• - سورية بين القمع والمؤامرة :
من الخطا الخلط بين المؤامرات الخارجية التي تستهدف الأمة العربية ومن بينها سورية على طريق اقامة المشروع الشرق اوسطي بصيغه المختلفة عبر تفتيت المنطقة على اسس طائفية ومذهبية واثنية ومن ثم اعادة تجميعها حول الكيان الصهيوني وبتوازنات هشة تحمل عوامل التصادم المستمر , وبين حركات الاحتجاج الشعبية والثورات السلمية التي تهدف الى تصليب قدرات الامة لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية عبر استعادة دور جمهور الامة في ادارة الصراع ضد اصحاب تلك المخططات وتعزيز المناعة الداخلية في عملية التصدي المطروحة .
ومن الطبيعي ان يسعى كل طرف من اطراف الصراع للعمل على الاستفادة من الإحداث الجارية خدمة لمصالحه ومخططاته او للتكيف مع الواقع الجديد الناتج عن مسار الصراعات . فتتداخل وتتشابك المصالح والمواقف وتختلط الامور في كثير من الاوقات , وهو ما يفرض الانتباه من قبل القوى المشاركة والمنخرطة في الصراعات والثورات والاحتجاجات حتى لا تنحرف مسارات الإحداث عن الاهداف النهائية التي تعمل من اجلها , ومدركة في الوقت ذاته أن البعض سيحاول تشويه اية حركة احتجاجية ثورية وديمقراطية وربطها بالمؤامرات الخارجية للإبقاء على سيطرتها , وهي سيطرة لا تخدم بالضرورة مواجهة المؤامرات الخارجية بل قد تصب في خدمتها عبر إلغاء الحراك المجتمعي .
ولعل ما يجري في سورية النموذج الصارخ عن تداخل وتشابك تلك المواقف والمصالح والمخططات , حيث برزت حركة احتجاجية شعبية لا مثيل لها من عقود طويلة وهي حركة ديمقراطية وطنية بامتياز وتحمل أهدافا وشعارات واضحة ومحددة في سياق تغيير البنية الحقوقية للسلطة على طريق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة واستعادة السياسة للمجتمع ومكافحة الفساد وطرحت برنامجها بإلغاء حالة إعلان الطوارئ والإحكام العرفية وإزالة تغّول الأجهزة الأمنية وإطلاق التعددية السياسية والحزبية , وفك ارتباط الدولة بحزب سياسي معين , وهذه الحركة الاحتجاجية بالقوى التي تقف خلفها والشعارات التي رفعتها وبالنهج الاحتجاجي المعتمد على الضغط السلمي الذي سارت عليه أثبتت حضورها الذي فاجأ الجميع بما فيها قوى التغيير الديمقراطي التي أطلقتها والتي وجدت نفسها وسطها , بالمقابل برزت قوى تحريضية خارجية متعارضة في الاهداف والغايات فهي لا تريد اقامة نظام ديمقراطي بل هي تسعى لفرض معطيات إقليمية تعمل على ابتزاز القوى المتصارعة من اجل خدمة مصالحها وسياساتها وفي المقدمة منها فرض تسوية سياسية للصراع العربي / الصهيوني بما يخدم ما تسميه "امن إسرائيل " قاعدتها الإستراتيجية في المنطقة , وهي تدفع الأطراف المحلية المتصارعة بشكل مباشر او غير مباشر لاستخدام العنف سواء في مواجهة الحركات الاحتجاجية او لمواكبتها .مدركة ان العنف وحده يفتح السبل لتدخلها المباشر او غير المباشر بدعوى فرض السلم او لدفع المحتجين للاستنجاد بها حماية من العنف السلطوي العاري بعد ان تصبح في وضع لا قدرة لها على مواجهته , ومن طرف اخر تظهر القوى المتطرفة في النظام التي تراهن على خبرتها الوحيدة باستخدام القوة المفرطة لإنهاء الاحتجاجات الشعبية دافعة الجميع الى اتون العنف في الداخل والمناورة البراغماتية في الخارج .بستقوية بالمخططات الخارجية لفرض قمعها الداخلي وبالعنف الداخلي وما تصدره عن تحركات اصولية وارهابية لإسكات الخارج وربما اكتسابه الى جانبها إمام هذا الواقع المعقد تبرز مسؤولية القوى الوطنية الديمقراطية التي تقف وسط الحركة الاحتجاجية الديمقراطية بالإمساك الواضح والصارم باهدافها في استمرار حضورها في قلب التظاهرات والمحافظة على سلميتها وشعاراتها الديمقراطية والوطنية وبالمقدمة منها تمسكها بالوحدة الوطنية التي هي عماد الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة , والصمود في مواجهة الترهيب والترغيب وبالوضوح في الموقف المعارض والمقاوم للتدخلات الخارجية .
