اللجنة
العربية لحقوق الإنسان
ARAB
COMMISSION FOR HUMAN RIGHTS
إلى
الزملاء والزميلات المحامين
والحقوقيين،
إلى
نقابات المحامين
داخل وخارج العالم العربي،
تحية
حقوقية،
مازال
الضغط الأمني على مجلس نقابة المحامين في
سورية مستمرا لتجميد رموز المهنة الذين
قرروا الوقوف إلى جانب المعتقلين السياسيين
دفاعا عن حريتهم وحقهم في محاكمات عادلة. وقد
رضخ مجلس النقابة أكثر من مرة لهذه الضغوط في
قراراته التعسفية الخاصة بالمحاميين هيثم
المالح وأنور البني، كذلك بالتلويح بمعاقبة
محامين آخرين.
لا
شك أن السلطة السياسية والأمنية، التي
اعتبرت منذ عام 1980 حرية العمل النقابي
للمحامين خطرا على وجودها فاعتقلت في ذلك
العام أبرز أعضاء مجلس الإدارة ليبقوا سنوات
في السجن دون محاكمة والتي باسم الجنرال
الأسد حولت الانتخاب النقابي إلى تسمية
رئاسية، لم تستوعب بعد معنى استقلالية العمل
النقابي وما زالت تخاف من كل المبادرات
الحرة والنزيهة لإعادة الاعتبار للعمل
النقابي في البلاد. والخطر كل الخطر أن يتم
زج المسؤولين النقابيين في معركة ضد زملائهم
بضغط من أجهزة الأمن. فالمشكلة ليست تجميد أو
عدم تجميد زميل، وإنما عودة الحرية إلى
العمل النقابي أو استمرار تبعيته ومراقبته
بشكل يحوله إلى عالة على المحامين عوضا عن أن
يكون صوتهم المنظم والمعقلن والحر.
وكما
نشرت اللجنة العربية لحقوق الإنسان الكتاب-المرافعة
للمحامي المعتقل حبيب عيسى ليعلم القاصي
والداني بما يحدث في المحاكم السورية اليوم،
تنشر على نطاق واسع اليوم مداخلة عدد من
المحامين السوريين دفاعا عن صديقنا وزميلنا
هيثم المالح المحامي، رئيس جمعية حقوق
الإنسان في سورية. هذه المداخلة التي تذكر كل
محام عربي بأن معركة اتحاد المحامين العرب
التي بدأت عام 1944 مازالت في الخطوة الأولى من
أجل كرامة حق الدفاع عن الإنسان الذي تتشرف
به مهنة المحاماة.
هيثم
وأنور وكل محام يجمد من أجل كرامة الإنسان
أكبر من أن يقيد مكانته قرار إداري. فكما أن
القاضي يحياوي في تونس أصبح رمزا لاستقلال
القضاء يوم أبعد عن عمله، وكما أصبح المحامي
نجيب الحسني الرمز للدفاع عن المعتقلين يوم
دخل المعتقل لهذا السبب، أصبحت اليوم جبهة
المحامين المدافعين عن المعتقلين السياسيين
ترمز للحرية والتغيير الديمقراطي والدفاع
عن حقوق الإنسان في سورية.
مقام
مجلس نقابة المحامين في سوريا
دمشق
****
الطاعــــن
:
المحامون احسان المارديني ورشيد الساطي
وحسن إسماعيل عبد العظيم وسامي ضاحي ،
بالوكالة الخاصة عن الزميل المحامي الأستاذ
هيثم المالح رقم 159/سجل 807 ، تاريخ 29/6/2002 ،
الصادرة عن فرع نقابة المحامين بدمشق .
المطعون
ضده :
الحق العام المسلكي .
القرار
المطعون فيه :
القرار رقم 12/2002 ، تاريخ 4/6/2002 ، الصادر في
القضية أساس 45/2002 ، عن فرع نقابة المحامين
بدمشق . والقاضي بمنع الموكل الزميل من
مزاولة المهنة لمدة ثلاث سنوات .
