نشرت منظمة الشفافية العالمية تقريرا جديدا بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، التقرير استطلع آراء مواطنين من 86 دولة، وكشف عن زيادة الفساد عما كان عليه قبل ثلاث سنوات، كما كشف أيضا عن انعدام ثقة المواطنين في السياسيين
رسم التقرير الجديد الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية اليوم (9 ديسمبر/كانون ثاني) صورة قاتمة لمستوى انتشار الفساد في العالم، وصورة أكثر قتامة لمستوى ثقة المواطنين بمؤسسات دولهم. فقد عبّر 60 بالمائة من العينة المستطلعة آرائهم عن شعورهم بتنامي الفساد في العالم خلال الأعوام الثلاثة الماضية. بينما قال 80 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع إنهم يعتقدون أن السياسيين والأحزاب السياسية في بلدانهم فاسدة إن لم تكن فاسدة جدا.
وكشف التقرير الذي يُدعى "مؤشر الفساد" عن أن 25 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع دفعوا رشاوى لهيئات أو موظفين خلال الاثنى عشر شهرا الماضية. كما كشف عن أن انتشار الفساد ليس حكرا على الدول النامية حيث ذكر التقرير أن 73 بالمائة من المستطلعة آرائهم في أوروبا أن الفساد زاد في بلدانهم، في حين لاحظ الملاحظة نفسها 67 بالمائة من المشمولين في الاستطلاع في أمريكا.
التقرير الذي جاء متزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد يعتمد على استبيان قامت به المنظمة واستطلعت خلاله آراء 91 ألف شخص من 86 دولة. ويهدف التقرير لرسم صورة لمدى إحساس المواطنين وخبرتهم مع الفساد، على خلاف التقارير الأخرى التي تصدرها المنظمة وتعتمد فيها على دراسات وتحليلات قام بها خبراء.
زيادة الرشوة في العالم العربي
نتائج التقرير قدمت دليلا جديدا على التناسب العكسي بين التنمية وانتشار الفساد. فالفساد يستشري في دول العالم الأشد فقرا، حيث سجلت دول جنوب الصحراء أعلى معدلات لانتشار الرشى، حيث أقر 56 بالمائة من المستطلعة آرائهم بدفعهم للرشوة في العام الماضي. في حين سجلت أوروبا وأمريكا الشمالية أقل معدل، حيث قال 5 بالمائة فقط من المشمولين في الاستطلاع هناك بأنهم اضطروا لدفع الرشوة خلال العام الماضي.
أما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فبلغت نسبة الفساد خلال العام الماضي إلى 36 بالمائة، في حين وصلت في بعض الدول العربية مثل العراق والأراضي الفلسطينية إلى 50 بالمائة حسبما قالت السيدة أمنية حسين مديرة برنامج إفريقيا والشرق الأوسط في منظمة الشفافية الدولية في حوار مع دويتشه فيله. جدير بالذكر أن الدول التي اختارتها المنظمة لتمثيل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي العراق ولبنان والمغرب والأراضي الفلسطينية إلى جانب إسرائيل. وهو اختيار لم يخضع لأسباب سياسية وفقا للسيدة حسين، وإنما لأسباب عملية كمدى سهولة الحصول على تصاريح لعمل الاستبيان.