2) حزمة من الإصلاحات الفورية درءاً لمصير مجهول :
لم تمض اربع وعشرون ساعة على صدور مرسوم رفع حالة الطوارئ حتى جاء التطبيق العملي لها على الارض عبر المجازر الدموية التي ارتكبها قوى الامن ضد المتظاهرين سلميا مما ادى لوقوع ما يقارب المئة شهيد ومئات الجرحى , ولتحمل هذه المجازر رسالة واضحة الى ان قوى الامن الممسكة بالسلطة ما كانت اصلا بحاجة لاعلان حالة الطوارئ لتنفذ سياستها القمعية ضد اية حركات تعارض سياساتها وتنتقد سلوكها وممارساتها فهي تعمل خارجا عن اية قوانين او اعراف وسياسات , وما تلك القوانين سوى صورا تجميلية بهدف التصوير الخارجي , ولتثبت ان القوى الممسكة بالسلطة تضع نفسها فوق القانون .
وهكذا تحول المطلب الرئيسي لحركات الاحتجاج والمتمثل بالغاء حالة الطوارئ والاحكام العرفية والذي ارادته مدخلا للتعبير بحرية عن مطالبها ولاصلاح وطني شامل على طريق التغيير الديمقراطي ليصبح ورقة لا معنى لها على ارض الواقع .. ولتدخل معها حركة الاحتجاج الى مداخل جديدة في مقدمتها اعادة بناء الاجهزة الامنية ذاتها وايقاف تغولها على الدولة والمجتمع ولتكون تحت القانون لا فوقه ولتعود الى دورها الحقيقي المطلوب في حماية امن المواطن وصيانة تطبيق القانون وليختص كل جهاز امني بالغاية التي انشئ من اجلها .
وليعود ايضا الى الواجهة مطلب فك ارتباط حزب البعث بالدولة الذي تتلطى به الاجهزة الامنية عبر الغاء المادة الثامنة من الدستور والغاء حزمة القوانين والمراسيم والاجراءات المتسقة مع تلك المادة تأكيدا لمبدأ الحرية والتعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وليمارس حزب البعث عمله السياسي مثل غيره من الاحزاب عاملا من اجل كسب ثقة الاغلبية الشعبية التي تتيح له التواجد في السلطة على غرار الحق الممنوح لجميع القوى والاحزاب السياسية فلا معنى لاصلاح في ظل التركيبة الراهنة للنظام السياسي وللذهنية السائدة لدى النخبة الحاكمة والممسكة بمفاصل الدولة والمجتمع .
