أخي الأسير تيسير- فيوليت داغر

 

سلام حار أبعثه والكثير من أمثالي إليك علّ شيئا منه يخترق زنزانتك يخفف من بردها القارس ويهزأ من رعونة عالم يبدو كمن يسير علي رأسه. خاصة بعدما ابتلينا بأشباه رجال يفتقرون للعقل والأخلاق ولا يجيدون سوي الاختيال بريشهم كالطواويس في مجتمع مشهدي فقد توازنه تحت وقع ضربات مرضي يدّعون أنهم حكًام هذا العالم.
جريمتك يا أخي أنك عندما سعيت للكشف عن الحقيقة في افغانستان والعراق كشفت عن عوراتهم وأكاذيبهم، فلم يغفروا لك. يندرج هذا في وقت استطاعت الفضائية التي تعمل لها مبارزة إعلامهم والتسبب لهم بأوجاع رأس أصابتهم في صميم الصورة التي صاغوها تجميل قبحهم.
لقد دخلت لقلوب المشاهد العربي، أخي تيسير، بإنسانيتك وإحساسك مع المظلوم منذ كنت في أفغانستان. لم تخاطب العقل العربي فقط بصور قوية مدعمة بكلمات بالغة القوة، وإنما استطعت أيضاً أن تدخل قلبه بتلك اللغة غير المحكية التي تملك مفاتيحها بقدرة كبيرة. محيّاك، إطلالتك، نبراتك، صوتك: كلها علامات فارقة ميزت عملك ودمغته بماركة مسجلة لك ساهمت في نسج هالة جميلة حولك. لم يكن ربورتاجك الأخير تحت المجهر حول هجرة أطفال المغرب إلي إسبانيا سوي أبلغ دليل علي ذلك. ولو كان هناك من عدل لأستحق هذا العمل جائزة أفضل عمل صحافي.
عندما تعرفت عليك في الدوحة بعد خروجك ناجياً من كابول كان أول ما شد انتباهي فيك إخلاصك لمن تحب وتواضعك في مقاربة الغير والرقة في تعبيرك عن مشاعرك. من صفاتك النبيلة أنك تشعر بمآسي الآخرين بدرجة عالية وتضع نفسك في مكانهم لتفهمهم أكثر. وفي إخلاصك لمهنتك وصورتك عن نفسك ما جعلك تترجم ذلك في عملك بأفضل شكل.
لكن لهذا ثمن كبير يا تيسير. والثمن هذا أنت بالتأكيد لا تدفعه وحدك. من تشاطرك حياتك ورفيقة دربك فاطمة الزهراء تتحمل الكثير من تبعات السير معك علي درب الجلجلة هذه. وهي فوق ذلك تناضل في غيابك ومن أجلك بحزم وجدارة علي كل الجبهات، تأبي في الوقت عينه أن يري أحد دمعة تترقرق من مقلتها. وفوق هذا وذاك يتقاسمها معك خمسة أطفال في عمر الورود تتفتح علي الحياة بمتطلباتها الجمّة وليس أقلها الإشباع الروحي والمعنوي والعاطفي لتنمو كما تستحق. يضاف لذلك مهمة تجنيبهم الآثار السلبية التي تتركها الصدمات النفسية التي يفترض أن يتعرضوا لها جرّاء غيابك عنهم إن في الزنزانة أو علي جبهات الصراع. وكذلك الخوف علي حياتك (وبالتالي حياتهم) الذي يلازمهم بسبب تربص المرض فيك أو مخاطر التغطية الإعلامية لأحداث متفجرة وخطيرة.
بانتظار يوم قريب جداً يمكننا أن نشد علي أياديك ونهنئك بنهاية الكابوس واسترداد الحق، آمل أن تحافظ ما استطعت علي معنوياتك عالية وعلي شموخك أن لا يناله أذي. فللمحنة نهاية والمتضامنون معك يكثرون يوماَ بعد يوم. منهم أطفال بعمر أولادك، قدّر لهم أن لا يعيشوا براءة طفولتهم بل أن يقذف بهم في مقتبل عمرهم في معمعان معارك التحرر. هم اليوم يتحركون من أجلك ومن خلالك ضد الظلم والجور وإيماناَ بعدالة قضاياهم. ألف تحية لك منهم ومن جميع المتعاطفين معك، أخي الأسير تيسير.
فيوليت داغر
رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان