الرابطـة التونسيـــة للدفـاع عن حقــوق الإنســان

 

 

إعلام تحت الرقابة

 

توطئـــــة  ..

المقـــدمــة ...

قوانين زجرية تقيد حرية التعبير.. 5

الانتهاكات

الإعلام السمعي البصري : حجاب سميك……

صحف الأحزاب وصحف الرأي. 18

  إنترنت تحت المراقبة  ...21

 

 

تونــس ماي 2004

توطئـــــة

 

 

بمناسبة الإحتفال باليوم العالمي للصحافة العام الماضي أصدرت الرابطة تقريرا بعنوان : "الصحافة المنكوبة، تقرير حول حرية الإعلام بتونس" وقد جاء بآخر توطئة ذلك التقرير التأكيد على الحرص " أن يصبح ذلك تقليدا سنويا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في 03 ماي من كل سنة " واليوم وتجسيدا لذلك الوعد نضع بين يدي مناضلاتنا ومناضلينا وكل القوى الوطنية والسلط الرسمية هذا التقرير الجديد الذي حاول رصد واقع الصحافة والإعلام بكل مكوناته منذ 03 ماي 2003 إلى 30 أفريل 2004، ولا يفوتنا التنويه بالسيدة سهير بلحسن والسادة العربي شويخة ولطفي حجي ورشيد خشانة وصلاح الجورشي الذين تكبدوا عناء صياغة مشروع هذا التقرير الذي قامت الهيئة المديرة بمراجعته وتنقيحه، كما نشكرهم على ما قاموا به منذ صدور تقرير السنة الماضية لعرضه أمام مناضلات ومناضلي الرابطة في مقرات فروعنا داخل الجمهورية وقد كان لعملهم هذا بالغ الأثر في التحسيس بأهمية الموضوع وضرورة النضال من أجل حرية التعبير والصحافة والإعلام.

 

 

 

 

المقـــدمــة

 

 

اتسمت الفترة الفاصلة ما بين بداية سنة 2003 وموفى شهر أفريل 2004 بموقفين متناقضين:

 

الأول : موقف السلطة التي واصلت التضييق على كل مساحات حرية التعبير . وقد تجسد ذلك بالخصوص في الأحكام القاسية التي سلطت على مجموعة من شباب مدينة جرجيس لمجرد استعمالهم شبكة الأنترنيت .

 

الثاني : موقف المجتمع المدني وأحزاب المعارضة الذي تميز بحركية أكبر وصوت أعلى للتنديد بهيمنة الحزب الحاكم على المجال السمعي البصري وعلى مختلف مساحات قطاع الإعلام ومؤسساته .

 

ومثلما كان الأمر خلال السنوات الماضية، تواصلت هذه السنة أيضا الانتهاكات بنفس النسق، وهو ما تؤكده الأمثلة المتعددة التي يتضمنها هذا التقرير. والجديد في هذا المجال هو دعم الترسانة القانونية التي ضيقت أكثر فأكثر من حرية الإعلام والتعبير، وحدت من استعمال تقنيات الاتصال الحديثة. كما حاول هذا التقرير حصر التشريعات الجديدة وإبراز تأثيرها وانعكاساتها على الحريات الأساسية وبالخصوص حرية التعبير والإعلام .

 

إن الأحكام القاسية التي سلطت في شهر أفريل سنة 2004 على ثمانية شبان من شبكة الأنترنيت، وكذلك محاكمة زهير اليحياوي في سنة 2002 على إثر إنشائه لموقع '' تونزين ''، دفعتنا إلى تسليط الأضواء على المدى الذي بلغته الصنصرة في تونس، والتي تجاوزت نطاق الصحافة المكتوبة والإعلام المرئي والمسوع، لتنفذ إلى وسائل الإعلام الحديثة، وهو ما دفعنا إلى التساؤل حول خلفيات وآليات مراقبة الشبكة ومنع الدخول إلى عديد من المواقع .

 

في هذا الإطار العام المتسم بالانغلاق والمنع وتضخم النزوع نحو المراقبة، وفي الوقت الذي يخشى فيه مناضلوا '' حقوق الإنسان '' من أن يتحول مجتمع المعلومات إلى مجتمع المراقبة التي تهدد الحريات، تجرى الاستعدادات لاحتضان الاجتماع الثاني لقمة المعلومات بتونس خلال شهر نوفمبر 2005 .

 

وفي هذا السياق تأمل هيئات المجتمع المدني المستقلة أن تساهم في هذا النقاش حتى لا تختزل الرهانات الخاصة بقطاع الإعلام في الرهانات التقنية والأمنية والاقتصادية، وحتى لا تتم التضحية بمبدأ احترام الحياة الخاصة وكرامة الإنسان وحريته .

 

رغم إعلان السلطات التونسية خلال الأشهر الماضية عن فتح المجال السمعي-البصري أمام الخواص فإن تصوير هذا الإجراء كانفتاح جديد في قطاع الإعلام يبقى محل تساءل في ظل غياب الأطر القانونية الواضحة، والهياكل المستقلة عن الدولة لتنظيم القطاع وضمان التعددية داخله.

 

ومما يبعث على القلق تواصل سطحية الخطاب السمعي البصري وأحاديته في القنوات والإذاعات العمومية، إلى جانب حرمان ممثلي المجتمع المدني وعدد هام من المعارضين من التعبير عن آرائهم المخالفة داخل تلك الأطر، مما دفع ولا يزال المشاهد التونسي نحو ''الهجرة '' إلى القنوات الفضائية الخارجية .

 

هذه الوضعية التي تناولها هذا التقرير بالتفصيل، وسعت من دائرة المحتجين على هيمنة الحزب-الدولة على جميع مسالك قطاع الإعلام، وجندت بشكل غير مسبوق مختلف الأطراف الديمقراطية للدفاع عن حرية القطاع واستقلاليته .

 

 

 

 

-I-   قوانين زجرية تقيد حرية التعبير

 

 

على رغم قسوة القوانين السائدة التي تضع قيودا شديدة على حرية التعبير وتتوخى أسلوبا زجريا في التعامل مع جرائم الرأي، اتسمت سنة 2003 بسنّ تشريعات جديدة اعتبرت غير مسبوقة في التضييق على الحريات الإعلامية وبخاصة القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 والمتعلق " بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ". واستهدف هذا القانون النيل من الحقوق الأساسية للمواطن والنشاط السلمي لمنظمات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب بذريعة مقاومة الإرهاب، إذ كرس مفاهيم وقواعد خطرة تتعارض مع الفصل الثامن من الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحماية النشطاء والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية. وبمقتضى هذا القانون يعتبر مرتكبا لجريمة إرهابية كل من يدعو إليها بأي وسيلة كانت مثل استخدام اسم أو كلمة أو رمز أو سواها من الإشارات قصد التعريف بتنظيم إرهابي أو بأعضائه أو بنشاطه. وهذا يعني أن مجرد الوفاق بين شخصين أو أكثر على القيام بأفعال يعتبرها القانون إرهابية من دون تنفيذها أو حتى الشروع فيه يعتبر جريمة إرهابية، كما يعني أن ركن الجريمة متوفر مهما كانت الوسائل المستخدمة إذ يكفي إبداء رأي أو استعمال شارة أو صورة أو شعار يرمز لشخص أو تنظيم أو الدعوة لمظاهرة أو اجتماع أو كتابة مقال لكي يصنف ذلك على أنه عمل إرهابي ويعاقب مرتكبه بمقتضى القانون الجديد.

 

كما نص هذا القانون أيضا على أن كل من يمتنع عن إشعار السلط ذات النظر فورا  بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال وما بلغ إليه من معلومات  أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية يعرّض نفسه للعقاب بالسجن من عام إلى خمس سنوات وبخطية تراوح بين ألف وخمسة آلاف دينار حتى  ولو كان خاضعا للسّر المهني مثل المحامين. واعتبر محامون هذا الفصل انتهاكا لا مثيل له للسر المهني الذي من دون توافره لا يمكن للمحامي أن يقوم بواجبه.

 

كما قضى القانون بسجن كل من يفصح عمدا عن أي معطيات من شأنها الكشف عن المتدخلين في الملف الأصلي للتحقيق من خمسة أعوام إلى عشرين عاما وبخطية تراوح بين خمسة آلاف وخمسين ألف دينار، قاطعا بذلك الطريق أمام قيام الإعلاميين بدورهم في اطلاع الرأي العام على مجريات هذه القضايا.

 

ولم يغفل القانون عن وضع عقوبة بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام وبخطية يتراوح مقدارها بين خمسة آلاف وعشرة آلاف دينار ضد قياديي الجمعيات والنقابات والأحزاب أو ممثليها الذين تثبت مسؤولياتهم الشخصية  بشأن مخالفة هذا القانون أو عدم الخضوع لمقتضياته. وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون لم يحظ بحوار في وسائل الإعلام قبل المصادقة عليه في مجلس النواب ولا بعد ذلك وتم تمريره في غفلة من المجتمع المدني.