ولما
كان القرار مخالفاً للقانون والأصول فقد
جئنا نستدعي إلغاءه .
في
قبول الطعن شكلاً :
لما
كان الموكل قد تبلغ القرار بتاريخ 12/6/2002 ،
والطعن مقدم بتاريخ اليوم ، مستوفياً شرائطه
الشكلية فيغدو مقبولاً شكلاً .
في قبول
الطعن موضوعاً :
لما
كان القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون
والأصول فقد جئنا نستدعي إلغاءه للأسباب
المبينة أدناه :
مقدمة
في الوقائع :
يقول
العرب : " ان من شب على شيء شاب عليه " .
وهذه قصة زميلنا الأستاذ هيثم المالح . (
عاشق الحرية ) .
بدأ
حياته قاضياً ، وفي عام 1965 تضامن هو وجمهرة
من القضاة مع المحامين في إضرابهم ودعوتهم
للحرية . وكان من المنطق أن يكون اسمه ضمن
لائحة تتضمن ( 24 ) قاضياً على رأسهم القاضي
الشهير عبد القادر أسود صرفوا من الخدمة
بقرار من مجلس الوزراء . بعدها عمل في
المحاماة ونشط في مجال النقابة ، فكان رئيس
صندوق التعاون . وكان عضواً ناشطاً في لجنة
الحريات العامة وحقوق الإنسان التي تشكلت
برئاسة المرحوم الأستاذ رشاد برمدا . وبسبب
نشاطه في هذه اللجنة أودع السجن سبع سنوات .
والآن
الموكل المحامي الزميل هيثم المالح هو رئيس
جمعية حقوق الإنسان في سورية ، ولقد نصت
المادة /2/ من نظامها الداخلي على أهداف
الجمعية حيث جاء في الفقرة الثانية من
المادة المذكورة ؛ إن من واجبات الجمعية :
" الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته
الأساسية " .
كما
نصت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة على
أنه من واجبات الجمعية :
" اطلاع الرأي العام على أي انتهاك
لحقوق الإنسان أو تجاوز على حرياته الأساسية
من خلال وسائل الإعلام المتاحة ، لما لذلك من
قيمة تربوية وأخلاقية ."
وأكدت
هذه المادة في مطلعها أن من أهداف الجمعية :
" تعزيز سيادة الدولة الوطنية ، دولة الحق
والقانون بما يتفق وقيم الحرية والمساواة
والعدالة الاجتماعية . "
هذه
المقدمة لا بد منها ، للتذكير بأن الزميل قد
نذر نفسه لرسالة نبيلة ، بل هي أنبل الرسالات
على الإطلاق . وخاصة وأنه هو الذي خبر عملياً
ما معنى التجاوز على حقوق الإنسان ، ولبث في
السجن سبع سنين .
مجريات
القضية
:
تلقى
الموكل كتاباً صادراً عن رئيس فرع نقابة
المحامين بدمشق ، يتضمن دعوته لمقابلة عضو
مجلس الفرع الأستاذ راتب شرف ، دون الإشارة
الى أسباب المقابلة .
ولما
كان الموكل على يقين من أن الدعوة صادرة عن (
فرع ) نقابة .
فقد
طلب من رئيس الفرع بيان أساس الدعوى
ومستندها القانوني ، وبدلاً من أن يتبلغ
الرد ، تبلغ قرار إحالته الى مجلس التأديب
بموجب القرار رقم/4/ المؤرخ بـ 18/2/2002 .
وفي
جلسة 16/4/2002 ، تقدم الموكل بمذكرة خطية تتضمن
ثلاث نقاط أساسية هي :
1- طلب تنحي الأساتذة الحزبيين في مجلس
الفرع عن رؤية هذه الدعوى،
كموقف ودي ، كي لا يضطر الى إعمال نص
المادة /91/ من قانون المحاماة . وردهم أمام
محكمة الاستئناف ، سنداً لأحكام المادة /81/
من قانون السلطة القضائية .
