french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr
 

المشهد السياسي التركي على أبواب انتخابات 2011 - محمد العـادل

 

2011-05-22

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

                                 

تستعد تركيا لخوض الانتخابات التشريعية في 12 حزيران المقبل حيث يتنافس 15 حزبا سياسيا على نيل ثقة قرابة 53 مليونا من الناخبين الأتراك الذين سيختارون 550 نائبا لمجلس الأمة التركي  من مجموع 7492  مرشحا حزبيا و203 مرشحين مستقلّين

انطلقت الحملات الإنتخابية في تركيا وطرحت جميع الأحزاب المشاركة في العملية الإنتخابية وعودها للناخب التركي وسط أجواء ديمقراطية ، لكن الهجوم المسلح الذي تعرّض له موكب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم 3 مايو الجاري  في محافظة قسطمونو  ( تبعد عن العاصمة أنقرة 250 كلم ) عكّر صفو العرس الإنتخابي في تركيا و بدأ الحديث في الشارع التركي عن مؤشر جديد  قد يؤثّر على سير العملية الانتخابية و نتائجها ايضا لاسيما عقب مقتل رجل أمن و جرح آخر كانا ضمن الفريق الأمني لتأمين سير موكب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان  الأمر الذي يشير إلى أن الجهة التي تقف وراء هذا العمل المسلّح قد تلجأ إلى نفس الأسلوب أيضا للتأثير على سير العملية الإنتخابية  

المشهد السياسي التركي .. حراك ديمقراطي

يتميز المشهد السياسي التركي قبيل موعد الإنتخابات بحركة حثيثة من مختلف الأحزاب التركية تعرض فيها برامجها الإنتخابية ووعودها للناخبين الأتراك ، و تختلف التعهدات التي تطرحها الوثائق الإنتخابية لمعظم الأحزاب التركية هذه المرة عن سابقاتها حيث تجنّبت الأحزاب التركية  ولأول مرة الخوض في المسائل الأيديولوجية ، وركّزت على عرض مشروعات سياسية و تنموية محددة مرفقة بما تتوقعه من نتائج تنعكس بشكل مباشر على مستقبل الحياة السياسية في تركيا و الوضع الإقتصادي و الاجتماعي للمواطن التركي.

حزب العدالة و التنمية الحاكم يعد في برنامجه الإنتخابي المواطنين الأتراك في حال تجديد الثقة فيه لدورة ثالثة بأن يطرح صياغة جديدة لدستور مدني لتركيا يشكّل أرضية صلبة لما وعد به من إصلاحات سياسية تأتي على رأسها مسألة الحل السياسي والسلمي للقضية الكردية حيث يعتبر أردوغان الدستور الحالي الذي سطّره الجنرالات الأتراك في أخر انقلاب عسكري قاموا به هو الذي يشكّل اليوم عائقا كبيرا أمام مشروعاته الإصلاحية لتعزيز الديمقراطية  ومنها حقوق المواطنين الأتراك ذوي الأصول الكردية وغيرها من القضايا العالقة ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة كقضية الحجاب والتعليم الديني وحق تعلّم اللغة الأم  ( مثل : الكردية و العربية و غيرها.. ) ، و يطرح أردوغان و حزبه رؤية يراها متكاملة لتحقيق تنمية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية لتركيا تكون غير مرهونة بفترة بقاء حزبه في السلطة لذلك يعرض مشروعات طموحة يصل مداها إلى عام 2023 موعد الذكرى الأولى لمرور مائة عام على تأسيس الجمهورية التركية ، و تركز وعود أردوغان في حملته الإنتخابية على المضي قدما في تعزيز بنية الاقتصاد الوطني ليطمح إلى المرتبة العاشرة في الاقتصاديات العالمية الكبرى  مشيرا إلى أن دخل الفرد التركي تجاوز خلال هذا العام 10 ألاف دولار أمريكي واعدا المواطن التركي بأن يبلغ دخل الفرد 25 ألف دولار عام 2023 ، و لم يغفل أردوغان في وثيقته الإنتخابية تعزيز الدور الإقليمي لتركيا وتفاعلها الإيجابي مع قضايا المنطقة وإعطاء الأولوية لدول الجوار وفق متطلبات الأمن القومي التركي        

