غوانتانامو بين الأمس واليوم وغدا

المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان لـ"الوطن": 35 معتقلا في غوانتانامو حاولوا الانتحار

 

الرياض: عبد الله بن فلاح
أكد المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان الدكتور هيثم مناع استنكار اللجنة منذ اليوم الأول لإنشاء معتقل غوانتانامو ولجوء الإدارة الأمريكية إلى مناطق ذات وضع قانوني يسمح بتجاوزات تتعلق بحقوق السجناء.
وبين مناع في حوار مع "الوطن" أن اللجنة طالبت بزيارة المعتقلين وتوفير الحد الأدنى من الحقوق الدستورية لهم، مشيرا إلى أن اللجنة ما زالت من الأطراف الأساسية في الحملة من أجل إغلاق هذا السجن السيئ السمعة.
وأوضح المتحدث مناع أن الحكومة الأمريكية عمدت إلى وضع معتقل غوانتانامو في منطقة حرة لعدم التقيد بالقواعد التي أقرتها الأمم المتحدة قبل 50 عاما، وذكر أن غوانتانامو يعتبر أكبر شكل لانتهاك حقوق الإنسان في أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفيما يلي نص الحوار:

 

·        ما السبب بنظرك في تأخر تحويل المدانين من المعتقلين للقضاء لمحاكمتهم؟

·    من المعروف أن قضية غوانتانامو ليست قضية قضائية بقدر ما هي ابنة قرار سياسي من السلطة التنفيذية وبشكل خاص من ثلاثة من رموز الإدارة الأمريكية في الولاية الأولى (الرئيس الأمريكي بوش الابن ونائبه ديك شيني، ورامسفيلد) وهؤلاء مازالوا لولايتين رئاسيتين في مواقعهم، ومازالوا يدافعون عن قناعتهم بضرورة وجود "مناطق حرة" للاعتقال التعسفي. هذه "المناطق الحرة" يمكن فيها عدم التقيد بأي من القواعد الدنيا لمعاملة السجناء. وعندما نقول القواعد الدنيا، نذّكر بأن الأمم المتحدة قبل خمسين عاما بالضبط أقرت هذه القواعد ووافقت عليها الولايات المتحدة وكل البلدان العربية العضو حينئذ في الأمم المتحدة، وأن الأوضاع في غوانتانامو لا تحترم أهم هذه القواعد التي تم إقرارها بصفة ملزمة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي في قرارين هامين عام 1977. أول مبدأ أساسي لهذه القواعد هو تطبيقها بصورة حيادية دون أي تمييز في المعاملة بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو المنشأ القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر وهي مطلقة في الزمان والمكان وتعتبر من النواة الصلبة للحقوق، أي الحقوق غير القابلة للتصرف بسبب حالة حصار أو حرب أو طوارئ. بتعبير آخر، لا يحق للولايات المتحدة أو أي بلد في العالم، أن يتذرع بالحرب على الإرهاب أو غيره، للخروج عن هذه القواعد. وسأكتفي للقارئ باثنين من هذه القواعد المنتهكة:

القاعدة 31التي تعتبر العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة وأية عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة محظورة كليا كعقوبات تأديبية. والقاعدة 33 التي تمنع استخدام أدوات تقييد الحرية كالأغلال والسلاسل والأصفاد وثياب التكبيل كوسائل للعقاب.

تشكل هاتان القاعدتان مثلا، سببا أساسيا لإقامة دعاوى قضائية ضد وزير الدفاع على الأراضي الأمريكية، باعتبار تصديق الولايات المتحدة في تشرين الأول 1994 على اتفاقية مناهضة التعذيب يجعل من التعذيب جريمة. إلا أن وجود المعتقلين في غوانتانامو يعفي البنتاغون من التزامات الحد الأدنى القضائية التي نجت من اغتصاب "الباتريوت أكت" لها على الأراضي الأمريكية. فإقليم غوانتانامو يحكمه اتفاق أُبرم في 1903 بين الولايات المتحدة وكوبا، وبالتالي لا يمكن اعتباره فوق الأراضي الأمريكية.

·         وماذا عن تأخر المعتقلين غير المدانين خلف سور الاعتقال ؟

·    وضع المعتقل خارج الفضاء الأمريكي يعني وضعه خارج القانون الأمريكي، أو لنقل بتعبير أصح، خارج أية سيطرة قانونية. من هنا كانت الأشهر الأولى لغوانتانامو أكبر شكل لانتهاك حقوق الإنسان في الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وسيذكر التاريخ يوما أن غوانتانامو كانت نقطة الانعطاف الأساسية في سقوط قوة المثل الأمريكي للحريات. في تيانان مين حمل الطلاب الصينيون تمثال الحرية، اليوم، الإدارة الأمريكية أصبحت ترمز لعودة أشكال منقرضة للعبودية. من هنا السجين في غوانتانامو ليس موضوعا قضائيا، بل رهينة سياسية. لقد اعتبر فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي معسكر غوانتانامو خروجا على القانون الدولي، ولا يمكن حصر النقاش مع الإدارة الأمريكية في إطار قرارات المحكمة العليا، بل في نطاق حرص أي بلد لديه مواطنين هناك، في عودة مواطنيه إلى بلدانهم أو نقلهم للأراضي الأمريكية.

