لسنا حالمين. إننا نستفيق من حلمٍ يتحوّل الى كابوس. لا ندمّر شيئًا. إننا نراقب النظام يدمّر ذاته.
كلنا خاسرون، ولكن الخاسرين الحقيقيين هم هناك في وول ستريت. لقد أُطلق سراحهم بكفالةٍ من مليارات من جيوبنا. وُصِفنا بالاشتراكيين، ولكن هنا دائمًا اشتراكية للأغنياء. يقولون اننا لا نحترم الملكية الخاصة، ولكن في الانهيار المالي لعام 2008 ،دُمِّرَت الملكية الخاصة المُكتسَبة بشكل أعنف مما لو قمنا جميعًا بتدميرها ليل نهارٍ لأسابيع. سيخبرونكم اننا حالمون. الحالمون الحقيقيون هم هؤلاء الذين يظنون ان الأمور يمكنها ان تستمر الى أجلٍ غير مسمّى على ذات المنوال. لسنا بحالمين. نحن المستيقظون من حلمٍ يتحوّل الى كابوس.
إننا لا ندمّر شيئًا. نحن فقط نشهد كيف يدمّر النظام نفسه. كلنا يعرف المشهد التقليدي من الرسوم المتحركة. تصل القطة الى شفير الهاوية ولكنها تستمر في السير، متجاهلةً حقيقة انه لا يوجد شيء تحت سطح الأرض. فقط عندما تنظر الى الأسفل وتلاحظ الأمر تسقطُ. هذا ما يحصل هنا. اننا نخبر الشباب هناك في وول ستريت “انتم، انظروا الى الأسفل!”
في منتصف نيسان/أبريل 2001، حجبت الحكومة الصينية على التلفاز، في الافلام، وفي الروايات كل القصص التي تخبر عن حقائق متبادَلة أو عن رحلات عبر الزمن. هذه اشارة جيدة بخصوص الصين. ما زال هؤلاء الناس يحلمون ببدائل، وبالتالي عليك ان تحجب هذه الأحلام. هنا، لسنا بحاجة للحجب ذلك ان النظام الحاكم قد قمع حتى قدرتنا على الحلم. انظروا الى الافلام التي نشاهدها طوال الوقت. من السهولة بمكان ان نتخيّل نهاية العالم. كوكبٌ يدمّر الحياة بأكملها وهكذا دواليك. ولكن ليس بإمكانكم تخيّل نهاية الرأسمالية.
إذًا، ما الذي نفعله هنا؟ دعوني اخبركم نكتةً رائعة قديمة من العهود الشيوعية. اُرسِل شابٌ من المانيا ليعمل في صربيا. كان يعلم ان بريده يُمكن ان تقرأه الرقابة، لذلك قال لأصدقائه :” فلنغيّر الشيفرة. إن وصلت اليكم رسالةٍ منّي مكتوبة بالأزرق، ستكون حقيقة ما أقول. وإن وصلت مكتوبة باللون الأحمر ستكون زائفة.” بعد شهرٍ، تلقّى اصدقاؤه الرسالة الأولى. كانت كلها بالأزرق. قال في رسالته:” رائعٌ كل ما هو موجودٌ هنا. المخازن ممتلئة بالأطعمة الجيّدة. ومسارح العرض تعرض أفلامًا جيدة من الغرب. الشقق واسعة وفخمة. الشي الوحيد الذي ليس بإمكانك شرائه هو الحبر الأحمر”. هكذا نعيش نحن. لدينا كل الحريات التي نريد. ولكن ما نفتقد هو الحبر الأحمر: اي اللغة التي بها نعبّر بوضوح عن لاحريتنا. إن الطريقة التي تعلمناها للتحدث عن الحرية-عن الحرب والارهاب وما الى ذلك- تزيّفُ الحرية. وهذا ما نفعله هنا. تقدمون لنا جميعًا حبرًا احمرًا.
