مقدمة :
مهد اتفاق نيفاشا للسلام عام 2005 الموقع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية بجنوب السودان الطريق أمام اجراء استفتاء تحديد المصير بجنوب السودان المحدد له يوم9 يناير عام2011 ، لانهاء حالة الحرب بين الشمال والجنوب التي راح ضحيتها مليون و900ألف شخص وفقا لتقديرات الأمم المتحدة خلال فترة النزاع والصراع الداخلي المسلح التي استمرت 50 عاما ، وقد ساهم دستور السودان المؤقت الصادر في عام 2005 فى اعطاء الشرعية للاستفتاء وتشكيل أول حكومة وطنية يشارك فيها أبناء جنوب السودان والتي مازالت تحكم البلاد طوال خمس سنوات حتى موعد اعلان نتيجة الاستفتاء خلال فبراير 2011 .
وأدى الدستور المؤقت للسودان الى فتح المجال أمام مشاركة الحركة الشعبية بجنوب السودان في حكم 10 ولايات بمنطقة الجنوب السوداني منفردة وتشكيل حكومة للادارة الذاتية بها ، بالاضافة الى مشاركتها من خلال وزراء ونواب وزراء في حكم 15 ولاية بالشمال السوداني ، وتعيين رئيس الحركة الشعبية سلفاكير في منصب النائب الأول للرئيس السوداني وحصول الجنوب على 50% من عائدات البترول اعتبارا من عام 2005حتى الآن ، مما خلق ظروف سياسية تمهد لانهاء حالة الحرب بين جنوب وشمال السودان ، وامكانية استعادة الاستقرار السياسي ، حيث لم ينعم السودان بالاستقرار سوى 11 عاما منذ استقلاله عام 1956 .
ومنذ توقيع اتفاق نيفاشا للسلام لم ينجح طرفي الحكم في شمال وجنوب السودان بدرجة كبيرة في خلق ارادة سياسية تهيئ الظروف المناسبة لدعم الوحدة وليس الانفصال ، وتحقيق المصالحة الوطنية لاخراج البلاد من حالة التناحر والصراع الداخلي ، واجراء التحول الديمقراطي ، وترسيخ السلام ، واجراء تسويات داخلية لجعل اختيار الوحدة جاذبا لكل الأطراف ، وهو ما أدى في النهاية الى الوصول بمراحل تنفيذ اتفاقية نيفاشا للسلام الى محطته الأخيرة واعتبار الانفصال هو الأقرب للحدوث داخل السودان ، وساهمت أطراف اقليمية ودولية في تشجيع طرفي الحكم في السودان للاتجاه الى الانفصال منذ بداية يوليو 2010 والاعداد للبرنامج الزمني لاجراء استفتاء تقرير المصير لتحديد وضع جنوب السودان سياسيا وجغرافيا وديموجرافيا .
وسيتم ترسيم الحدود من جديد بصورة نهائية اعتبارا من فبراير القادم 2011 داخل السودان الذي يعد أكبر دولة افريقية من حيث المساحة بعد أن انتهت لجنة ترسيم الحدود من 80% من خط الحدود الحدودى الذي سيفصل بين سكان السودان الذين يبلغون نحو 39 مليون نسمة وفقا للاحصاء الشامل الذي قامت به الحكومة السودانية في يونيو 2009 منهم 30 مليون نسمة يعيشون في الشمال بنسبة 79% من السكان بينما يعيش 9 مليون نسمة في الجنوب بنسبة 21% من السكان منهم 4 ملايين مسيحي وهو نفس الرقم الذي حددته تقديرات منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة التي أجريت في أكتوبر الماضي وكشفت أن 90% من سكان الجنوب يعيشون تحت خط الفقر ويفتقرون لأبسط أنواع الرعاية الصحية والتعليمية والخدمات ، كما يعاني 18% منهم من الجوع المزمن بسبب عدم حصول مليون و 200 ألف نسمة على أبسط أنواع الغذاء بينما يحصل 10% فقط من سكان الجنوب على الرعاية الطبية من أشخاص مؤهلين لتقديم رعاية صحية ، ويتعرض 14% من الأطفال للوفاة في سن دون الخامسة من عمرهم لأسباب تتعلق بالجوع وتدهور حالتهم الصحية .