·    تردد عبر وسائل الإعلام المختلفة تعرض عدد من المعتقلين إن لم يكن جمعهم لعمليات تعذيب واسعة ، ما هي تلك العمليات ، وما سبب ذلك التعذيب في نظرك ؟

·     احتجز المعتقلون بادئ الأمر في أقفاص مؤقتة، ثم نقلوا إلى زنزانات في مبان سابقة التجهيز، ومازالوا حتى اليوم في شبه عزلة عن العالم الخارجي. وإذا ما وضعنا جانبا مسئولي الحكومة الأمريكية ومسئولي السفارات والمسئولين الأمنيين القادمين من بلدان هؤلاء المعتقلين، لم يسمح إلا لمنظمة الصليب الأحمر الدولية بزيارتهم. وحسب معلوماتنا فقد حاول 35 معتقلا الانتحار. وإذا كان مراسلو وسائل الإعلام قد سمح لهم بزيارة القاعدة للحديث مع المسئولين، لم يسمح لهم بالحديث مع المعتقلين. ولم يتمكن المعتقلون من الاتصال بعائلاتهم إلا في أحوال متفرقة من خلال الخطابات التي تخضع للرقابة. كذلك تمارس السلطات الأمنية العسكرية في المعتقل أسوأ أشكال الاهانة والتحطيم النفسيين للسجناء، فللمرة الرابعة في التاريخ المعاصر (بعد معسكرات ستالين وهتلر ومعتقلات الدولة العبرية) يتم استعمال الملفات الطبية للمعتقلين كوسيلة في التحقيقات حيث يستفيد المحقق من التقييم الطبي والنفسي للضغط على السجين في نقاط ضعفه الجسدية والنفسية. كذلك ورغم القطيعة عن العالم فالتحقيق غير محدود بالزمان أو الحالة الصحية أو أهمية السجين. من البديهي أن معلومات أي سجين معزول عن العالم أربع سنوات تصبح قديمة وأن القيمة الأمنية والفائدة المعلوماتية لأكثر من 400 من السجناء في غوانتانامو تعادل الصفر أو تكاد. ولا أنسى في إحدى المشاحنات مع الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة قبل عامين شبه اعتراف منهم بأن العدد الأكبر من المعتقلين ليس لهم أهمية أمنية أو تنظيمية تذكر. وأن الدور الأساسي لمعتقل غوانتانامو هو الردع النفسي والتأثير الإعلامي والإرهاب الذهني ؟؟ كيف يمكن والحال هذا قبول فكرة وقوع 28 ألف عملية استجواب وفقا للمعطيات الرسمية؟  توجد 16 طريقة تعذيب في غوانتانامو تم رصدها من منظمات حقوق الإنسان. منها الحرمان من النوم والأصوات القوية غير المحتملة والإضاءة القوية الدائمة وغاز الفلفل وتهييج الكلاب والاعتداء والتحرش الجنسي. وتشمل المشكلات الصحية للمعتقلين جهاز الأمعاء والجهاز التنفسي والجهاز العصبي والهيكل العظمي والأمراض النفسية, وردا على الأوضاع اللا إنسانية في المعتقل، قام السجناء بأكثر من ستين إضرابا عن الطعام.

 

·        كم العدد الفعلي الصحيح للمعتقلين ؟

·    يقر البنتاغون بأنه يحتجز أكثر من خمسمائة معتقل في غوانتانامو، منهم عشرين طفلا. مواطنو المملكة العربية السعودية يحتلون الموقع الأول، ويحتل اليمن المرتبة الثانية، ثم العرب من أقطار أخرى الثالثة (151)، أما من تبقى فمن غير العرب.

·        هل حاولت اللجنة العربية لحقوق الإنسان زيارة المعتقل للإطلاع على أحوال المعتقلين ؟

في رسالة وجهتها مع رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة في كانون الثاني (يناير) 2002  للسفير الأمريكي في القاهرة ولوزير العدل السابق أشتروف طالبنا بزيارة معتقل غوانتانامو فلم يردنا أي رد. كذلك سعت عدة منظمات غير حكومية وفشلت في الحصول حتى على وعد بزيارة محتملة. وفي رسالة مؤرخة 22 كانون الثاني/يناير 2002، وجهها رئيس-مقرر الفريق الخاص بالاعتقال التعسفي لوي جوانيه إلى الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف طالبا من حكومته أن تدعوه لزيارة البلد كي يدرس ميدانيا الجوانب القانونية للمسألة. ظلت هذه الرسالة من دون ردّ، فوجّه الرئيس – المقرر رسالة ثانية في 25 تشرين الأول /أكتوبر 2003، طالبا تزويده بالمعلومات التالية بشأن الأشخاص المحتجزين في خليج غوانتانامو:

 