2- إبلاغ مجلس الفرع أن الموكل تنازل عن
حقه في سرية الجلسات وطلب جعل الجلسات علنية
.
3 - صورة عن ملف هذه القضية ، كي يتمكن من
إنجاز حق الدفاع المقدس .
وأجلت
الجلسة ليوم 4/6/2002 ، وكان الموكل مضطراً
للسفر في هذه الفترة خارج البلاد ، فتقدم
بطلب معذرة ، وهنا وخلافاً لأي منطق وقانون ،
أبلغه موظف الديوان ضرورة تقديم جواز سفره ،
وهذا ما لم يحصل في أي وقت سابق ولأي زميل كان
، مما دعا الموكل إلى إبلاغ رئيس الفرع
برسالة بالفاكس أنه لم يستطع الحصول على
المعذرة بسبب عرقلة الديوان ، معتذراً عن
حضور جلسة 4/6/2002 ، وحين عاد
الموكل من السفر في 10/6/2002 ، فوجئ بصدور
القرار الطعين.
وهكذا
حرم الموكل من الدفاع عن نفسه بعد أن كان
يعتقد أن مجلس الفرع سيتقيد بأحكام القانون
ويجيب على دفوعه الشكلية وفق القواعد العامة
، لينتقل بعدها الى الدفوع الموضوعية مما
جعل القرار الطعين إضافة الى سبق أوانه
مخالفاً لمبادئ أساسية في القانون .
عودة
الى القرار الطعين
:
جاء
في مطلع القرار رقم /4/ الصادر عن رئيس فرع
نقابة المحامين بدمشق المتضمن إحالة الموكل
الزميل الأستاذ هيثم المالح الى مجلس
التأديب لمحاكمته لمخالفة مسلكية منسوبة
إليه ….
جاء : " بعد الاطلاع على الشكوى
المسلكية المقامة من الحق العام المسلكي
…"
وجاء في مطلع القرار الطعين : …
" ورد الى مجلس فرع نقابة المحامين
بدمشق بيان منشور …
الخ
"
من
الرجوع الى المادة /87/ من قانون المهنة نجد
أنه : " للنقيب ولرئيس الفرع الحق بإقامة
الدعوى التأديبية مباشرة أو بناء على شكوى
أو إخبار خطيين."
ولما
كانت الدعوى التأديبية شأنها شأن أي دعوى
عامة من حيث صحة إجراءات رفعها تحت طائلة
البطلان والانعدام ، فإن الغموض في بناء
الدعوى على شكوى غامضة لم يلحظها القانون
يجعل الى جانب الريبة (البطلان الكلي) بحكم
ما تبع من إجراءات بما فيه الحكم الطعين .
فرئيس الفرع لم يباشر الدعوى ولا النقيب
، ولم يذكر القرار رقم /4/ ولا القرار الطعين
ممن قدمت الشكوى وخاصة أنها إذا أقيمت بدون
شاك ، فيجب أن تتم بناء على إخبار (خطي) ، وهذا
مالم يتوفر نهائياً .
فكلمة
الحق العام المسلكي دون مستند وقائعي لا
تنقذ القرار من البطلان الكلي والمعدومية .
وهذا
السبب كاف لإعلان معدومية القرار.
واستطراداً
وبكل تحفظ :
1)-
في بطلان جلسة الحكم :
أرسل
الزميل الموكل إلى رئيس الفرع فاكساً يعلمه
بعرقلة الديوان للمعذرة التي طلبها ، وطلب
اعتبار معذرته قائمة بسبب سفره خارج البلاد
، وتبعاً لهذا فإنه وإن كانت المحكمة لها
التقدير والقرار في قبول المعذرة أو رفضها
فإنها ليست معفاة من ذكر ورودها وأسباب
رفضها .
