مذكرة
حول تطور الأوضاع في مجلس النواب البحريني
شهدت
المجادلات في جلسات مجلس النواب البحريني
أعلى درجة من السخونة خلال الأسبوع الأخير
من شهر مايو ( أيار ) المنصرم. ولئن كان ذلك
أمرا عاديا قياسا بما يحدث في برلمانات
العالم بسبب اختلافات الاتجاهات والرؤى حول
مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية والأمنية وغيرها التي تعكس تنوع
قوى المجتمع ومصالحها، إلا أن ما أفضت إليه
المشادات من نتائج وإجراءات أصبحت تنم عن
أخطار حقيقية تتهدد مسيرة الإصلاحات
الديمقراطية التي أطلقها جلالة ملك البحرين
الشيخ حمد بن عيسى بن خليفة منذ العام 2001،
والذي يبدي حرصا وإصرارا شديدين على
الاستمرار بالمسيرة الديمقراطية رغم كل
العثرات التي تعترض طريقها ورغم كل أخطاء
المعالجات من جانبي السلطة والمعارضة.
فالقوى
المتضررة من العملية الإصلاحية أصبحت تضيق
ذرعا بتطوراتها بعد أن فشلت في احتوائها
وإيقافها ثم إعادتها إلى الوراء. وبعد أن
فشلت كل المحاولات من خارج البرلمان استنفرت
هذه القوى كل إمكانياتها لتعطيل عمل المؤسسة
البرلمانية من داخلها. وقد استشاطت هذه
القوى غيظا، خصوصا عندما لامس الأمر قضيتين
هامتين كالمال العام والهوية الوطنية
للبلاد ممثلتين في فتح ملف التعديات على
حقوق المساهمين في صندوقي التقاعد
والتأمينات الاجتماعية وملف التجنيس الذي
أصبح بحاجة إلى ضوابط جدية للحيلولة دون
تشوه التركيبة الديمغرافية
للبلاد
وما يستتبعه ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية
وأمنية سلبية على المجتمع. كما أصبح مجلس
النواب على وشك أن يدخل في مسألة التعديلات
الدستورية التي أحدثت جدلا محتدما منذ إعلان
الدستور المعدل لعام 2002.
فبعد
أن حققت لجنة التحقيق البرلمانية نجاحات
هامة في كشف مختلف أوجه التعديات على أموال
الصندوقين بالحقائق والأرقام التي أقرت بها
الحكومة والتزمت على إثرها بإعادة كافة
الأموال التي غادرت الصندوقين بدون وجه حق
والتعويض عن بقية الخسائر الأخرى
والقيام بعدد من الإصلاحات الضرورية في
إدارة هذين الصندوقين،
وفي ذلك انتصار كبير لحقوق العاملين، فإن
هذه القوى
عادت للملمة قواها ومستخدمة كل الأدوات
والوسائل المشروعة وغير المشروعة للحيلولة دون
الوصول بهذه العملية إلى نهايتها السياسية
المنطقية بمحاسبة المسؤولين عن تلك
الخروقات ومعاقبتهم جزاء فعلهم وعظة
للمستقبل.
وبالفعل،
فقد نجحت هذه القوى في إقفال ملف التقاعد
والتأمينات الاجتماعية بالنتيجة التي أصابت
فئات شعبية واسعة بالإحباط بعد أن رأت عددا
لا بأس به من النواب ينقلبون على مواقفهم
السابقة التي أدانت المسؤولين من مرتكبي
التعديات على المال العام متحولين إلى
مدافعين عنهم، ورأت هؤلاء المسؤولين ينفذون
بجلدهم دون جزاء، وبقوا في مناصبهم وكأن
شيئا لم يكن.
ويبدو
أن هذه القوى التي استشعرت الخطر على
مصالحها تسعى لأن تتخذ من هذه النتيجة نقطة
انطلاق للهجوم على المؤسسة البرلمانية
وتعطيلها من الداخل بالتخلص من عدد من
النواب الشرفاء وتقييد حركة البعض الآخر.
وهي الآن تحاول توجيه ضربتها المباشرة
الأولى مستهدفة كتلة
" النواب الوطنيين الديمقراطيين" ممثلة
في النائب الأول لرئيس البرلمان السيد عبد
الهادي مرهون ومقرر لجنة التحقيق
البرلمانية في قضايا التعديات على صندوقي
التقاعد والتأمينات الاجتماعية السيد عبد
النبي سلمان وعضو هذه اللجنة البرلماني
النشط السيد يوسف
زينل. وهؤلاء
النواب الثلاثة هم أبرز النواب الذين ينظر
إليهم الشعب على أنهم ممثلوه الحقيقيون
والصوت الواضح للإصلاحات الديمقراطية في
داخل المجلس النيابي.
لقد
سبق وان تمت إحالة النائب الأول لرئيس مجلس
النواب الأستاذ عبد الهادي مرهون إلى اللجنة
التشريعية للتحقيق بشأن ما ادعي بتسريبه
لرسالة من النائب السعيدي. وكان محتوى هذه
الرسالة الذي يسيئ للوحدة الوطنية قد أثار
غضبا في الشارع البحريني اضطر النائب
السعيدي للاعتذار.
