بعد
الحكم على سيف .. محكمة أمن الدولة تحرك ملفات
المعتقلين الثمانية
مثلما
كان مصير زميله النائب محمد مأمون الحمصي
قبل أسبوعين، قررت محكمة الجنايات الثانية
في دمشق بـ "الاكثرية" تجريم النائب
المستقل رياض سيف "بجناية الاعتداء الذي
يستهدف تغيير دستور الدولة بالقوة"
وبجنحة تشكيل جمعية سرية، والحكم عليه "بالاعتقال
المؤقت مدة خمسة سنوات" و"حجره وتجريده
مدنياً".
وتزامن
انتهاء محاكمة سيف مع احتفاظه بحق النقض
أمام القضاء العادي خلال 30 يوما من صدور
الحكم، مع بداية تحريك محكمة امن الدولة
لملفات بقية معتقلي الرأي الثمانية عبر
استدعاء عدد من الشهود من قبل النيابة
العامة.
وانتظر
الحضور أمس الخميس نحو ساعة حتى بدأت الجلسة
الثالثة عشرة والأخيرة من محاكمة سيف. وبعد
دخوله مباشرة قام القاضي جاسم محمد بقراءة
قرار الحكم وقال "باسم الشعب العربي في
سورية، ووفقا لطب النيابة العامة من جهة،
وخلافا لها من جهة أخرى، تقرر بالاكثرية:
1-
تجريم المتهم رياض سيف بجناية الاعتداء الذي
يستهدف تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة
وفق المادة 291 عقوبات عامة.
2-
وضعه في سجن الاعتقال المؤقت مدة خمسة سنوات.
3-
حبسه مدة ستة اشهر وبغرامة 100 ليرة سورية
بجنحة تشكيل جمعية سرية وعقد اجتماعات غير
قانونية، وتولي منصب فيها وفق المادتين 327 و328
عقوبات عامة.
4-
دغم العقوبتين وتنفيذ الأشد وهي الاعتقال
المؤقت مدة خمسة سنوات واحتساب مدة توقيفه
من اصل العقوبة من تاريخ 9/9/2001.
5-
حجره وتجريده مدنياً ونشر خلاصة الحكم
وإلصاقه وفق المادة 67 عقوبات عام وإعفاؤه من
تدبير منع الإقامة لعدم وجود محذور.
6-
تضمينه الرسوم والمجهود الحربي.
7-
إعلان براءة المتهم رياض سيف من جرمي إثارة
النعرات الطائفية والمذهبية وتظاهرات الشغب
لعدم توفر الدليل الكافي بحقه".
وختم
رئيس هيئة المحكمة بالقول "حكماً وجاهياً
قابلاً للطعن بالنقض صدر بتاريخ 4/4/2002".
وتمنى
سيف من القاضي أن يسمح له بالتحدث خمس دقائق،
فرد القاضي إن القرار خرج من يدنا وصدر الحكم
ويمكنك قول ما تريد. فقال سيف إن "هذا
الحكم هو وثيقة شرف لي ولأمثالي، وهو حكم
يثبت أن هذا النظام لا يستطيع أن يحتمل
محاربة الفساد ولا يستطيع أن يحتمل سواه".
فصاح
أحد الحضور داخل القاعة "خسئت"، فتعالى
التصفيق حتى غطى على من يحاول الرد على سيف
وكان هو المحامي محمد خير العمري، ورد بعض
الحضور على العمري واصفين اياه بـ "المتنفع"
و"المنافق" و"المرتزق".
واستخدم
العمري بدوره نفس العبارات وقال أن سيف هو
"المرتزق وكل من يقف وراءه أيضا من
المرتزقين"، وبدأ يردد بعض الشعارات منها
"قائدنا إلى الأبد الأمين بشار الأسد"،
ويصيح بان سيف وغيره من المعتقلين السياسيين
من أمثال رياض الترك "أصحاب تاريخ معروف
من العمالة".
