الأوضاع في موريتانيا

نص المقابلة التي أجراها الصحفي الموريتاني عبد الله ولد حرمة الله

مع الدكتور هيثم مناع ونشرتها صحيفة الأمل الجديد في نواكشوط في العدد 6 الصادر في 27/12/2005

....................

 

هيثم مناع, مفكر عربي جسّد طيلة العقود الأخيرة صحوة العقل العربي

في مواجهة واقع الاستبداد الذي لم ينجوا منه أي قطر من العالم العربي

تعّود النفي؛ لأن وطنه هو حيز أفكاره وحرية ممارستها.

من خلال اللجنة العربية لحقوق الإنسان, التي يعتبر سفيرها والمتحدث باسمها, تمكن من تشييد

شبكة من الخبرات العربية والعالمية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية

بدأت الأنظمة العربية تحسب لها حسابها, رغم علاقة المد والجزر التي تربطهم!

القارئ الموريتاني يعرفه عبر القنوات الفضائية, من خلال مصارعته المستميتة

لكل مظاهر الاستبداد في الوطن العربي, الأمل زارته بمكتبه بباريس, حيث سجلت

الأمل:للمرحلة الانتقالية, كذلك فلسفته لحقوق الإنسان؛ لتنقل تحيته الشخصية لأصدقائه بالبلد.

 

 

 

 

الأمل : هل من تعليق على الأحداث الأخيرة التي عاشتها موريتانيا منذ أشهر, خصوصا أنكم من بين المثقفين الأوائل الذين تناولوا هذا التحول؟ 

                                                                                                                            

هيثم مناع: يمكن تسمية ما حدث في موريتانيا بدقة حالة فك استعصاء, حيث وصلت الأمور مع ولد الطائع إلى طريق مسدود تماما, لم يعد بإمكانه تقديم أي شيء للمجتمع أو الدولة, وأصبح بكل المعاني العائق الأساسي لأي تصور متفائل لمستقبل البلاد.          

لقد استنفد كل الأوراق الدولية التي يمكن أن تعطي حكمه غطاءا ولم تعد لديه أوراق محلية أو إقليمية, لأن الجميع أصبح في حالة عداء معه وليس فقط خصومة سياسية، بسبب الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان وعلاقة استعلائية باثولوجية, إذا صح التعبير، مع الجميع. ليتجسد هناك نوع من "الفرعنة" في طريقته بالتعامل مع المجتمع, وتصل الأمور إلى طريق أدرك من خلالها الجهاز نفسه بأن الاستمرار فيها هو انتحار جماعي, ولحسن الحظ كان هناك من يقول؛ كفى, علينا أن نتوفق عند نقطة ما, ونبحث جماعيا عن وسائل تخرج البلاد من هذا الطريق المسدود.                                                                                          

لا أعتقد بأن الجهاز الذي وضع حدا لولد الطائع كانت لديه صورة متكاملة عن ما يمكن أن يحد ث بعد إبعاده, لكن موريتانيا امتلكت من الكوادر السياسية والتقنية ما يسمح لها بأن يكون النقاش عالي المستوى بخصوص إيجاد حلول لتعثر الفعل السلطوي, من أجل  الحريات.  وبالتالي المجتمع الموريتاني كان حاضرا في اللحظة المناسبة, وهذا برأيي حالة خاصة جدا وموريتانية لا أظن إمكانية تعميمها أو تكرارها, فالبلد يعيش اليوم حالة انتقالية صعبة وحرجة, لذا يبقى واجب المنظمات السياسية والمدنية أكبر من واجب القيادة العسكرية التي خرجت من رحم تجربة غير ديمقراطية, وبالتالي لا ينبغي أن ينتظر منها المجتمع كل الحلول للخروج من المأزق, فالتجربة التي عجنت بالألم من الديكتاتورية هي القادرة على البحث عن مخارج جيدة والتفاعل بينهما بإفساح المجال لكل أطراف المجتمع المدني والسياسي, لذا لا حق لنا كمراقبين في الأستذة, ولا أن تتولى القيادة وحدها مسؤولية حل المشاكل, فالمجتمع السياسي والمدني على ضعفه هو الطرف الأقوى والمسئول الأول عن إيجاد حلول تسمح بولوج مرحلة انتقالية مطمئنة لعودة هذا البلد إلى التاريخ والعصر, لأن موريتانيا بشكل أو بآخر أصبحت خصوصا في الشرق معروفة بالفقر والرجال, وهذا صحيح لأن فيها رجالا دفعوا ثمنا غاليا في مقاومتهم للديكتاتورية, لكن هناك حالة إفقار معمم ونهب لموارد وإمكانيات البلد بفعل التهميش المستمر للكوادر الأكفاء وهدر خيرات البلاد.                

لكن كيف يمكن اليوم إعادة التوفيق بين مصلحة البلد وخبرة طاقاته؟ هنا يكمن التحدي الأكبر! فالمجموعة الحاكمة ينبغي أن تقبل بفكرة أن هذا الانتقال ليس فقط إنقاذا لمجتمع على حساب دولة, وإنما هو إنقاذ للدولة والمجتمع, وعلى الجميع أن لا ينسوا أن أفضل الحلول هي ابنة التأمل والتفاعل  الداخلي,و لن تأتي من البنك الدولي ولا من مثقفين مثلنا.  

                                                                     

الأمل: دكتور هيثم  دعوني أضيف أنه من بين أول القرارات التي اتخذ المجلس العسكري, هو منع أعضائه وحكومته من الترشح, كذلك الأيام التشاورية التي حضرتها كل القوى السياسية لتخرج منها باتفاق مبدئي على جدول زمني للانتخابات, بعد تحديد الأولويات في مجال الإصلاح السياسي. 

                                                                   

هيثم مناع: ينبغي أن ننطلق من مسألة أساسية هي طبيعة تكوين الدولة في إفريقيا بشكل عام, أنا ليست عندي أوهام لتغييب دور المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية للبلاد, فنحن في بلد يفتقد التقاليد الديمقراطية ويفتقد للمؤسسات المدنية القوية. من هنا ينبغي ضرورة البحث عن حالة توافق وطني واسع يسمح لكل الأطراف بالمشاركة في إخراج البلاد من أزمة عامة وعميقة.                                                             

لذا فاحتمال استقالة شخص ما من الشأن العام لا ينبغي أن يطرح أي عائق لأن المشاركين لا يمثلون أغلبية أبناء البلاد! نحن بحاجة إلى أعلى درجة من المشاركة حتى يتم الحصول على أحسن الردود في مواجهة التحديات الراهنة.

 

الأمل: هل من تقييم موجز لانتهاكات حقوق الإنسان في العهد السابق وكيف تتصورون انعكاساتها على هذا التحول السياسي الذي تعيشه موريتانيا حاليا؟

                                                                                                

هيثم مناع: فترة ولد الطائع كانت كابوسا أسود على البلاد بكل المعاني, فملف حقوق الإنسان بجرائمه الجسيمة يحتاج إلى لجنة من حكماء البلد الأكثر هدوءا والمعروفين بعدم احتمال سقوطهم في فخ الانتقام أو الثأر, لإقامة عدل حقيقي في ما يتعلق بتلك الحقبة, وينبغي أن تكون هذه اللجنة مستقلة عن السلطة وعن القوى السياسية أيضا, من أجل تقييم تلك الحقبة ودراسة ملفاتها الكبرى, مع أني ضد أي تسرع في هذا الصدد: التسرع في الإجراءات, التسرع في البحث... فلا بد من الهدوء, كما كانت تجربة جنوب إفريقيا, بهدوئها المتعمد, لأنه هناك بالتأكيد فعل وردة فعل في قضايا غياب المحاسبة يفترض ألا تسقط فيها التجربة الموريتانية.                                                    

فسرعة محاكمة قادة النظام السياسي في العراق مثلا خلقت أجواء ومشاحنات داخل البلد, بحيث نجد في هذه القرية من يخرج مطالبا بالإعدام, وفي أخرى من يشيد ببطولة صدام.                                                                                  

 

إن أي مشكل فيه فتح لجرائم الدم يحتاج إلى معاملة حكيمة, مع الإصرار على عدم الردم, فغياب المحاسبة سبب أساسي من أسباب تكرار الجرائم. لذا لابد من إقامة منطق المحاسبة على أساس العدل مما يحتاج الابتعاد عن كل الجوانب العاطفية والانفعالية, وهنا أثق كامل الثقة أنه بموريتانيا شخصيات حقوقية قادرة على تأدية مهمة كهذه.                                    

