اللجنة العربية لحقوق الإنسان

 

اغتيال الرنتيسي جريمة حرب

الدولة العبرية تمارس جريمة الاغتيال بشكل منهجي ومنظّم

 بعد أقل من شهر من اغتيال الشيخ أحمد ياسين القائد الروحي لحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" في 22/3/2004، في واحدة من أكثر عمليات الاغتيال السياسي خساسة في التاريخ المعاصر، قامت  قوات الاحتلال الإسرائيلي في ساعات مساء أمس الموافق 17/4/2004 بجريمة اغتيال سياسي وتصفية جسدية جديدة  في مدينة غزة. وقد ذهب ضحيتها هذه المرة قائد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، الدكتور عبد العزيز أحمد الرنتيسي، البالغ من العمر 57 عاما،ً واثنين من مرافقيه، فيما أصيب أربعة مدنيين آخرين بجراح.  

كان د. عبد العزيز الرنتيسي قد نجا من محاولة اغتيال سابقة، اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ10/6/2003، وراح ضحيتها مدنيان فلسطينيان، فيما أصيب أكثر من 30 آخرين بجراح، بينهم عدد من الأطفال ونجله احمد.

إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان، التي تلقت الخبر ببالغ الاستياء والحزن، تدين بشدة هذا العمل الإجرامي الذي ينفذ وفقاً لسياسة منهجية ومعلنة للحكومة الإسرائيلية تعتبر القتل خارج القضاء ممارسة مشروعة "للدفاع عن النفس". في هذه المناسبة، تود منظمتنا أن تفتح ملف جرائم الحرب والجرائم الإنسانية وتضع منظمات حقوق الإنسان أمام مسؤولياتها، مدللة على مدى احتقار الدولة العبرية للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وذلك منذ نشأة الدولة العبرية حتى يومنا هذا. هذه الدولة التي تحدد حدودها بنفسها وتفرض على العالم سياسة الأمر الواقع بجرائمها الجسيمة في الاستيطان والحصار والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. مع ذلك مازالت تعامل كالابن المدلل للقوة الأعظم وكالدولة ذات الرعاية الخاصة في الأوساط الغربية. فوق هذا وذاك، ورغم إبصار المواطن الأوربي لخطر الكيان الصهيوني، ما زلنا نجد مجموعات الضغط الصهيونية والمتطرفة في أوروبة تقدم لهذا الكيان دعما لا تتمتع به أية دولة في العالم. وإن كانت الإمبريالية في أبسط مفاهيمها عملية استغلال وسيطرة تجاه الآخر، فإن دولة إسرائيل هي الشكل الوحيد الذي تمكن من ابتزاز واستغلال قوى الهيمنة في العالم منذ عام 1948.

 

القانون الدولي والقتل خارج القضاء

إذا كان القتل خارج القضاء يعتبر انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، يمكن القول أن الاغتيال السياسي يشكل واحدا من أهم تعبيراته على الصعيد العالمي. هذه الظاهرة عالمية الطابع للأسف، رغم إدانتها من قبل الفلسفات والأديان الكبرى.

لم يتمكن المجتمعون في 1948 من جعل حق الحياة حقا غير قابل للتصرف، أي رفض حكم الإعدام صراحة. لكنهم أدانوا في المادتين الثالثة والخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 أي شكل من أشكال القتل أو المعاقبة بالقتل خارج القضاء. لقد أكدت المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة على حظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب وإصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا، تكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة. وقد جاء في اتفاقية جنيف الرابعة التعهد من الأطراف السامية باتخاذ إجراءات تشريعية ملزمة لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف مخالفة جسيمة (المادة 146)  وتحدد المادة 147 المخالفات الجسيمة بما يلي: الاعتداء على حياة المدنيين وسلامتهم البد نية والقتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والمهينة والتعذيب. اعتبرت هذه المادة الأفعال التالية من المخالفات الجسيمة: القتل العمد، التعذيب، المعاملة اللا إنسانية، تعمد إحداث آلام شديدة أو أضرار خطيرة بالسلامة البدنية أو الصحة. هذه المخالفات الجسيمة تعتبر من جرائم الحرب حسب البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية. كذلك الأمر في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.

ما يترتب في هذا الالتزام الأساسي في القانون الإنساني الدولي على إسرائيل كقوة محتله للأراضي الفلسطينية والمتمثل في تطبيقها لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، تتهرب منه سلطات الاحتلال بكل الوسائل رغم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. والأنكى من ذلك أنها تلقى حماية مباشرة في ذلك من الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي حالت دون صدور أي إدانة أو محاسبة للدولة العبرية رغم ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

من ناحية أخرى، تشكل الإجراءات الإسرائيلية خرقاً فاضحاً لأحكام العديد من مواثيق حقوق الإنسان،
كما جاء في : المادتين الثالثة والخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والمادتين السادسة والسابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والمادة السادسة من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والمادة الأولى من الإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، والمادة الثالثة من المدونة الخاصة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979.

