من أجل مفهوم متعدد
المستويات للهوية
د.
منصف
المرزوقي
ثمة
توجهان متناقضان في
تكوين الهوية
. الأول هو
البناء على الضدّ .
تتشكل هويتي
على أساس
الاختلاف مع
الآخر- وقد
انتظم في
دوائر
متباعدة أنا
مركزها – وذلك
على أساس جملة
من العلامات
الموضوعية مثل
الجنس و
اللون
واللباس
واللغة
الخ .
أما
التوجه
الثاني فهو
البناء على المماثلة .
تتشكل هويتي
هنا على شبهي
مع الآخر -وقد
انتظم في
دوائر
متباعدة أنا
مركزها –
في الشكل
واللون
واللغة
والمعتقدات والتاريخ الخ.
لكن
الهام في كل
هذا هو أن التجذّر
في
هويتي
يمكنني من
التعرف على كل
من هم مثلي
وكل من هم
مختلفين عني . وحيث أن
لكل آخر هوية
فإن كل من هم
مثلي
سيتعرفون علي
كمشابه لهم
وسيعترفون بي
واحدا منهم . إن مثل
هذا التعرف والاعتراف
المتبادل
بين الشخص
ومجموعته،
عبر الاشتراك
في نفس
الهوية، قضية
بالغة الخطورة
. فالرهان الأساسي ليس التميّز الذي
فرضته ظروف
العيش
المشترك و لا
حتى التمايز
والتفاضل في
العلاقة
بالمجموعات
البشرية
الأخرى ، و إنما تبادل
الحماية داخل
المجموعة لدرء
الخطر
الحقيقي أو
الوهمي الذي يمثله الآخر ... علما
وأن هناك
دوما خوف
من اختفاء خطر
هذا
الآخر لأن
الأمر قد يؤدي
إلى
تفجر مخزون
العنف
الداخلي
المتحكم فيه
نسبيا
طالما هو
موجه
نحو العدو
الخارجي .
الهوية هي إذن جملة
العلاقات
المادية و
الرمزية التي
تربط وتوحد
عددا من
الأفراد و هم
في حالة صراع
ضد مجموعة
مشابهة في
الجوهر
مخالفة في المظهر.
هي في استبطان الشخص لحدود المجموعة
التي تعطيه الحماية
والتي يجب عليه
حمايتها لا لشيء
إلا لتواصل
بسط حمايتها
عليه. نحن لا
ننتمي لقبيلة
، لحي ، لوطن
، لأمة
، لثقافة ، بمقاسمة
المنتميين
إليها
العلامات الخارجية
المميزة فقط ، ولكن
بمقاسمتهم
مسئولية
الحماية
المتبادلة و
الدفاع عن الوجود
المشترك
وتحسين ظروفه.
تتعقد بمرور
الزمان خصائص
المماثلة و
المشابهة. فمن
الألوان
الصارخة التي
يرسمها
المحاربون
على أجسادهم
إلى أدق
كلمات السر
التي يتعارف
بها " الأخوة "
في هذا الجيش
أو تلك
العقيدة. لكنها تنطق كلها بالخطاب الأبدي
: أنت منا وإلينا ،
نحميك و
تحمينا .
وفي آخر
المطاف فإن
لبّ الهوية هو
انتماء
مسئول و
مسئولية
انتماء .
لننظر
الآن
لديناميكية
شعور الانتماء هذا
لأنه مثل كل
ظواهر الحياة
الاجتماعية
والطبيعية
صيرورة لا
معطى جامد.
خذ قبيلة معزولة في
غابتها
استوائية، أفقها
الجغرافي
حدود الغابة التي
تحاصرها من
الجهات
الأربعة
وأفقها الزمني
محدود
بأسطورة
ثابتة .
تتبلور هوية
أفرادها إلى ما
أبعد من
العائلة
بقليل
أي
إلى
أضيق دائرة
اجتماعية يمكن أن
تضفي حمايتها
على الفرد بالحدّ
الأدنى من النجاعة.