ولما
كان القرار الطعين لم يتطرق الى هذه المعذرة
، فإن الخصومة في هذه الجلسة تغدو باطلة ،
لأن القانون لم ينص على طريقة محددة بطلب
المعذرة، فقد تكون من قبل النقابة ، وقد تكون
برقية أو فاكس أو تقرير طبي …
الخ طالما أن
الأستاذ هيثم المالح يحاكم شخصياً ، ويلتمس
المعذرة من المحكمة مباشرة، وليس بواسطة
النقابة بل بواسطة الفاكس .
2)- في مخالفة
القرار الطعين للقانون ولقواعد العدالة ،
عند عدم الرد على الدفوع الشكلية التي أدلى
بها الموكل الزميل في مذكرته المؤرخة في
16/4/2002 :
آ- في صحة الدفع الشكلي الأول :
طلب
الموكل من أعضاء الفرع البعثيين التنحي عن
رؤية الدعوى ، حيث أنهم يمثلون جانب النظام
الذي أودعه في السجن سبع سنوات دون وجه حق من
جهة ، وكون قانون السلطة القضائية يمنع على
القاضي أن يكون حزبياً ، من جهة أخرى . مادة
/81/
ولما
كان لهذا الطلب مستنده الكبير في الفقه
والقضاء والقانون ، فقد كان يتوجب على مجلس
فرع النقابة مصدر القرار الطعين الرد عليه
كون هذا الدفع يتعلق باستقلال القاضي .
وإننا
نرى أن ندرج ما أورده الفقه العالمي بهذا
الشأن .
استقلال
القضاء والقاضي :
إن
استقلال السلطة القضائية عن بقية السلطات لا
تكتمل إلا باستقلال القاضي عن كافة المؤثرات
، وفي مؤتمر الاتحاد الدولي للقضاة المنعقد
في دكار 1967 جاء في
قراراته ما يلي :
"
وإن تنظيم هذه السلطة القضائية تنظيماً
صحيحاً وكافياً لتأدية الخدمات المطلوبة
منه لم يعد امتيازاً موقوفاً على أمة ، بل هو
النظام الأساسي والضروري لحياة اجتماعية
راقية في أي مجموعة من البشر ".
ولهذا
كان لاستقلال القضاء وجهان :
أولهما
:
استقلال السلطة القضائية عن السلطة
التنفيذية والسلطة التشريعية.
وثانيهما
:
استقلال القاضي عن المؤثرات الخارجية الذي
يجعل وجدانه حراً وأحكامه نابعة من ضميره
الحي بدون خلفيات أو مؤثرات .
ومن
هنا جاءت المادة /81/ من قانون السلطة
القضائية التي تحظر على القضاة أن يعملوا
بالقضايا السياسية ونص المادة [ يحظر على
القضاة إبداء الآراء والميول
السياسية ويحظر كذلك على القضاة الانشغال
بالسياسة ] .
وقد
ارتفع الى الذروة الأستاذ موريس ايلاهو نقيب
محامي باريس في دفاعه عن زميل له يحاكم بتهمة
تهجمه على الجنرال ديغول فقال : ( يصح القول
بأن للدفاع حصانته التي تتيح الإدلاء بأمور
وفتح قضايا لا يمكن التعرض لها بطريقة أخرى ،
خصوصاً في معرض الملاحقات القائمة على
مواقف عقائدية أو سياسية مناهضة
للسلطة القائمة …
ولكي يتحقق استقلال القضاء على وجه صحيح
لا بد من أن يسود أداة الحكم نهج قويم بتطبيق
المبادئ الديمقراطية، خصوصاً المبدأ الذي
يفسح المجال لاقامة معارضة بناءة حرة تستطيع
أن تعلن مناهجها على الرأي العام . وتوضح
أغراضها وتهيئ مختلف السبل لتحقيق مشاريعها
) .