( أ) كم هو عدد الأشخاص المحتجزين حاليا في خليج غوانتانامو؟

 

(ب) متى وصل أول محتجز؟

 

(ج) هل أُخبر المحتجزون بالتهم الموجهة إليهم؟ وإذا كان الحال كذلك، من هي السلطة التي وجهت إليهم التهم وبموجب أي إجراءات قانونية؟

 

(د) هل يمكن للمحتجزين الاستعانة بمستشار قانوني، وإن كان كذلك، فهل يمكنهم اختياره بحرية أم هو يفترض عليهم تلقائيا؟

 

(ه) هل يسمح للمحتجزين بمقابلة محاميهم، وإن كان الحال كذلك، فهل المقابلات سرية؟

 

(و) هل يقدّم المحتجزون لممثل الادعاء، وإذا كان كذلك، في حدود أي فترة زمنية يجري ذلك؟

 

(ز) هل يمثل المحتجزون أمام محكمة، في آخر المطاف وإن كان الحال كذلك، في حدود أي فترة زمنية؟

 

وقد ظلت هذه الرسالة دون جواب. وعندما كررت المفوضية السامية لحقوق الإنسان طلبها لزيارة غوانتانامو ومع زيادة الضغوط الدولية في الموضوع، وافق البنتاغون قبل شهرين على الزيارة ولكن دون السماح بلقاء السجناء، أي سياحة للجزيرة الكوبية يتم خلالها الاستماع لرأي إدارة السجن.

 

·        هل قامت اللجنة العربية لحقوق الإنسان بأي اتصال مع  الحكومة المعتقلة لرفع عمليات التعذيب ؟

في الفترة الأولى كانت الأحاديث عن التعذيب مجرد أخبار نحصل عليها من الصليب الأحمر ونحاول عدم البوح بمصادرنا. بداية الإفراج عن سجناء سمحت بالتعرف أكثر على ظروف السجن. يجب أن لا ننسى الفترة الأولى التي تم فيها شحن الرأي العام ضد هؤلاء باعتبارهم السبب في كل شرور العالم. ثم بدأت سحابة الإرهاب الإعلامي تنقشع ويظهر للناس أن عددا كبيرا من هؤلاء كان مجرد معلم أو موظف أو عامل متطوع وأن هناك أشخاص لا علاقة لهم بالعنف بأي معنى من المعاني. وقد نجحت المنظمات الحقوقية أول الأمر في إجبار الهيئات الأوربية بين الحكومية على اتخاذ موقف. وفي مطلع تموز (يوليو) 2005، تقدمت مقررة لجنة حقوق الإنسان في منظمة الأمن والتعاون الأوربي ورئيسة مجلس الشيوخ البلجيكي إلى رئيس اللجنة البرلمانية في المنظمة الأمريكي ألسي هاستنغز بتقرير عن غوانتانامو خلص للقول: "نطالب بوضع حد لمعتقل غوانتانامو، عبر الإعلان عن جدول زمني للإغلاق يتضمن توقيتا لكل إجراء مطلوب لتحقيق هذه الغاية الذي ترافق مع تحركات قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية توجها قبول المحكمة العليا مبدأ الاختصاص القضائي للمحاكم الأمريكية في ملف غوانتانامو.  ويجب التذكير والإشادة بالمحاولات التي قام بها  أهالي المعتقلين في بلدان الخليج، والتي خلقت تعاطفا شعبيا مع الضحايا وقد أظهرت بنفس الوقت ضعف تقاليد تكوين مجموعات ضغط داخل وخارج البلاد، مجموعات ضغط لدى الشخصيات الاعتبارية والصحافة وأصحاب المهن الحرة وليس فقط المسئولين السياسيين. بالمقابل، نجحت المبادرات الأوربية في استعادة المعتقلين من حملة الجنسية الأوربية لبلدانهم. ولشديد الأسف، في حين كانت نسبة المفرج عنهم من الأوربيين 100% لم تتعد نسبة المفرج عنهم من العرب 4%.

·    ما هي آخر التطورات والمستجدات لمعتقلي غوانتانامو ؟ وما هي الخطوات التي تنوي اللجنة العربية والمنظمات الأخرى المهتمة القيام به في هذا الشأن؟

·    نحن اليوم أمام وضع أفضل بكثير، في الولايات المتحدة هناك نواب وأعضاء في مجلس الشيوخ يطالبون بإغلاق غوانتانامو، وهناك شبكة منظمات غير حكومية تتعزز أكثر فأكثر. كذلك هناك المجلس الأمريكي للحقوق الدستورية ومبادرته من أجل غوانتانامو. نحن بحاجة إلى استمرار أشكال الضغط من أجل وضع حد لوصمة العار هذه، ومن أجل ذلك لابد من التوفيق بين وسائل الشجب السلمية وإقامة دعاوى قضائية حيث يمكن ذلك لأن جريمة غوانتانامو لن تزول فقط بإغلاقه، وإنما بمحاسبة المسئولين عن الانتهاكات التي حدثت فيه.

 

 

أجرى المقابلة عبد الله بن فلاح

صحيفة الوطن السعودية