اللجنة العربية لحقوق الإنسان

القامشلي: الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها

           باريس في 13/3/2004 

خلفيات الجمعة السوداء

لم تكن الرياضة بحاجة لأن تدخل الأحداث السياسية-الاجتماعية من الباب الأسوأ، فإن كانت الروح الرياضية تهدف لحالة من التقارب بين الناس واكتشاف الآخر والتعارف والتآلف، فهي في زمن الأزمات كالفرن المشتعل، قادرة على إشعال حرائق لا حصر لها. وفي ذاكرة الناس كيف تحول جمهور أحد أعرق فرق العالم (مانشستر يونايتد) إلى نقمة على الرياضة وعلى سمعة المدينة مع تفاقم أزمة البطالة فيها. كذلك، كيف وفي الوقت الذي كان فيه نشطاء حقوق الإنسان ينتقدون السياستين البريطانية والتونسية أثناء كأس العالم، جرت صدامات لا عقلانية بين مشجعي تونس وبريطانيا ذهب ضحيتها عدد كبير من الضحايا في مدينة مارسيليا.

لا بد من هذا التقديم، للخروج  بمأساة القامشلي من نظرية المؤامرة إلى أطروحة العجز التسلطي. فمن جهة، أدت عملية الإنكار المزمنة لوجود شعب كردي في سورية وحرمان هذا الشعب من أبسط حقوقه القومية، إلى نشوء اتجاه شوفيني كردي كرد فعل على هذا الإنكار الذي أخذ أولى تعبيراته في ما يعرف بإحصاء عام 1962 . تبعته أشكال متعددة ليس أقلها الحرمان من الجنسية ومشروع الحزام العربي. بقي هذا الاتجاه الشوفيني مهمشا ومحجما بالقوى الديمقراطية الكردية حتى جاءت فرصة تشكل قطب سوري موال لأمريكا. حينها قفزت الأطراف المهمشة لحصد أي مكسب مادي أو سياسي عبر التعاون مع المؤسسة الصهيونية الأمريكية FDD وموظفي أمن في وزارة الدفاع  الأمريكية لتشكيل جبهة شغب تستعمل عند الحاجة. ولم تتورع بعض القيادات الكردية غير السورية، التي عاشت في كنف السلطة التسلطية في سورية ثلاثة عقود بجوازات سفر دبلوماسية سورية، عن أن تغذي هذا الاتجاه بعد تحويل تحالفاتها من الاستبداد الداخلي إلى الاستعباد الخارجي.

من جهة ثانية، خلق غياب جو الحريات والحوار والنقد في سورية كبتا عاما جعل الناس تلجأ لرمز (النكاية) عوضا عن طموح الحرية والكرامة. فصارت تدافع عن نخاس ضد نخاس، وطاغية ضد طاغية، وكأن قدر البشر أن يبقوا في نطاق الخيار بين الكوليرا والطاعون.

رغم كل مواقفها الشوفينية، حرصت السلطات السورية على عدم قطع كل الخيوط مع الحركة السياسية الكردية، فبنت علاقات مع بعضها، ولم تتجاوز محكمة أمن الدولة سقفا معينا في الأحكام الاستثنائية مع الملفات الكردية بحيث تفوق الأحكام الخاصة بالشيوعيين مثلا أحكام الانتماء لتنظيم كردي كي لا نتحدث في أحكام الحركة الإسلامية اللإنسانية.

إلا أن هذا لا يغير في حقيقة الحرمان السياسي والثقافي والمس من الكرامة في الحياة اليومية الذي يقوم به موظفي الأمن والدولة في الجزيرة ومناطق الأغلبية الكردية. كذلك الإصرار الباثولوجي على إبقاء ملف البدون الأكراد دون حل بعد جيلين من أطفال لم تكحل عيونهم برؤية أي بلد غير سورية.