 

وأتت مجلة الاتصالات المؤرخة في 15 جانفي 2001 بتضييقات على حرية استخدام الترددات الراديوية و إقامة الشبكات الخاصة للاتصالات فقد أعطت صلاحية إسناد الترددات التي تخول للخواص إقامة المحطات الإذاعية والتلفزية إلى  " الوكالة الوطنية للترددات" بإشراف الوزارة المكلفة بالاتصالات ( الفصل 48 ).  وقضت المجلة بمعاقبة كل من يستخدم الترددات الراديوية من دون الحصول على مصادقة من الوكالة أو وزارة الإشراف بسجنه لمدة تتراوح بين ستة أشهر وخمس سنوات وبغرامة تتراوح من ألف إلى عشرين ألف دينار ( الفصل 82 ).

 

أما قانون الصحافة فحافظ على طابعه الزجري إذ زيادة على  الفصول التي تقضي بمعاقبة المدير المسؤول وصاحب المطبعة لأسباب تعتبر بسيطة في تشريعات أخرى، تم حذف عدد من الفصول  من القانون وإحالتها على القانون الجنائي واعتبرت الحكومة ذلك إجراء تقدميا. كما أضيف في سنة 2001 باب جديد إلى القانون يتعلق بجرائم الصحافة والنشر شدّد من العقوبات المسلطة على المتهمين بارتكاب جرائم التحريض على النهب والقتل والحرق بواسطة النشر والتي تصل إلى خمس سنوات حتى لو تسجل بعد نشر المقال أعمال ملموسة في هذا المعنى.

 

وفي السياق نفسه تمت إضافة فصل جديد للقانون الانتخابي في سنة 2003 قضى بمعاقبة من يتحدث إلى إذاعة أو محطة تلفزية خارجية أثناء الحملة الانتخابية وتخطئته ب25 ألف دينار، وكانت النية تتجه لإقرار عقاب بالسجن لكن موجة النقد الواسعة للمشروع حملت الحكومة على التراجع عن العقاب البدني والترفيع في قيمة الخطية.

 

 

 

-II-الانتهاكات

 

 

تعتبر سنة 2003 استمرارا للسنوات التي سبقتها فيما يتعلق بأزمة حرية التعبير والصحافة في تونس. لكنها من جهة أخرى اتسمت بما يلي :

 

تزايد قلق المهنيين والأوساط السياسية والمجتمع المدني لتواصل غياب صحافة حرة وتعددية واستمرار الوضع المهني المتردي رغم الإجماع الحاصل حول المطالبة بتغيير علاقة السلطة بالقطاع.

 

تزايد انشغال المنظمات الدولية المختصة في الدفاع عن الصحافة والصحافيين وحرية التعبير لما آلت إليه أوضاع المهنة الصحفية، وما يعانيه الصحافيون التونسيون من صعوبات وتهميش ومضايقات.  وتجسد ذلك في عديد البيانات والتقارير التي صدرت في هذا الغرض خلال السنة الماضية. ولم يقف هذا الانشغال عند هذه المنظمات، بل تجاوزها إلى بعض الحكومات الغربية، التي أصبحت بدورها تطالب السلطة بتحرير الإعلام التونسي.

 

 

مقابل ذلك، توالت بعض المؤشرات التي ميزت سنة 2003 عن سابقاتها. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى :

 

إطلاق سراح زهير اليحياوي بموجب سراح شرطي، بعد أن قضى معظم فترة العقوبة التي تعرض لها على إثر إنشائه لموقع على الأنترنات بعنوان " تونيزين ". لكنه بعد مغادرته للسجن لا يزال محروما من العمل ومن جواز السفر.

 

تواصل صدور كل من صحيفة " الموقف " الناطقة باسم " الحزب الديمقراطي التقدمي "، ومجلة " الطريق الجديد " لسان حال " حركة التجديد "  بصفة منتظمة، لكن بكثير من الصعوبة ( أنظر الفصل الخاص بصحافة المعارضة ) . وقد شكل ذلك متنفسا بسيطا للقوى الديمقراطية والمجتمع المدني، حيث تميز المنبران بشيء من الجرأة المفقودة في بقية وسائل الإعلام المحلية.  كما تواصل صدور صحيفة "الوحدة" الناطقة باسم حزب الوحدة الشعبية وهي تحاول بدورها أن تعكس جانبا من الحركية التي يشهدها المجتمع المدني.

 

 

الإعلان عن فتح المجال السمعي البصري أمام الخواص، مما يعني إنهاء فترة احتكار الدولة لهذا المجال على امتداد عقود طويلة. ورغم أن ذلك يشكل استجابة لمطلب طالما عبرت عنه القوى الديمقراطية، إلا أن هذا الانفتاح جاء انتقائيا، ومحدودا، حيث لم يشمل العديد من طالبي الترخيص، كما لم يرافقه إصدار كراس للشروط يقنن هذا الإجراء ويجنبه التوظيف وبالتالي العودة إلى سياسة الاحتكار من الأبواب الخلفية (أنظر الفصل الخاص بالقطاع السمعي البصري ضمن هذا التقرير).

 

 

نداءات من أجل حرية الصحافة

 

في مقابل ذلك، تواصلت النداءات من أجل تحرير الإعلام وإطلاق حرية التعبير والصحافة. وقد توالت تلك النداءات من قبل مختلف القوى الوطنية وفعاليات المجتمع المدني المستقلة.   وفي هذا السياق وقع عدد من الصحافيين في مطلع شهر جانفي 2003 على نداء من أجل حرية التعبير تم ترويجه في أوساط المجتمع المدني، وذلك ببادرة من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. غير أن بعض الصحافيين الموقعين على نص النداء، تعرضوا للضغط مما دفعهم إلى التراجع وسحب توقيعاتهم، بل إن بعضهم أنكر حتى مجرد التوقيع على العريضة.

 

كما بادر عدد من الديمقراطيين بتنظيم تجمعين أمام مقر الإذاعة والتلفزيون يومي 13 فيفري و27 مارس 2004 للمطالبة بحق المواطنين في استعمال وسائل الإعلام العمومية، لكن قوات الأمن عملت على تفريق المتجمعين، وحالت دون استقبال إدارة المؤسسة وفدا عنهم. كذلك تواصلت شكاوى الصحافيين من المضايقات اليومية التي يتعرضون لها بشكل دائم، من ذلك استهداف كل صحافي يعمل بالقطاع الحكومي أو التجمعي ( نسبة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي ) ، أو حتى بالقطاع الخاص، إذا ما عن له التعبير عن وجهة نظر مخالفة للتعليمات التي تتغير من حين لآخر في اتجاه مزيد من التضييق على عمل الصحفي.

 

الـتّعتيم الإعلامي

 

كذلك استمرت التدخلات لمنع عدد متزايد من الأخبار والموضوعات وبلغت أحيانا درجة اللامعقول، من ذلك التعتيم الذي حصل حول ما راج عن وجود نوع من الناموس الخطير في منطقة الساحل، وكذلك الإحجام خلال الساعات الأولى عن إعلام المواطنين بتداعيات الفيضانات التي انجرت عن نزول مكثف للأمطار مما شل العاصمة وضواحيها، وأصاب أحياء كثيرة فيها بكارثة حقيقية تسببت في سقوط ضحايا وحصول أضرار مادية بالغة بالممتلكات والبنية التحتية. كما تجدر الإشارة إلى التعليمات التي أصدرها المدير العام للإعلام والخاصة بعدم إبراز الجنسية التونسية لسرحان فاخت  المتهم في أحداث تفجير القطارات بإسبانيا ( مدريد ) يوم 11 مارس  2004 والذي فجر نفسه صحبة مجموعة من المورطين معه عندما حاصرتهم الشرطة الإسبانية بالشقة التي كانوا يختبئون بها في مدريد.

 

ولا تزال الصحف مغلقة في وجه بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني غير المرغوب فيها، رغم أنها تتمتع بالترخيص القانوني، من ذلك الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي يستمر التعامل معها إعلاميا بشكل انتقائي مع تعتيم منهجي على أغلب أنشطتها وبياناتها في الصحف الرسمية وشبه الرسمية، وكذلك الشأن بالنسبة إلى جمعية النساء الديمقراطيات وفرع منظمة العفو الدولية. كما تواصلت ظاهرة اختصاص بعض الصحف في نشر مقالات تشويه و ثلب النشطاء في مجال حقوق الإنسان والمعارضين (من ذلك صحف الحدث والإعلان والشروق).

 

وقد طالت عمليات التعتيم والصنصرة تصريحات مسؤولين أجانب، مما أثار إحراجا للحكومة التونسية، من ذلك اضطرار المكتب الإعلامي الأمريكي إلى إرسال توضيحات لبعض المؤسسات الإعلامية، أشعرها فيها بأن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ( كولن باول ) التي أدلى بها على إثر زيارته إلى تونس يوم 2 ديسمبر 2003 ونشرتها الصحف المحلية، قد تعرضت للتشويه، وأن صحفا عديدة اختزلت كلامه وتجنبت الدقة في نقله. وأشار مدير المكتب الإعلامي في رسالته إلى أن باول لم يتحدث عن تحقيق تقدم هائل في مجال حقوق الإنسان كما ورد ببعض الصحف، وإنما ذكر بأنه في تونس تحققت إنجازات في مجالات المرأة والتربية. كما نوه بالترخيص لإذاعة خاصة، وأشاد بإطلاق سراح أحد الصحفيين، لكنه أكد أيضا أن العالم ينتظر من تونس إنجازات أخرى في مجال حرية الإعلام والممارسة السياسية. وقد وزع المكتب الإعلامي الأمريكي نصا حرفيا للمؤتمر الصحفي الذي عقده باول.