وينتهي
الى القول ( لمن العبث القول بوجود حقيقي
للحصانة ما لم يثبت هذا الوجود في نفس القضاة
ويتجلى في إيمانهم ، بحيث ينطلق حكمهم من
زوايا قصر العدل ليحتل مركزه في قصور سلطات
أخرى ) .
استقلالية
القاضي عن المؤثرات السياسية والسلطوية
والتبعية هي التي جعلت المشرع يفرض على
القاضي أن لا يتعاطى الأعمال السياسية ،
وبالتالي يمتنع عليه أن يكون منتمياً لأي
حزب كان كي لا يبقى من تأثير عليه سوى ضميره
الحي .
وهذا
ما جعل القاضي الفرنسي الكبير جان دي لا فا
كييري يوم تول منصبه إذ قال مخاطباً الملك
لويس الحادي عشر: " يا مولاي اسمح لي أن
أصرح لجلالتك أن هناك شيئاً سأطيعه قبل أن
أطيعك " فقال الملك : وما هو هذا الشيء ؟
فأجابه القاضي : هو ضميري ".
وقد
تجلى هذا الموقف العظيم في موقف القاضي
النبيل أنطون سيغيه رئيس محكمة استئناف
باريس عام 1824 عندما طلب منه موفد السلطة بأن
يصدر قراراً يعطل فيه جريدة لا كورييه ،
قائلاً له أنه بذلك يؤدي خدمة كبيرة للحكومة
فأجابه القاضي : [ أن المحكمة تصدر قرارات ولا
تؤدي خدمات ] .
استقلال
القضاء واستقلال القضاة وتنزه الذات عن
المغريات وعن السلطة، هي الضمانة الوحيدة
لحرية الفرد والإنسان في المجتمع ، ويكفل
هذا الدستور -
ولا نقصد بالدستور الدستور الوضعي ، بل
الدستور الأزلي الذي هو فوق الدساتير،
لأنه مستمد من طبيعة الإنسان كانسان
وحقوقه الأزلية - وهذا ما عبر عنه قادة شعوب
العالم في العاشر من كانون الثاني عام 1948 في
إعلان شرعة الأمم المتحدة :
(
أنت إنسان بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، وهذه
حقوقك المقدسة التي
لا يمكن لأية سلطة أن تنال منها ، إنها في
حمى الدستور الأزلي ، فانعم بها مضمونة لك كي
لا تكون مضطراً فيما بعد لاستعمال وسائل
العنف والثورة في وجه الظلم والاستبداد ) .
ب-
في صحة الدفع الشكلي الثاني :
طلب
الموكل من مجلس ا لفرع جعل جلسات محاكمته
علنية ، وبمعنى آخر فانه أسقط حقه في سرية
جلسات محاكمته ، وهذا الحق هو من حقوق الموكل
وليس من الحق العام المسلكي .
وقد شرع في الأساس لمصلحة المحامي
المحاكم مسلكياً بغية عدم التشهير به أمام
الرأي العام ، بما يشكل من مساس لسمعته ، حتى
ولو انتهت القضية بعدم المساءلة
.
وسرية
الجلسات في الأساس هي خلاف المبدأ الأساسي ،
والأساس في المحاكمات هي العلنية . والسرية
استثناء ، واستثناء محدود جداً . لأن مبدأ
العلنية الذي طلبه الموكل هو من القواعد
الأساسية في التقاضي ، فتأمين
الدفاع في المناقشة العلنية مبدأ هام وأساسي
، لأنه يتعلق بتأمين مراقبة السلطة الرابعة
غير المنصوص عليها في القوانين سلطتها في
مراقبة القضاء . والمقصود بالسلطة الرابعة
هو (الرأي العام ) . وفي
هذه القاعدة يقول الكاتب الكبير جاك ايزورني
: ( إن المناقشة العلنية والدفاع العلني يخلع
على الحكم وشاح العدالة عند لفظه ، ومتى تجرد
الحكم عن العدالة انفتح باب إعادة النظر فيه
، على أن عدم تأمين الدفاع بحرية يجعل أمر
الرجوع عن الحكم أمراً صعباً جداً ، ويبقى
للتاريخ أن يقول كلمته) .