وأكدت تقديرات الأمم المتحدة أن أكثر من مليون و 400 ألف نسمة من أبناء الجنوب يعيشون في مخيمات ومناطق سكنية قريبة من الحدود في 3 دول افريقية مجاورة هي أوغندا وأثيوبيا و كينيا بالاضافة الى اقامة ما لا يقل عن 2 مليون نسمة من أهالي جنوب السودان في الولايات الشمالية ، بينما يبلغ عدد السكان في الشريط الحدودي بين الشمال والجنوب الذي لم يتم حسمه حتى الآن نحو 10 ملايين نسمة يعيشون على مساحة 1936 كيلو متر .
وقامت الحكومة السودانية بالتعاون مع حكومة جنوب السودان بتطبيق برنامج للعودة الطوعية لمواطني الجنوب الذي يعيشون في الولايات الشمالية بالسودان واعادة توطينهم من جديد في جنوب السودان ، وتم ترحيل أعداد كبيرة منهم الشهور الماضية وتوجد مؤشرات انه تم نقل مليون ونصف مليون نسمة واعادتهم الى موطنهم الأصلي في القبائل التي ينتمون اليها بولايات الجنوب ، وتم تجميعهم طوال فترة امتدت إلى خمسة أشهر منذ يوليو 2010 في مناطق شمال بحر الغزال و واراب و أعالي النيل ونقلهم بشاحنات تحركت من منطقة جبل أولياء في اتجاه جنوب السودان وذلك بسبب وجود مخاوف لدى حكومة جنوب السودان من التأثير عليهم أثناء التصويت باستفتاء تقرير المصير خلال وجودهم بشمال السودان وفضلت عودتهم لمناطق وولايات الجنوب .
ولم يتم الاتفاق بين طرفي الحكم في السودان حتى شهر ديسمبر عام 2010 على اجراء استفتاء تحديد المصير بمنطقة ايبي الغنية بالبترول لتقرير انضمامها الى الشمال أم الجنوب وتم تأجيل اجراء الاستفتاء بها الى وقت سيتم تحديده عام 2011 ، حيث تعد منطقة ايبي مثلث سكاني فاصل بين الشمال والجنوب وتم نقل تبعيته لشمال السودان منذ عام 1905 وتسكنه قبائل المسيرية العربية المتنقلة على المطروالرعي وقبيلة الدنيكا نقوك الجنوبية ويطال جنوب السودان بأحقيته فيه تاريخيا ويتمسك شمال السودان بوجوده ضمن حدوده الادارية قبل الاستقلال عام 1956 .
البيئة السياسية :
يجرى استفتاء تقرير المصير فى ظل مناخ سياسى غير مستقر بالسودان وصراعات داخلية مسلحة ، وسلطة قانون الطوارئ ، ومجلس تشريعى مؤقت ، وتشريعات مقيدة لحق التظاهر والتجمع السلمى مثل قانون النظام العام وقانون الامن القومى ، بالاضافة الى قانونى الاحزاب والجمعيات الاهلية المقيدان لحق المواطنين فى تكوينها وممارسة النشاط السياسى .
وقد نصت اتفاقية السلام الشامل بالسودان على حق شعب جنوب السودان فى تقرير وضعه المستقبلى من خلال اجراء استفتاء لتحديد مصيره تمثل ذروة اتفاقية السلام واهم خطوة مفصلية به لتحديد الوضع السياسى للمنطقة الجغرافية بالجنوب ، أما تتحول الى دولة مستقلة ،أوتستمر في وحدة مع الشمال ، وتوجد عدة توقعات سياسية بانه في حالة الانفصال توجد رغبة من دولة شمال السودان في تكوين كونفدرالية مع دولة جنوب السودان لكن الضغوط والمصالح الجديدة التي تتعرض لها حكومة جنوب السودان تجعلها أكثر رغبة في الانفصال الكامل بعيدا عن المشروعات السياسية مع شمال السودان .