 

محاكمات وعقوبات

 

وبالرغم من النداءات الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان والجمعيات المختصة في الدفاع عن الصحافيين، يتواصل منذ سنوات طويلة اعتقال مدير جريدة " الفجر " المحظورة ( حمادي الجبالي )، وزميله بنفس الصحيفة ( عبد الله الزواري ) اللذين شنا خلال السنة المنقضية إضرابات متكررة عن الطعام من أجل المطالبة بإطلاق سراحهما. كما يشكوان من الظروف السيئة بالسجن، حيث يوجد الجبالي رهن الاعتقال منذ ما لا يقل عن 13 عاما.

 

هذا وقد فوجئ الصحافيون والرأي العام التونسي بالمحاكمة السياسية الغريبة التي تعرضت لها الإعلامية " السيدة نزيهة رجيبة ( أم زياد ) " رئيسة تحرير الصحيفة الإلكترونية " كلمة "، والحكم عليها في محاكمة غير عادلة بثمانية أشهر سجنا مع توقيف التنفيذ وخطية مالية، وذلك بتهمة " تهريب عملة ". وقد عرفت " أم زياد" بمواقفها النقدية وأسلوبها الجريء. وقد أدانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وكل منظمات حقوق الإنسان هذا الأسلوب في مواجهة الرأي المخالف .

 

وتعرض صحافيون وصحف لعقوبات متنوعة بسبب مقالات تم نشرها، فقد تم إيقاف الصحفي  خالد الحداد عن العمل من صحيفة "المصور" على إثر مقال كتبه حول الاتحاد العام التونسي للشغل، وذلك بسبب إنكار أحد أعضاء المكتب التنفيذي لأقواله. كما حرمت مجلة ( حقائق ) من الإشهار العمومي لمدة أسبوعين على إثر افتتاحية تعرضت فيها لحرية الإعلام. ولم يقع تمكين الصحفي محمد الفوراتي من حقه في الحصول على البطاقة المهنية وجواز السفر.

 

ولا يزال عدد من الصحافيين محرومين من الحصول على البطاقة المهنية أو عدم إسناد بعضهم لبطاقات الاعتماد ( عبد اللطيف الفوراتي، صلاح الدين الجورشي، حميدة الحبشي، لطفي حجي ). وقد تعمد الإدارة أحيانا إلى حرمان بعض الصحافيين من القيام بعملهم، مثل منع الصحفي  رشيد خشانة  من بث تقرير إخباري تلفزيوني موجه إلى قناة " LBC الحياة " حول اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب الذي عقد بتونس في مطلع شهر جانفي الماضي. وفي هذا السياق يشتكي العديد من المراسلين التلفزيين من التدخل في مضامين تقاريرهم الإخبارية خاصة وأن الإرسال يتم عبر الإذاعة والتلفزة التي يبقى لها قرار المنع أو الإرسال. كما حصل تدخل مجهول المصدر للحيلولة دون مشاركة الصحفي   صلاح الدين الجورشي في حوار مباشر على قناة " العربية " أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل تأجيل القمة العربية في موفى مارس 2004.

 

ولم تقف ظاهرة التدخل في شؤون المهنة عند الأجهزة الرسمية، بل تعدتها إلى أوساط المجتمع المدني، حيث عمد بعض المسؤولين في منظمات وجمعيات إلى التدخل وتقديم شكاوى ضد صحافيين لدى مديري عدد من الصحف.

 

ولا يزال عدد من الإعلاميين يشكون من الظروف السيئة للعمل، وتعرضهم لعقوبات وضغوط بسبب تلك الظروف. وفي هذا السياق تعرض عدد من صحفيي " دار الصباح " إلى الطرد لأنهم احتجوا على " ظروف العمل غير الطبيعية " التي واجهتهم على إثر نقلهم إلى المقر الجديد للمؤسسة، وهو مقر وصفوه بكونه " غير لائق للممارسة مهنة الصحافة ".ولا يزال أغلبهم في حالة إيقاف عن العمل، ولم تحسم قضيتهم بعد( دلندة الطويل، ومليكة دغفوس، ونجيبة الحمروني، سالم بوليفة ).

 

وقد اضطر الصحفي  محمد بوسنينة الذي يعمل بجريدة ( الصحافة ) الناطقة باسم الحكومة، إلى نشر رسالة بصحيفة ( الموقف ) ذكر فيها أنه يواجه داخل الصحيفة "اضطهادا وتهميشا وتمييزا " وذكر أن إدارة التحرير بالصحيفة " اعتدت على حريته في ممارسة العمل الصحفي من خلال الرقابة المسبقة والصنصرة ومنع نشر مقالاته "، كما اتهم إدارة التحرير بمنعها " حرية الرأي والتعبير كما تقتضيها المعالجة الموضوعية ". وأنه تعرض لعقوبات شتى من بينها " المس من الجراية، وقطع الأرزاق واستعمالها لكبح الحريات والحقوق "، وهو ما جعله يصاب بانهيار عصبي.

 

ويبدو أن الوضعية التي تعرض لها الصحفي  محمد بوسنينة ليست حالة فردية، حيث وجه عدد هام من صحفيي "دار لابريس" التي تشمل صحيفتي "لابريس" و"الصحافة"  رسالة إلى مسؤولين حكوميين وممثلين عن هيئات مدنية بتاريخ  9 مارس 2004 تحت عنوان " لفت نظر "، تناولوا فيها " الوضع السائد بجريدة لابريس "، ووصفوا الحالة ب " الغموض التام ". ومما ذكروه أنهم كصحفيين " لم يعودوا يعرفون ما هو مسموح به للنشر وما يندرج ضمن الممنوعات في تناولهم للقضايا الوطنية والدولية ". وأضافوا " من الغريب أن التناول الصحفي لمسائل كانت من البديهيات من قبل أصبح من باب المستحيلات اليوم، إذ تعمد الإدارة العامة ورئاسة التحرير إلى منع عديد المقالات من الصدور بدون تعليل أو تفسير أو إعلام الصحافي صاحب المقال في غالب الأحيان. لقد تواترت الممنوعات وأعمال الرقابة، وتكاثرت، وتزايدت بصفة ملحوظة في الأشهر الأخيرة، وأصبحت تطال عديد المواضيع والتخصصات، بما في ذلك تلك المواضيع التي تطالب الإدارة العامة ورئاسة التحرير الرئيسية الصحافيين بتغطيتها والكتابة عنها ". وقد أورد أصحاب الرسالة أمثلة معبرة عن الصنصرة التي تعرضوا لها، والتي تكشف الحد الذي بلغته الرقابة داخل المؤسسات الصحفية. وقد شمل المنع من النشر عديد المقالات والتحقيقات  في قسمي " المجتمع" و"الأحداث الوطنية " :

 

منع صدور ريبورتاج حول آثار الأمطار والفيضانات بمنطقة أريانة.

منع صدور تحقيق حول القطب التكنولوجي بأريانة.

منع صدور تحقيق حول الدروس الخصوصية.

منع صدور مقال حول إضراب أساتذة التعليم الثانوي.

منع صدور مقال حول الاقتصاد وسياسة الأسعار.

منع شبه منتظم للرسوم الكاريكاتورية للصحفي لطفي بن ساسي الذي يرغم غالبا على إعادة صياغتها .

 

كما طال المنع عديد المقالات الثقافية و الرياضية، أما في  قسمي "السياسة والأخبار العالمية" فمن بين المقالات التي تم منع نشرها :

 

مقال حول التصفيات الجسدية التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

مقال حول تنديد الجمعية العامة للأمم المتحدة بحائط الفصل الإسرائيلي.

منع صدور نقل لوقائع ندوة صحفية عقدها بمقر الوكالة التونسية للاتصال الخارجي مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الاستراتيجية والدولية باسكال بونيفاس الذي نقد حكومة شارون وللحرب ضد العراق، والمشروع الأمريكي حول الشرق الأوسط الكبير.

منع صدور صور عن الوضع بالعراق.

منع صريح للإشارة في عناوين المقالات وبرقيات وكالات الأنباء العالمية إلى الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية في العراق، وبصفة خاصة عدد الأموات والجرحى، مع الاقتصار غالبا على عنوان " تصاعد أعمال العنف في العراق ".

منع صريح للانتقادات التي تواجهها الإدارة الأمريكية في الداخل والخارج بسبب احتلال العراق.

منع صريح لنشر صورة دجون كيري  مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

تصريح مسؤول بالصحيفة لأحد الصحفيين العاملين بضرورة التغاضي عن نقد إسرائيل مدعيا أن " صدور افتتاحية منتقدة لشارون في الجريدة كلف المديرة مشاكل كبيرة ".