وخلال
هذه الفترة ظل معظم الموجودين في القاعة
يصفقون عاليا للتشويش عليه، وتأييداً لسيف
الذي ختم كلامه قبل إخراجه من قفص الاتهام
بقوله "الحرية للشعب، وعاش الشعب".
فتعالى التصفيق، وقال أحد الحضور وهو يرمز
بأصابع يديه شارة النصر "نفتخر بك يا رياض
سيف".
وكان
لافتا ان معظم الحضور، وهم يمثلون أساسا
البيئة التي كان ينشط فيها سيف، متعاطفون
معه، باستثناء سيدة واحدة رفعت صوتها منتصرة
للمحامي العمري واستغربت من المحكمة فترة
السجن القصيرة بحق سيف، ما دفع أحد
الموجودين إلى جانبها بنعتها أيضا بصفة "المرتزقة".
وخارج
قاعة المحكمة تعالت الأصوات ثانية، ولكنها
كانت هذه المرة بين العمري وبين مدير المركز
الثقافي الألماني (غوته) مستر لولاي الذي
نعته أيضاً بالإنكليزية بصفة "المرتزق"
و"إنهم يدفعون لك".
واتخذ
المستشار عباس ديب ذات الموقف الذي أعلنه في
قرار تجريم النائب الحمصي، إذ خالف رأي
الأكثرية وهما الرئيس جاسم محمد والمستشار
سليمان كرباج.
وعلمت
أخبار الشرق أن "ممثلين للترويكا
الاوربية من الدبلوماسيين المقيمين في دمشق
كانوا ينوون الاسبوع الجاري إجراء لقاء مع
موظفين كبار في الخارجية السورية لتقديم
انتقاد بناء للحكم الذي ناله الحمصي قبل
فترة، لكنهم لم يقدموا على خطوتهم هذه لعدم
حصولهم بعد على موافقات من حكوماتهم، وبعد
صدور القرار بحق سيف فانه موضوعه سيدرج ايضا
في اللقاء المنتظر".
واعتبر
أحد أعضاء هيئة الدفاع عن سيف المحامي أنور
البني أنه لا يزال "هناك بصيص أمل بوجود
قضاة مثل القاضي عباس ديب الذي خالف قرار
المحكمة مخالفةً مشرفة أول مرة في محاكمة
مأمون الحمصي والآن في محاكمة رياض سيف"،
ورأى أن القاضي ديب "غامر بمستقبله المهني
ضمن سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة
القضائية عبر مجلس القضاء الأعلى الواقع تحت
سيطرة وزير العدل، وهو عندما يغامر بمستقبله
المهني فهذا يعني أنه لم يستطيع أن يخالف
قناعاته".
واعتبر
البني قرار المحكمة بأنه "قرار سياسي يهدف
إلى إسكات أي صوت معارض"، و"لم نشهد
خلال الفترة السابقة محاكم وإنما مهازل".
وكشف عن أن "نقابة المحامين لا تزال
ممتنعة عن تسليمنا الوكالة المنظمة
للمحامين للطعن بقرار محكمة مأمون الحمصي،
وترفض أي وكالة جديدة يتم تنظيمها بوجود
محامين عرب، وهذا يخالف قانون النقابة
والاتفاقيات القضائية العربية والاتفاقيات
النقابية العربية التي تسمح للمحامين العرب
بالترافع أمام المحاكم في البلدان الأخرى
بكل حرية".
وفور
انتهاء الجلسة اتجه عدد من الحضور الى محكمة
أمن الدولة، بهدف تسليمها مذكرة احتجاج من
قبل اقارب الموقوفين الثمانية لمنعهم من
زيارتهم منذ إعلانهم الإضراب عن الطعام قبل
ثلاثة أسابيع.