تقضي هذه المواد بمجملها بعدم حرمان أحد من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المحاطة بالكرامة.

إن الانتهاك المتواصل لحقوق الإنسان الفلسطيني يعطي الدليل على أن دولة إسرائيل تتصرف كمؤسسة خارجة عن القانون الدولي وتعتبر الإرهاب وسيلة من وسائل العمل السياسي والحكومي. إزاء ذلك، لا يمكن بحال من الأحوال قبول فكرة "مناهضة الإرهاب" في وقت تصنف الدولة العبرية أمريكيا في معسكر المحاربين له. من هنا، تطالب اللجنة العربية لحقوق الإنسان المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الدولية بالخروج عن صمتهم والتدخل العاجل لمنع المزيد من التدهور في المنطقة. لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الشعب الذي يواجه أبشع آلات الدمار التي تمتلكها الترسانة الإسرائيلية بدعم ومساندة سياسية وعسكرية من الإدارة الأميركية، وما توفره لقوات الاحتلال الإسرائيلي من تكنولوجيا الدمار لمواصلة عدوانها على الشعب الفلسطيني.  

 

إسرائيل وسياسة الاغتيالات

من الأهمية بمكان العودة إلى أربعينات القرن الماضي، بما في ذلك حقبة الميليشيات الصهيونية التي قامت بعدة عمليات اغتيال سبقت 1948 والتي من أبرزها اغتيال الوسيط الدولي السويدي الجنسية، فولكا برنادوت. لقد استعملت هذه الميليشيات في تلك الحقبة أسلوب الطرود المفخخة التي كانوا يرسلونها إلى شخصيات عربية وفلسطينية بغرض تصفيتها أو إعاقتها جسدياً.

-عام 1956، أقدم الموساد الإسرائيلي على اغتيال الضابط المصري مصطفى حافظ من خلال طرد مفخخ انفجر بين يديه في مدينة غزة. واستناداً إلى الرواية الإسرائيلية، فإن مصطفى حافظ كان مسؤولاً عن عمليات التجسس داخل إسرائيل، وأعلن جهاز "أمان" مسئوليته عن ذلك.

-في العام نفسه تمَ اغتيال الضابط المصري صلاح مصطفى الذي كان يعمل ملحقاً عسكرياً بالسفارة المصرية بالأردن عندما انفجر فيه طرد بريدي وهو يمارس مهام عمله بعمان.
-في العام 1963، وعندما كان إسحاق شامير رئيس الذراع العسكرية لما يسمى "مقاتلو الحرية"، أرسل طروداً مفخخة إلى شخصيات ألمانية اعتبرتها إسرائيل قد ساعدت مصر في برنامجها الصاروخي. وقد قُتل العديد من الألمان في العمليات المذكورة.

 

شكلت السبعينيات إحدى أهم المحطات في سياسة الاغتيالات والتصفيات الإسرائيلية، حيث ذهبت الأجهزة الإستخباراتية الإسرائيلية إلى مطاردة الفلسطينيين في العواصم الأوروبية كافة. ولم تتوقف عمليات الاغتيال إلا بعد انكشاف أمر إحداها في العاصمة النروجية "أوسلو" عندما قتل عامل جزائري في مطعم، وكان المقصود من العملية المسؤول الفلسطيني أبو حسن سلامة مسؤول جهاز الـ17.

-في عام 1972 اغتال الـ"موساد" الروائي الفلسطيني غسان كنفاني أحد أهم القياديين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفي عام 1973 نفذت قوة كوماندوس إسرائيلية عملية اغتيال ثلاثة قادة فلسطينيين كانوا في لبنان هم: أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، في عملية شارك بها يهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق.

في يوليو عام 1973، اغتال الـ"موساد" المسؤول الفلسطيني في حركة فتح محمد بوديا من خلال تفجير سيارته التي كان يهمّ لقيادتها.

    -في ديسمبر من عام 1975، اغتال الـ"موساد" محمود الهمشري مؤسس قوة الـ17 الفلسطينية. العملية جرت في باريس من خلال عبوة متفجرة وقعت في هاتف بيته.

