تقرير مراسلون بلا حدود
أدلت لوسي موريلون، مديرة الإعلام الجديد في منظمة مراسلون بلا حدود الدولية المدافعية عن حرية الصحافة، بتصريح خاص لموقع "سيريا بوليتيك"، لدى تسليمها نسخة كاملة باللغة العربية لموقعنا حول قائمة أعداء الإنترنت في العالم وأوضاع حرية الصحافة الالكترونية في العام المنصرم، وينشر "سيريا بوليتيك" التقرير الكامل المتعلق بسوريا عقب تصريحها.
قالت لوسي موريلون: "أكثر من أي وقت مضى، سوريا تستحق أن تنتمي إلى لائحة أعداء الإنترنت، وأسوأ منتهكي حرية التعبير على الإنترنت. استجاب النظام بالعنف ردا على الانتفاضة الشعبية في سوريا. في الأسابيع التي تلت 15 مارس 2011، كثف النظام السيطرة على وسائل الاتصال ومراقبة المعارضين، فضلا عن عمليات التضليل التي قام بها".
وأضافت أن "المواطنون الالكترونيون هم الشهود الوحيدون الذين لايزالون حاضرين في أكثر المناطق تضررا، ويواصلون عملهم البطولي مخاطرين بحياتهم لنقل المعلومات إلى العالم.وكبقية الصحفيين السوريين والأجانب، هؤلاء الشهود غير المرغوب فيهم ينظر إليهم كأعداء للدولة".
سوريا
في آذار/مارس 2011، نزل السوريون، بدفع من الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير الديمقراطي. وقد ردّ نظام بشار الأسد على هذه التحرّكات بالعنف. وعلى مر الأسابيع، أخذت السلطات تشدد الرقابة على الاتصالات وتراقب المعارضين. وبفضل جيشها الإلكتروني، تورّطت في حرب تضليل إعلامي فعلية فيما يثابر مستخدمو الإنترنت السوريون الذين يعتبرون الشهود الوحيدين الحاضرين في المناطق الأكثر تضرراً، بكل بطولة وشجاعة على إعلام الرأي العام مجازفين بحياتهم. وأصبح هؤلاء الشهود المزعجون، مع الصحافيين، السوريين والأجانب، أعداء للدولة.
قبل بداية الثورة السورية، كان البلد معروفاً برقابته المشددة على شبكة الإنترنت (لمزيد من المعلومات، الرجاء قراءة فصل سوريا في تقرير أعداء الإنترنت للعام 2011). وفي مواجهة الاحتجاجات، ترافقت حملة القمع العنيف في الشوارع بقمع لا يرحم على الشبكة.
الدور الأساسي للمواطنين الإلكترونيين في مواجهة التعتيم الإعلامي
منذ بداية الانتفاضة ومنذ طرد الصحافيين الأجانب، أخذ المدوّنون ومستخدمو الإنترنت الغاضبون من رد فعل النظام يؤمنون المعلومات. ومع اشتداد المجازر، راح المواطنون العاديون يتدخلون. فإذا بهم يرتجلون أنفسهم صحافيين وناشطين، منجزين عملاً توثيقياً فعلياً مشابهاً لعمل أي محترف إعلامي ولكن من منظور ملتزم بوضوح. وقد بلغ هذا التوجّه الملحوظ في خلال الثورتين التونسية والمصرية كما في بلدان أخرى، ذروته في سوريا. وبهذا، اختلط عمل الناشطين بالعمل الإعلامي.
أخذ هؤلاء الأفراد، من مواطنين وصحافيين وناشطين، يتنافسون على تسهيل تدفق المعلومات: فيتم تصوير تسجيلات الفيديو على الهواتف وبثها مباشرة أو بواسطة كاميرا الفيديو، كما يتم نسخ الملفات على مفاتيح USB تمرر من يد إلى أخرى قبل أن ينتهي بها الأمر على شبكة الإنترنت. ويستخدم سكايب تماماً كما مامبل. وغالباً ما يلجأ السوريون الذين يعيشون بالقرب من الحدود للخوادم اللبنانية والتركية للنفاذ إلى شبكات الإنترنت والهاتف، بغية التهرب من مراقبة السلطات.
أنشأت المراكز الإعلامية للجان التنسيق المحلية شبكة من المساهمين في أنحاء البلاد كافة بغية تسهيل نشر المعلومات في سياق تتزايد فيه الرقابة. وتتولى هذه المراكز نشر تسجيلاتها على موقع يوتيوب، ولا سيما قناة LCCSyria. وتساهم في نقل المحتويات إلى وسائل الإعلام الأجنبية التي يرتفع الطلب عليها تماماً كما غيرها من الشبكات مثل شبكة شام الإخبارية، وأهواز، الخ ...