ومنع
رجال الأمن بداية زوجات المعتقلين الثمانية
من دخول مبنى المحكمة، إلى أن تقدم عدد من
المحامين الموجودين وقاموا بتسليم الرسالة
الى النائب العام الذي وعدهم بان "يسمح
لأقارب الموقوفين بزيارتهم مع بداية
الأسبوع المقبل بحضور محام أو اثنين من
المحامين الـ 13 الموكلين عنهم".
وتضمنت
المذكرة التي اطلعت أخبار الشرق عليها ثلاثة
مطالب هي "السماح بالزيارة"، و"توفير
العناية الطبية اللازمة" و"المطالبة
بالإفراج الفوري عن الموقوفين وإلا إحالتهم
فورا إلى المحاكم العادية ومباشرة محاكمتهم".
وبينما
كان الجمع ينتظر المحامين، خرج من داخل
المبنى عضوا منتدى الحوار الوطني، ولجان
احياء المجتمع المدني يوسف مريش وعز الدين
جوني، اللذان أكدا انهما تلقيا مذكرات
استدعاء أول أمس من أجل الاستماع لشهاداتهما
بشأن كل ما قاله الموقوفين خلال مداخلاتهم
في منتدى الحوار الوطني او منتدى جمال
الاتاسي.
وذكر
مريش أنهما استمعا من قاضيين في المحكمة الى
الاتهامات الموجهة الى المعتقلين، وما نقل
عنهم، مؤكدا انه "حضر جميع المنتديات وهو
سمع امس كلاما لا اصل له ولا وجود، من قبيل
مهاجمة والاساءة للسلطات او محاولة قلب
النظام والمس بشخص رئيس الجمهورية ومحاولة
تغيير الدستور بطرق غير مشروعة ولكن بشكل
غير مباشر".
وبيّن
مريش الذي سيعود وزميله الاحد القادم من اجل
تسجيل شهادتهما، أن "الاسئلة لم تتطرق الى
الامين الاول للحزب الشيوعي السوري - المكتب
السياسي رياض الترك، ولا إلى مؤسس منتدى
طرطوس حبيب صالح، في حين أنهم سألونا عن بقية
المعتقلين الستة وهم عارف دليلة وحبيب عيسى
وحسن سعدون ووليد البني وفواز تللو وكمال
لبواني"، مؤكدا انه "نفاها كلها"،
وان اجواء الاستجواب كانت "مريحة جدا ولم
تُمارس علينا أي ضغوط".
وقال
ان "المحكمة ستباشر باجراءاتها مع
الموقوفين وهم بداية سيستمعون الى اقوال
شهود كثيرين، من بينهم استاذ الجامعة البعثي
ناصر عبيد الناصر". وكانت السلطات السورية
أوقفت المعتقلين الثمانية السابقين بعيد
توقيف سيف بأيام قليلة، ما دفع حينها الى
تجميد نشاط المنتديات السياسية غير المرخصة
في البلاد.
وقد
استنكر مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق
المدنية واللجنة السورية لحقوق الإنسان
قرار المحكمة واعتبروه
إهانة للقضاء العادي في سورية وطالبوا
بالإفراج فورا عن جميع المعتقلين السوريين
وبشكل خاص رموز المجتمع المدني والسياسي
واعتبرت
اللجنة العربية لحقوق الإنسان في رسالة لها
للأمم المتحدة واتحاد البرلمانيين الدوليين
الحكم على النائب المستقل رياض سيف بطعنة في
صدر الإصلاح السياسي والأخلاقي والثقافي في
سورية ومحاولة للجم كل الأصوات الحرة في
المجتمع السوري وطالبت بالتخل فورا للإفراج
عن العشرة الأفاضل.
وهناك
عريضة عالمية من أجل الإفراج عن المعتقلين
السياسيين في سورية جمعت حتى الآن أكثر من
مئتي توقيع وتطمح لتواقيع ألف سياسي ومثقف
وأديب سوري وعربي ومن العالم.