
عاما لا تعالج المشكلة ، الأمراء الأحرار بقيادة الأمير عبد الله ونذكر منهم
بالشكر الأمير طلالاً ، نادوا بالدستور ، الدستور كان حاجة ضرورية في ذلك الزمن ،
أما اليوم فهو إنقاذ للبلد ، مجلس الشوري ، متى أعيد؟، بعد أن بقى مبناه فارغاً
سنين طوالا ، أليس ذلك نتيجة تراكم مطالب الإصلاح السياسي ، أليس قد دفع ثمن ذلك
دعاة الإصلاح سجناً وفصلاً عن العمل وإيذاءً ظاهراً وباطناً ، منذ سنة 1413هـ
(1993م)ربيع الرياض الأول ؟
هل من الضروري أن يمر دعاة الإصلاح بربيع ثان ، فيسجن أساتذة الجامعات
والفقهاء والمفكرين والمثقفون ، لكي تنصت الدولة إلى مطالب الشعب العادلة ، إذا لم
يكن مجلس الشورى بسبب طلاب الإصلاح السياسي ، فهو إذن بضغوط أجنبية ، فهل يراد
منا أن نسكت حتى يتدخل في شئوننا الأجانب ؟
وإن كان نتيجة تراكم المطالبات بالإصلاح ، فهذا دليل على سلامة منهج
المطالبين بالإصلاح السلمي في خطاباتهم ، والله يقول "ولولا دفع الله الناس
بعضهم ببعض لفسدت الأرض".
[ 71 ]
3- إصلاح مناهج التعليم ، نعم الدولة اليوم (فحسب) استجابت إلى صيحات
الآباء والأمهات والتلاميذ التي تعالت في الصحف والمجلات ، تنادىإليها كتاب
التربية والتعليم ، ومنذ أكثر من ربع قرن ، وخبراء التعليم يصرخون: التعليم بدا
يضعف . . . بدأ يختل . أصلحوا التعليم .كل الناس تريد إصلاح التعليم ، ولكن عدداً
من الناس منهم أنا لا يريدون أن يكون
إصلاح التعليم ، ولاسيما الديني في ظروف توحي بضغوط أجنبية ، قد تفرض على أبنائنا
ماذا يدرسون ، من أجل ذلك لا يكفي أن تنفرد الحكومة بتكوين مجموعة من الفقهاء
والمربين ، لتقرير ما ينبغي عمله من برامج ومناهج وخطط . بل لابد من مشاركة شعبية
على العموم ، تجسدها نخبة مؤتمنة يثق الناس بسداد رأيها ورجاحة عقولها وصدقها وصراحتها
. وهنا ينبغي أن يكون ذلك تطويراً للمناهج ينهج نهج التربية العملية ويرمي طابع
التلقين والتقليد ، وليس تغييراً يوحى
بقبول ضغوط أو تدخلات أو إملاءات أجنبية ، ليست نابعة خبراتنا وعلمائنا ومربينا
المخلصين ، بحيث لا يسهم في مزيد من مسخ
هويتنا وثوابتنا الإسلامية .
لابد أن يطمئن الناس إلى سلامة المقاصد والوسائل معا، ولا يكون ذلك إذا لم
يكن ثمة مجلس لنواب الشعب ، يراقب ويحاسب ويقرر مقاصد التعليم ووسائله ، لكي يمكن
أن تخصص بالتخطيط شخصيات علمية مستقلة يتحقق فيها مفهوم أولى الأمر أهل الاستنباط
والدراية والإخلاص .
[ 72 ]
4- المدعي العام يعتمد في دعواه على التدليس ، فهو يذكر أن دعوة الدستور
الإسلامي تهدد الوحدة الوطنية القائمة على الشريعة ، وتهون من قدر ولي الأمر ،
ودعوة الدستور الإسلامي شديدة الوضوح في النقاط الثلاث ، ولكن المدعي العام نسي
انه في قاعة محكمة ، فجرى على سبيل وسائل الأعلام الصفراء أي تصورنا وكأننا نقوم
بالمساس بالدين الإسلامي أو النظام الملكي ، أو الوحدة الترابية للمملكة ، أو نقدم
خطابا فئويا أو عرقيا أو إقليميا أو طائفيا"، وهذه التهم الأربع ، أزالت
اللبس فيها دعوة الدستور وأجابت عن اشكالاتها بوضوح منذ خطاب الرؤية ، وشُرحت في
مذكرة ( سداد ) ، ولكن هناك فرق بين وحدة وطنية تقوم على قمع الناس عامة ، وقمع
فئات أو أقاليم خاصة ، ووحدة وطنية تقوم على التعددية والمساواة ولكن :
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
وهناك فرق بين آراء قضائية وسياسية عباسية ، تريد منا ( طاعة شامية ) تنسب إلى الإسلام ، وقد وضعت في ظروف الخوف أو
الرجاء تحت حكم جبري لا شوري وشخصية الحجاج بارزة فيها ، وهي من ما فيه خلاف معتبر
، على أقل تقدير ، إن لم يرق له قولنا بأنه تأويل للدين وتحريف. وهناك فرق بين
المساس بأصل الملكية والدعوة إلى الخروج عليها ، وبين الدعوة إلى إصلاحها من
الداخل ، بتطور نظام الحكم من مطلق الصلاحيات ، إلى نظام محدد الصلاحيات أي
(دستوري شوري نيابي).