و ادت الظروف السياسية و المعتقدات الفكرية والثقافية السائدة بجنوب السودان الى تهيئة مناخ معادى لوحدة السودان بسبب تراجع دور الاحزاب السياسية و توارى دور الزعمات الدينية بالشمال ، كماساهم توجه الحكومة السودانية الى تطبيق الشريعية الاسلامية فى فترة مشاركة الدكتور حسن الترابى في الحكومة مع الرئيس عمر البشير الى تكريس مخاوف ابناء الجنوب المسيحى والوثنى من اهدار حقوقهم فى المواطنة .
ويعتقد كثير من أهل جنوب السودان أن دافعهم الأساسي للانفصال يرجع الى وجود اختلاف في الدين والعرق بينهم وبين أهل السودان المقيمين بالشمال الذين يغلب عليهم التكوين السكاني والعرقي من القبائل العربية واليدن الاسلامي بينما في يغلب على الجنوب التكوين السكاني والديني من القبائل الزنجية والمسيحية ، كما أعطت الحركة الشعبية إشارات واضحة وبشكل متزايد لتفضيلها ان يصوت الجنوبين على الانفصال بحجة ان جنوب السودان تحتاج لهوية خاصة تتفق مع خصوصيته الثقافية والقبلية والاثنية لاشباع احتياجات السكان به وهو ما اعتبرته حكومة السودان مؤشرا للرغبة في الانفصال
ورغم ما يحدث من مناورات سياسية متبادلة بين طرفي الحكم في السودان حول استفتاء تحديد المصير واستخدامهما للغة عدم التزام أحد الطرفين بتعهداته في مرحلة الاعداد لانطلاق الاستفتاء، فقد تعهدت كافة الاحزاب والحركات السياسية بالارتضاء بنتيجة الاستفتاء فى حالة اتمامه بادارة شعبية لأبناء الجنوب ودون حدوث تدخلات وانتهاكات وتزوير به ، في حين هددت عدة احزاب سودانية معارضة بصورة صريحة بعدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء اذا حدثت تجاوزات فنيه شديدة به تؤثر على مصداقيته خاصة في حالة دفع المواطنين بجنوب السودان وتوجيههم لاختيار الانفصال أو منعهم من التصويت.
البيئة التشريعية والقانونية :
تشمل دستور السودان المؤقت الصادر عام 2005 واتفاق نيفاشا للسلام عام 2005 وقانون الاستفتاء الصادر فى مايو عام 2009 عن المجلس التشريعى المؤقت للسودان ويضم 76 مادة حددت طريقة اجراء الاستفتاء ، وتسجيل اسماء الناخبين ، وطريقة الاقتراع ، والطعون والاعتراضات على نتيجة الاستفتاء ، وتشكيل اللجان العامة والفرعية ، ومراكز الاقتراع والتى تمثل جميعا المرجعية الاساسية الدستورية والقانونية لاجراء استفتاء تقرير المصير بجنوب السودان ، يضاف اليها تشكيل السودان بقرار جمهورى لهيئة قومية لدعم استفتاء وحدة جنوب السودان برئاسة رئيس الجمهورية و 6 نواب وأمانة عامة و12 لجنة فرعية وتضم خبرات حكومية وسياسية ودبلوماسية وأكاديمية تنتمى بنسبة كبيرة للشمال أكثر منها الى الجنوب ، وتشمل لجان الوحدة الوطنية، والعمل الخارجى ، والاستفتاء فى الشمال ، والتسجيل ،وتنسيق المبادرات الشعبية ،ومنظمات المجتمع المدنى ،والاعلام ، والمرأة ،والادارة الاهلية .
كما تم اصدار قرار جمهوري ثاني بانشاء مفوضية استفتاء جنوب السودان فى يوليو 2010 قبل موعد الاستفتاء بستة اشهر وتتولى مهمة اجراء الاستفتاء وتشمل شخصيات وخبرات من الشمال والجنوب قضائية وأكاديمية وقانونية ودبلوماسية وشرطية وعسكرية ، وتضم 9 اعضاء بينهم الرئيس ونائب الرئيس ، وتتخذ من مدينة الخرطوم مقرا للرئاسة ، وجوبا مقرا لادارة الاستفتاء بالجنوب ، ومنحت المفوضية صلاحيات تنفيذية واسعة ، وقامت بتحديد مراكز ومحطات التسجيل والاقتراع فى 10ولايات بالجنوب و15 بالشمال و8 دول خارج السودان فى بلاد المهجر التى تقييم بها اكبر الجاليات من ابناء الجنوب وهي مصر واثيوبيا وكينيا واوغندا واستراليا وبريطانيا وكندا وامريكا .
واعطى الدستور صلاحيات واسعة للبرلمان السودانى ورئيس الدولة عمرو البشير ونائبه الاول سلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان فى تحديد الاجراءات التى تتعلق بعمل المفوضية فى الاستفتاء و وضع الجدول الزمنى لها كنوع من الالتزام بين طرفى الحكم فى الشمال والجنوب بتطبيق القواعد الضرورية لممارسة الناخبين لحقوقهم المدنية والسياسية وهو مايدل على ان الصلاحيات الممنوحة لمفوضية للاستفتاء تمت بواسطة شريكى الحكم، بينما تقوم الهيئة القومية بدعم الاستفتاء بضمان حماية وحقوق حريات الناخبين خلال فترة الاستفتاء ، كما ان كافة اعضاء الهيئة القومية والمفوضية تم اختيارهم من قبل رئيس الجمهورية نائبه وتم منحهم سلطات تقديرية فى عملهم وهو مايعطي مؤشر عن التزام دولة السودان بصورة نسبية بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في اتفاق السلام والدستور المؤقت.
اجراءات الاستفتاء :
حددت مفوضية الاستفتاء بدا حملة تسجيل الاسماء لأبناء الجنوب لمدة 17 يوما فى جميع الولايات السودانية من 15 نوفمبر الى 1 ديسمبر 2010 ،وتم مدها لمدة 8 ايام اخرى حتى يوم 9 يسمبر 2010 ، بينما بدات فترة نشر الاسماء واغراض التعديل في مراكز ومحطات الاقتراع من يوم 10ديسمبر الى 19 ديسمبر، وفترة تلقي الطعون عليها من 20 ديسمبر الى 27 ديسمبر2010 ، وسيتم اعلان السجل الختامى الرسمى للكشوف النهائية لاسماء الناخبين الذين يشاركون في الاستفتاء يوم 6 يناير 2011 ، وبدأت حملة التوعية بقانون الاستفتاء عقب الانتهاء من تسجيل الناخبين وتستمر حتى يوم 7 يناير 2010 ، ويحظر يوم 8 يناير2011 اجراء اى ترويج سواء لاختيار الوحدة او الانفصال بين الناخبين أو في وسائل الاعلام ، كما يحظر اي ترويج خلال فترة الاقتراع يوم 9 يناير و لحين اعلان النتيجة النهائية ، وتستمر عملية الاقتراع من يوم 9 يناير الى 14 يناير 2011 بعدها تتم عمليات الفرز والاعداد للنتيجة وتعلن بصورة رسمية يوم 15 فبراير 2011 .
كما تم تكليف المنظمة الدولية للهجرة بتظيم عملية تسجيل وتصويت أبناء الجنوب المقيمين في دول المهجر بالتنسيق مع مفوضية الاستفتاء في نفس المواعيد التي تتم داخل السودان وتخصيص ميزانية مستقلة لعملية التسجيل والتصويت بدول المهجر ، وسمحت المفوضية بإجراء تحقيقات في أي خروقات أو انتهاكات تحدث أثناء فترة الاعداد للاستفتاء أو الاقتراع وقيام وفود منها بزيارة المناطق التي تحدث بها للتأكد من صحة البيانات واتخاذ الاجراءات القانونية تجاهها والسماح بقيام وفود رسمية من شريكي الحكم الشمال والجنوب بزيارة مراكز التسجيل والاقتراع للتا كد من تنفيذ الاجراءات التي حددتها المفوضية للاستفتاء والتحقق من أي شكوى .