و لا يخلو المشهد السياسي التركي من مدّ و جزر بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة  وبقية أحزاب المعارضة الرئيسية أبرزها حزب الشعب الجمهوري ( الكمالي ) و حزب الحركة القومية  وحزب السلام والديمقراطية ( الكردي)  فتتعالى أصوات أحزاب المعارضة لاسيّما حزب الشعب الجمهوري باتّهام حكومة حزب العدالة والتنمية ورئيسها رجب طيب أردوغان والمحيطين به بالفساد الإداري والمالي واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية حيث يردّد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلشدار أوغلو قوله بأن" أردوغان و أنصاره يزداد ثرائهم يوما بعد آخر في الوقت نفسه ينتشر الفقر وترتفع حدّته بين أوساط الشعب التركي " مشيرا إلى  بروز ما يصفه بـ " البورجوازية الإسلامية " في تركيا وظهور مجموعات اقتصادية جديدة في ساحة الأعمال التركية ومقرّبة من أردوغان الأمر الذي يعتبره كليشدارأوغلو مؤشّرا واضحا على " تفاقم ظاهرة الفساد المالي و التلاعب بالمال العام "  واصفا السياسات الاقتصادية لحكومة رجب طيب أردوغان بالفاشلة ومتهما أردوغان بترويج مؤشرات مغلوطة و مبالغ فيها عن حركة الاقتصاد التركي ، موضّحا أن رجب طيب أردوغان يطرح مشروعات خيالية لتخدير المواطن التركي قاصدا بذلك مشروع المجرى المائي المعروف بقناة اسطنبول   

 حزب الحركة القومية يركز على اتهام حزب أردوغان بزعزعة ما يعتبره " هيبة الدولة " عقب الزج بقادة عسكريين في السجون بتهم يعتبرها زعيم الحركة القومية دولت بهجلي " باطلة وتعكس رغبة أردوغان للانتقام من المؤسسة العسكرية "  الأمر الذي يعتبره بهجلي خطرا كبيرا على السلم الاجتماعي في البلاد ، و يعتقد معظم المراقبين أن الوثيقة الانتخابية ووعود حزب الحركة القومية لا تبدو مقنعة للناخب التركي ربما بسبب انشغال الحزب بخلافاته الداخلية التي نتج عنها انشقاق عدد من القوميين المحافظين عنه  الأمر الذي يعيق حزب الحركة القومية من تجاوز الحاجز الإنتخابي الـ ( 10 % ) و بالتالي قد يتعذّر عليه دخول مجلس الأمة التركي ( البرلمان ) و هو ما سيعزّز رصيد حزب العدالة و التنمية في كسب قسم كبير من أصوات القوميين الأتراك لاسيما المحافظين منهم

 حزب السلام و الديمقراطية ( الكردي ) خرج هذه المرة ليعد أنصاره ومعظمهم من المواطنين الأكراد بأن يطالب بشكل علني بحق المواطنين الأكراد في تركيا في حكم ذاتي او استقلال كامل للحكم المحلّي للمناطق ذات الأغلبية الكردية وفق ما تحدّده المعايير الأوروبية ، و يبدو أن استقرار الحكم الذاتي للأكراد في شمال العراق وتعالي أصوات الثورات العربية قد شجّع حزب السلام والديمقراطية الكردي في تركيا إلى رفع سقف مطالبه ، و يرى الكاتب التركي خير الدين طوران " أن توجّه حكومة أردوغان للحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل في السجون التركية قد سحب من حزب السلام والديمقراطية ورقة مهمة كان يضغط بها على أنقرة " و يضيف طوران قائلا " انّ حزب السلام والديمقراطية الكردي يعمل الآن على استخدام الأجنحة الكردية المسلحة والمعارضة للزعيم الكردي عبد الله أوجلان والمتمركزة في شمال العراق لاستخدامها كورقة ضغط على حكومة حزب العدالة و التنمية  " وكان أردوغان قد ألمح إلى صلة أطراف سياسية كردية بالهجوم المسلّح على موكبه مؤخرا  ما يرى فيها بعض المراقبين إشارة واضحة لضلوع حزب السلام والديمقراطية الكردي في العمل المسلح الأخير على موكب رئيس الوزراء التركي. ويبقى حزب السعادة ( الإسلامي ) يراوح أزمته بعد غياب قيادته التاريخية ووفاة زعيمه نجم الدين أربكان ، حيث يقول الكاتب التركي اسماعيل كابان " ان حزب السعادة الإسلامي لم ينجح في إفراز قيادة جامعة يلتف حولها محبّي الزعيم نجم الدين أربكان " و يرى كابان " ان  نعمان كرطلموش الذي تولّى زعامة حزب السعادة خلفا لنجم الدين أربكان فترة قصيرة كان مرشحا للقيام بدور قيادي بارز في هذا الحزب ليعيد له زخمه غير أن الخلافات الداخلية دفعته إلى التخلّي عن قيادة حزب السعادة وجعلته يتوجّه لتأسيس حزب صوت الشعب  الأمر الذي يقطع الطريق أمام أي دور مستقبلي لحزب السعادة وقد يكون سببا مباشرا في تشتّت أصوات الحركة الأربكانية التي سيستثمرها أردوغان و حزبه خلال الانتخابات المقبلة "

العوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا على المسار الانتخابي ونتائجه:

يبقى العامل الإقتصادي هو المحرّك الرئيسي للناخب التركي لذلك جاءت وعود الأحزاب السياسية المشاركة في الإنتخابات التركية لتعطي مسألة الرفاه الإقتصادي والاجتماعي للمواطن التركي أولوية مطلقة ، وركزت المشروعات التي تطرحها مختلف الأحزاب التركية على مكافحة الفساد والعمل على إنهاء ظاهرة البطالة وتأمين الضمان الإجتماعي والصحي لجميع المواطنين دون استثناء والإلتزام بتحسين الأجور والرفع من دخل الفرد  ، و تحتلّ مسألة الإصلاحات السياسية المرتبة الثانية في أولويات الناخب التركي  لكن الشارع التركي يولي أهمية كبيرة للوعود بتعزيز بناء الديمقراطية و حقوق الإنسان  و استقلال جهاز القضاء من خلال صياغة دستور جديد للبلاد ينهي حالة التداخل بين صلاحيات المؤسسات الدستوية ويجعلها علاقة تكاملية وغير تنافسية  وينهي بشكل كامل وصاية بعض المؤسسات الدستورية لاسيّما جهاز القضاء والمؤسسة العسكرية على خيارات الشعب التركي و القرار السياسي في انقرة

و يرى الأكاديمي التركي إبرهيم أدهم آروغلو  "  ان الشجاعة التي تحلّى بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في مواجهة حكومته لملفّ ( منظمة ارجنكون ) أو ما يعرف بالدولة الخفية في تركيا والتي كشفت عن تورّط العديد من القيادات العسكرية والأمنية وشخصيات سياسية وإعلامية واقتصادية في هذا التنظيم السرّي داخل هياكل الدولة التركية والذي كان يخطّط للإطاحة بحكومة أردوغان عبر انقلاب عسكري سيعزز من حظوظ فوز حزب العدالة والتنمية بدورة ثالثة لإدارة تركيا " مشيرا إلى " أنه لم يكن يتوقع أي مواطن تركي ان يرى في يوم من الأيام قادة عسكريين أتراك يقفون خلف القضبان ويحاكمون أمام محاكم مدنية وهو ما كان يحتاج  إرادة سياسية قوية وشجاعة نادرة تجلّت في شخص أردوغان  "

و لاشكّ ان انفتاح حكومة حزب العدالة والتنمية على الطائفة العلوية في تركيا  واستقطاب شخصيات كبيرة منهم في نسيج الحزب والحكومة قد قطع الطريق امام مساندة الطائفة العلوية التقليدية لحزب الشعب الجمهوري ( الكمالي ) لاسيّما عقب إدراج مادة التربية الدينية للطائفة العلوية في مناهج التعليم التركي وفسح المجال أمامهم لإقامة معابد للطائفة يطلق عليها بيوت الجمع

ويحذر الكاتب التركي محمد كوجك من خطورة توجّه بعض التنظيمات الكردية المسلحة إلى خلط الأوراق قبيل موعد الانتخابات العامة في إشارة إلى الهجوم المسلح الذي استهدف موكب رئيس الوزراء التركي  وقال كوجك  " ان اللّجوء للعمل المسلح لتوجيه سير العملية الإنتخابية لن يخدم حقوق الأكراد بل سيعزّز حظوظ حزب أردوغان في الانتخابات وسيجعله أمام الرأي العام التركي طرفا مظلوما والمزاج التركي معروف دائما بوقوفه إلى جانب المظلوم "  ، و يضيف الكاتب محمد كوجك قائلا " إن استقرار تركيا يمرّ عبر التوصّل إلى حلّ سياسي وسلمي للقضية الكردية  والإعتراف الكامل بالحقوق السياسية و الثقافية لجميع الأطراف العرقية و الدينة في تركيا  " معتبرا إشارة أردوغان إلى حوار قائم بين أجهزة الدولة التركية ( قاصدا جهاز الإستخبارات التركي )  و حركة أوجلان مؤشّرا إيجابيا للغاية

