اللجنة العربية لحقوق الإنسان

ARAB COMMISSION FOR HUMAN RIGHTS

COMMISSION ARABE DES DROITS HUMAINS

 

 

 

باريس في 5/4/2004

 

قوات الاحتلال تسير بالعراق إلى مشارف الحرب الأهلية

 

صعّدت قوات الاحتلال في الآونة الأخيرة من الإجراءات الاستفزازية والانتقامية بحق الشعب العراقي بغاية فرض الواقع الذي تبتغيه على عراق ما بعد 31 حزيران (يونيو). لقد قامت بإغلاق صحيفة الحوزة التابعة للسيد مقتدى الصدر واعتقلت عددا من أنصاره ومساعديه، في مقدمتهم الشيخ مصطفى اليعقوبي الذي وجهت وزارة داخلية الاحتلال تهما ملفقة بحقه. كذلك، حاصرت مدينة الفلوجة بقرابة عشرين ألف جندي من المارينز وقامت بعمليات انتقامية ردا على مقتل تسعة أمريكيين في حادثين منفصلين. كما أنها واجهت مظاهرات الأحد بإطلاق النار باتجاه المحتجين على التضييق بحق تيار السيد مقتدى الصدر. مما تسبب بمقتل عشرين مواطنا عراقيا وجرح أكثر من 150 في مدينة النجف بالأمس و28 قتيلا في بغداد اليوم.

لم تكتف سلطات الاحتلال بهذه الممارسات الخرقاء، حيث عهدت في اليوم نفسه لأحد عرّابي الاحتلال بمنصب وزير الدفاع، وذلك في استفزاز مباشر للشعب العراقي واحتقار لاعتراض معظم القوى السياسية بما فيها مشاركين في مجلس الحكم. وكي يكتمل مشهد التحريض، أعلن بريمر اليوم أن السيد مقتدى الصدر خارج عن القانون، في حين قصفت فيه طائرات الأباتشي حي الشعلة في بغداد وحاصرت مدينة الصدر. وكأن للسيد بريمر وضعا قانونيا يسمح له بإعادة بناء الصدامية بدون صدام، من فوق وعبر دبابات وطائرات الاحتلال.

إن في ما يجري في العراق دفعٌ لكل مواطن لحمل السلاح من أجل الكرامة، أكانت المنطلقات وطنية أودينية. فكيف يمكن قبول وجود ميليشيات مرخص لها واعتبار أخرى إرهابية؟ كيف يمكن الصمت عن عمليات الترحيل الجماعية والتسريحات بالجملة في بلد يعاني مواطنوه من أزمة اقتصادية خانقة ومن أعلى درجة بطالة بعد قطاع غزة في العالم العربي؟ كيف يمكن السكوت عن إعادة تكوين منظومة الفساد التي سادت العهد الصدامي بأسماء ووجوه جديدة معيار كفاءتها رضوخها للاحتلال؟

عوضا عن التأكيد على الممارسات الديمقراطية، يتم التأكيد على نزع السيادة من العراقيين، وبدلا من تعزيز الوسائل السلمية للتعبير يتم إغلاق منابر التعبير الناقدة. عوضا عن تقدير ردود الفعل العراقية المستنكرة للتمثيل بجثث قتلى أمريكيين يتم حصار الفلوجة مع شن حملات عشوائية ضد سكانها، وبدلا من مطالبة مجلس الحكم بالتهدئة يطالب بتأييد هذه السياسة الاستفزازية في وقت يرأسه فيه السيد مصطفى البرزاني.

لقد ربحت قوات الاحتلال معركتها السهلة مع صدام حسين، وخسرت حربها مع السلام والبناء والمجتمع العراقي. وهي عوضا عن تعّلم الدروس من هذه الهزيمة، تصّر على استعمال الوسيلة الوحيدة التي تتقنها، أي استعمال العنف. وبما أن العنف يولد العنف، تصبح الحرب الأهلية في مجتمع بدون سلطة مركزية احتمالا قائما، خاصة وأن تعامل قوات الاحتلال يقوم على التمييز العرقي والجغرافي والفئوي والطائفي ويحاول زرع أي شكل من أشكال التفرقة لتعزيز وجود الاحتلال.

منذ عشرة أشهر ونحن نسجل، في اللجنة العربية لحقوق الإنسان، انتهاكات جسيمة واختراقات فاضحة لقرار مجلس الأمن 1483 الذي أعدت مسودته الأولى الإدارة الأمريكية نفسها. وقد عبرنا عن استنكارنا لذلك في أكثر من مناسبة. وقد رصدنا حتى الشهر الماضي، قتل أكثر من 350 مواطنا خارج حالة حمل السلاح أو مناطق الاضطراب. يضاف لذلك وجود أكثر من 13 ألف معتقل وأسير عراقي في سجون الاحتلال، واختلاس الحق بالتصرف بالمال والأمن والجيش والتوظيف وتقييد صلاحيات أبناء العراق داخل وخارج مجلس الحكم وإطلاق يد الفئات التي لا تملك أية مشروعية سياسية أو شعبية في البلاد.

لقد آن أوان العودة إلى الشرعية الدولية والسيادة العراقية ووضع حد لممارسات فئة لا تملك لا الخبرة ولا المعرفة بشعب العراق وأوضاعه. آن أوان انتخابات حرة تعطي للشعب ممثليه، لا ممثلي وزارة الدفاع الأمريكية. آن أوان بناء العراق الديمقراطي الحر والمستقل. هذا هو السبيل الوحيد للخروج من المواجهات التي تهدد بمواجهات دموية كبيرة على أعتاب إحياء الجماهير المؤمنة لذكرى أربعينية الإمام الحسين. عراق اليوم على مفترق طرق يهدد بكارثة، فهل يمكن وقف التدهور وحقن الدماء قبل فوات الأوان؟