هناك خطرٌ. لا تُغرموا بأنفسكم. نقضي وقتًا ممتعًا هنا. ولكن تذكّروا، يمكن اقامة الكرنفالات ببساطة. الأهمية تكمن في اليوم التالي، حين نعود الى حياتنا الطبيعية. هل سيكون قد تغيّر شيءٌ ما بعدئذٍ؟ لا أريدكم ان تتذكروا هذه الأيام، كما تعلمون، على هذا المنوال :” آه، كنّا شبابًا وكان امرًا جميلاً”. تذكّروا أن رسالتنا الرئيسية هي :” بإمكاننا أن نفكّر ببدائل”. إن انكسرت المِكنسة [؟]، لا نحيا في أفضل العوالم الممكنة. ولكن هناك طريق طويلٌ. هناك أسئلة صعبة حقًا تواجهنا. نعرف ما لا نريده. ولكن ماذا نريد؟ ما التنظيم الاجتماعي الذي قد يحلّ محلّ الرأسمالية؟ ما هو نموذج القادة الجدد الذي نريد؟
تذكّروا. ليست المشكلة في الفساد او في الطمَع. المشكلة في النظام. انه يدفعك لتصبح فاسدًا. احذروا ليس فقط من الأعداء بل ايضًا من الاصدقاء المزيّفين الذي يعملون بالفعل على الاضعاف من هذه الصيرورة. بذات الطريقة التي تحصل بها على قهوةٍ من دون كافيين، على بيرة بلا كحول، على مثلّجات بلا دهون، سيحاولون ان يجعلوا من [هذه الصيرورة] إحتجاجًا أخلاقيًا غير مؤذٍ. صيرورة بلا كافيين. ولكن السبب في وجودنا هنا هو اننا اكتفينا من هذا العالم حيث، ومن أجل اعادة تدوير علب الكولا، ومن أجل منح بعض الدولارات لاعمالٍ خيرية، او لأجل شراء كابوتشينو ستارباكس Starbucks وحيث تذهب نسبة 1% الى اطفال العالم الثالث الذين يتضورون جوعًا تكفينا[هذه الأعمال] لنشعر بأننا بحالة جيّدة. بعد العذاب والأعمال المُصادَرة، بعد وكالات الزواج التي تُصادُر حبنا للحياة، بإمكاننا ان نرى ذلك طوال الوقت، نُسلّمُ بمصادرة مشاركتنا السياسية ايضًا. إننا نريد استرجاعها.
لسنا شيوعيين إن كانت الشيوعية هي النظام الذي سقط في التسعينات. تذكًروا ان هؤلاء الشيوعيين هم اليوم أكثر الرأسماليين ضراوة وكفاءة. في الصين اليوم، لدينا رأسمالية أكثر دينامية من رأسماليتكم الأميركية، ولكنها لا تحتاج للديموقراطية. بمعنى انك حين تنتقد الرأسمالية، لا تسمح لنفسك بأن يتم ابتزازك بأنك ضد الديموقراطية. إن عقد القران بين الرأسمالية والديموقراطية قد انتهى. والتغيير ممكنٌ.
ما الذي نتصوره ممكنًا اليوم؟ تابعوا وسائل الإعلام فحسب. من جهة اولى، في ما يتعلّق بالجنس وبالتكنولوجيا، كل شيء يبدو ممكنًا. بإمكانك التجوّل على القمر، بإمكانك ان تصبح خالدًا عبر البيولوجيا الجينية، بإمكانك ممارسة الجنس مع الحيوانات أو ايًا يكن، ولكن انظر الى ميدان المجتمع والاقتصاد. هنا، كل شيءٍ تقريبًا يُعتبَر مستحيلاً. ترغب بزيادة الضرائب قليلاً على الاغنياء، يخبرونك ان ذلك مستحيل، سنفقد القدرة التنافسية. ” مستحيل، معناه دولة توتاليتارية”. هناك خطبٌ ما في العالم، حين يُسمَح لك بأن تصبحَ خالدًا فيما ليس بإمكانك أن تنفق قليلاً بعد على العناية الصحية. ربما علينا تحديد اولوياتنا بشكل صحيحٍ هنا. المعنى الوحيد لكوننا شيوعيين هو اهتمامنا بالتشاركية المعممة [.commons ] التشاركية في الطبيعة، التشاركية في الخصخصة عبر الملكية الفكرية. تشاركية البيولوجيا الجينية. من أجل هذا ، فقط، علينا الكفاح.
لقد انهارت الشيوعية الى غير رجعة، ولكن معضلة التشاركيات موجودة هنا. يقولون لكم اننا لسنا اميركيين هنا. ولكن على المحافظين الأصوليين الذي يدّعون انهم أميركيون حقيقيون أن يتذكّروا أمرًا: ما هي المسيحية؟ انها الروح القدس. ما هو الروح القدس؟ انه المجتمع المساواتي لمؤمنين يرتبطون مع بعضهم البعض عبر المحبة المتبادلة، وهم من يمتلك حريتهم الخاصة ومسؤولياتهم ليقوموا بها. بهذا المعنى، الروح المقدّس موجودٌ هنا الآن. وهناك في وول ستريت، يوجد الوثنيون الذين يعبدون الاصنام المجدِّفة. إذاً، ما نحتاج اليه هو الصبر. الشيء الوحيد الذي يخيفني هو ان نعود يومًا ما الى بيوتنا ومن ثمّ نلتقي مرةً كل عامٍ، نحتسي البيرة، والذكريات الحنينية [من حنين] ” ما أجمل الوقت الذي قضيناه هنا”. تعهّدوا لأنفسكم أن الامر لن يصبح على هذا الشكل. نعلم ان الشعب غالبًا ما يرغب بشيءٍ ما ولكنه في الحقيقة لا يطلبه. لا تخافوا ان تطلبوا ما ترغبون به….شكرًا لكم
الخطاب الذي ألقاء الفيلسوف الإشتراكي سلافو جيجيك في وول ستريت امام الجماهير في 11/10/2012
تعريب الاخضر القرمطي
|