على كل حال فإن بعض المصطلحات التي تبرزها ، قد تكون غير واضحة في ذهن
المدعي العام ، وهو في ذلك قد يكون معذوراً ، وقد تكون غير واضحة في أذهان فقهاء
ومثقفين كثير ، ولا دليل لدينا على استثناء القضاة .
[ 73 ]
من أجل ذلك يطرح المعتقلون
الثلاثة من دعاة الإصلاح السياسي :(مسودة نحو دستور إسلامي: للدولة الإسلامية
الحديثة : المملكة العربية السعودية نموذجاً ) ، من أجل إيضاح العناصر
الأساسية ، وبعض الجوانب الهيكلية ، وهو من باب شرح القاعدة بالمثال ، ولكن لا
يلزم من ذلك شرح دقة المثال بصورة تجعله تعريفاً للدستور جامعاً مانعاً ، وغنما هو
مقاربة له بذكر العناصر والأطُر ، إنه مسودة أولى لا أكثر . وهو مرفق بهذه
المذكرة. وقد روعي فيه ما يلي : من أجل تعزيز المفهوم الشوري في الحكم:-
1- عنيت مسودة الدستور بتحديد النقاط
الأساسية ، التي لا يمكن اعتبار أي نظام سياسي (دستورياً إسلامياً) إلا بها وهي:
أ-
الشريعة الإسلامية مصدر السلطات ، وكل قانون شرعي فهو دستوري ، وكل قانون غير شرعي
، فهو غير دستوري .
ب–
سيادة الأمة على الحكومة ، من حيث الرقابة والمحاسبة لأنها صاحبة الحق ، ولأنها
المرجع في حفظ مقاصد الشريعة ، وللأمة أن تمارس صلاحياتها في تحقيق هذه المقاصد ،
بوسائلها المباشرة وغير المباشرة .
ج-
أن العلاقة بين الحاكم والمجتمع تعاقدية،أي أن الحاكم وكيل عن الأمة فلها حق
اختياره
د-
ضمان حقوق المواطنين الأساسية ، في التجمع الأهلي ولاسيما المدني ، لأنه الوسيلة
الأساسية في ضمان حقوقهم .
هـ-
تحديد سلطات السلطة التنفيذية .
و-
إنشاء السلطة النيابية .
ز-
استقلال القضاء .
ح-
ضرورة الفصل (المرن) بين السلطات الثلاث .
وكل نظام لا يحقق هذه الأمور فهو غير شوري (أي غير دستوري) وكل نظام غير
شوري وغير عادل فهو غير إسلامي ، لا يطبق الشريعة ، بل مخل بالشريعة إخلالاً
كبيراً .
2 - برهنت المسودة بالإجراءات التنظيمية على أن الدستور أقدر على تحقيق
مقاصد الشريعة الإسلامية في العدل والشورى .
3 ـ الحكومة الدستورية ، هي الحكومة ذات السلطة غير المطلقة (المحددة) التي
تقبل للمحاسبة والمراقبة بهذا المعني يكون الفصل (المرن) بين السلطات ، فصل السلطة
التنفيذية عن السلطتين القضائية والنيابية.
الدستور لا يهمش دور العائلة الحاكمة ، ولكنه ينظم السلطات وما فيها
من اختصاصات ويضع الرقابة عليها ، ويضبط أداء الحكومة (السلطة غير المطلقة)، يضبط
التصرفات المالية والإدارية بمسطرة. والدستور هو المسطرة ، الحاكم مهما كان ملكا
أو رئيسا أو خليفة أو أميراً للمؤمنين أو إماما. لابد أن تنبع تصرفاته من مسطرة
الدستور، نحن لا نتكلم عن الأشخاص ، عندما نتحدث عن الفساد والصلاح ، نتكلم عن
المؤسسات ،.
4 ـ تُسن القوانين العامة وكذلك القرارات المصيرية الكبرى، في السياسة
المالية والتربوية والإدارية ، والداخلية والخارجية بموافقة مجلس النواب ، وتصديق
الملك .
5ـ تضبط نسبة تواجد العائلة المالكة في الوزارات والإمارات ، وفق
معادلة العدالة والكفاية ، تراعي التدرج والواقعية ، ولكنها مبدأها الذهبي الذي
رسمه الأمير محمد بن عبد العزيز رحمنا الله وإياه هو أن تكتفي الأسرة الحاكمة
بالوزارات السيادية ، وأن يكتفي كل وزير منها بمهام وزارته واختصاصها .