فليس
هناك فوق السلطة القضائية سوى سلطة الشعب ،
ممثلاً بالرأي العام. ومن
هنا انطلق مؤتمر نيودلهي عام 1966 بتأكيد
الاتحاد العالمي للصحافة على دورها في تشكيل
الرأي العام النزيه وقد جاء في القرار ( أن
الصحافة الحرة خير قوة للدفاع عن المجتمع
الحر وخير حصن يواجه طغيان الدولة ) .
ويقول
الأستاذ جريج معلقاً أن السلطة الرابعة
ينطلق منها الرأي العام ليفرض رقابته حتى
على القضاء . فالرأي العام هو الرقيب ،
والمحامي ، والحكم الأخير ، وذلك لتغليب
الحقيقة الواقعية على الحقيقة القضائية
وتبقى الحقيقة القضائية مجرد افتراض
اقتضته الضرورة .
أمام
هذا كله ألم يكن من حق الموكل أن يسقط حقه في
سرية الجلسات ليبقى العالم
شاهداً حياً على محاكمته فيما إذا كان يلقى
محاكمة عادلة أم لا ؟. وخاصة أن ليس في
الادعاء ما يعيبه ، وليستطيع أمام الرأي
العام أن يفند الشكوى لتكون شهادة إشادةٍ
على إخلاصه وتفانيه في سبيل الحق ونصرة الحق
والإخلاص للموكل ، ولحق الدفاع المقدس
والقيام بما التزم به في الدفاع عن حقوق
الإنسان .
ولما
كان مجلس الفرع لا يملك حق إلزام الموكل
بالحفاظ على حق منحه إياه القانون فقد كان
على مجلس الفرع أن يستجيب لهذا الطلب ، ولما
لم يفعل فقد انحدر بقراره الى درجة الانعدام
.
ج-
في صحة الدفع الشكلي الثالث :
طلب
الموكل من مجلس الفرع تزويده بصورة عن ملف
القضية لم يستجب مجلس الفرع . ولما كان لا
يستقيم أي دفاع إلا إذا أخذ بعين الاعتبار
وثائق ومستندات الدعوى وتفحصها ملياً ، فإن
حق الدفاع قد حجب عن الموكل نهائياً، عندما
لم يستجب مجلس الفرع الى طلب الموكل ، مما
جعل الحكم مشوباً بعيب حجب حق الدفاع ، مما
يخل بسير العدالة وينتهك قواعد الدعوى
الأساسية ويجعل الحكم هو والعدم سواء .
في
مناقشة حيثيات القرار الطعين :
إذا
شئنا الصراحة والصدق فليس هناك حيثيات في
القرار ، وإنما جمل مبتسرة
بمثابة آيات منزلة لا نقاش فيها . فدون
أي نقاش يقرر مجلس الفرع أن
ما ورد في صحيفة الرأي العام هو تهجم
على القضاء والمؤسسات وأن ما ورد في
هذه التصريحات مخالف لآداب المهنة
وتقاليدها بل ان القرار الطعين نسب الى
الموكل مالم يقله أو يعترف به عندما أورد أنه
لم ينكر هذه المخالفات ، والفارق كبير بين
عدم انكار وقائع حصلت ، وبين أن تشكل هذه
الوقائع مخالفات مسلكية. وكان القرار الطعين
قد تجاهل القاعدة الثالثة من نظرية الدعوى
والتي تتلخص بـ: " اقتران الحكم بأسباب
ملائمة " ويقول الشراح في شرح هذه
القاعدة: [ أن تقيد القاضي بهذا الواجب يجعله
مقيداً في تصرفه ، فينصرف الى التدقيق
والتنقيب متروياً في عمله متحللاً من عوامل
الهوس في التقدير الكيفي، ويفسح المجال
لممارسة الرقابة فعلياً من الجهة العليا على
الجهة الدنيا ، لأن الجهة الدنيا تستطيع منع
الرقابة وذلك بتجريد قراراتها من أي تعليل ] .