    -في فبراير من عام ،1979 استطاع الـ"موساد" اغتيال أبو حسن سلامة، قائد قوة الـ"17" في بيروت. عملية الاغتيال تمت بتفجير عبوة متفجرة بالقرب من سيارته عبر جهاز لاسلكي.
    -استمراراً في سياسة القتل والتصفية، اغتالت وحدة كوماندوس المسؤول الفلسطيني أبو جهاد في أبريل من عام 1988 وذلك في العاصمة التونسية. وقد أطلق المهاجمون 70 رصاصة على أبو جهاد للتأكد من مصرعه.

     _في مارس من عام 1990، اغتال الـ"موساد" العالم الكندي جارلد بول، في شقته في بروكسل بحجة التعاون مع العراق في تطوير المدفع العملاق العراقي.
     -في فبراير من عام 1992، اغتالت طائرات الأباتشيالإسرائيلية” الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي مع زوجته وابنهما.
    - في أكتوبر من عام 1995، اغتال الـ"موساد" الإسرائيلي أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا لدى عودته من زيارة لليبيا.

     -في يناير من عام 1996، اغتالت إسرائيل القائد الفلسطيني في حركة "حماس" يحيى عياش في منطقة غزة وتم وضع مادة متفجرة في هاتفه النقّال.

مسلسل الملاحقات والتصفيات تصاعد مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 28 أبريل من عام 2000. ووفقا لإحصاءات غير حصرية حتى نهاية العام الماضي، اغتالت إسرائيل خلال الانتفاضة 84 ناشطا وقياديا فلسطينيا ومعهم 44 مواطنا كانوا قريبين من مكان الاغتيال:

أول عملية اغتيال نفذّتها إسرائيل خلال الانتفاضة استهدفت حسين عبيات، مسؤول تنظيم "فتح" في بيت لحم (9/11/2000). ومن أبرز عمليات الاغتيال استهداف كل من ثابت ثابت، مسؤول تنظيم "فتح" في طولكرم (31/12/2000)، وجمال منصور وجمال سليم القياديين في حماس، في نابلس(31/7/2001)، وأبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برام الله (23/8/2001)، وعاطف عبيات، من قادة كتائب الأقصى (فتح) في طولكرم (24/10/2001)، ومحمود أبو هنود، من قادة كتائب القسام (حماس) في23/11/2001، ورائد الكرمي، قائد كتائب الأقصى (14/1/2002)، وصلاح شحادة، قائد كتائب عز الدين القسام (22/7/2002).

معروف أن إسرائيل استخدمت في عمليات الاغتيال طائرات الإف 16 والأباتشي والقذائف الصاروخية وتفجير الهواتف والسيارات والبيوت وطلقات الأسلحة الرشاشة.
يعرَف الباحث الإسرائيلي ارييه نادلر ظاهرة الاغتيال بالقول: هي "نشاط إرهابي ينطلق من دوافع إيديولوجية". ويؤكد زميله ميخال وولتسر، في دراسة تحت عنوان "الديمقراطية وسياسة الاغتيالات"، بأنه عند تفحص هذه الإيديولوجيا المبررة يمكن رؤية تميزها بوجهين أساسيين يرتبطان مباشرة "بأمن الدولة" أولا و"بالقيمة الدينية أو القومية للأرض". في الحالة الأولى، سيكون التقاسم الطبيعي بين اليمين واليسار. وهو يحتل مركزا يتشابه مع أي خلاف حول أمور اجتماعية أو اقتصادية في دول لا يحتل الأمن مركزا حيويا فيها، وفي المساهمة في أي خلاف داخلي عميق.

ما يغيب عن الباحث في دراسته لأنموذج اسحق رابين، هو أن المفاهيم التربوية لقضايا مثل ال"قدسية"، والخيانة"، تمتلك أرضية خصبة في ممارسات الدولة وتكوين أجهزة قمعها وجيشها ومخابراتها. وبالتالي، فالأنموذج الإسرائيلي للاغتيال السياسي يسمح بترعرع الأفكار العنصرية التي تجعل من التخلص من الآخر شرطا لأمن الذات والدفاع عنها.

ضمن هذا المنطق، يأتي تبني الإدارة الأمريكية لنظرية الدفاع عن الذات الإسرائيلية ليهدم كل مقومات حربها على الإرهاب أخلاقيا وقانونيا. إنها تجعل من هذه الحرب وسيلة من وسائل الاحتواء والسيطرة ليس إلا.

السؤال الذي يبقى في ضمير كل حقوقي: هل يمكن قبول جرائم الحرب الإسرائيلية وعدم التحرك من أجل محاسبة فاعليها؟

 

--------------------------------

 

C.A.DROITS HUMAINS -5 Rue Gambetta - 92240 Malakoff - France

Phone: (33-1) 4092-1588  * Fax:  (33-1) 4654-1913  *

     E.mail:  achr@noos.fr