يؤدي الشتات السوري أيضاً دوراً أساسياً في نقل المعلومات من الصحافيين والسياسيين في البلدان التي يقيمون فيها. وقد انضم مدافعون عن حقوق الإنسان في أنحاء العالم كافة إلى قناة التضامن الدولي هذه. وأخذت مبادرات تشاركية مثل سوريا تراكر تسعى إلى توثيق الجرائم المرتكبة في سوريا.
حظي السوريون بمساعدة قراصنة ناشطين ساهموا في إخراج تسجيلات الفيديو من البلاد. وقد أنشأت تيليكوميكس عملية OpSyria# ليلة 4 – 5 أيلول/سبتمبر 2011. فتمكنت هذه المجموعة من تحويل حركة المرور على الإنترنت في البلاد إلى صفحة خاصة مقترحةً النصائح لتجاوز الرقابة: كيفية تركيب برمجيات تور أو استخدام الاتصال الآمن https، وغيرها من الإجراءات. ومن ثم، أخذ عدد الأفراد الذين يتصلون بقناة تيليكوميكس يزداد على نظام التراسل الفوري المحمي. فيسدون النصائح إلى أفراد يتصلون بهذه القناة ويساعدونهم على تعميم تسجيلاتهم وصورهم وشهاداتهم على الشبكة.
عنف عشوائي ضد السكان، ومصدروا المعلومات من الشهود المحرجين
منذ آذار/مارس 2011، كانت الحصيلة مرعبة. ففي 4 آذار/مارس 2012، أسفرت حملة القمع، وفقاً لمركز البحوث الاستراتيجية والاتصالات نقلاً عن منظمة العفو الدولية، عن 10207 قتيلاً من بينهم 710 طفلاً، و000 65 مفقود. وألقي القبض على أكثر من 212000 شخص.
لاقى ما لا يقل عن سبعة إعلاميين مصرعهم في سوريا في أواخر شهر شباط/فبراير 2012 بسبب أنشطتهم. ودفع مواطنون إلكترونيون أيضاً حياتهم ثمناً لنشرهم الأخبار. وفي 29 كانون الأول/ديسمبر، قتل المواطن الصحافي باسل السيد في مدينة حمص، بينما كان يصور فيلماً آخر عن حمام الدم في حي بابا عمرو. وكان قد بدأ منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية بتصوير الأحداث وقيام قوات الأمن بقمعها. يمكن مشاهدة آخر فيديو صوّره. وفي 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تم اغتيال المصور والمخرج فرزات جربان بعد إلقاء القبض عليه في حمص. وأخيراً، اغتيل المسؤول عن صفحة فايسبوك "أحرار حوران"، سليمان صالح أبازيد، بعيار ناري أصيب به في رأسه في تموز/يوليو 2011. ولا يزال مصير الكاتب والناشط حسين عيسو الذي لم تصدر أي أنباء عنه غير معروف فيما يُخشى من الأسوأ.
تعرّض عدة صحافيين ومدوّنين سوريين للاختطاف أو التوقيف والتعذيب في السجن. فقد تمت مداهمة فعلية للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير في 16 شباط/فبراير 2012 أدانتها مجموعة من أربعة خبراء من الأمم المتحدة. وفي المجموع، ألقي القبض على 16 شخصاً من بينهم مازن درويش مدير المركز، بالإضافة إلى موظفين فيه وزائرين هم: يارا بدر، ورزان غزاوي وهنادي زحلوط، وحسين غرير، وهاني زيتاني، وسناء زيتاني، وريتا ديوب، وجوان فرسو، وبسام الأحمد، وميادة خليل، ومها السبلاتي، ومنصور حامد، وعبد الرحمن حماده، وأيهم غزول، وشادي يزبك. وأفرج عن المعتقلات في 18 شباط/فبراير، مع الإشارة إلى وجوب مثولهن يومياً أمام أجهزة الاستخبارات التابعة للقوات الجوية لأغراض التحقيق. وما زال تسعة رجال رهن الاحتجاز.
اعتقل المدون السوري الشاب البالغ 28 سنة من العمر أحمد حديفة المعروف باسم أحمد أبو الخير مجدداً في 24 آذار/مارس 2011 في دمشق "بسبب نشاطاته على فيسبوك لصالح الاحتجاجات في درعا".