لقد اضحى واضحا في ظل الذهنية التي تصدر بها اجراءات الاصلاح وفي ظل الممارسة الفعلية لاجهزة السلطة الامنية والحزبية ان طريق التغيير الديمقراطي السلمي والتدرجي لم تعد سالكة كما اريد لها بل بات من المؤكد ان الامور تدفع الى التطرف والفتنة والى خدمة كل ما يقال عن مخططات خارجية وازمات داخلية فما تسليح ما يسمى باللجان الشعبية التي تضم حزبيين بعثيين وشبيحة وعناصر امنية ودفعها للتصدي للتظاهر السلمي والتحريض المبطن على العنف عبر الدعوة الى محاصرة المحتجين ومقاومتهم وتصويرهم بانهم اعداء للوطن وتصوير ما يجري بانه فتنة وحربا اهلية الا صورة من صور الانغماس في الفتنة والتحريض عليها , ولتكون تلك " اللجان الشعبية " مبررا اضافيا لفك ارتباط حزب البعث بالسلطة وبالأجهزة الأمنية ليعود حزبا سياسيا يمارس نشاطه السياسي على قاعدة المساواة امام القانون مع باقي القوى السياسية والحزبية .
ان الممارسة الأمنية والتي باتت تجري خارج القانون بعد انهاء حالة الطوارئ والإحكام العرفية تطرح بدورها أهمية إلغاء جميع المراسيم الحمائية لتصرفات عناصر تلك الأجهزة ولتضعهم امام القانون في تحمل المسئولية الجزائية عما يرتكبونه من افعال وجرائم ومخالفات للقانون كغيرهم من الموظفين العموميين ولتكون جرائم القتل والتعذيب وحجز الحرية ساحة للمسئولية الفردية يتشارك المنفذون لها مع المحرضين في تحمل تبعاتها القانونية بشكل مباشر امام القضاء العادي والمستقل الذي يحتاج بدوره الى اعادة بناء بعيدا عن سياسة التبعيث التي مورست خلال سنوات طويلة بانتهاك صريح وواضح لقانون السلطة القضائية الذي يمنع القضاة من الانتماء الحزبي .
ان سقوط مطالب تدرج الإصلاح على ايقاع المجازر يدفع للمطالبة بحزمة متكاملة من الإصلاحات الجدية الشاملة ليكون هذا المطلب الحل الإنقاذي لما تدفع اليه البلاد من اكثر من جهة وفريق وفي مقدمتهم ذلك الفريق المستأثر والمتحكم بالقبضة الأمنية وهو حل يحتاج الى مبادرة شجاعة وفورية تمثل انقلابا على العقلية السائدة والمتحكمة اليوم بمقاليد الأمور وهو انقلاب بالمعنى السياسي والحقوقي سيلقى تجاوبا حقيقيا من القطاع الواسع من المحتجين وليكون بديلا عن شعار اسقاط النظام الذي جاء رد فعل على تلك الممارسات الأمنية بكل ما يحمله من مخاطر امنية وسياسية وعواقب على امن الوطن والمواطن , وهو شعار لا يزال حتى اليوم شعار رد الفعل اكثر من كونه شعارا استراتيجيا لحركة الاحتجاج التي لا تزال تتمسك بالإصلاح الجدي والفوري والتغيير الوطني الديمقراطي .. إصلاح في بنى الدولة والسلطة وعقليتها كمدخل لتفاهم وطني عريض يتجسد في مؤتمر وطني تتشارك فيه قوى المعارضة وحركات الاحتجاج مع القوى القابلة والمتفهمة لضرورات الإصلاح في النظام .
3) متطلبات الحوار وقواه :
من حق قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية ان تشكك باستجابة السلطة للحوار من اجل الخروج من الأزمات التي تمرّ بها سورية والعبور الى انعطاف ديمقراطي جدي يقود الى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة , والتشكيك لا ينبع فقط من افتقاد " الاستجابة " الى المقدمات الضرورية للحوار المطلوب لتخرج به من سياق المناورات ومحاولات كسب النقاط على طريقة المناظرات الشهيرة بتاريخنا في العهود السابقة , وهي مقدمات اصبح متعارف عليها ومعروفة للجميع وتتمثل بـ:
• ايقاف مسلسل العنف الدموي , الممارس ضد المحتجين والمتظاهرين السلميين وسحب الجيش وقوى الامن من غير رجال الشرطة من الشوارع , وباعتبار التظاهر حق مشروع لا يجوز النيل منه والاعتراض عليه ولا الدعوة لايقافه وتعطيله حيث لا يملك أي فريق من المعرضة مشروعية الحوار مع السلطة مع تساقط القتلى في الشارع , يمنح المشروعية لسفك الدماء البريئة , وهو ما يعزل اية قوة سياسية عن شارعها .