 

وقد ختم صحفيو"دار لابريس " رسالتهم بالتأكيد على"رجوع قوي لسياسة الرقابة والتضييق على أدائهم الإعلامي". كما أشاروا إلى بعض الأساليب الشائعة في الصنصرة والمراقبة، مثل " تشويه المقالات وبترها من محتوياتها ". وعندما استفسر الصحافيون عن مبررات هذه الممنوعات وتزايد الرقابة " أشار المسؤولون إلى وجود تعليمات من فوق ليس بوسعهم الإفصاح عنها ". وأضافوا في رسالتهم أنه قد " ذهب الأمر إلى حد تبرير الرقابة المتعلقة بالمقالات التحليلية والتعاليق السياسية، إذ صرحت المديرة العامة في عديد المناسبات بأنه ليس للصحافي أي دخل في محتوى مقاله بمجرد تسليمه إلى المسؤولين ".

 

واتسع نطاق التذمر في صفوف الصحفيين من تواصل هيمنة الرأي الواحد داخل الصحف، سواء تعلق الأمر بالنسبة للقضايا المحلية أو القضايا العربية والدولية، من ذلك ما حصل بمناسبة قرار تأجيل انعقاد القمة العربية، حيث أفاد عدد من الصحافيين  أن تعليمات صدرت بعدم نشر أي معلومات أو تعاليق مختلفة عن القرار الرسمي، خاصة بعد أن عبرت بعض أحزاب المعارضة عن وجهات نظر مغايرة. كما تمت معاينة اللجوء إلى المقالات الجاهزة التي تنشرها الصحف دون مناقشة مضمونها.

 

وفي النصف الثاني من أفريل 2004 امتنعت مجلة "حقائق" عن نشر مقال للصحفية نادية عمران انتقدت فيه موقف السفارة الأمريكية بتونس من ميثاق الشرف الصحفي بمناسبة الندوة التي أقامها المعهد العربي لحقوق الإنسان بالعاصمة يوم السبت 14 أفريل 2004 وحضرها السفير الأمريكي وليام هادسن، وذكّرت في المقال باغتيال القوات الأمريكية لثلاثة صحفيين في فندق فلسطين في بغداد خلال الحرب التي شنها الرئيس بوش على العراق وإقدامها على اغتيال ثلاثة آخرين لاحقا.

انتهاك الحقوق المادية للصحافيين

 

كما طالت التجاوزات الأوضاع المادية للصحفيين، حيث يشتكي العديد منهم من انتهاك أعرافهم للاتفاقيات المشتركة المنظمة للمهنة، ويتهمونهم بعدم التقيد بسلم الأجور، أو بالمنح المختلفة التي تنص عليها تلك الاتفاقية مثل منحة الإنتاج والشهر الثالث عشر، مما جعل الكثير من الصحفيين يعيشون أوضاعا مادية حرجة. وتنطبق نفس الحالة على الصحفيين المتعاونين، الذين تقلصت المنح التي يتقاضونها مقابل المقالات التي تنشر لهم، حتى بلغت في إحدى الصحف 3 دنانير مقابل المقال الواحد، حسبما ورد في شهادة أحد الصحفيين. وقد فوجئ الصحفي  عبد اللطيف الفراتي بقرار صادر عن المحكمة الاستئنافية طالبه بإثبات أن "دار الصباح" قد طردته واستغنت عن خدماته، وذلك بالرغم من المراسلات والوثائق التي تضمنها ملفه القضائي. وقد كان الفراتي يواصل العمل بالمؤسسة بموجب عقد شغل قابل للتجديد تنتهي صلاحيته مع أواخر سنة 2001، لكنه أطرد تعسفيا قبل ذلك التاريخ، بعد أربعين عاما من العمل، وهو ما دفعه إلى اللجوء إلى القضاء.

 

الرقابة على الصحف الأجنبية

 

هذا وقد تواصلت الرقابة المكثفة على الصحف الواردة من خارج البلاد التونسية، حيث أصبح من المتعارف عليه منع صحيفة يومية من التوزيع أكثر من مرة في الأسبوع، أو أن يؤجل توزيعها يومين أو ثلاثة مثلما حدث ويحدث باستمرار مع صحيفة " القدس العربي " و"الحياة" التي قرر مديرها المسؤول عدم توزيعها في تونس نظرا لكثرة ما تعرضت له من حجز. وقد صرح رئيس تحرير صحيفة " القدس العربي" عبد الباري عطوان في برنامج تلفزيوني بثته " الجزيرة " في مطلع شهر أفريل 2004 بأن تونس تعتبر " أكثر بلد تعطل فيه صحيفة القدس ".

 

عدم الاستجابة لطلبات تراخيص إصدار صحف

 

ولا يزال الغموض يكتنف سلوك الإدارة في ما يتعلق بالمقاييس التي تعتمدها في عملية إسناد تراخيص إصدار الصحف، كما يتواصل صمتها بخصوص مطالب  تقدم بها أصحابها منذ سنوات عديدة ، مثل  مجلة "المقاصد " لصاحبها الأستاذ الجامعي  محمد الطالبي ، ومجلة " كلمة " لسهام بن سدرين، ومجلة " بدائل مواطنية " لنادية عمران، ومجلة " المغاربية " لنورة البورصالي. كما لم يقع الرد على الطلب الذي تقدم به عبد اللطيف الفوراتي للحصول على مجلة بعنوان " الأديب "، وذلك منذ ما لا يقل عن عشر سنوات من تاريخ تقديم الطلب.و نفس الموقف يواجه مطالب كل من محمد الجعايبي الذي طلب صحيفتين واحدة بالفرنسية (Le Journal) وأخرى بالعربية (الجريدة)، و نزار بهلول لإصدار صحيفة مزدوجة باللغتين العربية والفرنسية حول الإنترنت بعنوان "clairinet – عيون الواب" وطلب خالد بوميزة لإصدار صحيفة اقتصادية، وطلب رضا الكافي وطلب خميس الخياطي لإصدار صحيفة سينمائية.

 

كما لا يزال " المرصد الوطني للدفاع عن حرية الصحافة والنشر والإبداع "  محروما من الترخيص وقد تقدمت هيئة المؤسسة برفع دعوى قضائية ضد  وزير الداخلية في تجاوز السلطة طعنا في قراره برفض الترخيص للجمعية المذكورة (القضية الإدارية عـ10142/1ـدد)

 

شهدت الأشهر الأخيرة تطورات فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية لجمعية الصحافيين التونسيين، وعلاقاتها الخارجية. فمن جهة قرر مكتب الجمعية عقد مؤتمر استثنائي، تم خلاله تعديل القانون الأساسي للجمعية. وقد أثار ذلك ردودا مختلفة في أوساط الصحافيين.

ومن جهة أخرى قررت الفيدرالية الدولية للصحافيين تعليق عضوية جمعية الصحافيين التونسيين، على أن يتم النظر  في عضوية الجمعية بالفيدرالية خلال مؤتمرها القادم الذي سينعقد بأثينا يوم 29 ماي 2004. وبررت الفيدرالية قرارها بعدم قيام الجمعية بدورها في الدفاع عن حرية الصحافة في تونس وفق القانون الأساسي للفيدرالية. و عقدت الجمعية جلسة عامة استثنائية ناقش خلالها الصحافيون خلفيات هذا القرار وأسبابه وتداعياته على مصداقية الجمعية، ووجه بعضهم انتقادات حادة لأداء مكتب الجمعية، واتهموه بالتقصير في الدفاع عن حرية الصحافة والصحافيين . كما وزع أحد أعضاء المكتب ( لطفي حجي ) بيانا أعلن فيه تعليق عضويته في المكتب،كما تعرض إلى الأوضاع الداخلية للجمعية من وجهة نظره.  و أصدر مكتب الجمعية على إثر ذلك بيانا أعلن فيه أنه قام بنقده الذاتي، وقرر تكليف وفود للاجتماع بأعضاء من النقابات الأوروبية والعربية والتفاوض معهم حول قرار الفيدرالية، وإحاطتهم علما بنشاط الجمعية  ومحاولة إقناعهم بمواقفها

وكانت الجمعية الدولية للصحف قد طردت الجمعية التونسية لمديري الصحف منذ جوان 1997 لـ " تخاذلها عن الدفاع عن حرية الصحافة ".

 

 

 

الإعلام السمعي البصري : حجاب سميك -III-

 

 

لم يشكل القرار السياسي المتمثل بفتح الحقل السمعي البصري أمام القطاع الخاص انسحابا للدولة من هذا الفضاء ولا تحريرا  للإعلام، فالقطاع العمومي مازال يفرض هيمنته الكاملة على القطاع بإسناد "رخص الذبذبات" (أي حق البث) لبعض الأشخاص وحجبها عن البعض الآخر. وأهم استنتاج يمكن استخلاصه من ظروف المنح والحجب هو وجود حجاب سميك يلفها، فسلطة الإشراف غير مطالبة بتعليل الرفض والمواطن التونسي لا يستطيع أن يعلم بشروط إعطاء تراخيص جديدة لإقامة محطة إذاعية أو قناة للبث التلفزيوني. وعلى رغم تنصيص الفصل العشرين من مجلة الاتصالات على وجوب اللجوء للمنافسة بواسطة طلبات العروض فان الجمهور الواسع لا يعلم أبدا بتلك الطلبات . أكثر من ذلك، مازالت محطات الإذاعة والتلفزيون العمومية مغلقة في وجه الأصوات غير الرسمية وخاصة المعارضة.

