قال بأن الشبيبة وحدها تملك تحديد سقف مآلاتها؛
هيثم مناع لـ "قدس برس": تونس بعد أحداث سيدي بوزيد لن تعود كما كانت
- باريس ـ خدمة قدس برس الأربعاء 29 كانون أول (ديسمبر) 2010
أكد المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان الدكتور هيثم مناع أن أهم الدروس المستخلصة من احتجاجات منطقة سيدي بوزيد الاجتماعية في تونس، تتمثل في أن قطاعا كبيرا من الحركة السياسية العربية قد أهمل سريعا البرنامج الاقتصادي الاجتماعي، وهرول إما وراء تعبئة إيديولوجية فضفاضة أو وراء مقاربة ليبرالية للتغيير، تعتبر المأسسة السياسية للديمقراطية كافية كحمالة مجتمعية لتجاوز الأوضاع.
وشدد مناع في تصريحات خاصة لـ "قدس برس" على "أن فزاعة البديل الإسلامي في الثلاجة اليوم، ولا يمكن استنفار الرأي العام الغربي ضد الشبيبة التونسية بدعوى اللون الإيديولوجي"، وقال: "نحن أمام حركة ذات مرجع مدني اجتماعي ومطالب ملموسة. لم يعد للبرامج العمومية قوة حضور، أمام ضرورة تلمس مشكلات الناس واستنباط إجابات ملموسة لها".
وشدد مناع على أن تونس بعد أحداث سيدي بوزيد لن تبقى كما كانت، وقال: "حاول الرئيس بن علي بالأمس أن يكون بورقيبة 1984 (ما يعرف بانتفاضة الخبز)، ولكنه فشل بكل المعاني، فهو لا يتمتع بكاريزما بورقيبة من جهة، ولم يكن لديه ما يقدمه.. الشبيبة التونسية لا تتسول على أبواب السلطتين المالية والسياسية، هي تطالب بالحد الأدنى المنطقي في مجتمع رأسمالي، العمل والحرية، شعاراتها بكل عفوية تعبير عن وضع غير محتمل ومطالب عاجلة للرد عليه: "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق، لا لا للاستبداد يا حكومة الفساد، تونس تونس حرة حرة الطرابلسية برة...".
وأضاف: "منذ تحركات الحوض المنجمي قبل عامين، أطلقت تونس المهمشة والمنسية صرخة تحذير للجميع، سلطة ومعارضة، هناك مركز وهناك محيط، هناك من هو خارج مشاريع الدولة والقطاع الخاص ويحتضر على أرصفة الهجرة والبطالة دون أن يكلف أحد نفسه مشقة النظر لما يحدث. الاتحاد التونسي للشغل الذي غاب تقريبا عن أحداث الحوض المنجمي يحاول أن لا يبتعد عن الحركة الاجتماعية اليوم، الإعلام التونسي الرسمي سلّم شهادة وفاته منذ سنوات، والثورة التقنية عنكبوتية وفضائية هي المحطم الوحيد لجدران الصمت الأمنية الرهيبة. تونس بعد سيدي بوزيد لن تعود تونس التي كانت قبلها، أما المآلات، فالشبيبة وحدها تملك تحديد سقفها".
ودعا مناع إلى إعادة النظر في مقولة "المعجزة التونسية التي تتحدث عنها المؤسسات النقدية والاقتصادية الدولية"، وقال: "المؤسسات الدولية ليست سوى التعبير المعقلن عن مصالح المنظومة العالمية السائدة وليس مصالح وهموم وحقوق الشعوب، لذا فكل ما سمعناه عن المعجزة التونسية من المؤسسات النقدية والاقتصادية الدولية ليس سوى حالة رضا غربية عن سياسة اقتصادية محلية. ولا بد من إعادة النظر في التقييم، بحيث لا يكون في قدرة الدولة العالم ثالثية على التناسب وتخفيف الصدمات في إطار الاقتصاد الدولي وإنما الاستجابة لاحتياجات التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة. لقد أثبتت الاحتجاجات التونسية أن الحس الشعبي التلقائي أقوى من كل خبراء الاقتصاد والسياسة، ففي بلد مثل تونس لا يتوقف أنصار الحكم فيه عن تكرار غياب مورد نفطي أو ثروة مائية كبيرة، يبلغ الفساد حدا يتجاوز المعقول، لذا لم تخل مظاهرة من الإشارة لرموز الفساد والحديث عن سرقة أموال العباد".
وأشار مناع إلى أن احتجاجات سيدي بوزيد أعادت للمعارضة المجتمعية معناها الحقيقي، وقال: "نحن بصدد اكتشاف المعارضة المجتمعية كرد على النبذ القمعي للسياسة والعمل المدني. ولا شك بأن هذا التحرك، سيزج بعشرات آلاف التونسيين إلى العمل المدني والسياسي، أي سيمكن المجتمع من استعادة الزمن الضائع الذي اختطفته المنظومة البوليسية في البلاد، لكن بالتأكيد، من الضروري الحفاظ على الخيط الفاصل بين الوهم والحلم من أجل نجاح المجتمع في تكسير منظومة همشته وأبعدته عن المشاركة بأقل الخسائر"، على حد تعبيره.
|