• إطلاق سراح جميع المعتقلين بسبب تلك التظاهرات والاحتجاجات فليس من المعقول ان يقدم أي طرف سياسي على الحوار واعضاءه ومناصروه يزجون بالسجون والمعتقلات كذلك اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
• إيقاف الحملات الإعلامية ضد الحركة الاحتجاجية وبشكل خاص حملات التشويه المتعمد لمواقف القوى المدعوة للحوار وفق دعوات التخوين والاتهام بالتخريب وغيرها من الشعارات التي تنال من وطنية القوى الوطنية الديمقراطية .
• محاسبة المسؤولين عن اعمال العنف مهما كانت مناصبهم او الجهات التي تقف خلفهم وإحالتهم الى القضاء العاجل .
بعد تلك المقدمات يجري حوار علني ورسمي بين قوى المعارضة وبين النظام ممثلا بالهيئات السياسية العليا في كلا الطرفين وبإشراف رئيس الجمهورية , وهو حوار سياسي بامتياز يهدف الى وضع خارطة طريق للانتقال بسورية الى نظام ديمقراطي تعددي , عبر إصلاحات دستورية تعيد التكافؤ في الحياة السياسية وتسمح بتعددية سياسية وحزبية جدية , ومن ثم اجراء انتخابات ديمقراطية في ظل قوانين جديدة للانتخابات العامة وللإعلام تضعها لجان مشتركة من المتحاورين .
ان القول بغير هذا السبيل للحوار يبقى مجرد ادارة للصراع بين السلطة وبين المحتجين ومحاولة كسب نقاط من النظام الحاكم ضد المعارضة بل هو يأتي في سياق استبعاد قوى المعارضة الوطنية , وبالتالي نسف مفهوم النظام الديمقراطي المنشود الذي يقوم على ثنائية المولاة والمعارضة وعلى قاعدة تبادل السلطة عبر صندوق الاقتراع , ومن هذا المنظور يمكن الحكم على قاعدة ما تدعو اليه السلطة من حوار مع بعض الفعاليات (القريبة من النظام ) انطلاقا من المحافظات والذي ما هو الا حوار في حقيقته ومضمونة بين السلطة واتباعها متجاهلة قوى المعارضة الفعلية التي هي الآخر بالنسبة للسلطة ومستقوية ببعض من يقولون من خارج السلطة ايضا وخصوصا ممن هم في الخارج انه لا توجد معارضة سياسية محددة في الداخل مجهلين حركة الشارع ولكل تلك القوى التاريخية التي أثبتت مصداقيتها وقدمت الكثير من التضحيات والتي كانت بعض أطرافها في قلب الحركة الاحتجاجية ويمثل شبابها جزء أساسي من شباب التغيير .