وسوف يتكلف الاستفتاء 372 مليون دولار قامت بتوفيرها الحكومة السودانية وعدد من الدول المانحة منها الامم المتحددة وتم توظيف 10الاف و800موظف للعمل فى 3 الاف مركز لتسجيل الاسماء فى كشوف الناخبين ، ويمنح كل موظف يشارك في عملية التسجيل من 500 دولار الى 1000 دولار كما يمنح الموظف في فترة الاقتراع نفس المبلغ و يؤمن عملية التسجيل والاستفتاء 14 الف رجل شرطة فى الشمال و8 الاف رجل شرطة فى الجنوب ، بالاضافة الى مشاركة رمزية من قوات حفظ السلام والامم المتحدة والاتحاد الافريقى للمساعدة على الاستقرار الامنى .
وقامت مفوضية الاستفتاء بجهود متواصلة رغم تواضع دورها وضعف اليات عملها وقلة الوقت المتاح امامها لتنظيم عملية الاستفتاء بالالتزام بالبرنامج الزمنى وهو مؤشر ايجابي لقيامها بدورها خلال الفترة القانونية المحددة لها بعد رفض الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد الأوروبي و حكومة جنوب السودان والحركة الشعبية إجراء أى تاجيل للموعد القانونى المحدد للاستفتاء فى اتفاق السلام ، واتهمت المفوضية بالتقصير فى عملها والبطء فى اجراءات التنفيذ للتغلب على العقبات التى تواجهها وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بنقل أجهزة للكمبيوتر وأدوات للتسجيل للناخبين بقرار مباشر للرئيس الأمريكي للكونجرس بإلغاء هذا الجانب من الحظر الاقتصادي على السودان للتغلب على ضعف الموارد المالية ووجود نقص بالأدوات اللازمة للتسجيل للناخبين بالجنوب كما قام الاتحاد الأوروبي بطباعة أوراق الاقتراع التي تصل الى 3.2 ورقة اقتراع ضمن مساهمته المادية في عملية الاستفتاء وتوصيلها الى المفوضية ومناطق الجنوب .
البيئة الاقليمية والدولية :
تتم اجراءات الاستفتاء في ظل ضغوط دولية شديدة تتعرض لها السودان من الأمم المتحدة التي تسيطر عليها الدول الكبرى بالاضافة الى ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي و روسيا والصين المستمرة وتفضيل المجتمع الدولي لانفصال الجنوب سلميا ، لذلك فان كل المؤشرات الدولية تشير الى ان موعد الاعلان الرسمي لانفصال جنوب السودان أصبح وشيكا وبقي فقط اجراء الاستفتاء في ظل شروط مقبولة ومعترف بها دوليا .
وساهمت المصالح الاقليمية المتشابكة منذ 5 سنوات بين جنوب السودان والدول الافريقية المجاورة الى نسج خيوط جديدة تجمع بين المصالح السياسية والاقتصادية المباشرة والدفع في اتجاه الانفصال ، بينما تشتت جهود القيادة السودانية في محاولة اقناع المجتمع الدولي والدول الافريقية و العربية بما تقوم به من أجل توفير مناخ داخلي للاستقرار في ظل التحديات الصعبة التي تواجهها في جنوب السودان ودارفور ، ورغبتها في اقامة وحدة سياسية مع دولة جنوب السودان بأي وسيلة ترتضيها في حالة الانفصال ، كما بدأت الحكومة المركزية في السودان في البحث عن صورة لعلاقات جديدة مع الدولة العربية تعزز من مكانتها بينهم .
ولكن تظل أهم التحديات الرئيسية التي تواجه السودان هو الميراث التاريخي الثقيل في الحرب مع الجنوب وافتقاره الى التنمية ورغبته في قيام القوى الاقليمية والدولية بمساعدته في الحفاظ على استقراره ووحدته الجغرافية وعدم تمزيقه الى أجزاء جديدة والحد من تدخلاتها في قضية دارفور وكردفان اللتين تمثلان مشاكل متأججة بسبب الصراعات الداخلية بهما واحتمالات تعرضهما للانقسام ، كما توجد رغبة سياسية لدى حكومة السودان المركزية في عدم تدخل القوى الاقليمية والدولية أثناء حواره مع جنوب السودان لحل عشر قضايا عالقة في ترسيم الحدود ، والنفط وتقاسم الموارد الطبيعية والديون البالغة 40 مليون دولار وتقسيم الأصول بينهما ، وتحديد العملة في كلا الدولتين ، وحصة مياة النيل ، واحترام المواطنة والجنسية ، والاتفاقيات الدولية الموقعة باسم السودان ، واجراء استفتاء عادل مستقبلا لتحديد تبعية منطقة ايبي البترولية .