وسّع الان الأفق . خذ
مجموعة بشرية
تكاثر عددها ولها فضاء أرحب بفضل
الجياد المطهمة
أو بواخر
شراعية أو
جمال عابرة القارات
. ها قد
ظهرت القبائل
فالشعوب فالأمم
. لقد
أصبح الشخص
عضوا في
مجموعة توسعت
حدودها إلى آفاق
مذهلة، سواء
تعلق الأمر
بعمق فضائها
الجغرافي أو
الزمني أو عدد
أعضاء النادي
الجدد. يظهرآنذاك
الدين
والقانون
والأخلاق لفرض ما
أقره العرف
داخل
المجموعات
البدائية
للصيادين أي
واجب الحماية
المتبادلة وبسطه
على
عدد أكبر من
البشر أصبحوا
جزءا من عقد
التأمين على
الحياة ، لا
لشيء إلا لأن
الآخرين تنظموا
في صلب شعوب
لا تواجه
بالمجموعة
القبلية
الضيقة.
إن هذا ما
يلاحظه حتى هنتنجتون
عندما يقول 1
''الانتماء
عند الناس طبقات . فساكن
روما يمكن أن
يعرّف نفسه
حسب درجات مختلفة
كروماني ،
إيطالي
كاثوليكي،
مسيحي ، اوروبي
، غربي . لكن الحضارة
التي ينتمي
إليها هي أعلى
طبقات تعريفه
بنفسه.''
لنتأمل
في مغزى هذه الجملة .
ثمة اعتراف
إذن بأن
الهوية عملية
بناء تاريخية
وسعت أفق ساكن
روما من
انتمائه لمدينة إلى
انتمائه لبلد
ثم لقارة ثم
لدين ثم
لثقافة ، ومن
ثمة وسعت واجباته
تجاه كل هذه
المستويات الإضافية
.
لاحظ أن
كل مستوى هوية
جديدة يكتسب
ليس نقضا
للطبقات التحتية
التي تشكلت عبر
تاريخ الفرد
والمجموعة
وإنما فقط
دمجا لها في إطار
أوسع . نحن لا
نعيش
انتمائنا للوطن
كخيانة أو
كتنكّر لانتمائنا لجهة
من جهاته، بما
أن هذه الجهات
هي كلها الوطن
. نحن وسعنا
فقط آفاق
الانتماء من
الضيق إلى
الأرحب الذي
ضم هذا البعد
الضيّق
ولم يلغه .
إن
الارتقاء من
طابق إلى طابق
قضية مرتبطة بالعوامل
الموضوعية
التي يعيش
فيها الشخص .
فإن كان فقيرا
أمّيا معزولا
في جزيرة أو
صحراء أو جبل
، لا تلمه
على توقف
شعوره
بالانتماء
عند المستوى
القبلي . إن
كان جزءا من
مجموعة بشرية تتكاثر
عبر التاريخ
وتحتل أجزاء
متسعة من الفضاء
فإنه سيرتقي
للوطنية والقومية
. ثمة ايضا
العوامل
الذاتية من
ذكاء وسماحة
التي
يمكن أن تحمل
هذا الفلاح
الفقير
المعزول إلى أعلى
مراتب
الانتماء في حين يمكن
للمتعود على الطائرات
والانترنت
البقاء في مسوى
الانتماء
القبلي أو
الشعوبي لضيق
أفقه الفكري
وحتى الروحي .
يقودنا إذن التوسع
التدريجي إلى الشعور
بالانتماء
الثقافي وهو
بداهة أرقى من
الشعور
القبلي
والطائفي والشعوبي،
لأن من
يضع هويته
الثقافية فوق
هويته القومية
هو بالضرورة
شخص تفتح على
كل الشعوب
والقوميات التي
تحتويها هذه
الثقافة . لكن ماذا عن
العلاقة
بالمنتمين
للثقافات
الأخرى ؟ ألا يبقى
التنافس
والصراع الذي
انطلق منه
الوضع
المحدّد منذ
مائتي ألف سنة
قائما وإنما
على مستوى
أضخم إن
استبدلت
المواجهة بين
القبائل أو الشعوب
أو الأمم
بالمواجهة
بين
الثقافات؟
ثم هل هذا
حقا أعلى
سقف للانتماء كما
يدعي هنتنجتون
أم هل أنه وقف
عند الدرجة
الأعلى التي
يقدر عليها هو ومن
يتفقون معهه
في الموقف ، مثلما
هو الحال عند
القبلي
والطائفي الذي
لا يستطيع
الارتقاء إلى
الانتماء في
مستوى الوطن.