لا يمكن بأي حال من الأحوال طمر الماضي, لأنه جزء من الحاضر, والذاكرة تتكون بالمعنيين الإيجابي والسلبي لتشكيل الهوية الديمقراطية, التي لن تكون إلا بمعرفة ما ارتكب خارج نطاق المشاركة الجماعية في العمل السياسي, وهذا ليس رأيا مثاليا, لقد حدث في الكثير من البلدان, ولا أظن موريتانيا عاجزة عن تحقيقه.                                                

 

ينبغي برأيي الفصل بين المرحلة الانتقالية وفكرة تقييم وإقامة العدل في الجرائم التي ارتكبت في السابق, فالعناصر التي تشارك في البناء للحاضر والمستقبل ليست مكلفة بتقييم صورة الماضي, كي نتفادى حضور الجانب الانفعالي والعاطفي حيال مسألة خطيرة يمكن أن تلغم هذه التجربة بأكملها.   

                                                                          

الأمل: لاشك أنكم تابعتم الإجراءات الأخيرة التي أخذت السلطات من أجل إعادة تنظيم الإعلام, بغية منحه حرية لائقة بالمرحلة التي تعيشها البلاد, من جانبكم كيف تتصورون مخرجا لهذه الصحافة التي لم تعرف أبدا الحرية  خصوصا أنها ستواجه أول تحدي يتمثل في تغطية مختلف مراحل المسلسل الديمقراطي؟ 

                                                        

هيثم مناع: لا أظن بأن هناك مأزقا من ناحية توفر الكادر الصحفي الموريتاني القادر على التعاطي مع الوضع الحالي, لأن الصحافة كما هو معروف هي الوسيلة المباشرة للتعاطي مع الجماهير للحصول على ثقة عفوية من طرف المجتمع سواء لإعلام مهني أو ملتزم حزبيا.     

من ناحية أخرى كل ديكتاتورية تحمل معها عملية إلغاء: إلغاء للمهنة, تشويه لطبيعتها, لشكلها وخلق طفيليات تغطي على كل ما يمكن أن يجعل من هذه المهنة جزءا من توقيف تدنيس الوعي وعملية الدعاية المجانية للديكتاتورية.               

 

الوضع الحالي يعتبر تحديا للصحافي الموريتاني, الذي يتمسك بشرف المهنة, الواعي للسلطة الحقيقية التي يتمتع بها من أجل بناء المستقبل! وإن كان مفكرو عصر الأنوار من أمثال, "هوبز" و "روسو" , قد تحدثوا عن ثلاث سلطات, فنحن اليوم أمام خمس سلطات, من بينها الصحافة, التي عرف العالم تطورها من خلال تجربتين مهمتين: التجربة الفرنسية, "قانون 1871", والتي تأثرت بها موريتانيا, بتفسير متعجرف تجسد في قمع الصحافة بدل حريتها!                                     

أما التجربة الأخرى, فهي "الآنكلوساكسونية" , التي تعتبر أنه لا حاجة لقانون ينظم الإعلام, وأن مسألة تنظيم أمور الصحافة هي مسألة من اختصاص القانون المدني والجنائي. لكن, مادامت موريتانيا قد أخذت بالنموذج الفرنسي فعليها برأيي أن تستفيد من التطور الذي عرفته هذه التجربة, من ناحية أخرى ينبغي الحذر من الوقوع في فخ " الصحافة الشعبية" التشهيرية, كما عرفته بعض دول أوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين, فهذا خطر يحدق بكل مرحلة انتقالية.                                                                           

هل ستتمكن الصحافة من مواكبة الحدث؟ هذا التحدي يقع على عاتقكم جميعا, وهو أكبر بكثير من الذي يواجهه القاضي, لأن محاسبة الأخير ليست فورية, وهو ليس بحاجة إلى تعليمات, ولديه مرجعية تتمثل في المواد القانونية التي يعتمد عليها, في حين أن الصحافي, لديه وعيه الخاص وضميره, وهنا يكمن المشكل الأساسي.