وبرغم التباين في وجهات النظر بين الأحزاب السياسية التركية بشان الحلّ السياسي للقضية الكردية أو كيفية التعاطي مع حقوق الطائفة العلوية وبقية الأقليات العرقية والدينية في تركيا إلاّ أن جميع الأحزاب التركية تتفق على ضرورة التوصل إلى حل سياسي وسلمي داخل البيت التركي في إطار إصلاحات سياسية شاملة وبناء ديمقراطي يستوعب جميع الأطراف بعيدا عن إملاءات الأطراف الخارجية لاسيما الأوروبية منها وهو ما يفسّر توجّه حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية إلى طرح مبادرات في هذا الشأن أدرجت في برامجهم الإنتخابية

وتكاد السياسة الخارجية لتركيا تغيب عن مشهد الإنتخابات بسبب انشغال السياسيين والمواطنين الأتراك بكل ما يرتبط بالشأن الداخلي ، لكن الإعلامي التركي بدرالدين حبيب أوغلو يرى  " بأن النجاحات التي حقٌقتها حكومة رجب طيب أردوغان في السياسة الخارجية والدور الاقليمي الفاعل لتركيا الذي حقق المصالحة التاريخية بين تركيا ومحيطها الجغرافي عموما والجوار العربي و الإسلامي خصوصا  قد قوبل بارتياح شعبي كبير في تركيا لاسيّما وأن انقرة  قد استثمرته لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية وامنية انعكست بشكل إيجابي على الشعب التركي و حقّقت متطلبات الأمن القومي لتركيا  الأمر الذي سيعزز حظوظ اردوغان و حزبه في الفوز بفارق كبير في الانتخابات المقبلة "

استطلاعات الرأي .. فوز مرتقب لحزب أردوغان

تشير أخر استطلاعات للرأي اجريت في الساحة التركية إلى احتمالات فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بنسبة لا تقل عن 48 % من اصوات الناخبين الأتراك ، يليه حزب الشعب الجمهوري ( الكمالي ) بنسبة تقارب الـ 25 %  ، ثم يحتلّ المرتبة الثالثة حزب الحركة القومية بنسبة تناهز 11 %   ، في حين تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة عدم تجاوز حزب السلام و الديمقراطية ( الكردي )  لنسبة 7 % والتي لا تؤهله لدخول مجلس الأمة التركي وقد يكون ذلك ما دفعه إلى توجيه عدد من مرشحيه إلى الترشّح للإنتخابات بصفة مستقلّة ليجتمعوا بعد ذلك داخل البرلمان في كتلة واحدة

يقول المحلّل السياسي التركي أرجون بابهان " إن حزب العدالة والتنمية الذي جاء إلى السلطة في أنقرة عام 2002  بنسبة تناهز 35 % من أصوات الناخبين ، ثم جدّد الشعب التركي ثقته في حكومة أردوغان في انتخابات 2007 و انتخبه لدورة ثانية بنسبة 47 %  و يطمح اليوم أيضا للفوز في انتخابات 12حزيران المقبل بنسبة لا تقل عن 45 %  " و يشير بابهان إلى " ان حزب اردوغان يبدو مطمئنا للحصول على هذه الننتيجة لعدة أسباب أولها ان احزاب المعارضة الرئيسية في تركيا لا تشكّل منافسة حقيقية بالاضافة إلى عملية التجديد التي قام بها أردوغان في صفوف حزبه و إعطائه فرصة اكبر للشباب التركي لخوض غمار السياسة داخل حزبه في سنّ مبكرة "

أما الكاتب التركي احمد طاشكتيران فيقول " إن فوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات المقبلة لن يشكّل مفاجأة بل هو منتظر من قبل قطاع كبير من المجتمع التركي بل إن المفاجأة التي ينتظرها الشارع التركي أن يحصل حزب أردوغان على نسبة عالية من اصوات الناخبين تؤهّله لتنفيذ ما يعد به من إصلاحات سياسية شاملة " و يرى طاشكتيران " ان الطريق أمام أردوغان لن يكون سهلا بسبب القضايا العالقة في تركيا كالمسألة الكردية و تحقيق العدالة الاجتماعية و مكافحة مخلّفات الحكومات السابقة من المافيا والفساد الإداري و المالي و الحد من ظاهرة البطالة "