وكثيرا
ما تعرض النائب مرهون للإسكات من قبل نواب
آخرين هدد بعضهم بعدم حضور أية جلسة يرأسها
هذا النائب. وقد خرجت صحيفة "أخبار الخليج"
شبه الحكومية بمانشيت كبير على الصحافة
الأولى يردد عبارة لأحد النواب : " ليصمت
مرهون" في حملة مسعورة لاستهداف هذا
النائب.
وعلى
إثر الإجهاز على ملف صندوقي التقاعد
والتأمينات الاجتماعية وإصدار النائب عبد
النبي سلمان، الناطق باسم كتلة النواب
الوطنيين الديمقراطيين ومقرر لجنة التحقيق
البرلمانية في هذه القضية بيانا يبدي فيه
استغرابه من انقلاب بعض النواب على مواقفهم
في هذه القضية الحساسة إما لجهل بالأصول
المحاسبية أو لسبق الإصرار ومبديا الاستياء
من أداء هذه اللجنة (نص البيان مرفق ) ، اتخذ
هذا البيان ذريعة كي يحال للتحقيق مقرر لجنة
التحقيق التي كشفت حقائق التلاعب. وقد دعا
النائب عيسى المطوع إلى اتخاذ أقصى العقوبات
التي تسبق الفصل من البرلمان ضد النائب
سلمان.
وقد
اتسعت الدعوة للتحقيق لتشمل أيضا النائب
الأول لرئيس المجلس عبد الهادي مرهون
والنائب يوسف زينل – عضو لجنة التحقيق في
ذات القضية. النائب يوسف زينل بدوره أصبح
هدفا للنيل منه، خصوصا بعد أن عاود فتح ملف
وزير المالية عبد الله سيف ومدير ميناء
الشيخ خليفة بن سلمان السيد عبد الله عيد
اللذين ظلا يبرمان عقودا غير مشروعة لقرابة
ربع قرن مع شركة كورية لمناولة البضائع دون
إعلان أية مناقصات. ويحوم الكثير من شبهات
الفساد حول ماهية هذه الصفقات المتجددة. أما
الشركة ذاتها فلا تشكل أي نفع للاقتصاد
البحريني كونها توظف أجانب في الأساس ولا
تشتري احتياجاتها من السوق المحلية. وإزاء
موقفه هذا فإن النائب يوسف زينل مهدد
بالانتقام ( بالوسائل المشروعة)
من قبل مدير الميناء.
وقد
توسعت مساعي الانتقام لتشمل نواب وطنيين
آخرين. فقد تم افتعال قضية ضد النائب الأول
لرئيس مجلس النواب عبد الهادي مرهون وثلاثة
نواب آخرين هم جاسم
عبد العال، سمير الشويخ وعبد الله العالم
بتهمة الإساءة إلى المواطنين المجنسين. وتم
رفع قضية ضدهم بهذا الصدد. وعلى إثرها هدد
النائب العام للملكة برفع الحصانة عن النواب
الأربعة، مما استدعى احتجاج غالبية أعضاء
مجلس النواب على هذا الاستفزاز والتدخل في
شؤون مجلس النواب دون وجه حق.
وقد
لوحظ في الأشهر الأخيرة تدخل فج بث تسجيلات
وقائع جلسات مجلس النواب ومنتجتها بما لا
يوصل كامل الحقيقة للمشاهدين ويتسبب في
تعتيم إعلامي على مواقف عدد من النواب،
الأمر الذي لاقى احتجاج غالبية النواب.
إن
هذه المؤشرات يمكن أن تفهم على أنها إشارة
البدء لحملة ضغوطات على مجلس النواب تمنعه
من ممارسة صلاحياته وتتيح للحكومة مزيدا من
التدخل في شؤونه ومحاصرته من الداخل لمنع
ترسيخ مبدأ المحاسبة وتضييق صلاحيات المجلس
المنتخب بدلا من توسيعها ولمنع تتابع مناقشة
بقية الملفات الساخنة كالملف الدستوري، بما
في ذلك حصر صلاحيات التشريع بالمجلس النيابي
المنتخب وملفات البطالة والأجور وغيرها
بشكل جدي يخلص المجتمع من تبعات الآثار
السلبية المؤلمة لبقاء هذه القضايا معلقة.
لقد
أعرب الرأي العام العالمي عن بالغ ارتياحه
لبدء مسيرة الإصلاحات التي ناضل شعب البحرين
وقدم الغالي والنفيس من أجلها طويلا
والتي استجاب لها ولمتطلبات الزمن جلالة
ملك مملكة البحرين والذي تدخل لأكثر من مرة
للحيلولة دون إمكانيات العودة عنها. لكن حجم
المحيطة بهذه المسيرة بدأ يكبر بما أصبح
يهددها بشكل جدي يثير قلق جميع أصدقاء شعب
البحرين الحريصين على قضية تطوره
الديمقراطي في ظل دولة القانون والمؤسسات
الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
إن
الوضع يتطلب إبداء قلق الرأي العام العالمي
للسلطات الرسمية ولرئيس المجلس النيابي
والمطالبة بوقف محاصرة النواب الوطنيين
عموما وكتلة النواب الوطنيين الديمقراطيين
خصوصا واحترام حقهم في ممارسة صلاحياتهم
النيابية وإبداء آرائهم دون تهديدات أو ضغوط.
إن
لكلمة المنظمات العربية والدولية المعنية
بحقوق الإنسان وحرية والرأي والديمقراطية
بالغ الأثر في معالة الوضع الناشئ.
يونية
2004