اعتقالات يوم المرأة العالمي

في الملف الكردي، كما في كافة ملفات الإصلاح السياسي، وصل النهج التسلطي اليوم إلى الطريق المسدود، ولم يعد لديه إلا التخبط والاستعمال الجبان لأجهزة الأمن. لذا لم يكن بإمكان السلطات السورية أن تواجه التجمع السلمي بالاحتفال بيوم المرأة العالمي في 8 آذار 2004  إلا بعمليات اعتقال عشوائية شملت رش المياه وضرب النساء وقطع الطرق المؤدية للاحتفال. وحتى لحظة إعداد هذا البيان، مازال في المعتقل السادة حسين محمد مراد، فهيم حسن يوسف، أكرم محمد مراد، كادار نواف رسول، فراز نواف رسول، شيار عبد الكريم عبد الله، مصطفى علي حسن، جميل نايف حسو، دلشاد خالد عبدو، حسين بركي.

إلا أن ما حدث في مباراة كرة القدم بين فريقي الجهاد والفتوة يتعدى الصراع بين تعبيرات المجتمع المدني والعسف إلى الشحن الشوفيني بين أفراد المجتمع السوري الواحد. وهنا الخطورة، وبالتالي ضرورة التعامل بحكمة وعقلانية مع حدث بهذه الجسامة. هناك تراكمات أساسية قد حصلت في الأعوام الأخيرة أدت إلى تقارب وتنسيق بين الحركة الديمقراطية عربية وكردية. وفي معمعان النضال المشترك، نشأت أشكال تنسيق وبدأت التعبيرات المدنية المشتركة تأخذ مكانها بثقة في صفوف المجتمع السوري. حتى أن "مبادرة هانوفر للحوار"، على تواضعها، لاقت ترحيبا كبيرا في كل الأوساط الديمقراطية في البلاد.

بالتأكيد، هناك ما يمكن تسميته بالشوفينية الشعبوية العادية، التي تحيي طاغية هنا أو تعتز برمز شوفيني هناك، لكن الأغلبية العظمى من الشعبين العربي والكردي تعرف أن القدر والطبيعة قد حكما عليهما بحسن الجوار والنضال والتفاعل الإيجابي والتبادل والعيش المشترك. فأي طرف غربي هو وضع طارئ في حسابات الشعوب. والتاريخ يقول بأن غياب دولة كردية لم يكن بقرار من الشعوب العربية والفارسية والتركية، وإنما بقرار من الدول العظمى التي أرادت للشعب الكردي دور عنصر الاضطراب على سلطات مركزية في دول فصلها سايكس وبيكو.

لجنة تحقيق ولقاء تشاوري

إننا ونحن نتحرى كل تفاصيل المأساة والخسائر البشرية، نبادر للقول: إن  كل قتيل وجريح في مأساة 12 آذار، فقيد للحركة الديمقراطية السورية، فقيد للحركة الديمقراطية العربية والكردية. وكل خسارة هي جرح في وجدان التآخي العربي الكردي.

إننا في اللجنة العربية لحقوق الإنسان إذ نتقدم من أسر الضحايا بأحر التعازي، نحمل الأجهزة الأمنية ومَن أمر بإطلاق النار واستسهل قتل المواطنين، المسؤولية الرئيسية عما جرى. كما ندعو إلى وقف العنف فورا وتوحيد الصوت الديمقراطي وجمع الصفوف فوق كل العداوات الطائفية والشوفينية وبذل كل الجهود لمحاصرة الحدث وإيقاف تطوراته، تمهيدا لمعالجته بتغليب لغة العقل في مواجهة التشنج والانفعالات والحسابات الضيقة.

إننا نطالب بتشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة تضم رموزا من الحركة الديمقراطية والحقوقية في البلاد، وشخصيات اعتبارية مستقلة معروفة بنزاهتها. وفي حال لم تتشكل هكذا لجنة، ستباشر اللجنة العربية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع المدافعين عن حقوق الإنسان في سورية، للقيام بتحقيق في هذه المأساة لتحديد المسؤوليات والمطالبة بالمحاسبة.

إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان تدعو كل الديمقراطيين والحقوقيين السوريين، من داخل وخارج سورية، إلى لقاء تشاوري في 8-9 أيار (مايو) القادم في مدينة باريس، من أجل مناقشة الوضع في سورية واستقراء إعلان مبادئ للإصلاح  تعبر عن كل مكونات المجتمع السوري القومية والدينية والسياسية والمدنية.