ومن الاعتقالات الملحوظة أيضاً: الناشطان الإلكترونيان علاء شويتي وقيس أباطيلي، والناشط الكردي شبال ابراهيم، والصحافي والمدوّن ومؤسس أول موقع عربي متخصص في نظام أندرويد أنس المعرواي الذي اعتقل في 1 تموز/يوليو في ضواحي دمشق، والمدون والصحافي محمد غازي كناس الناشط على فيسبوك ومدير مدوّنة "كلمة إنسان" والموقوف في كانون الثاني/يناير 2012 في دمشق. وأخلي سبيل المدوّن جهاد جمال المعروف بميلان في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2011 فيما كانت بعثة مراقبي جامعة الدول العربية متواجدة في سوريا علماً بأنه اعتقل في تشرين الأول/أكتوبر 2011. أما المدوّن عثمان محمد عيسى فتعرّض للتوقيف في 21 تشرين الثاني/نوفمبر في منزله في دمشق.
في شباط/فبراير 2012، تم الإفراج عن المخرج والناشط الإلكتروني فراس فياض الذي تم توقيفه في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2011 في مطار دمشق بينما كان يتوجه إلى دبي. (راجع اللائحة غير الشاملة للمدوّنين المعتقلين في 14 كانون الثاني/يناير 2012).
وقد تم سجن طل الملوحي، وهي طالبة ومدونة تبلغ 19 سنة من العمر، منذ نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر 2009. مثلت في 17 كانون الثاني/يناير 2011 أمام المحكمة العليا لأمن الدولة. اتهمت بالتجسس لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وأبقيت في الحبس الانفرادي في سجن دوما بالقرب من دمشق. وقد نظّم مستخدمو الإنترنت في أنحاء العالم كافة حملة للمطالبة بالإفراج عنها.
علمت مراسلون بلا حدود بحالات العشرات من السوريين الذين اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب بعد أن أدلوا بشهاداتهم أمام وسائل إعلام أجنبية حول القمع في بلدهم. وألقي القبض على آخرين لتعاونهم مع صحافيين. وشنت الأجهزة الأمنية السورية حملة مطاردة حقيقية ضد كل من يساعدون أو يتواصلون مع المراسلين الأجانب. ودعت المنظمة أسر التحرير والصحافيين إلى توخي الحذر الشديد في اتصالاتهم مع السوريين.
اضطراب الاتصالات في البلاد
في بداية حزيران/يونيو 2011، قام النظام بحجب الإنترنت بصفة مؤقتة. ومن ثم تم رفع هذا الحجب وتبطيء النفاذ إلى شبكة الإنترنت كل يوم جمعة، باعتبار أنه يوم المظاهرة الأسبوعية الكبرى. وأخذ هذا الإجراء يتكرر في مناطق المقاومة، لمنع تحميل وإرسال أشرطة الفيديو المصوّرة في خلال التظاهرات وقمعها. وأفادت التقارير بانقطاع الإنترنت والهاتف الجوال في مدينة حمص في ذروة عمليات القمع ضد بابا عمرو.
واجهت وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية المشاكل التي أخذت تعترضها من خلال توزيع هواتف فضائية على بعض سكان مدن يصعب الوصول إليها، أو مستهدفة بانقطاع متكرر في الشبكة. ولكن هذا الإجراء لم يخلُ من المخاطر. فمع تعزيز الرقابة على الحدود، بات يصعب إدخال تكنولوجيا مماثلة إلى البلاد، بالإضافة إلى إمكانيات تحديد الموقع الجغرافي التي تقدّمها هذه الهواتف، ومشاكل البطاريات. وعادة ما يعمد النظام إلى قطع التيار الكهربائي بشكل منتظم لمنع بث المعلومات.
إن موقع بامبيوزر السويدي الذي يسمح ببث تسجيلات فيديو مصورة بالهواتف الجوالة على الإنترنت وتستخدمه المعارضة لتنشر صور القمع، محجوب في سوريا منذ 16 شبا/فبراير 2012. وأكد رئيس الموقع هذا الخبر في اليوم التالي، مضيفاً أن "الطغاة لا يحبون بامبيوزر" وأن نظام الأسد يعتبره "تهديداً خطيراً". ومؤخراً، استعادت صور القصف في حمص الواردة على الموقع أبرز قنوات التلفزة في العالم. وقد تعرّض بامبيوزر للحجب في مصر في كانون الثاني/يناير 2011، وما زال كذلك في البحرين.