لنقارن
بين موقف
الرجل الذي
وقف في أعلى
مستواه وموقف
النص الذي يواصل ويستبق
ويمهّد
لمستوى أعلى
في إحدى الوثائق
التفصيلية
المنبثقة عنه 2
يحدد
هذا
الأخير
كعادته
الأهداف
العامة في
الإعلان : ''و
لما كان من
الجوهري
العمل على
تنمية علاقات ودّية
بين الأمم .''
يشير
إلى الخطوط
العريضة لتنمية مثل
هذه
العلاقات : ''
ويجب أن تهدف
التربية إلى
إنماء شخصية
الإنسان
إنماء كاملا وعلى
تعزيز احترام
حقوق الإنسان
والحريات
الأساسية وتنمية
التفاهم
والتسامح
بين الشعوب
والجماعات
العنصرية
والدينية وإلى
تعزيز مجهود
الأمم المتحدة
لحفظ السلام ''
آه كم المؤسف أن يستعمل
المشرع
العالمي كلمة
مثل التسامح ،فمشروعه
أكبر بكثير من
مفهوم مسموم
------------------------------------------------------------------------------------------
1-Samuel P. Huntington The Clash of
Civilizations-
Foreign Affairs, Summer 1993
2إعلان
مبادئ
التعاون
الثقافي
الدولي –
اليونسكو-.1966-
نقلا عن ''حقوق
الإنسان ،
المجلد
الأول،
الوثائق
العالمية
والإقليمية –إعداد
د,محمد
يوسف البسيوني،
د.محمد سعيد الدقاق،د,عبد
العظيم وزير.
الخطاب الضمني
فيه كالآتي
: رغم إيماني بتفوقي
و بدونيتك ,لكن لإستحالة
التخلص منك نظرا
لموازين
القوى، فإنني
مجبر على تحملك . و لأنه
لا بد لي من
مقابل لتحمل
ما لا قبل لي
بتحمله،
فإنني سأضع
عجزي عن
تغييرك على
حساب نبل ليس فيّ
و سأسمي تلاقي العجز
الفعلي و
النبل
المصطنع
تسامحا أضعه
وشاحا على
صدري.
ربما استعمل
النص المصطلح
الضعيف
لتشجيع
المتسامح كما
يشجع الأب الطفل
وهو يخطو
أولى
خطواته في
الاتجاه
الصحيح . لكن
شتان ما بين هذا
الموقف والذي يسعى إليه نصّ هو صدى لأروع
ما جاء على
لسان ابن
عربي،
المعلّم
الأسمى، عندما
انتبه فجأة
للمستوى الذي
لم يستطع هنتنجتون
الطلوع إليه.
لقد صار قلبي
قابلا كل
صورة
فمرعى
لغزلان و دير
لرهبان
وبيت لأوثان
و كعبة طائف و
ألواح توراة و
مصحف قرآن
أدين بدين
الحب إني
توجهت
ركائبي
فالحب ديني و
إيماني
ولأن
أغلبية البشر
ما زالت جد
بعيدة عن مثل
هذا النضج
الفكري
والارتفاع الروحي ، يعود
الكاتب إلى
الشرح
والتفصيل في الوثائق
التكميلية * مديرا ظهره لكل
المتخاصمين
المنتصرين
لصفاء و أفضلية
خصوصيتهم
العرقية أو
العقائدية . هو أيضا
يضع صراعهم على
مسؤولية نضج
لم يصلوا
إليها بعد . يعلن
مبدئيا حياده في
المعركة
الضروس بين
الخصوصيات.
يردّد المشرع العالمي دون
كلل أن كل
المنظومات
الفكرية و
الدينية
بالنسبة إليه
شرعية واردة ومقبولة . وهو هنا
أيضا لا يفعل سوى
اكتشاف مقولة
لمعت يوما
كالبرق في ظلمات
التعصب
والجهل
جاء بها ابن
عربي وهو
ينشد:
عقد
الناس في
الإله عقائد وأنا
اعتقدت جميع
ما اعتقدوه
.
يا له من
نصر للمعرّي
وابن المقفع
وكل الذين
صدعوا بنفس
الموقف منذ قرون ،
فكان خطـأهم
الوحيد أنهم
جاءوا عصرهم
بأفكار عصور
ما زالت بعيدة
في المستقبل.