الشرطة أكثر الجهات القابلة للرشوة
من بين النتائج اللافتة للانتباه في التقرير قول 29 بالمائة من العينة المشمولة في الاستبيان إن الرشاوى التي قدموها كانت لجهاز الشرطة. في حين ارتفعت هذه النسبة في العالم العربي لتصل إلى 37 بالمائة. مما يعني أن هذه النسبة قد تضاعفت منذ عام 2006. فكيف يمكن تفسير هذا التدهور الخطير في وظيفة أجهزة الشرطة؟
الدكتور عامر خياط أمين عام المنظمة العربية لمكافحة الفساد يعزو ذلك إلى أمرين، الأمر الأول هو "تفشي ثقافة الفساد في الأقطار العربية، وغياب الضوابط الخلقية والمهنية التي تردع الممارس للفساد"، والأمر الثاني هو "الفارق الشاسع في المداخيل في بلداننا الذي يؤدي إلى لجوء أصحاب الأجور المتدنية إلى وسائل فاسدة (كالرشوة) من أجل تغطية احتياجاتهم المادية ". وأضاف خياط في رده على أسئلة دويتشه فيله أن هنالك إعجاب وانبهار لصانعي الثروات في مجتمعاتنا دون السؤال والاهتمام بكيفية حصولهم على ثرواتهم، بحيث يؤدي هذا الإعجاب إلى احترامهم في مجتمعاتنا وعندما تسود هذه الحالة بين الناس تتكون ثقافة قابلة للفساد وليست معادية له.
تدهور سمعة الأحزاب السياسية
التدهور الذي أصاب صورة جهاز الشرطة لحق أيضا بسمعة السياسيين وأحزابهم، فكما سبق الذكر قال 80 بالمائة من المشمولين في الاستبيان إنهم يعتقدون أن الأحزاب هي من أكثر المؤسسات فسادا، في حين جاءت المصالح الحكومية والمرافق العامة في المرتبة الثانية، حيث عبر معظم الذين سئلوا عن انعدام ثقتهم في شفافية قطاعات مثل التعليم والصحة والقضاء. الأمر الذي يعلق عليه السيد خياط قائلا "بطبيعة الحال نستنبط من ذلك فشل الحكومات في القيام بواجباتها في هذا الشأن مما أدى إلى قيام حكومات "رخوة" أو "فاشلة" بمعنى عدم قدرتها على توفير مستلزمات الأمن الإنساني بمعناه الواسع، أي في القضاء والتعليم والصحة وضمان الشيخوخة والطفولة والمساواة أمام القانون وحرية التعبير وما الى ذلك وبقية متطلبات مجتمع الرفاهة". تابع خياط قائلا إن المطلوب هو إزالة حالة الفشل هذه وتقوية جهاز الدولة كي يستطيع القيام بواجباته تجاه مواطنيه. فالدولة الضعيفة لا تستطيع محاربة الفساد، حسب قول خياط.
الرغبة في التغيير حاضرة
نتائج التقرير لم تكن كلها سوداوية، فالخبر السار الذي جاء به التقرير ارتفاع نسبة الأشخاص المستعدين للمشاركة في محاربة الفساد والتبليغ عن ذلك، ووصلت هذه النسبة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 73 بالمائة، أي نحو ثلاثة أرباع العينة المشمولة في الاستبيان. السيد يحي حكيم من الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية يؤكد هذه النتائج، ويقول إنه لمس وجود وعي لأهمية مكافحة الفساد في لبنان وغيرها من الدول العربية خاصة في أوساط الشباب. مشيرا إلى أهمية جهود نشر الوعي وتعريف المواطن بحقوقه وواجباته في القضاء على الفساد.
من جانب آخر أوضح تقرير "مؤشر الفساد" أن وسائل الإعلام جاءت في مقدمة الجهات التي يضع فيها الناس ثقتهم من أجل محاربة الفساد والكشف عنه، حيث بلغت نسبة الثقة فيها 25 بالمائة من العينة، بينما بلغت نسبة الثقة في مؤسسات المجتمع المدني إلى 9 بالمائة فقط. لذلك تعمل هذه المؤسسات عن قرب مع وسائل الإعلام، حسب ما قال السيد حكيم، الذي وصف وسائل الإعلام بالقوى الضاربة في الحرب على الفساد. مضيفا أنه يأمل أن تستمر الصحافة سواء التقليدية أو الالكترونية في لعب دورها كمنبر يمكن للمواطن من خلاله الحصول على حقوقه المهضومة.
مراجعة: حسن زنيند
|