حرية
التعبير
والتكامل
الأوروبي
العربي
حققت
حادثة الرسوم
المسيئة
للرسول
الكريم تعبئة
شعبية لا سابق
لها في العالم
الإسلامي وخارجه.
هيثم
مناع
ويحتاج تقييم
الكتابات
والمنتديات
والمؤتمرات
التي وقعت حتى
اليوم لتناول
مستقل لمناقشة
موضوع في غاية
الأهمية هو
قدرة العرب
والمسلمين
على
الاستفادة من
الهبات التلقائية
والتعبئة في
صفوف العامة
للحصول على
مكاسب تتناسب
مع التحرك،
بحيث يمكن
الربط بين
القضايا
والانتقال من
الرمز إلى
الجوهر. بتعبير
آخر، هل تمكن
الدعاة
الكبار من ربط
قضية الرسوم
المسيئة
بقضايا مسيئة
لا يمكن فصلها
عنها، تمس
العقيدة كما
تمس كرامة
الناس مثل احتقار
القرآن
الكريم في غوانتنامو،
حصار المسجد
الأقصى
وتهديد
بنيانه،
الاعتداء على
الأماكن
المقدسة في
العراق،
الربط بين
الإساءة
للعقيدة
والإساءة
لحاملها (الإنسان...)
إلى غير ذلك
من أسئلة تضع
على المحك
القدرة على عقلنة
وترشيد
عمليات
التعبئة بحيث
لا تنحصر ثم
تنحدر إلى
استجواب بشأن
الموقف من
اعتذارات هذه الشركة
أو ذاك
المسئول؟
من جهة
ثانية، لا تقل
أهمية بحال،
جاءت حادثة الرسوم
المسيئة هذه،
لتعيد فتح
النقاش واسعا
عن مفهوم
الحريات
الأساسية
والحقوق على
الصعيد
العالمي. ليس
لأن هناك قوى
خفية تحرك
النار تحت
الهشيم وحسب،
أو لأن سيطرة
منطق يميني
متطرف على
الحكم في أكثر
من بلد شمالي
جعلت من
العداء للآخر
إيديولوجية
رسمية غير
معلنة، بل،
أيضا وربما أولا،
لأن لكل حادثة
معان ودلالات
تتعدى مجرد المقاربة
التآمرية. فلا
يمكن صناعة
قضية من
العدم. وحتى
عندما يحدث
ذلك، لا بد من
متابعة
الأسباب والآليات
التي حولتها
إلى قضية. أما
أن نتوقف عند
سفاهات وزيرة
الخارجية الأميريكية،
التي تعتقد
بقدرة
السلطات البعثية
السورية على
حشد مظاهرات
في
اندونيسيا،
فإن ذلك يزجنا
طوعا أو كرها
في منطق مغلق
الفكر ومغلق
النهج، يسعى
لتوظيف كل شيء
في مقاربات سياسية
سطحية وآنية
تثير الشفقة
على مصداريها
أكثر مما تبعث
على الضحك.
هل هي الغيرة
على حرية
التعبير؟ أين
كانت هذه الغيرة
عندما جرى
إغلاق
تلفزيون
أكراد تركيا
أو محطة
المنار؟ أين
منا تلك
الغيرة التي
تصمت بشكل مخجل
عن اعتقال
صحافيين
أبرياء كسامي
الحاج في غوانتنامو
وتيسير علوني
في مدريد؟
غيرة لا تعطي
في الصحافة
الأوروبية
والأميركية
حيزا يذكر
لكارثة
اغتيال
واختطاف
الصحافيين
العراقيين من
كل الأطراف
المشاركة في
الصراع على
العراق. أمام
قراءة
المزايدات
اللفظية في
حرية التعبير
لا يمكن إلا
استحضار جملة
الصديق منصف
المرزوقي حين
يقول: «يخايل
إليك وأنت
تقرأ من يلعب
ورقة هذه
الحجة أنهم يسخرون من
ذكائك... أو من
اطلاعك على
جملة المبادئ
التي أسست
لحرية تؤطرها
قوانين تمنع الثلب
والتحقير
والافتراء
وتعاقب عليها.
فلا وجود
في أي من
البلدان الديمقراطية
لمبدأ حق في
المطلق وحرية
غير مشروطة».
جمعت قضية
الصور
المسيئة ما
يسميه المثل
العراقي
«الكشكول
البهائي»: من
صحيفة في أزمة
مالية، وأخرى
في أزمة هوية،
وثالثة تعيش
من الإثارة في
غياب أية
قضية، إلى
وزير بلا
وزارة شمالا
وأنظمة حكم من
دون شرعية
جنوبا، مع
جماهير
محرومة من
الدور والفعل
والحقوق الدنيا
للبشر.
ليس كل من
يخوض الصراع
يستحق
الاحترام،
وكل من يسعى
للحوار
بريئا... فهذه
القضية تفتح
الأعين على
حشد ضخم من
التراجعات والإحباطات
والخدع التي
جعلت الشك
يتحول إلى
قيمة سلبية عامة
في عالم أصبح
التدخل فيه عدوان
على الحق في
الاختيار،
والحق في
التكوين
الذاتي
للشخصية،
والحق في
تقرير المصير
الفردي
والجماعي،
والحق في
استعمال
التقنيات
الحديثة من
دون رقيب
يتابعنا حتى
في السيارة
الخاصة التي
كان الرادار
يكتفي بتسجيل
رقمها فصار
يصور من فيها.
وأخيرا وليس
آخر، الحق في المشاركة
في صنع
العالم. هذه
الحقوق التي
ضربها مفهوم
مختزل وفوقي
للتدخل يسمح
لنفسه بإعادة
رسم ثقافة
الآخر ومكانه
من خارجه ومن
فوق رأسه. وفوق
كل هذا يحتكر
فيه امتياز
«القدرة» على
تقدير الأشياء
وتحديد
المواقف ورسم
معالم
ومعايير الخير
والشر. وهو
بذلك يخلق لا
محالة إحساسا
متصاعدا
بالإحباط
والريبة بل الخوف
من الآخر، خوف
يختلط فيه
العقلاني
بالانفعالي
لتضيع الحدود
بين مجرد
الحذر ومشاعر الحقد.
حققت ثورة
الاتصالات
تواصل العالم
مع العالم بلا
حدود. ففي
أكثر المناطق
محافظة
واحتشاما
يمكن لمراهق أن
يتابع على
الفضائيات أفلاما
جنسية خليعة،
وفي أكثر
المناطق
علمانية يمكن
متابعة
البرامج
الدينية
الأكثر محافظة
من دون الخروج
من المنزل.
العالم يكتشف
في كل يوم
نقاط تشابهه
واختلافه،
بشكل فوضوي وعشوائي،
من دون ضوابط ونواظم،
قانونية كانت
أم أخلاقية.
وفي هذه الفوضى
ومنها، يشعر
كل مشارك بأنه
طرف كامل
العضوية في
الفعل الثوري
ألمشهدي lصacte revolutionnaire du spectacle . وبالتالي
قادر على
استعماله
وتوظيفه، إن
لم يكن كمالك لوسيلة
الإعلام، ففي
الحد الأدنى
كموضوع لها.
عالم جعلنا
حتى أمس قريب
نعيش مع عقدة
اسمها الرقابة،
باتت في أعماق
كل مفكر حر
أقوى من عقدة أوديب،
ومع نظم رأي
الآخر وموقفه
في ثنائية
الأفضل والأسوأ،
الخير والشر،
الديمقراطية
والإرهاب،
الثورة
والثورة
المضادة،
الخ.. ثنائيات جعلت
العدو شرطا من
شروط الدينامية
الثقافية
والسياسية
والاقتصادية
بالمعنى الأسوأ
للدينامية.
هذا العالم
يجعلنا نضطرب
اليوم في هذا
التشابك
الحاد
بالسلاح الأبيض
والأسود بين
أزمة الحضارة
وطموحات من هم
خارجها بهدف
إعادة صوغ
العلاقة بين
الحضارات
والثقافات.
لم يكن
لهذا العالم
أن يقدم لنا
خيرات ثورته
المعرفية
ببراءة
الأطفال
ومثالية
ثوريين أصبحوا
جزءا من
رومانسية
التاريخ. لذلك
توظفت ثورة
الاتصالات
لخدمة منظومة
اقتصادية
سائدة
ومنظومة
معرفية
مهيمنة. كما
وأصبح الدفاع
الثقافي
الذاتي يحمل
معالم مقاومة
الهيمنة
الثقافية
والاقتصادية
ورفض الخضوع
لصورة نمطية
للعالم تفرض
على الجميع.