 

على أن جديد سنة 2004  تمثل في تجنّد المعارضة ومكونات المجتمع المدني للتجمع أمام مبنى مؤسسة الإذاعة والتليفزيون بالعاصمة من أجل المطالبة بالحق في استخدام الإذاعات والقنوات التليفزيونية العمومية وتكريس حرية التعبير.

 

انفتاح مصحوب بغلق المنافذ

 

ما من شك في أن فتح الحقل السمعي والبصري أمام الخواص وإنهاء احتكاره من قبل الدولة يبدوان، في ظل العولمة المتسارعة للأنشطة الاجتماعية والاتصال، مدفوعين بضرورات اقتصادية واعتبارات سياسية، إذ نلاحظ أن حياة الكفاف وزحف الدولة  وإسدال ستائر سميكة على الحياة العامة وإقصاء المواطنين من المشاركة في تصريف الشؤون العامة هي ظواهر بصدد التراجع في العالم بأسره. ولا يمكن لأي بلد أن يظل في منأى عن هذا المسار القائم على الانفتاح والشفافية والمشاركة الفعالة لجميع المواطنين.

 

مع ذلك مازال مثل هذا الانفتاح في تونس محل شك فهو ينبني على الولاء للدولة والتقرب منها في ظل غياب الشفافية والتشاور العلني وخصوصا بسبب غياب أي هيكل عمومي مستقل عن الدولة في هذا الحقل. وفي هذا السياق تضمن إعلان رئيس الدولة في 7 نوفمبر 2003 عن إنهاء احتكار الدولة للقطاع السمعي والبصري جملة من المشاكل حيث تم الإعلان في الوقت نفسه عن انطلاق بث "إذاعة موزاييك"، وهي محطة خاصة يديرها صحفي سابق بجريدة "الشروق". ثم فوجئ الرأي العام في 14 فيفري 2004 بخبر في الصحف حول إنشاء قناة تليفزيونية خاصة من دون أن يعلم المواطن بالتحديد متى و كيف نشر طلب العروض المنصوص عليه في مجلة الاتصالات، ولا من شارك فيه، ولماذا أسند الترخيص لهذا المستثمر دون سواه؟ وهكذا تم تجاهل حق المواطن التونسي مجددا في إعلام متكامل ودقيق.

 

وفي نفس الوقت مازال عدد من الأشخاص الذين استوفوا الإجراءات القانونية لطلب الحصول على حيز للبث الإذاعي ينتظرون الجواب من السلطات المعنية، ونذكر من هؤلاء زياد الهاني (إذاعة قرطاج ) الذي رفع دعوى على "المجلس الأعلى للاتصال" لدى المحكمة الإدارية في جويلية 2000 من أجل "سوء استخدام النفوذ" وقد بقيت الدعوى بلا نتيجة إلى اليوم. كما تقدم رشيد خشانة بطلب في نفس المعنى إلى وزارة تكنولوجيات الاتصال والنقل يوم 17 مارس 2004 ومازال ينتظر الجواب.

 

مع ذلك أضيفت مقتضيات جديدة لمجلة الاتصالات في سنة 2001 بهدف تنظيم إسناد  اللزمات للخواص بعدما كانت حكرا على الدولة ووضع عمليات البث و الاستقبال و استغلال وسائل الاتصالات تحت إشراف وزارة تكنولوجيات الاتصالات والنقل ولكن أيضا بإشراف وزارتي الدفاع والداخلية ( الفصلان 52 و 56 ). كما أنشئت أيضا "وكالة وطنية للترددات" ( الفصل 47 ) و"هيئة وطنية للاتصالات". وعملا بمقتضيات القانون الجديد أصبح من يستغل موجة بث إذاعي أو شبكة اتصالات من دون الحصول على ترخيص من "الوكالة الوطنية للترددات" معرضا للسجن النافذ من ستة أشهر إلى خمس سنوات ( الفصل 82 ). وبعبارة أخرى فإن هذه التراتيب تتعلق باستغلال المحطات الإذاعية والتليفزيونية ولكنها تشمل أيضا الارتباط بالشبكات الفضائية الخاصة للاتصالات. ومن هنا يمكن القول أن المشهد الإعلامي السمعي والبصري يتعرض الآن لنفس المضايقات التي تعرضت لها الصحافة المكتوبة في مطلع التسعينات.

 

إذاعة وتليفزيون مغلقين في وجه الأصوات غير الرسمية

 

مازال كثير من المواطنين يتساءلون عن الستار الكثيف الذي ظل يلف برامج مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية، على رغم أنها عمومية، في عصر انتشار القنوات الفضائية التي أصبح أكثر من نصف البيوت في تونس قادرا على مشاهدتها بفضل استخدام الهوائيات. فالجمهور الواسع الذي يساهم في تمويل مؤسسة الإذاعة والتلفزة يرغب في أن يقع إعلامه بمداخيل الومضات الإشهارية التي تبثها و قياس متابعة المستمعين والمشاهدين لبرامجها. والأدهى من ذلك أن ممثلي المجتمع المدني وعددا هاما من ممثلي المعارضة السياسية لا يدعون أبدا إلى استوديوهات التلفزة والمشاركة في برامج على موجات الإذاعة. فأغلب رموز المعارضة لا يظهرون على الشاشة الصغيرة سوى ما يقارب العشر دقائق مرة كل خمس سنوات في المتوسط بمناسبة الحملات الانتخابية التشريعية والرئاسية. والنتيجة أن وجوه ممثلي المجتمع المدني الرئيسيين وأصواتهم ظلت مبعدة من أمواج الأثير واستوديوهات التلفزة. إلا أن القانون  يفرض في الوقت نفسه على المواطنين تسديد ضريبة للإذاعة والتليفزيون تسجل على فواتير استهلاك الكهرباء والغاز.

وعلاوة على ذلك أصبح هذا الإجراء اليوم بلا معنى إذ أن أكثر من نصف العائلات التونسية لا تشاهد برامج التلفزة الوطنية إلا لماما طبقا لإحصاءات جديرة بالثقة. وفي هذا الصدد شكلت التعبئة العمومية من أجل حرية التعبير وحق المواطن في الإعلام وفي توصيله إليه منعطفا أساسيا في الأشهر الأخيرة شمل فئات متزايدة من المجتمع التونسي، فقد سجل تجمعان أمام مبنى الإذاعة والتلفزة الأول يوم 11 فيفري و الثاني يوم27 مارس 2004. وعبأ التجمعان مئات من أعضاء خمسة أحزاب وتسع منظمات من المجتمع المدني، كما تأسست في السياق نفسه هيئة تنسيق "من أجل حرية الإعلام والتعبير" جمعت كل تلك الأطراف.

 

من أجل إنشاء هيئة عمومية لإعلام سمعي و بصري مستقل فعلا عن الدولة

 

في البلدان الديمقراطية لا يمكن أن يوكل تسيير قطاع الإعلام بأكمله وتنظيم هياكله  لمؤسسات سياسية مثل الدولة. ويعزى ذلك إلى فكرة أن المؤسسات العمومية التي تنبثق فعلا من المجتمع، أي الممثلين الحقيقيين لكافة المكونات المدنية هي التي ينبغي أن تسهر على التطبيق الدقيق والعادل لحق الجميع في الإعلام  باسم الفصل بين الدولة والمجتمع. والأمثلة على ذلك كثيرة عبر العالم وهي تستطيع أن تنير في هذا المجال، فالمجلس الأعلى للإعلام السمعي والبصري في فرنسا وعدد من الهيئات المستقلة الأخرى التي بدأت تبصر النور في بعض البلدان الإفريقية تدل على  أنه  يمكن جمع المهنيين وممثلي الجمهور وغيرهم من الفاعلين الاجتماعيين المعترف لهم بالإشعاع والكفاءة وخاصة بالاستقلالية في هيئة واحدة.

أما في تونس فان التداخل بين الدولة والحزب الحاكم وتسيير القطاع من قبل مؤسسة حكومية بصيغتها الحالية وتحت غطاء "القطاع العمومي" يشكل وضعا شاذا يرفضه التونسيون والتونسيات بشكل متزايد . ومن نافلة القول التأكيد على أن ذلك التداخل يتعارض تماما مع حرية التعبير والاتصال ومع المساواة في استخدام وسائل الإعلام.

 

 

 

-VI-صحف الأحزاب وصحف الرأي

 

 

واجهت صحف المعارضة خلال سنة 2003 ضغوطا ومضايقات جعلت صدورها يتم في ظروف غير طبيعية فيما استمر احتجاب عدد من صحف الرأي بسبب انعدام مناخ الحرية. وبعدما كان المشهد يضم سبع أسبوعيات معارضة في مطلع التسعينات هي  "المستقبل" و"الموقف" و"الطريق الجديد" و"الوحدة" و"الفجر" و"البديل" و"الوطن" لم يبق منها سوى ثلاث في 2003، فضلا عن كونها تمرّ بصعوبات تجعل قيامها بدور المنابر المستقلة أمرا عسيرا. ومن المؤشرات الدالة على صعوبة الصدور أن بعض صحف المعارضة التي كانت دوريتها أسبوعية في الثمانينات والتسعينات مثل "الطريق الجديد" تقلصت وتيرة صدورها إلى مجلة شهرية أو دون ذلك أحيانا. أما "الموقف" التي كانت تصدر في 16 صفحة فتقلصت إلى أربع صفحات فقط بسبب قطع المنحة العمومية عنها، فيما واصلت “الوحدة" صدورها الأسبوعي طبيعيا.