واجه رهين
المحبسين خصام بشر لم
يرتفعوا إلى
مستوى وعيه بسخريته
اللاذعة .وضع
في نفس السلة
عابد النار و
لاثم الحجر و
المغتسل ببول
البقر و شتم
هذا الذي
يزعجه بدق
الجرس وذاك
الذي يقض مضجعه
بالصياح كل
فجر من مئذنة
.واجه ابن
المقفع الإشكالية
بنفس الاستنكار لكن بوقار
الفيلسوف
" فلم أجد أحدا منهم
يزيد عن مدح
دينهم و ذم ما
يخالفه من
الأديان،
فاستبان لي
أنهم بالهوى
يتكلمون لا
بالعدل فلم
أجد إلى متابعة
أحد منهم
سبيلا ".
إنها
البراعم التي
رميت منذ قرون في
أرفع مستويات
ثقافتنا
العربية
الإسلامية وها
هي تورق وتثمر
في نص
قد يكون طوق
نجاة البشرية
.
عن المشرع قوله : " لكلّ
ثقافة
كرامتها و
قيمتها ويجب
احترامها و
المحافظة
عليها ".
نحن أمام
موقف واضح لا
يحتمل تأويلا
أو تشكيكا .
فالمشرع لا يفضّل ثقافة على
أخرى و إنما يقرّ بكامل
الجرأة أن للثقافة
الغربية و
ثقافة قبائل الأوفامبو
في صحاري جنوب
القارة
الإفريقية
نفس الكرامة و
نفس القيمة .
تسقط الحجة
السهلة أن
النص هو الوجه
الآخر لخطاب
المركزية
الغربية .
يضيف
المشرع ": من
حق كل شعب و من واجبه
تطوير
ثقافته".
هو لا
يقرّ إذن أي
غزو ثقافي ولا
يطلب من
أي ثقافة البقاء تحت
راية ثقافة
رائدة، منتصرة ،
متفوقة ،
مرجعية ،
متقدمة الخ .
على
العكس يحث
المشرع
العالمي كل
شعب على التمسك
بثقافته وعلى
نواتها الصلبة
التي هي عقيدته.
لا شكّ أن
الكاتب يعرف
هو الآخر
الحقيقة التي اكتشفها كبار
المفكرين
والنساك
والمتعبدين
على اختلاف
الديانات
التي دانوا بها ،
وهي أن هناك
ألف طريق ممكن
لتسلق الجبل،
لكن القمة
أتيتها من
الغرب أو من
الشرق واحدة ،
أو أن
من ينزل إلى
أعمق وأنضج
وأنبل ما في خصوصيته
، لا
يكتشف إلا
إنسان كل زمان
وكل مكان . يا
للمفارقة أن
تؤدي بنا
الخصوصية التي
تذهب إلى أبعد
حدودها ....إلى
العالمية.
يحدد
المشرع
تعريفه لهذه
العالمية
وإنها كل شيء سوى
سيادة
النموذج
الغربي
الغالب في هذه
المرحلة من التاريخ
: "
تشكّل جميع
الثقافات بما
فيها من تنوع
وخصب و ما
بينها من
تباين و تأثير
متبادل جزءا
من التراث
الذي يشترك في
ملكيته
البشر جميعا " ثمة نظرة
جديدة للتنوع الثقافي .
يفكر سجين
الرؤيا
لثقافة مغلقة
ومتحجرة ،
أكان غريبا أو
مسلما أو
آسيويا، من
منطلق القفص الذي
وضع نفسه فيه . هو لا يتصور
رؤيا شرعية
وأخلاقية غير
التي نشأ عليها
أو اعتنقها
. هو يريد تصدير تصوره
للعالم و
تصوره
للإنسان لتعم
الحقيقة التي
خص بها . هو يفرح عندما تنتصر
نظرته و لا
يضيره في شيء
اغتيال معتقد
على غرابته أو
لغة على ضيق انتشارها .انظر إليه و الزبد حول
شفتيه
و الشر
يتطاير من
عينيه و استمع
إلى خطابه
الحماسي حول
ضرورة تخليص
لغته من
الشوائب التي دخلتها و
تنقية
موسيقاها من
الدنس الذي
لحقها من التأثير
الأجنبي وفظاعة
الأفكار
المستوردة التي
تشكل وباءا و
مرضا يتهدد
عقول الناشئة
.