4) تقدير موقف :
مرّ أكثر من شهرين على بداية المظاهرات الاحتجاجية في سورية لم يتمكن فيها طرفا الصراع من تحقيق انتصارات حاسمة , فالقوى الاحتجاجية لم تستطيع تحقيق انجازات مهمة على مستوى التحشيد الشعبي في معظم المدن الرئيسية وخصوصاً مدينتي دمشق وحلب , ولم تتعد إعداد المتظاهرين فيهما وفي العديد من المدن الأخرى مفردات الآلاف وبالمقابل لم تتمكن السلطات الأمنية من إخماد الحركة الاحتجاجية رغم استخدام العنف القاسي وانزال الجيش لاقتحام بعض المدن مثل درعا وبلدات محافظة حوران ودوما والمعضمية وداريا وبرزة وحمص والرستن وتلكخ وبانياس وغيرها , ورغم قتل ما يقارب الالف شخص من المحتجين , فقد استمرت التظاهرات المتنقلة وانتشرت على مستوى الاراضي السورية كلها , وان تركزت في بعض المدن والأرياف , وعلى المستوى السياسي لم يقدم النظام حلولاً جدية للازمة حيث اكتفى بتغيير حكومي كان يعتزم اجراءه منذ فترة طويلة , والغى اعلان حالة الطوارئ واصدر قانونا للتظاهر , وفيما عدا زيادة رواتب الموظفين لم تحقق تلك التقدمات شيئاً , فالحكومة (الوزارة) في سورية لا تعني المواطن شيئاً ولا يعرف معظم المواطنين أسماء الوزراء حيث يعتبر هؤلاء مجرد موظفين في السلك الإداري , والغاء حالة الطوارئ نجم عنها استمرار حالات القمع خارج القانون وفي ظل قانون التظاهر اعلن وزير الداخلية عن عدم سماحه بالتظاهر وهو الامر الذي لم يلق اهتماما من المتظاهرين وما طرح عن الحوار جرت ترجمته بحوار السلطة مع انصارها في معظم الاحيان وبالقيام باستشارة بعض المثقفين او تهديدهم في احوال نادرة تحت مقولة انه لا يوجد في سورية معارضة للتحاور معها , وبالمقابل وضعت قوى المعارضة مطالب اولية تحت عنوان توفير مناخ للحوار يتمثل بإيقاف التعدي على المواطنين وسحب الجيش ورجال الامن ومحاسبة المسؤولين عن القتل واطلاق سراح جميع المعتقلين وعلنية الحوار .
على المستوى العربي لا يزال النظام يحظى بالدعم السلبي حيث لم يحدث أي انتقاد جدي من قبل الانظمة العربية بما فيها التي شهدت تغييرات ثورية , وعلى المستوى الاقليمي يلقى النظام دعماً غير محدود من ايران , وانتقاداً محدوداً من تركيا على عكس الموقف الأوربي والأمريكي الذي انتقل من النقد المحدود الى العقوبات الرمزية امام هذا الواقع يبرز تساؤل عن اداء القوى المتصارعة وعن المستقبل .
اولاً : الخطاب السياسي للحركة الاحتجاجية وتبرز فيه المستويات الثلاثة
• – مستوى البيانات التي تصدر عن قوى متفرقة باسم أحزاب وتجمعات ومناطق مختلفة وهي وان كانت تلتقي في معظمها على المطالب العامة إلا انها تحمل لهجات متباينة .
• التصريحات الإعلامية: وهي شديدة التباين وخصوصا بين المتحدثين المستقلين وبين الناطقين باسم الاحزاب السياسية .
• الشعارات المطروحة بالتظاهرات ,والتي بدأت من المطالب الاصلاح لتنتهي في بعض المواقع باسقاط النظام , وهو شعار غير واقعي رغم رفض النظام اجراء الاصلاحات المطلوبة فهو من جهة سبق حالة تثوير الشارع وخصوصاً في المدن الكبرى وعدم بلورة قوى واضحة وقادرة على تقديم البديل ,كما ان يخيف القوى التي لا تزال مرتبطة بالنظام الى حدّ التلاحم معه بقوة من جهة اخرى .
ثانياً : ظهرت شعارات واقوال ذات خلفية طائفية ومذهبية عند بعض المتحدثين وخصوصاً من الخارج او في بعض الشعارات التي اطلقت في التظاهرات وهي رغم محدوديتها كانت لها اثار سلبية ساهمت في ابتعاد بعض القوى ذات الانتماء المذهبي (دينياً) وليس سياسياً الى الانكفاء عن تاييد الحراك الاحتجاجي , وبعضها ادى الى ممارسات سلبية تم تأجيجها من قبل اعلام السلطة ذاته .