في كتابه
«الروح
الطارق» lصesprit frappeur، يذكر
الشاعر
المصري
السريالي
جورج حنين بأوروبا
البائسة
مرتين. يعنينا
هنا أن نتوقف
عند المرة
الأولى،
عندما كافحت أوروبا
هذه الشرق وهو
يمثل فرصة
سانحة للعظمة...
يدون مؤرخو
الأديان أن
أوروبا التي
فضلت قرونها
الوسطى على
حضارة العرب
كانت تقدم رسول
الإسلام في صورتي
نبي العنف
ونبي الشهوة. هل
بالمصادفة أن
تتكرر هذه
الصورة في
مسابقة تنظمها
صحيفة
لقرائها من
أجل رسم
تعبيري عن شخصية
الرسول
الكريم؟ هل
هي الوعكة
المعاصرة
للحضارة
الغربية التي
بدأت بالرغبة
الجامحة
لعالمية
قيمها lصuniversabilite de ses valeurs
وتكاد تعد نعشها
بانتكاس
مصادر
إلهامها إلى
الصورة السلبية
المتعالية في
التعاطي مع
الآخر.
الآخر
ليس، ولا يمكن
أن يكون حتى
في أحسن
أحواله، كتلة
بشرية
متجانسة
ومتماسكة
تعبر عن
الوحدة الأسطورية
للأمم. نحن أمام
صهاريج
ثقافية هائلة.
وهي إن كانت
تحمل عناصر
مشتركة
ومختلفة عن النسق
التقليدي
الذي تسير فيه
العولمة الثقافية،
فلا شك في
أنها تضم كل
عناصر الخضوع
والثورة،
التلقيح
والعقم،
التأثير
والتأثر، التعبئة
والانفجار
العشوائي،
القوة
والضعف... أليس
من المثير
للتساؤل أن
تكون المناطق
الأكثر تأزما
بالمعنى الجيوسياسي
هي المناطق
الأكثر عنفا
في رد فعلها
وتعاملها مع
أزمة الصور
المسيئة؟
لكن كيف
يمكن أن ندخل
في منطق
مواجهة رمزية
بين الكل
الإسلامي
والكل
الأوروبي في
فترة لا يمكن
لعاقل أن يبصر
مخرجا عمليا
من الهيمنة
الأحادية
القطب للعالم
من دونهما؟
هل يمكن أن
نسمح لأنفسنا
بهذا الترف في
حقبة دخول
العالم في
منطق «تسونامي»
غير طبيعي
وغير إسلامي؟ تسونامي
من نوع خاص،
اسمه عولمة
حال الطوارئ
وهيمنة القوانين
الاستثنائية. أي بتعبير
آخر، تراجع
منظومة حقوق
الإنسان على الصعيد
العالمي
والاستهتار
بالقانون
الدولي
والقواعد
الأخلاقية من
قبل الطرف
الأكثر قدرة على
الفعل
العسكري
والاقتصادي
في العالم اليوم.
في مواجهة
الجمع بين
عنجهية القوة
ومحدودية الخطاب
السياسي
للإدارة
الأميركية،
ثمة شعور قوي
بأن هذا
العالم يقبع
في قارب مختل
التوازن، ليس
الربان فيه
العنصر
الأكثر حكمة
وحنكة وخبرة. كما وأن
تراجع الأقوى
عن القيم التي
أوصلته
لمواقعه،
يخلق حال خوف
عامة عند أصحاب
كل القيم على
اختلافها
وغناها
وتنوعها.
فعندما تهتز
نقاط
الارتكاز
يعود كل مشارك
في اللعبة
العالمية إلى
دائرته
الضيقة،
باعتبارها
النواة الصلبة
القادرة على
بث روح
الطمأنينة
الإنسانية
الأولية في
وجه غياب
الأمن بالمعنى
العام.
كنا في
التسعينات نناضل
لإصلاح الأمم
المتحدة، أما
اليوم فنناضل
للمحافظة على
مكاسب
ولادتها. كنا
نطمح لنسبية الدولة
وعالمية
الحقوق،
وبتنا نخشى
على مكتسبات
الدولة
الاجتماعية lصEtat providentiel
وحلم دولة الرفاه.
كنا نبحث عن
المشترك
العالمي،
فصار الخوف من
أمركة
العالمي يزج
الناس في
خصوصياتهم.