[ 74 ]
6 ـ كل من اشتغل من الأسرة الحاكمة في وظيفة وزيرا أو غيره ، فإنه مسئول
عن تصرفاته ، وقابل للمساءلة والمراقبة والمحاسبة ، عن التصرفات المالية
والإدارية ونحوها ، أمام مجلس النواب ، الذي يملك صلاحية محاسبة أي موظف كبير أمام
المحكمة الشرعية الدستورية العليا.
7ـ يكتفي أفراد العائلة المالكة
بمخصصاتهم المالية المحددة على أن تكون معلنة ، ويستفيدون من خدمات الدولة ،
كغيرهم من المواطنين الآخرين ، ويكفون أيديهم عن المال العام ، والأراضي
العامة ، في مصاريف الماء والكهرباء والسفر. وينشئ أثرياء العائلة المالكة مؤسسات
مالية تقوم بالإنفاق عليهم في ما يرغبون التوسع فيه من مصاريف من دخلها أو على
فقرائهم البعيدين عن مركز السلطة.
8- قدمت المسودة آلية لحسم الصراع على المراكز ، ولاسيما ولاية
العهد لتحديد من هو (الأصلح) لولاية العهد
، بأن يكون بتوصية من مجلس الأسرة الحاكمة ، وموافقة من الملك ، وإقرار من مجلس
النواب وهذا يسد مسارب التنازع على ولاية
العهد ، ويقضي على بذور الخلاف قبل نشوئها ، و يجنب الأسرة المالكة مخاطر النزاع ،
الذي قد يئول بالبلاد إلى الصراع الدموي ، أو فشل أداء الحكومة ، وقد استأنسنا في
ذلك بالدستور الكويتي (انظر المادة الرابعة من الدستور الكويتي) ، ولعلنا قدمنا ما
هو أفضل من دستور الكويت لحسم النزاع .
9- هذه الضوابط تحفظ التوازن الواقعي بين مصلحة الأسرة الحاكمة ، ومصلحة
الأمة ، وتضمن مستقبل الملكية ، أما الأسلوب القائم فهو غير طبيعي ، ويعرض
البلاد للمعضلات ، والصيغة الشورية
(أي الدستورية) أضمن للعائلة الحاكمة من المغامرة بالاستمرار على الوضع
القائم ، أجل الإصلاح ليس مطلوباً بين عشية وضحاها ، ولكن المأمول أن تبلور هذه
العناصر في (مبادرة) تعلنها الحكومة على شكل منظومة إصلاحية دستورية شاملة ، تنفذ
وفق جدول زمني متدرج معلن، لقد دشن كل من الملك وولي عهده تصريحات وتصرفات تطمئن
الناس إليهم ولكن الناس يخافون من الالتفاف عليها مستقبلا ، فاعلان المبادرة
المجدولة مهم جداً ، قاطع للتخوفات
والتكهنات . لكي يطمئن الناس إلى أن الإصلاح قادم حتماً . من أجل مصلحة الأسرة
المالكة والشعب معاً ، ومن أجل أن لا تكون مصلحة الأسرة المالكة على حساب مصلحة الشعب .
[ 75 ]
وأما بعد:
فإن دعوتنا إلى الدستور الإسلامي هي مضمون شعار(
المشاركة الشعبية ) ، الذي نادى به الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ، ومضمون (
مشاركة المواطن في القرار السياسي والإداري ) ، الذي أعلنه خادم الحرمين
الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في افتتاح دورة مجلس الشورى سنة 1424هـ /
2003م بأن يشارك الشعب السلطة في القرارات الجوهرية والكبرى، في أمور
التربية الاجتماعية والتعليمية والإدارة والمال ، فهذا هو مقتضى القول بتطبيق
الشريعة ، ولا يتم ذلك إلا من خلال تقسيم السلطات ، وتطوير نظام الحكم الملكي من
نظام ولي الأمر الجبري الجائر ( أموياً وعباسياً وعثمانياً وطوائفياً ) الذي يمسك
بيديه أزمة السلطات الثلاث إلى نظام يكون
رأس الدولة فيه محدد الصلاحيات ، كما في الأردن والمغرب والكويت والبحرين ، وهذا
هو التطبيق الصحيح للشريعة ، وهذا هو مقتضى البيعة على الكتاب والسنة ، فالعدالة
والشورى من أصول الدين الكبرى ، وإن كان بعض الفقهاء الذين ينتسبون إلى الصحوة لا
يدركون ذلك ، فإن الحقائق ليست محصورة بعيونهم :
قد تنكر العين ضوء الشمس من
رمد وينكر الـفـم طعـم الماء مـن
سقم
إننا نتطلع إلى اليوم الذي تدرك به العائلة المالكة ، أن الدستور الإسلامي
لمصلحة المجتمع والقيادة معا ، وأن تتظافر النخبة من فقهاء وعلماء وأساتذة جامعات
ومثقفين وكُتاب للحض على ذلك قبل فوات الأوان ، ولكي لا نقول غداً قول الشاعر
القديم :
نصحتهم نصحي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
أو يكون قولنا صرخة في مهب الريح ، كقولة
مؤمن آل فرعون : " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله "