COMMISSION ARABE DES DROITS HUMAINS ET LE FORUM IRAKIEN EN FRANCE

اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمنتدى العراقي في فرنسا

إعلان المثقفين والحقوقيين في المنفى

 

شكل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 بكل المعاني تاريخا سلبيا، كمأساة وتبعات. فالخطاب الذي فشل الرئيس رونالد ريغان في تسويقه عن دول الشر عاد إلى الوجود. كما أصبح الهم الحقوقي والأخلاقي غائبا تماما عن أجندة أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم والتي أدخلت الحقد والنظرة الأحادية وفكرة استئصال من يخالفها الرأي في القاموس اليومي   لقمة السلطة مع ما يجره ذلك من مصائب على العالم.

الانتماء العربي الإسلامي هو المتهم في المصيبة الأمريكية. مما جعله مصدر خطر كامن وحيث لم يعد بالتالي ممكنا الركون إلى الكائن العربي إلا إذا كان مرتزقا أو أجيرا أو مستسلما. ولم يعد الانحياز الفاضح للمعتدي الإسرائيلي يشكل حرجا بل في جوهر الخطاب السياسي الأمريكي.

إلا أن السحر لم يلبث أن ارتد على الساحر، فالقائد العام لما يعرف بالحرب ضد الإرهاب لم يعد بوش الإبن بل آرييل شارون. والجبهة التي قامت لدعم الحرب الأمريكية في أفغانستان تصدعت على أنقاض مجزرة مخيم جنين ومأساة نابلس. وأصبح من الضروري اليوم إعادة بناء جبهة ديمقراطية واسعة على الصعيد العالمي في وجه خطاب الهيمنة والقوة، ولإعادة شئ من الاعتبار لقيم الحرية والتحرر والعدالة على سطح البسيطة.

اختطف مجرم الحرب آرييل شارون أنظار العالم الموجهة إلى التهديد الأمريكي للعراق ولكنه لم يختطف من أعماقنا وتحليلاتنا الأسئلة الجوهرية الرئيسية التي جعلت من إحدى أقوى الدول العربية المعاصرة أضعفها ومن أغنى الدول في المنطقة أفقرها. لقد جمع العراق في تجربته السياسية وحروبه المعاصرة آلام العالم العربي ولكنه أيضا كثف مأساة نظام الحزب الواحد وعبادة الفرد وسحق المجتمع المدني وسلطة الأقلية. وبهذا المعنى، فهو يذكرنا بكل التجارب العربية المشابهة في المشرق والمغرب. وبنفس الوقت، طرح علينا العجز العربي عن مواجهة العنجهية الإسرائيلية السؤال المركزي: هل كان بإمكان شارون وحكومته ارتكاب كل هذه المجازر بحق الشعب الفلسطيني لو كانت الحكومات العربية تمثل شعوبها وتحترم حقوق مواطنيها وكرامتهم ؟ وهل يمكن مقاومة الهيمنة الخارجية على المنطقة مع استمرار تغييب الحقوق الإنسانية الأساسية في العالم العربي؟

لقد أدى سحق التعددية السياسية وحرية الفكر والتعبير والتنظم إلى اغتيال الفعل السياسي وتدنيس الوعي العام للجماهير، وأصل غياب التداول على السلطة البيروقراطية والفساد والنفعية على حساب تنمية الكفاءات والمبادرات، لقد أخذنا من البيروقراطية أسوأ ما فيها ومن الرأسمالية أبشع أشكال جشعها وإفقارها وأصبحنا موضوعا للأحداث في عالمنا لا طرفا خلاقا فاعلا ومؤثرا.

إن أهم نتائج التغييب المتعمد لحقوق المواطنة اليوم يتجسد في انهيار مفهوم السيادة للدولة القطرية وانحسار الحس الوطني عند الحكومات والرضوخ للشروط الأمريكية للعولمة وإعادة بناء الخريطة السياسية في العالم. الأمر الذي تجلى على السطح مع صرخات الرجاء العربية الرسمية للإدارة الأمريكية وأحيانا الإسرائيلية باعتبار هذه الصرخات هي كل ما تبقى في جعبة الدبلوماسية العربية.

إننا نواجه اليوم نكبة جديدة، ولا يمكن أمام حدث بهذه الخطورة أن نبقى في نطاق الخطوات الجزئية والمتبعثرة. لقد زج الاجتياح الإسرائيلي الجديد بعشرات آلاف الشبيبة إلى العمل السياسي وجعلها تمزق جدار الهم الخاص نحو الشأن العام. وأصبح من واجب الرموز الفكرية والسياسية أن تكون في مستوى حقبتها ومستوى استيعاب هذا الجيل ضمن الأساسيات التي أكدتها المقاومة الفلسطينية في المعاناة اليومية: التعددية وحق الاختلاف، القدرة على الوحدة من أجل الدفاع عن الحقوق الأساسية للأشخاص والشعوب، رؤية العالم من منظار الوحدات الاقتصادية والثقافية الكبرى لا من منظار الحدود الاستعمارية، بناء الجسور مع كل الديمقراطيين في العالم وأخيرا وليس آخرا، القدرة على تحويل الدياسبورا المتشكلة من قمع الأنظمة الاستبدادية وفشل مشاريعها للتنمية إلى قوة سياسية واقتصادية وثقافية للوطن وللإنسانية.

إن المجتمعين في مالاكوف بمناسبة ندوة "من بغداد إلى القدس: الاستراتيجيات السياسية والحقوق الإنسانية التي نظمتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمنتدى العراقي في فرنسا بالتعاون مع عدة جمعيات في أوربة، يعلنون عن تشكيل لجنة باريس من أجل دعم المقاومة الفلسطينية، كنواة تجمع كل الحساسيات السياسية والحقوقية الديمقراطية من أجل دعم الشعب الفلسطيني، وتنسيق الجهود بين كل الديمقراطيين في العالم العربي وتنظيم طاقات المثقفين والسياسيين والحقوقيين في المنفى من أجل عالم عربي ديمقراطي حر في مجتمع بشري قائم على التكافؤ والعدل والمساواة.

 

مالاكوف في  13/4/2002