ثالثاً : استخدام العنف المضاد ضد السلطة وقواها , ورغم ان هذا الاستخدام ياتي في معظم الحالات رد فعل على العنف السلطوي الا انه يتيح للنظام تبرير استخدام المزيد من العنف وهو ما يجب ان العمل بكل الوسائل على عدم السماح به , والاكتفاء بالتحرك السلمي رغم التضحيات , حيث ان العنف هو ساحة النظام التي يملك خبرات واسعة فيها كما انه يساهم بإرسال رسائل خاطئة للخارج .
رابعاً : ضعف التنسيق بين القوى الاحتجاجية وخصوصا في المدن الكبرى ومحاولة بعض المثقفين وضع الشباب في مواجهة احزاب المعارضة او بعيدا عنها , وهو ما ساهم في تقديم حجج للنظام بعدم وجود طرف محاور ومحاولته الالتفاف حول قوى المعارضة والتوجه الى ما اسماه بالاعيان ومعظمهم من انصار النظام , وتصوير ان المطالب هي مطالب محلية وذاتية اكثر منها مطالب سياسية عامة .
خامساً : التنافس الضمني بين قوى المعارضة وبروز او استنهاض قوى ليست ذات جذور شعبية ومحاولتها احتواء حركة المعارضة , عبر تعويم هذه الحركة , بذات الطريقة التي تم فيها تاسيس اعلان دمشق .
سادساً : محاولة بعض اطراف المعارضة قطع الطريق على أي حوار مستقبلي عبر رفع سقف المطالب وطرح صيغ تخوينية لا يمكن اللجوء اليها الا في حالة الدعوة لاسقاط النظام وهذه المسالة تلغي الحوار المطلوب من اصله رغم ان الحوار هو الحل الوحيد المطروح وعلى قوى المعارضة ان تضغط للوصول اليه وخلق الشروط الموضوعية لنجاحه باعتباره الحل الموضوعي البديل لتدخل الخارج وللحروب الاهلية وللتكاليف الغالية , وهذا التصور لا يعني التسليم بشروط النظام بل يتطلب المزيد من الضغط والتضحيات واختيار الظرف والوقت الملائم له والانخراط في الحركة الاحتجاجية حتى لا يبدو بان الحوار هو مساومة على الحراك من خارجها .
المستقبل ..
ما لم يتم اختراق جدي للوضع الراهن بنجاح النظام في الاجهاز على الحركة الاحتجاجية او تثوير مدينتي حلب ودمشق وزجهما بكثافة بالتظاهر السلمي ليتطور الى تظاهرات مليونية , فان الاطراف مدعوة للحوار ولو بعد حين , عندما يقتنع كل طرف بانه لا يمكنه تحقيق اهدافه كاملة خلال هذه المرحلة , وان الاوراق ستخرج من يده لصالح قوى واطراف خارجية او داخلية هي الأخطر على النظام والوطن والمعارضة الوطنية الديمقراطية وبالتالي فان هذا يتطلب :
اولاً : اثبات وجود قوى معارضة جدية ومسؤولة وابراز حضورها السياسي والاعلامي وعدم السماح بتعويم وجودها من خلال صيغ سياسية فضفاضة وغير جدية .
ثانيا : اقامة علاقات تنسيقية على برنامج محددة بين القوى الموجودة في ساحة الفعل السياسي والحركي .
ثالثاً : تفعيل لجان عمل وطني في المحافظات والمناطق تشكل قاعدة لائتلاف وطني واسع وعريض .
رابعاً : التمسك بمتطلبات الحوار السياسي مع السلطة المطروحة من قبل قوى المعارضة ومن الحركة الاحتجاجية الشعبية .
خامساً :تحديد وفد مفاوض يملك القدرة والخبرة على التفاوض الجدي والمسؤول , مع تحديد واضح للمطالب المرحلية المطلوب تحقيقها .
|