 

ويمكن تلخيص المصاعب التي تواجهها صحف المعارضة في أربعة مستويات كالتالي:

 

الدعم : بمقتضى قانون تمويل الأحزاب الصادر في 21 جويلية 1997 والمنقح في 29 مارس 1999 تم تقليص دائرة الدعم العمومي لتصبح مقتصرة على الأحزاب الممثلة في البرلمان رغم أن مقياس تقديم الدعم لصحافة الرأي في البلدان الديمقراطية لا يرتبط بهذا الجانب، بل بالعكس يتضاعف مع تضاؤل المبيعات ومداخيل الإشهار. وشمل التقليص أيضا الحق في تعويض 60 في المائة من قيمة الورق المستخدم في الطباعة والذي أصبح يقتصر على صحف الأحزاب البرلمانية. وعلى هذا الأساس اشتكت صحيفة"الموقف" من "الاختناق" لكونها لا تحصل على أي نوع من الدعم وأطلقت في سنة 2003 أكثر من مرة نداءات للمساعدة لأنها "مضطرة للاحتجاب" حسب قول أصحابها.

 

الرقابة : تعرضت صحيفتان معارضتان للرقابة المسبقة طوال السنة. ويقضي قانون الصحافة بأن يودع صاحب المطبعة نسخا محدودة من المطبوعة الدورية لدى الشباك الموحد بالوزارة المكلفة بالإعلام من غير أن يعطل ذلك تسليمها لأصحابها لعرضها في الأكشاك (الفصول من 4 إلى 12 ). لكن السلطات تجاهلت هذه التراتيب القانونية وأرغمت المطبعتين اللتين تسحب فيهما "الطريق الجديد" و"الموقف" على انتظار الموافقة من وزارة الداخلية قبل تسليم الصحيفتين لأصحابهما.
ولا تحصل المطبعتان على الوصل الذي يثبت القيام بالإيداع القانوني إلا بعد قراءة العدد والموافقة على محتواه. وتستغرق عملية الرقابة في المعدل ما بين 24 و72 ساعة بالنسبة للصحيفتين. وهكذا أصبح الإيداع القانوني الذي يرمي في الأصل للمحافظة على الذاكرة وسيلة لممارسة الرقابة على المحتوى. غير أن الصحف الأخرى لا تخضع للرقابة المسبقة وان كان الصحفيون في مؤسسات عديدة اشتكوا من الرقابة الداخلية التي يمارسها المديرون ورؤساء التحرير.

 

وبالإضافة للرقابة يشكو المسؤولون عن "الطريق الجديد" من تعطيل وصول المجلة إلى المشتركين عبر البريد وقالوا أن أعدادا كثيرة لاتصل إلى أصحابها، وهناك عدد لم تصل منه أي نسخة إلى المشتركين. كما اشتكى المسؤولون عن "الموقف" من المضايقات التي قالوا أن صحيفتهم تتعرض لها والمتمثلة في جمع النسخ أحيانا من الأكشاك والضغط على الباعة للتخلي عن عرضها في أكشاكهم.

 

- الإشهار: يشكل الإشهار مصدرا أساسيا لتمويل الصحف وهو نوعان خاص وعام. ولا يعطي القطاع الخاص أي إشهار أو إعلان لصحف المعارضة مخافة عقاب الدولة الذي يتخذ عادة شكل ملاحقة من المصالح الجبائية حسب أقوال بعض رجال الأعمال. أما الإشهار العمومي والبلاغات الصادرة عن الوزارات والمؤسسات العمومية وشبه العمومية فتحتكر توزيعها "الوكالة التونسية للاتصال الخارجي". وامتنعت الوكالة طيلة سنة 2003 عن إعطاء "الموقف" أي إعلان أو بلاغ وأعطت مساحة محدودة ل"الطريق الجديد"، فيما كانت أكثر سخاء مع الصحف والمجلات الخاصة التي تصنف على أنها "مستقلة". ويعتبر حجب الإعلانات العمومية عائقا كبيرا أمام تطور صحافة المعارضة وعقبة في طريق ازدهار صحافة الرأي بشكل عام.بالمقابل أعطت الوكالة في السنة نفسها دعما سخيا لعدد كبير من الصحف والمجلات والمحطات الإذاعية والتلفزية خارج تونس من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الروسي مرورا بأوروبا والعالم العربي في شكل مقالات إشهارية وملاحق خاصة ( أفريك آزي، واشنطن تايمز، العرب، أرابيز، أفريك ماغازين، الحوادث، لانتاليجان، المشاهد السياسي...).

 

- الاشتراكات: لم تتمتع صحف المعارضة باشتراكات من المؤسسات العمومية كالوزارات و"الخطوط التونسية" و"الوكالة التونسية للاتصال الخارجي" لكن صحفا ومجلات خاصة استمرت في التمتع بهذه الاشتراكات الأمر الذي مكّنها من المحافظة على التوازن المالي بل وجني أرباح معتبرة. ويشكل هذا الإقصاء إجراء تضييقيا آخر على حرية التعبير إذ هو يؤدي إلى تقليص عدد الصفحات وبالتالي الحد من هامش الكتابة المتاح في صحف الأحزاب.

وفي الوقت نفسه تمادت أغلبية صحف القطاع الخاص في نشر الإشهار المقنع مخالفة بذلك منطوق الفصل 23 من قانون الصحافة ولم تتعرض للمساءلة أو المحاسبة القانونية من السلطات بسبب التزامها بالخط المرسوم للصحافة والمتمثل في التعتيم على نشاط المنظمات والأحزاب المستقلة والاكتفاء بنشر برقيات وكالة الأنباء الرسمية لدى تغطية النشاط الوطني السياسي والاجتماعي والثقافي.

والى جانب تعرض الصحف المعارضة الصادرة في سنة 2003 للمضايقات والإجراءات التمييزية المذكورة، تجدر الإشارة إلى أن عددا من صحف الرأي والمجلات المستقلة استمرت في الاحتجاب بسبب غياب مناخ الحرية، ومنها "الرأي" التي توقفت عن الصدور منذ ديسمبر 1987 و"لوفار" التي توقفت في أواخر الثمانينات و"المغرب العربي" التي تعرضت للإغلاق وسجن مديرها السيد عمر صحابو في مطلع التسعينات و"الفجر" التي يقبع مديرها المسؤول السيد حمادي الجبالي في السجن منذ سنة 1991 و"البديل" التي أقفلت في مطلع التسعينات وتعرض مديرها السيد حمة الهمامي للسجن في قضية سياسية ومجلة "أطروحات" المحتجبة منذ أواخر الثمانينات و"15 - 21" المتوقفة عن الصدور منذ سنة 1991.

 

 

 

-V- إنترنت تحت المراقبة

 

 

جهاز رقابة قانوني وإداري

 

 

ينظم الأمر المؤرخ في 14 مارس 1997 المتعلق بخدمات القيمة المضافة للاتصالات توزيع الإنترنت بتونس. ويحددّ هذا الأمر النظام القانوني واستغلال الخدمات كما يضبط القانون الأساسي لمزودي خدمات الإنترنت وإجراءات الترخيص. من جهة أخرى، ويضبط القرار المؤرخ في 22 مارس 1997 الحقوق والواجبات تجاه الإدارة والحرفاء.

كما ينظم هذا الجهاز القانوني توزيع إنترنت بين العموم والفاعلين الاقتصاديين. ونذكر في هذا الصدد :

مجلة الإتصالات الصادرة بمقتضى القانون المؤرخ في 15 جانفي2001

-   كراس الشروط لسنة 1998 الذي يضع ضوابط استغلال ومراقبة شبكة المراكز العمومية للإنترنت.

تنقيح المجلة الجنائية المعلق بتركيز شبكة الإنترنت والأدوات المعلوماتية (القانون المؤرخ في 2 أوت 1999)

التعرف على التوقيع الإلكتروني (القانون المؤرخ في 13 جويلية 2000)

النقل الإلكتروني للقيم في البورصة (القانون المؤرخ في 21 مارس 2000)

تنظيم التجارة الإلكترونية

الوكالة الوطنية للشهادات الإلكترونية وحماية البيانات الشخصية (القانون المؤرخ في 9 أوت 2000)

قانون مكافحة الإرهاب (10 ديسمبر 2003) الذي ينسحب تطبيقه على شبكة الإنترنت.

الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية التي تعمل تحت إشراف وزارة الاتصالات والنقل وهي معنية في الأصل بحماية الشبكة التونسية ضد هجمات القراصنة والتي لها اليد الطولى على الشبكات العمومية والخاصة باستثناء شبكات وزارة الداخلية والدفاع الوطني. ويقع إعلامها وجوبا بكل هجوم أو محاولة هجوم يستهدف الشبكة العمومية أو الخاصة (القانون الذي صادق عليه مجلس النواب في 14 جانفي 2004).