تركيا  والدور الإقليمي المنتظر

لا شك ان الفوز المنتظر لحزب العدالة و التنمية في الإنتخابات المقبلة لن يعكس مساندة الشعب التركي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها حكومة أردوغان بل ستعكس أيضا الرضى الشعبي في تركيا بالنّجاحات التي تحققها حكومة العدالة والتنمية في مجالات السياسة الخارجية وتفاعلها الإيجابي مع قضايا المنطقة وإدراكها بأن أمنها القومي مرتبط بشكل كبير بما يجري في جوارها عموما  ومحيطها العربي و الإسلامي خصوصا وهو ما يرشّح أنقرة إلى دور أكثر فاعلية في الساحتين العربية والإسلامية ليس فقط لرغبتها في المصالحة و بناء الشراكة مع محيطها الجغرافي بل لأن متطلبات أمنها القومي تقتضي ذلك

يقول الكاتب التركي هاكان البيرق " ان التحولات التي تشهدها البلدان العربية لاسيما بعد نجاح ثورتي الشعبين التونسي والمصري ستفرض على أنقرة واقعا جديدا يجب ان تتعامل معه بعقلانية " و يرى البيرق " ان تركيا التي يراها معظم العرب نموذجا ديمقراطيا ناجحا ينتظرون منها تفاعلا حقيقيا وتعاونا مع مطالب الشعوب العربية في تحقيق العدالة و بناء أنظمة حكم ديمقراطية " مشيرا إلى " أن أنقرة تبدو أكثر انحيازا لمطالب الشعوب العربية لقناعتها بأن إقامة الشراكات الحقيقية مع  الدول العربية ستحقق نجاحا أكبر مع أنظمة ديمقراطية في الساحة العربية "

لاشكّ أن الفوز المحتمل  لحزب أردوغان في انتخابات 12 حزيران المقبل سيدفع حكومة العدالة والتنمية إلى المضي قدما في تنمية تعاونها السياسي والاقتصادي والثقافي مع مختلف البلدان العربية والإسلامية ، لكن تحويل هذا التعاون إلى شراكة حقيقية ذات أبعاد استراتيجية بين تركيا والدول العربية يستوجب تفاعلا أكبر من البلدان العربية ونخبها ومؤسساتها الثقافية والأكاديمية والإعلامية  ومنظماتها الأهلية والمساهمة في إطلاق مبادرات عربية تجاه أنقرة لتحقيق الشراكة المنشودة بين الطرفين  وعدم انتظار المبادرات التركية فقط من جانب واحد.

يقول الكاتب التركي سنان برهان " ان الشعوب العربية مطالبة بالانفتاح أكثر على كل مكوّنات الشعب التركي بمختلف اطيافه السياسية والفكرية والدينية وليس الانخراط في الشراكة مع الإسلاميين والمحافظين الأتراك فقط "  

إن ما يشير إليه الكاتب التركي سنان برهان  في غاية الأهمية لأن تحقيق الشراكة العربية التركية لا يمكن أن يتحقّق من خلال الإنبهار المبالغ فيه من قبل العرب بالتجربة التركية فقط بل على النخب العربية قراءة التجربة التركية قراءة واعية والاستفادة منها لأنه لا يمكن اسقاطها على أية ساحة أخرى نظرا لخصوصية التجربة التركية والتصاقها العضوي بالمكوّن القومي والثقافي للشعب التركي 

إن التفاعل العربي الإيجابي مع تركيا ومبادراتها مطلوب للغاية لكنّه يجب أن يخضع للعقلانية ويتجنّب العاطفة ليساهم في بناء شراكة عربية تركية متوازنة ومتكافئة تحقّق مصالح الطرفين و تعزّز روح التآخي والتعاون بين الشعبين العربي والتركي وتشكّل أيضا صمّام أمان لإستقرار المنطقة ونهضتها.

مدير المعهد التركي العربي للدراسات / أنقرة

المصدر: موقع  

 

C.A. DROITS HUMAINS

5 Rue Gambetta - 92240 Malakoff – France

Phone: (33-1) 40921588  * Fax: (33-1) 46541913

E. mail achr@noos.fr   www.achr.nu www.achr.eu

 

 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها

الصفحة الرئيسة