علاقة جنوب السودان بمصر:
يمثل جنوب السودان البوابة الجنوبية لمياه نهر النيل التى تعبر منها مياه هضبة اثيوبيا الى الشمال ثم مصر ، وهو ما يجعل منطقة الجنوب تمثل اهمية كبيرة للاستقرار الزراعي في مصر ، بالاضافة لاعتبارها المدخل القريب لها أثناء اتجاهها لاعماق افريقيا ، وتوجد مخاوف مصرية من وجود تدخلات دولية واقليمية للتاثير على جنوب السودان للمطالبة بتغيير اتفاقية نهر النيل رغم ان طبيعة جنوب السودان تميل الى مناطق الغابات الاستوائية التى تتمتع بالمطر طوال 9 شهور من العام وتنتشر بها الابار الجوفية ولا تعد مستهلكا شديدا للمياه ، لكن ارتفاع حصة مصر الى 55,5 مليارمتر مكعب وقلة حصة السودان الى 18,5 مليار متر مكعب يغرى حكومة جنوب السودان و اوغندا وكينيا الى التفكير فى اقامة سدود على النيل لتوليد الكهرباء والطاقة لمشروعات التنمية التى تنتظر اقامتها بجنوب السودان ، واقامة مشروعات لنقل بترول جنوب السودان عبر كينيا بدلا من مصطفات البترول الرئيسية بشمال السودان بعد قيام كينيا بانشاء ميناء جديد للتصدير التجاري القريب من جنوب السودان مما يفتح الطريق أمام استفادتة منه بصورة مباشرة لعدم وجود منافذ بحرية ونهرية كثيرة لان غالبية هذه المنافذ تقع بمناطق شمال السودان .
وفى حالة تصويت أبناء جنوب السودان على الانفصال تكون الدولة الجديدة رقم 11 ضمن دول حوض النيل وتكون اقرب للانضمام للاتحاد الافريقي منها للجامعة العربية بسبب التركيبة السكانية التى تميل الى افريقيا اكثر من ميلها للعرب ، وبالتالى تصبح جنوب السودان الدولة رقم 8 بالدول الافريقية بحوض النيل داخل الاتحاد الافريقي الى جانب اثيوبيا وكينيا واوغندا وتنزانيا وبروندى وزائير ، بينما تقتصر الدول العربية بحوض النيل التى تنتمى الى الجامعة العربية على ثلاثة دول هى مصر وشمال السودان واريتريا.
المراقبة الدولية :
قامت الأمم المتحدة بضم كافة الجهات العاملة في السودان في كيان واحد وأنشأت قسم متكامل للاستفتاء والانتخابات بالسودان يتبع الأمم المتحدة ويضم قسم المساعدات الانتخابية وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي وبعثة الأمم المتحدة به تحت مسمى جديد هو "يونيريد" ويتولى بصورة أساسية تقديم الدعم والمشورة الفنية لأطراف اتفاقية السلام وشريكي الحكم بالسودان ، ودعم التجهيزات الفنية وتدريب العاملين بمفوضية الاستفتاء ، والمساعدة في الترتيبات اللوجيستية وشراء المواد والمعدات اللازمة لها ، وتقديم المشورة لتثقيف الناخبين ومواد التوعية ، وتدريب الجهات الأمنية ، ويعمل "اليونيريد " مع المراقبين الدوليين والمحليين ووسائل الاعلام والمجتمع المدني ومفوضية الاستفتاء والشركاء الدوليين عبر صندوق دعم المانحين التابع للبرنامج الانمائي للأمم المتحدة ، وحدد لعمل "اليونيريد " 6 مجالات وفق لقرار مجلس الأمن بتفويضه في اقامة مكاتب رئيسية في الخرطوم و جوبا ، مندوبين دائمين لمتابعة الاستفتاء في كل ولاية من الولايات العشر بجنوب السودان ، وانشاء مكاتب له في الفاشر والخرطوم وكسلا و كادفلي والدرمازين لدعم اللجان الولائية التابعة لمفوضية الاستفتاء بشمال السودان ، ومندوبين دائمين على مستوى المقاطعات للربط مع اللجان الفرعية التابعة للمفوضية بكل مقاطعة ، ومكتب اقليمي في منطقة ايبي .