 

أما فيما يخص الجهاز الإداري لمراقبة الإنترنت فيخضع لمقتضيات النظام العام (أنظر الجدول)

تضاعفت طاقة الربط بشبكة الإنترنت العالمية من 0،5 ميغابيت سنة 1997إلى 155 سنة 2004. مزود وطني الوكالة التونسية للإنترنت (ATI)  وهو المزود الوحيد في البداية ثم تخلى عن هذه الوظيفة لإثني عشر مزودا : خمسة مزودين خواص ينتمي بعضهم لدوائر قريبة من السلطة وسبعة مزودين عموميين.

 

وتتمتع الوكالة التونسية للإنترنت بصلاحيات محددة مؤلفة في ملفات التراخيص للمراكز العمومية للإنترنت فهي تفرض على أصحابها أن يمدوها بالتسعيرة ويطلعوها كل شهر على قائمة المشتركين لتعطي موافقتها أو ترفض.

 

أما في ما يخص إسناد التراخيص لمزودي الخدمات ومستغلي المراكز العمومية للإنترنت فهو يخضع قانونا للجان تضم ممثلين عن وزاراتي الدفاع الوطني والداخلية ويرجع قرار إسناد الترخيص أو حجبه في آخر المطاف إلى والي الجهة. ويمكن تصفح الموقع  www.ati.tn لمزيد المعلومات حول شبكة مزودي الخدمات الراجعة بالنظر للوكالة التونسية للإنترنت.

 

ويتزايد عدد الشركات العاملة في مجال الواب ببطء نظرا للمراقبة المسلطة على المواقع وتعد نسبة مستخدمي الإنترنت من أضعف النسب في العالم، فهي تبلغ في أمريكا اللاتينية ألف مستخدم  لكل عشرة آلاف ساكن  وفي آسيا تبلغ الفي مستخدم لكل عشرة آلاف ساكن في حين تبلغ النسبة في تونس 570 مستخدم على 10.000 ساكن. ولا تتجاوز نسبة الخواص 7,5 % إذا ما استثنينا الاستعمال الإداري .

 

وتتسم هذه المنظومة بمركزية عالية في المستوى الإداري وبمنهج احتكاري على المستوى الاقتصادي مما يمكن الدولة من بسط مراقبة صارمة على الشبكة وعلى الرسائل الإلكترونية ويمكنها من وإغلاق مواقع معينة .

 

المراقبة المفرطة للمراكز العمومية للإنترنت

 

تخضع المراكز العمومية للانترنيت إلى مراقبة مشددة فالوكيل مطالب بالتواجد المستمر بالمركز وبمراقبة محتويات المواقع وتسجيلها على الأقراص، وهو يتحمل مسؤولية محتوى مواقع الواب التي تتم زيارتها وهي مسؤولية جزائية تسحب أيضا على الحرفاء المشتركين وعلى أصحاب الصفحات والمزودين المقيمين '' وهم مطالبون وجوبا بتعقب المعلومات المناهضة للنظام العام وللأخلاق الحميدة وعدم السماح بتصفحها". ويتوجب على المسؤول وضع معلقات تبين القواعد الواجب أتباعها والعقوبات المنجرة عن خرقها وخاصة في ما يتعلق بـ'' محتوى الخدمات '' ويستوجب هذا مراقبة منه لمحتوى الصفحات ولكل ما يتصل بــالشخصيات رفيعة المستوى أو بـ'' المواضيع السياسية '' كما يجب على الوكيل أن يحتفظ بنسخة من الصفحات وبالمزودين المقيمين لمدة سنة كاملة .

 

وتخضع المراكز العمومية للإنترنت لمراقبة مزدوجة :

 

1- مراقبة وزارة الاتصالات عن طريق سلك من المراقبين الذين يتدخلون ويزورون هذا المراكز بانتظام .

 

2- مراقبة وزارة الداخلية عن طريق الأمن السياسي وقد تجلت '' يقظة '' شرطة الشبكة في قضية السيد عبد الله الزواري الذي وقع منعه من إتمام مراسلة إلكترونية في مركز عمومي للإنترنت بجرجيس وأرغمت وكيلة المركز على تقديم شكوى ضده أسفرت عن الحكم عليه بالسجن 4 أشهر ( 18 نوفمبر 2003 ) .

 

وتقلص عدد المراكز العمومية للإنترنت من 300 إلى 260 مركز جراء الحملة التي تبعت ايقاف زهير اليحياوي.

وعلى سبيل المقارنة فإن عدد مقاهي الإنترنت ( Cybercafés ) في الجزائر يبلغ 4800 ( فيفري 2004 ) . وتعد البلاد التونسية 0,3 مركز للإنترنت لكل 10.000 ساكن في حين نجد في الجزائر أربعة أضعاف هذا العدد أي حوالي 1,3 مقهى إنترنت لكل 10.000 ساكنا فعدد مراكز الإنترنت يبلغ حاليا حوالي 320 (سنة 2004) .

 

غلق المواقع

 

تمر اتصالات الإنترنت عبر عقدة مركزية وتقوم على مراقبة محتوى المعلومات المتبادلة وتنقلها وذلك عبر مراقبة الخطوط الهاتفية والمواقع والاشتراكات في إنترنت وتستعين الدولة في ذلك ببرامج معلوماتية تقوم بدور المراقب،   وقد تمكنت السلطات العمومية من الناحية التقنية من غلق الوصول إلى بعض المواقع وإحكام الغلق التام لمواقع الإنترنت لمنظمات غير الحكومية الدولية ( الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان FIDH  مراسلون بدون حدود RSF – المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب OMCT – العفو الدولي AI ومرصد حقوق الإنسان .

 

وقد أضحى تدمير الرسائل الإلكترونية أمرا مألوفا وذلك بواسطة الفيروسات والإرساليات المكثفة ( الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان LTDH – الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ATFD – تونس نيوز-تونس2000.).

 

كما يتم تحويل وجهة المراسلات الإلكترونية وخاصة تلك المتبادلة بين النشطاء السياسين والحقوقيين . وتتعرض مفاتيح العبور للقرصنة قصد غلق الصناديق الإلكترونية .

 

تخضع شبكة النات في تونس إلى حراسة مشددة فعديد المواقع تتعرض بصورة دائمة للإقفال كمواقع المجلس الوطني للحريات والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، والتجمع من أجل بديل عالمي للتنمية ، وكذلك مواقع الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ( ليبيرسون – الجزيرة – الزيتونة... )

وقد نتج عن هذه الممارسات أن أصبح التونسيون بمن فيهم الطلبة والباحثون محرومين من الدخول إلى المواقع المختارة بحرية .

وكل من يجرأ على تجاوز هذه الممنوعات ويغامر بالدخول لهذه المواقع على الشبكة يتعرض إلى المضايقات وربما التتبعات العدلية وقد يقع تحت طائلة قانون الصحافة .

 

جنح استعمال الإنترنت

 

تسخر السلطات موارد مالية وبشرية وتقنية هائلة من أجل تحويل وجهة المراسلات الإلكترونية ووضع العراقيل أمام الراغبين في الدخول إلى بعض المواقع.وفي المقابل يجهد مستعملو الشبكة أنفسهم مبدين عبقرية فذة لمراوغة الرقابة. فقد استعملوا نوعا من الشفرة مكنتهم من الولوج إلى المواقع الممنوعة إلا أن تتطور التكنولوجيات في هذا المجال أحبط مساعيهم وكثيرا ما تلجأ السلطات إلى بعث مواقع مضادة وهمية مثل – tunisia.org amnesty-.

 

في هذه الظروف يصبح الحديث عن منافسة الأسعار وسرية المبادلات وتأمينها عديم الجدوى ويبقى السؤال الأهم : كيف السبيل إلى التوفيق بين هذه المحاصرة المبرمجة من جهة وبين رغبة الحكومة في جلب الاستثمارات من جهة أخرى والتي تستوجب توفير فضاءات مفتوحة .

فعوض أن تسعى السلطات إلى تعديل ضروري للشبكة بما يتماشى مع المتطلبات الاقتصادية ومع تلبية حاجيات مستعمليها وتوقهم للانفتاح على العالم بدل ذلك فهي تجتهد لفرض المزيد من العراقيل على مختلف مستويات الشبكة .

 

واشتد هذا الهاجس الرقابي لدى السلطة إلى درجة أن ما كان شائعا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من جنح تتعلق بالصحافة أصبحت اليوم جنحا لها علاقة باستعمال الإنترنت بناء على قضايا مفتعلة بالكامل واعترافات يتم انتزاعها تحت الإكراه وملفات ملفقة وحقوق دفاع مهضومة ومحاكمات جائرة وأحكام مفزعة .

 

ولئن جندت قضية الشاب زهير اليحياوي الرأي العام الوطني والعالمي وانتهت بإطلاق سراحه في 08 نوفمبر 2003 بعد أن قضى سنة ونصف في السجن من مجمل الحكم القاضي بسجنه لمدة سنتين فإن قضية شباب جرجيس تعد قضية خارج نطاق القانون الذي ينص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة مهما كان الجرم الذي اقترفه. ففي سنة 2003 تم إيقاف 17 شابا من مستعملي الإنترنت وإحالتهم على المحاكم.