من الملاحظ
أنه وعلى
الرغم من
الاعتداء على
القرآن
الكريم في غوانتنامو
والتعرض
للمساجد في
العراق، بقي
العلم الأميركي
خارج نطاق
الحرق في أزمة
الصور
المسيئة. فهل
لأن مقاطعة
الولايات
المتحدة أصعب
من مقاطعة بلد
عدد سكانه أقل
من 6 ملايين
نسمة؟ أم أن
غباء وتطرف رئيس
الحكومة الدنماركية
سبب كاف
ليتحول بلد
صغير إلى رمز
سلبي بكل معنى
الكلمة؟ وهل
مهمة
البرلمان
الأوروبي دخول
منطق «أنصر
أخاك ظالما أو
مظلوما» ؟
هناك قضية
جد مهمة لم
تأخذ حقها حتى
اليوم. وهي
القدرة على
الجمع بين
مفهوم الحق
والكرامة
الإنسانية
المتداخلين
من جهة وفكرة
تحديد
المسئولية في
أي جرم أو
مسلك من جهة
ثانية. فحركة
حقوق الإنسان
تحرص على هذا
الربط لأن
المسئولية
كما هو حال
الحق، تبدأ
بالشخص
فالمؤسسة ولا
تنطلق من
الجماعة ككل
لتجرم كل
مكوناتها. باعتبار
الجماعة المنسجمة
قضائياً
وجنائياً
مفهوماً غير
موجود في
الواقع
وبالتالي غير
عادل بامتياز.
فلا يمكن لأحد
القول: كل
العرب
الأفغان من
منظمة القاعدة،
وكل
الفرنسيين ضد
الحجاب، وكل الأميركان
مع غزو العراق
الخ.
في قضية
الرسوم
المسيئة هناك
وقوع في هذا
المنطق
وأحيانا من
قبل علماء
كبار. ولا
أذيع سرا إن
قلت، منذ
أسابيع ونحن
نستلم مئات
خطابات تعبئة
ورسائل هجاء أقلها
شتما وقذفا:
أمة المليار
هبوا للنداء .......
بلد الأبقار
تهجو أحمدا
يقف المرء
بهدوء ويسأل
أبناء دين
الحكمة والموعظة
الحسنة: أليس
بلد الأبقار
هذا قد أنجب 14 جائزة
نوبل ونخبة
علماء وأطباء
وفلاسفة؟
أليس من بلد الأبقار
أول مجلس عالمي
لإعادة تأهيل
ضحايا
التعذيب؟ وهل
يمكن وضع إنغه
جفنكه Genefke وكيركيغارد
Kirkegaard وغراندفيك
Grundvig
وأندرسن Andersen مع صحافي
عنصري أو رئيس
الوزراء الدنماركي
الحالي في سلة
واحدة؟ أين
المبدأ القرآني
السامي «ولا
تزر وازرة
وزر أخرى» (الانعام:
164)؟
في الدين كما
في السياسة،
لا ضير من
توظيف حدث للدعاوة
والتبشير،
وليس لأحد
الحق في
مواجهة ذلك
الخطر الذي
نحاول
التنبيه
إليه، هو أن
يسقط البعض في
منطق صراع
الحضارات
الذي يجعلنا
نخسر معسكرا
واسعا من غير
المسلمين
يناضل معنا كل
يوم من أجل
التكامل والتفاعل
والحوار
البناء بين
الحضارات
والتضامن بين
المجتمعات
المدنية على
الصعيد العالمي.
أخيرا،
من الضروري
التذكير أن
المعارك التي
تبدو في
الظاهر سهلة
هي أحيانا
الأصعب في
العمق. فأوروبا
«العجوز»
تحديدا، هي
القادرة
اليوم، بموآزرة
العالم
الإسلامي،
على لعب دور
صمام الأمان الاستراتيجي
والثقافي
والسياسي على
الصعيد العالمي.
صمام أمان
أمام سياسية
أميركية متهورة،
واستقالة
صينية
متعمدة،
وإعادة رسم للخريطة
في أميركا
اللاتينية.
فما معنى خلق
شرخ أوروبي
إسلامي في هذا
الوضع بالذات؟
ولخدمة من
استمرار
الأزمة
وزيادة الاحتقان
والتوتر
والعنف بين
الشعوب؟