وقد
جاء في قرار مؤتمر ريودي جانيرو عام 1962
بالحرف ما يلي :
"
أما ما يميز الحكم القضائي الذي ينهي نزاعاً
قائماً بين الخصوم ما يميزه عن العمل
الإداري الذي تفرضه السلطة بالقوة ، أن
القرار القضائي يحتاج دائماً الى تبرير
عدالته بالرجوع الى ما يحويه من أسباب في أي
وقت يثار الجدل حوله في الرأي العام . فإذا
تجرد الحكم القضائي من أسبابه ، أصبح هو
والعمل الإداري بقوة السلطة في مرتبة واحدة
مما يؤدي أنه لا يسدل ستاراً على الواقع
الراهن بل يظل كل منهما ماثلاً في ذهن الناس
".
فالمجلس
مصدر القرار الطعين لم يكلف نفسه على الأقل
إيراد الكلام الذي ورد على لسان الموكل في
صحيفة الرأي العام ، فكيف تستطيع السلطة
الأعلى أن تفرض رقابتها على مثل هذا القرار ؟.
ما هو هذا التهجم على القضاء والمؤسسات؟ وهل
الكلام يشكل تهجماً على القضاء والمؤسسات
فعلاً ؟ …
لقد
نحى الاجتهاد المصري في هذا الموضوع منحاً
جعل الاجتهاد يستقر على أنه لا بد من ذكر
الكلمات مهما كانت وبأية لغة كانت حتى ولو
أنها تخدش الآداب العامة وذلك في معرض إقرار
تشكيل ( الكلمة ) جريمة معاقب عليها فكيف إذا
كانت عبارات محام يعلق على قضية موكله ، ثم
أليس من المتوجب أن يذكر مجلس الفرع كيف
استنتج هذه التصريحات ( المجهولة ) مخالفة
لآداب المهنة وتقاليدها ؟..
هل
من تقاليد المهنة أن يلتزم المحامي الصمت
تجاه ظلامة يتعرض لها موكله ؟
هل
من تقاليد المهنة رفع شعار ( حقوق الإنسان
تتم بحفظ اللسان ) ؟
نحن
نعلم أن المحامي تعلم أن يتكلم لا أن يصمت
وأن المهنة تقبل بصفوفها العمي ولكنها لا
تقبل البكم .
ينعى
الحكم على الموكل أنه لم يستحصل على أذن من
مجلس الفرع بالسماح له بنشر تصريحات . والذي
نعرفه أن ليس هناك ممثل للنقابة في الكويت
يطلب منه الإذن ، ولكن الأكيد أن الموكل
استخدم حقه ، حقه الدستوري الأزلي في عرض
قضية موكله على الرأي العام الذي هو فوق
القوانين الوضعية بما فيها قانون المحاماة
العتيد لنقابتنا ، والذي صدر عن المشرع
بظروف كانت تفسره إن لم تكن تبرره في ذلك
الحين . ومجلس الفرع يعلم اليوم أن هناك لجنة
مشكلة في النقابة من كبار المحامين لتعديل
هذا القانون
والذي فيها أحد موقعي القرار الطعين الأستاذ
راتب شرف .
طبعاً
كان بإمكان الموكل لو لم يحرم من حق الدفاع ،
كان بإمكانه أن يطلب استبعاد تطبيق المادة /
85 / من قانون المهنة لمخالفة هذه المادة
لأحكام الدستور ، وخاصة المادة /38 / منه ،
علاوةً عن أن قانون تنظيم مهنة
المحاماة بأكمله كان موضع انتقاد شديد
جداً من اتحاد المحامين العرب أيضاً الذي
شكل لجنة في ذلك الحين برئاسة الأستاذ زهير
الميداني لتعديل القانون ، وقد راجعت هذه
اللجنة المسؤولين مراراً ، ولم تصل الى
نتيجة في ذلك الحين .