لكن التنوّع
بالنسبة
للمشرّع العالمي ليس شيئا
غريبا يواجه في أسوء
الحالات
بالاستهجان و
الرفض
و "
بالتسامح " في أحسنها . هو على
العكس من هذا
ظاهرة صحية
لأن التباين هو
الذي يعطي
للتقاسم معناه وجدواه
.
يركز المشرع العالمي
في فقرة أخرى على نفس
الفكرة.
" عليها (
الأمم ) بأن تتقاسم
ما لديها من
علم و معرفة
". يأمر المشرع
الأمم إذن أن
تكف عن اعتبار
ثقافتها ملكا
لها بل
يطالبها " بأن
تنظم المبادلات
بروح السماحة
و العطاء
المتبادل "
.
يدعو
المشرع
العالمي إذن إلى
استبدال
الفقر بالغنى
لأن التنوع ظاهرة خصب و علامة
ثروة
وكل نتاجه
راجع
لمن يرضى بالغناء
الفاحش بدل
الفقر المدقع .
ها قد أصبحت
موسيقى بيتهوفن و
لغة الإسكيمو
المؤهلة للانقراض وأثار آنجاكور ، ملكك أنت
العربي
المسلم
لك فيها حق
و نصيب بما هي جزء من
تراثك كعضو من العائلة
البشرية
الكبرى .
ها قد أصبح
فكر ابن
عربي و
آثار قرطاج
و الفن
المعماري
بسيدي أبو
سعيد
ملك و حق من
حقوق قبائل
الهنود الحمر
في غابات
البرازيل و
مواطني بافاريا
و فنلندا .
صحيح أن
الثقافات تتقاسم
أحسن ما لديها
منذ القدم. لكن
الأمر أصبح
بتشريع
وتشجيع
وتنظيم جعل
كل
الشعوب تسعى لكي
تصنف المنظمة
العالمية
للتربية
والعلوم
معالمها الطبيعية
والمعمارية في
قائمة كنوز
البشرية لتفاخر
بكونها حافظة ووصية
لهذه المعالم
باسم البشرية
جمعاء لا بكونها
مالكتها
الوحيدة . أو ل شعور
ينتابنا أمام
هذا المشروع
الجبار نوعا من
الذهول .
لقد أصبحنا نغرف من
كل الثقافات كأصحاب الحق لا كلصوص أو متسولين .
لكن أهمّ
ما في
العملية
تبعاتها
الهائلة على
صعيد تشكيل
هويتنا أو على
وجه التحديد
على القفزة
النوعية التي
تحدثها
داخلها.
إن التفاعل
الإيجابي
الذي يصفه
المشرّع
العالمي ليس
موقفا
انتهازيا
ينطلق من
السطو على
أحسن ما في كل ثقافة لترصيع
جيد ثقافتنا
وإثرائها حتى
تكتسب تفوقا
على الثقافات
الأخرى وخاصة
المتقوقعة
على ذاتها من
فرط عقدة
النقص أو عقدة
التفوّق. إنه
تحوّل جذري في
العلاقة مع
الثقافات
الأخرى وقد
أصبحت فجأة الكنز
المشترك
التي يحق
لنا جميعا
التمتع
به .
نحن إذن
أمام موقف
يقطع مع
الموقف القديم
الذي كان يصنّف
الثقافات إلى
ثقافتي وثقافاتهم
. لقد أضيف
إلى حقي
القديم في
التمتع
بالثقافة
العربية الإسلامية
بحكم مكان
ولادتي
وتاريخي
وشعوري
بالانتماء
العربي المسلم
، حق
التمتع بكل
الثقافات .
لقد أصبح
من حقي القول: لي
الحق
في
الغرف من كل.... ثقافاتنا،
لأنني
في الواقع
صاحب ثقافة في
مستوى و صاحب
كل الثقافات
وجزء منها
جميعا
في المستوى
الأعلى
الحقيقي .
هذا ما
جعلني أردّ
يوما على آدمي
متخلف صرخ في وجهي : لا
تنسى أنك على
أرض
بلدي،
فأجبته
ببرود وأنت لا
تنسى أنك على
أرض
كوكبي .
المستوى الأعلى
للانتماء
إذن ليس
الثقافة
وإنما
اعتبار
الشخص لنفسه
أنه ابن
أم كل الأمم
التي هي
الإنسانية وابن أب كل الأوطان
الذي هو
العالم .
***