و تشارك لجنة دولية من الأمم المتحدة برئاسة الرئيس التنزاني السابق بنيامين ميكايا في مراقبة الانتخابات بناء على طلب رسمي قدم من شريكي الحكم بالسودان الى الامم المتحدة ، وتقوم اللجنة بتقديم المساعدة للأطراف الرئيسية في الاستفتاء وممارسة دور أقرب للمساعي الحميدة لأنها تملك سلطات تنفيذية متعلقة بالاستفتاء ، وذلك وفق قرار تشكيلها من الأمين العام للأمم المتحدة .
كما تشارك وفود للمراقبة الأجنبية والعربية بناء على طلب من حكومة السودان ومفوضية الانتخابات الى الاتحاد الأوروبي وأمريكا و وروسيا وبريطانيا واليابان ومركز كارتر والجامعة العربية والاتحاد الافريقي للمشاركة في الاستفتاء من خلال مراقبين دوليين في مناطق التسجيل والاقتراع ، و يصل عددهم الى 650 مراقب دولي أجنبي وعربي بزيادة أكثر من 160 مراقب عن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السودان في ابريل الماضي، منهم 110 مراقب للاتحاد الأوروبي و 16 مراقب عن البرلمان الأوروبي و30 مراقب داخل السودان لمركز كارتر بالاضافة الى 16 مراقب في دول المهجر لنفس المركز بمعدل مراقبين اثنين بكل دولة من دول المهجر و5 مراقبين دبلوماسيين عن وزارة الخارجية المصرية .
وقامت جميع مجموعات المراقبة الدولية بعقد اجتماعات مع وزير الخارجية السوداني والمفوضية للانتخابات ونشرت مراقبيها في مراكز ومحطات التسجيل لمتابعة مرحلة تسجيل الناخبين في اللوائح والسجلات الانتخابية وتتابع مرحلة الاعداد لاعلان السجل النهائي للناخبين كما عقدت مجموعات المراقبة الدوليةعدة لقاءات مع رموز سياسية وحزبية في الشمال والجنوب لاستطلاع مواقفها من قضية الاستفتاء واحتمالات المتوقعة في حالة الانفصال أو الوحدة .
مراقبة المجتمع المدني السوداني :
يعمل المجتمع المدني السوداني في ظل تحديات صعبة شملت الاستقطاب السياسي له من الأحزاب السياسية والتضيق الحكومي المستمر على أنشطته لكنه رغم هذه الظروف فانه يقوم بمراقبة الاستفتاء من خلال الجمعيات والمنظمات الاهلية والتحالفات للمراقبة ، و المبادرة التى يتبناها أمين عام المنتدى الطوعى للتنمية والاغاثة ،والمركز القومى لتطوير العمل التطوعى وبناء القدرات ، وتحالف منظمات قوس قزح للمجتمع المدنى من أجل استفتاء حر ونزيه لتحديد المصير بجنوب السودان .
وتمثل اتفاقية السلام والدستور الانتقالي الصادران عام 2005 المرجعية الأساسية لعمل المجتمع المدني السوداني في المراقبة حيث نصا معا على أحقيته في مراقبة الانتخابات والاستفتاء ، كما تم النص على حق المجتمع المدني السوداني في المراقبة في المادة رقم 104 الفقرة من قانون الانتخابات القومية السوداني الصادر عام 2008 ، وتم تحديد طريقة وآلية عمل المراقبة في المواد التالية رقم 105 و 106 من نفس القانون ، كما حددت المفوضية القومية للانتخابات في قرارها عام2009 مدونة سلوك وقواعد عمل المراقبين ، كما وتم في الانتخابات ابريل السماح من المفوضية القومية بمشاركة معظم الجمعيات الأهلية الراغبة في المراقبة ، و يبلغ عدد المراقبين المحليين في استفتاء تقرير المصير 3100 مراقب سوداني منهم عدد من المراقبين والخبراء الفنيين من منظمات اهلية فى الدول العربية وجهت لهم المنظمات السودانية الدعوة للعمل ضمن فرقها للمراقبة.