مراقبة ودعاية
يبدو أن الجيش الإلكتروني المكلّف بمطاردة المخالفين الإلكترونيين على شبكات التواصل الاجتماعية قد ضاعف نشاطه منذ أواخر حزيران/يونيو. فيحرص أعضاؤه على إغراق الصفحات والمواقع الداعمة للمظاهرات برسائل مؤيدة للأسد. وتم إنشاء حسابات تويتر للتشويش على المعلومات التي يوفّرها هاشتاغ Syria# عبر إرسال مئات رسائل التويت التي تشير الكلمات المفاتيح فيها إلى نتائج رياضية أو صور للبلاد. كذلك، يسعى الجيش الإلكتروني إلى تشويه سمعة الانتفاضة الشعبية، من خلال نشر دعوات إلى ارتكاب أعمال عنف على صفحات المعارضين، والإيحاء بأن هؤلاء هم المسؤولون عنها.
وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، أفاد أعضاء الجيش الإلكتروني بأنهم يسعون إلى التعويض عن أوجه القصور في وسائل الإعلام الرسمية. فيشن النظام حرباً إعلامية فعلية موجهة ضد السوريين القاطنين في البلاد وخارجها.
لتحسين مراقبة المعارضين، تحرص السلطات على جمع بياناتهم الشخصية باستخدام تقنية تصيد البيانات واعتراضها والتدخل فيها. وفي 5 أيار/مايو 2011، حذرت مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) المستخدمين السوريين على شبكة فيسبوك في هذا الصدد: لقد سمحت شهادات أمنية وهمية وضعتها وزارة الاتصالات بجمع البيانات الشخصية لعدة مواطنين إلكترونيين وناشطين على فيسبوك، وسجلت محادثات خاصة، فيما أخذ المتصفحون الراغبون في الاتصال بالنسخة الآمنة HTTPS من الشبكة الاجتماعية يشاهدون بروز رسالة تحذرهم من أن الاتصال غير آمن. وإذا لم يأخذوا هذه الرسالة على محمل الجد فيقررون طباعة رمز النفاذ إلى الشبكة الخاص بهم، تخضع محادثاتهم للمراقبة وتسرق بياناتهم الشخصية. وقد حثت مؤسسة الحدود الإلكترونية السوريين على اللجوء إلى خوادم يقع مقرها في الخارج أو الاتصال عبر شبكة تور. ومنذ ذلك الحين، ذكرت المنظمة أن بعض الشركات السورية المزودة لخدمة الإنترنت تحجب النفاذ إلى تور. إلا أن خياراً آخر ما زال متوفراً هو خيار استخدام الشبكات الخاصة الفرضية.
يزعم أن السلطات السورية قد استفادت من الخبرة الإيرانية في مجال المراقبة على الإنترنت كما من معدات الترشيح التي زودتها بها شركة بلوكوت الأمريكية وهي شركة تدافع عن نفسها متحججة بأن معداتها كانت تستهدف العراق. وبما أن سوريا ترزح تحت وطأة عقوبات أمريكية، فإن هذه القضية تبيّن مدى أهمية متابعة تصدير معدات الرقابة والمراقبة المفروضة على الإنترنت أكثر من أي وقت مضى.
مهزلة قانونية
في 3 كانون الأول/ديسمبر 2011، أنشأ الرئيس بشار الأسد المجلس الوطني للإعلام بهدف تنظيم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإنترنت. إلا أن إنشاء هذه الهيئة يسلط الضوء على لعبة السلطات المروعة والفصامية تجاه كل من يعملون في المجال الإعلامي.
في هذا السياق بالتحديد، أصدر الرئيس السوري في 28 آب/أغسطس 2011 مرسوماً تشريعياً بشأن قانون الإعلام يدعو فيه إلى احترام الحريات الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية. أما أحكام المادة 11 التي تنص على أن "أيِّ إهانة أو اعتداء على الإعلامي أثناء أو بسبب قيامه بأعماله، فإنه يعدُّ اعتداء على موظف رسمي، بحسب القوانين النافذة"، فلا تقنع أحداً.
إن تسجيلات الفيديو الأخيرة التي وصلتنا من بابا عمرو في حمص، تشكل أدلة كافية على ارتكاب النظام جرائم ضد الإنسانية. اليوم، ما زالت المخاطر تحدق بالصحافيين والمدونين، كما بالمواطنين العاديين الذين يقومون بتضحيات كبيرة ليسمحوا باستمرار تدفق المعلومات بطريقة أو بأخرى، فيما يبقى الخوف يسيطر على المعارضين السوريين، هو الخوف من أن تفرض آلة القتل سطوتها في الخفاء.
المصدر: سيريا بوليتيك 12 مارس 2012
|