 

وتعكس سمات الشبان الذين تم إيقافهم إلى حد الآن مختلف مراحل المراقبة التي يسلطها بوليس النات على الشبكة حيث نجد من بينهم :

مسير موقع :زهير اليحياوي

مستعمل للتراسل الإلكتروني : عبد الله الزواري .

مبحرون : مستعملو الإنترنت في أريانة وجرجيس ويتراوح سن اغلبهم بين 18 و 26 سنة .

 

قضية مجموعة أريانة

 

تتعلق القضية بتسعة ( 9 ) شبان أغلبهم من الطلبة تم إيقاف أغلبهم في فيفري 2003 وقد كان بحوزتهم وثائق مسجلة من إنترنت وهم يقبعون في محلات الأمن في انتظار محاكمتهم.

 

قضية شباب جرجيس

 

أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس في 16 أفريل 2004 حكما بـ19 سنة وثلاثة أشهر سجنا وبـ5 سنوات مراقبة ادارية على كل من عمر الشلندي وحمزة المحروق وعمر راشد ورضا الحاج إبراهيم وعبد القادر قيزة وأيمن مشارك ويبلغ جل هؤلاء من العمر 21 سنة.

ومثل عبد الرزاق بورقيبة 19 سنة أمام محكمة الأحداث لأنه لم يتجاوز 17 سنة عند إيقافه وحكم على طاهر قمير وأيوب الصفاقسي غيابيا بـ19 سنة و 3أشهر وبـ26 سنة و 3 أشهر.

 

التهم :

 

تكوين عصابة قصد التحضير وارتكاب اعتداء على الأشخاص والأملاك – صنع وتركيب مواد متفجرة ونقلها وحيازة آلات ومعدات صالحة لتركيبها – السرقة ومحاولة السرقة وعقد اجتماعات بدون رخصة .

"الأدلة المحجوزة" والتي لم يقع أبدا عرضها على المتهمين ولم يتمكن محاموهم البتة من   الاطلاع على ملفاتهم .

- وثيقة بـ6 صفحات تتعلق بسلاح كلاشنيكوف.

- وثيقة بصفحة واحدة تتعلق بصنع كاتم صوت الأسلحة .

- وثيقة بـ9 صفحات تتعلق بصنع القنابل .

- وثيقة بـ9 صفحات تتعلق بعداد الدقائق.

- وثيقة بـ9 صفحات تتعلق بالأسلحة والذخيرة.

- وثيقة بـ28 صفحة تتعلق بالجهاد.

وثيقة بـ12 صفحة تتعلق بالجهاد.

وثيقة باللغة الفرنسية بـ4 صفحات تتعلق بالغش في استعمال البطاقات المغناطيسية.(وكل هذه الوثائق تمت تعبئتها عن طريق الانترنت)

وثيقة تتعلق بمحاكاة هجوم بالبازوكا ضد مقر الحرس الوطني بجرجيس

بطاقة ممغنطة لتعبئة هاتف جوال مربوط بقطعة بلاستيكية ومغلفة بورق الألمنيوم ومشدودة إلى خيط كهربائي.

 

تزوير تواريخ الإيقاف

 

تم إيقاف المتهمين حسب الرواية الرسمية بتونس في 26 فيفري 2003 إلا أن خبر إيقافهم كان قد أعلن في 18 فيفري 2003 وقد تقدم المحامون في 19 فيفري 2003 بعريضة إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بمدنين لإحاطته علما بانتهاك البوليس لآجال الإيقاف التحفظي في حق منوبيهم وبوضعهم قيد الاحتجاز السري منذ 5 و8 و 10 فيفري 2003وهو التاريخ الحقيقي للإيقاف الذي تم بجرجيس في الجنوب التونسي ولم يتعرض أي محضر بحث رسمي لهذا الفارق الزمني الذي يناهز الثلاثة أسابيع

وتشير الشهادات المتواترة و المنشورة منذ الإعلان عن الإيقاف إلى حجز آلات حاسوب إلا أن أي محضر لم ينص   على هذا الحجز.

عدم الإختصاص الترابي للمحكمة

أحيل المتهمون أمام أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس وانسحب محامو الدفاع من الجلسة للاحتجاج على رفض حاكم التحقيق تمكينهم من زيارة الموقفين ( بين 8 و 12 مارس ) ومن نسخة من أدلة الاتهام واعتبروا أن هذا الرفض يمثل انتهاكا لحقوق الدفاع وللحق في محاكمة عادلة .

كما امتنع الموقوفون عن الاجابة عن أسئلة حاكم التحقيق في غياب محاميهم . ثم مثل المتهمون أمام الدائرة الجنائية بتلك المحكمة   في جلسة أولى بتاريخ 3 فيفري 2004 ( أي سنة كاملة بعد الإيقاف) وقد لاحظ المحامون أن محكمة تونس غير مختصة ترابيا لأن الشبان تم إيقافهم بجرجيس مما يجعل المحكمة الابتدائية بمدنين هي المختصة ترابيا في هذه القضية وقد طالب الدفاع بإطلاق سراح الموقفين وقتيا نظرا لصغر سنهم وغياب السوابق ونظرا لعدم وجود أي دليل في الملفات. وقوبل هذا الطلب بالرفض

التعذيب وسوء المعاملة

أكد أربعة متهمين هم عبد الرزاق بورقيبة وعبد الغفار بن قيزة وحمزة محروق وعمر راشد  أنهم تعرضوا للتعذيب طيلة الأيام العشرة الأولى : الضرب بالعصي - اللكم – الركل على كامل الجسم -تعليق حمزة محروق وعمر راشد من أيديهم في السقف بعد خلع ثيابهم في الصقيع وصرح أربعتهم بأنهم وقعوا محاضر البوليس تحت التعذيب و التهديد به ..  وكان تم نقلهم مباشرة بعد إيقافهم في جرجيس إلى مقــــــر وزارة الداخلية بتونس(  أمن الدولة ) حيث مكثوا 17 يوما وحرموا خلال الـ 24 ساعة الأولى من الأكل.

وقال عمر راشد أنه وقع محضر البوليس بالقرجاني دون أن يخضع للاستنطاق.

ولم تتمكن عائلات الموقوفين من زيارتهم إلا بعد ثلاثة أشهر من ايقافهم ( أي في 8 ماي 2003 ) .

كما اتضح أن التهم كانت ملفقة فلا شيء في الملف يفيد قيام المتهمين بصنع وتركيب مواد متفجرة ونقلها وخزنها أو حيازة آلات ومواد معدة للدخول في تركيب آلات قابلة للإنفجار كما جاء بنص الحكم .

وقد اعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن الحكم الذي أصدرته الدائرة الجنائية برئاسة السيد عادل الجريدي كان '' قاسيا ''.

وأمام هذا الانزلاق الخطير على حريات المواطنين التونسين طالبت الرابطة في بيانها المؤرخ في 10 أفريل 2004 بإطلاق سراح  جميع المتهمين فورا في القضية عدد 2003 6623.

 

الـفهـرس

 

توطئـــــة  ................................................2

المقـــدمــة ................................................3

-I-قوانين زجرية تقيد حرية التعبير………………………….. 5

-II-الانتهاكات……………………………………………… 7

-III-الإعلام السمعي البصري : حجاب سميك…………………15

-VI-صحف الأحزاب وصحف الرأي ………………………. 18

-V- إنترنت تحت المراقبة  ………………………………....21

 

المراقبــــة الإداريــــة للإنتـــرنـت

 

وزيـــر الإتصــال                                                                                                                 

 الوزيــر الأول

 

 


لجنة الرقابة التكنولوجية                                          اللجنة الوطنية التكنولوجية                                                                                      الأمانة العامة

للتجارة الإلكترونية                                    اللجنة الوزارية                                                    للمعلوماتية

للتجارة الإلكترونية

لجنة متابعة استثمار مراكز

الاتصال والبريد                           المديرية العامة                                                                                        المجلس الأعلى للمعلوماتية

للتكنولوجيا                                                                                                                    والإتصالات

 

 

 


مديريات المؤسسات                                  مديرية تكنولوجيات

والمصالح العامة                                  الإعلام

لجنة الخدمات ذات القيمة                                         * المركز الوطني للمعلوماتية

المضافة في مجال الإتصالات                                            (مكتب الدراسات الحكومية)

 

الوكالة الوطنية                        نائب مدير خدمات                                                                                                    * المعهد الإقليمي للعلوم المعلوماتية

للمصاقة الإلكترونية                              القيمة المضافة                                                                                                                         والإتصالات (مركز أبحاث)

الوكالة التونسية                                                    المزودون بخدمات الإنترنت (م خ إ)                                                  * صندوق دعم التحديث

للإنترنت                                                                                                                                                                      المعلوماتي والتكنولوجي

5 م خ إ خواص                7 م خ إ عموميين

المكتب الوطني للإتصالات

مركز الإستعلام والتدريب والتوثيق

وعلوم تكنولوجيا الإتصال

المصدر : ج. ف. برا : " النظام العام والبيانات الرسمية والإنترنت في تونس" ضمن كتاب " الفضاء العربي  الفضائيات والإنترنت والإعلان والنشر "

ترجمة فردريك معتوق / قدمس للنشر والتوزيع – بيروت – لبنان (بتصرف)