دور ائتلاف مراقبون بلا حدود :
يهدف الائتلاف مراقبون بلا حدود الذي يضم في عضويته مؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الانسان ومؤسسة المجلس العربي للمحاكمة العادلة وحقوق الانسان الى التعرف بدقة على مدى تطبيق معايير النزاهة والشفافية فى استفتاء تقرير المصير بجنوب السودان ، و تعبيره عن الارادة الشعبية الحرة للناخبين ، والتزام كافة الاطراف بالمعايير الدولية لاجراء الانتخابات والاستفتاءات ،ومدى تحقيق الاستفتاء لرغبة الشعب السودانى فى الجنوب ، و مستوى التزام مفوضية الاستفتاء بالضوابط القانونية التى حددتها ، وهل سيؤدى الى ازالة الخلافات واعمال العنف والفوضى ، ودرجة السماح للمنظمات الدولية والعربية والسودانية بالعمل فى مراقبة الانتخابات، والصعوبات التى تواجهها .
وتعتمد طريقة اداء مراقبون بلا حدود على الرصد وتقصى الحقائق عن سلوك الناخبين والجهات المختصة فى تطبيق اجراءات سلامة عملية الاستفتاء ،ونسبة المشاركة للناخبين ،ومدى السماح لهم بالتصويت ، وتأثير القبليات فى طريقة التصويت ، ودور وتأثير الاحزاب والحركات السياسية على اختيار الناخبين للوحدة او الانفصال ، وهل توجد تدخلات من اجهزة الشرطة والجيش ، و درجة حياد اجهزة ومؤسسات الدولة السودانية فى الشمال والجنوب ، ،ودور و تأثير الصراعات المسلحة على الوحدة ،وتاثير الصراعات المسلحة على الانفصال ، ومدى وجود تدخلات اقليمية ودولية تؤثر على توجه المواطنين خلال عملية الاستفتاء .
ويقوم الائتلاف بمتابعة كافة مراحل الاستفتاء باصدار تقارير مستقلة عن مراقبته لاستفتاء تقرير المصير بجنوب السودان من خلال مراقبين ميدانيين فى مراكز الاقتراع بالولايات الشمالية و الولايات الجنوبية بالسودان ، ومراكز الاقتراع الثلاث التى تم انشاءها فى مصر بمناطق المعادى ومدينة نصر وعين شمس بموجب قرار مفوضية استفتاء جنوب السودان ، بعد أن استكمل الائتلاف كافة الاجراءات للتسجيل بالمفوضية ضمن منظمات المجتمع المدنى العربية والدولية التى تراقب الاستفتاء فى اكبر دولة افريقية من حيث المساحة والتى تربطها بمصر علاقات قوية تاريخيا و جغرافيا.
ويصدر الائتلاف تقريره عن فترة التسجيل التى تجاوزات 60% من الناخبين من ابناء الجنوب السودان وخارجه المستهدفين من عملية التسجيل وهى النسبة التي حددها اتفاق نيفاشا للسلام ودستور السودان المؤقت الصادر منذ خمس سنوات فى عام 2005 ، مما يجعل الاستفتاء قانونيا من حيث توافر نسبة التسجيل بينما يلزم لصحة الاعتراف بنتيجته مشاركة 60% منهم فى الاقتراع وتصويت 50% زاد صوت واحد للاعتراف بوجود اغلبية لصالح قرار الوحدة او الانفصال عن السودان ، كما يصدر الائتلاف تقارير عن اعلان السجل النهائي للناخبين ، وفترة التوعية بقانون الاستفتاء التى تقوم بها مفوضية الاستفتاء ،وتقارير عن فترة الاقتراع التى تستمر اسبوعا حتى اعلان النتيجة ، وكذلك متابعة المراحل التى تحددها نتيجة الاستفتاءخلال مدة عام ، ويقوم الائتلاف بتوفير المعلومات امام الراى العام المصرى والعربي و وسائل الاعلام عن مراقبته لسير عملية الاستفتاء بجنوب السودان .
القاهرة – السبت 25 ديسمبر 2010
|