حق
المواطن اللجوء الى الرأي العام
وفي
هذا المعرض يقول الأستاذ جريج ليؤكد حق
الفرد باللجوء الى الصحافة والى الرأي العام
عندما يتعرض للظلم فيقول : ( متى قام الشك
في استقلال القضاء تزعزع الإيمان
بالحق وأصبح من حق المواطن المتألم من
ظلم أصابه في كرامته وسمعته أو ظلم ألحقه في
حقوقه ومصالحه أن يتجه الى الرأي العام لعله
يجد فيه معيناً صادقاً يخفف عنه وطأة الظلم
لحسن تقديره المعنوي وفرض إعادة اعتباره ،
وللتعويض عليه ، ولو بصورة رمزية ، فمنبر
الصحافة كان ولا يزال عاملاً أساسياً في
نصرة الحق ) .
وفي
تبرير هذا الحق يقول القاضي جريج أنه نتيجة
استقراء تاريخ القضاء في العالم تبين أن
هناك صراعاً دائماً بين السياسة والعدل : (
فمنذ فجر التاريخ يقوم صراع عنيف بين
السياسة والعدل ، فتشهد
الشعوب من حين الى آخر سلسلة من مآسي
فظيعة ، ومن مؤامرات تحاك في الخفاء للإيقاع
بخصم ، أو للانتقام من عدو ، أو للتخلص من
منافس ، أو لنشر فكرة جديدة ، أو لمجرد إرضاء
نزعة شريرة . وقد
تصل المؤامرة إلى ساحة القضاء مغلفة أغراضها
الحقيقية بمظاهر الشرعية ، وحب الوطن ،
والدفاع عن الحق، وصيانة الحريات ، وحفظ
النظام لتصل الى تحقيق غايتها لتضليل القضاء
وتسخيره
……
لهذا كانت أصوات الحق ترتفع في مختلف
الأوساط القانونية والشعبية مطالبة بالعدل
، معبرة عن شعور الرأي العام الواقف على
حقائق الأمور منادياً بالحق واعادة الأمور
الى نصابها ).
في
التعرض للقضاء جاء
في القرار الطعين أن الموكل تعرض للقضاء: غني
عن البيان أنه في أعظم بلدان العالم رقياً
يتعرض القضاء للنقد من قبل جهة الدفاع أو
الادعاء دون أن يؤثر هذا النقد على مراكز
الدفاع أو الادعاء . ونقصد بالنقد ، النقد
العلني والصحفي ، فمنذ أيام هاجم المحامون
وكلاء الادعاء في قضية شارون هاجموا قرار
المحكمة بإسقاط الادعاء ضد شارون واصفين
الحكم بأنه قرار سياسي وليس بقرار قضائي وأن
القضاة تعرضوا للضغط لإصدار هذا القرار ،
وتعهدوا باستئناف هذا القرار أمام الجهات
القضائية الأعلى ولم يتعرض المحامون الى أية
متاعب مع نقابتهم ، فهذا حق كفله لهم (
الدستور الأزلي ) وهو اللجوء الى الرأي العام
لتصليح خطأ قضائي .
ولم
يفعل الموكل أكثر مما فعله هؤلاء المحامون .
ونسوق مثالاً أعظم وأكبر أن أكبر محكمة
دولية في العالم والتي تحاكم ( ميلو زوفتش )
تعرضت الى نقد هائل من محامي هذا الرجل
واصفين إياها بأنها محكمة تأتمر بأوامر
أمريكا ورغم ذلك لم يتعرضوا الى أية مساءلة .
لهذه
الأسباب كلها جئنا نلتمس :
1-
قبول
الطعن شكلاً .
2-
قبوله
موضوعاً واعلان انعدام الحكم المطعون فيه
واستطراداً إلغاءه.
وبكل
احترام