                                                    

الأمل: نلاحظ أن هناك صورة يمررها الإعلام العربي عن موريتانيا تتراوح بين الإهمال والسخرية! بغض النظر عن الاهتمام الأخير بماذا تفسرون هذه الطريقة في تناول بلد كموريتانيا؟  

                                                          

هيثم مناع: أول شيء, أنا لم أعرف هذا التوجه لعدة أسباب: فقد كان من حسن حظي أنني تعرفت على أطر موريتانية عالية المستوى, أعتبرها قدوة لإفريقيا والعالم العربي, فهذه الطاقات التي تعرفنا عليها هي التي جعلتنا بالأساس نشعر بجسامة جريمة الديكتاتورية, لأن بلدا قادرا على إعطاء شخصيات من هذا النوع, لا يمكن أن يستمر ولد الطائع في قيادته, لذا كان احتقارنا للديكتاتور ولم يكن أبدا للمجتمع ولا النخبة الموريتانية.                                                                      

وبخصوص النقطة الثانية, شئنا أم أبينا, قد فشلت التجربة السودانية بسبب الحرب الأهلية في بناء جسر حقيقي بين إفريقيا السوداء والعالم العربي, وبتعرفنا على نخب موريتانية اقتنعنا بأن هذا البلد مؤهل للعب هذا الدور في حال حدوث انفراج سياسي, حيث كنا دائما على مستوى النخبة العربية حريصين على تمثيل الموريتانيين, رغم أن غالبية شركائنا كانوا افرانكوفونيين, ومع ذلك إصرارنا على استضافتهم, كنا نترجم لهم كي يتعرف الجميع على هذا البلد بشكل صحيح ودقيق.                         

أعتقد أن هناك نوع من التسرع في التعامل مع موريتانيا, من باب الجهل! إذ لا مجال للتعالي, على العكس من ذلك أنا أعتز بتعلمي الكثير من الموريتانيين في إطار "موسوعة حقوق الإنسان" مثلا, فقد تمكنت من نشر مشاركات أساسية, تفرض نفسها كمرجعية لأي عمل حقوقي أو ثقافي, " ينهض ليستل كتابا من مكتبته الفخمة" , ويضيف من بين هذه المشاركات في "مستقبل حقوق الإنسان", مقال مرجعي للدكتور محمد محمود ولد محمد صالح, لقد قدم لي مداخلة من أجمل ما ورد في الكتاب عن " العولمة وغياب المحاسبة" , راجعت ترجمته بنفسي حتى يأخذ حقه في التلقي. وفي نشاطاتنا الأخيرة كنا دائما نحرص على حضور وزير العدل الحالي, خصوصا في مؤتمر غياب المحاسبة والمنظمات الإنسانية الدولية والمؤتمر العربي الثاني لاستقلال القضاء, الذي كانت له فيه مداخلة أساسية, وقد لاحظت من خلال طريقته وأسلوبه في التعريف بملف موريتانيا، أنه يتمتع بكروموزوم طبيعي اسمه العدل, من خلال تعامله مع القضايا الحقوقية المحلية والدولية.               

لذا أتمنى أن تتيح هذه التجربة المجال للأطر الموريتانيين بأن تأخذ مكانها الطبيعي في بناء ديمقراطية حقيقية, تحضرني هنا قصة مع أحد المحامين القوميين الديمقراطيين, الذي أحبه كثيرا مع أني لن أذكر اسمه, حيث قال لي عبر الهاتف بعد التطورات الأخيرة: " سنأخذ من التجربة الإفريقية, أكثر من العربية لسبب بسيط, هو أننا نفتقد لنموذج يقتدى به!", فأجبت: خذ من أينما شئت, لكن لا تنسى أن عيون كل عربي ديمقراطي متوجهة إليكم اليوم, يضحك. 

                                      

الأمل: أغلب المحللين في الصحافة العربية يتحدثون عن ديمقراطية قادمة من الجنوب, إلى أي مدى تقرون هذه المقولة؟

 

هيثم مناع: لا, لا, لا أحب التقريظ لتجربة أي حكم, ودائما أضع ممارسة السلطة في موضع الشك والحذر؛ وأتذكر حكاية تعود إلى صباي:" يروى أنه عندما كان معاوية بن أبي سفيان على فراش الموت, خاطب ابنه يزيد قائلا: يا بني أوصيك بآل البيت! فرد كيف يا أبتي وقد قضيت كل خلافتك في محاربتهم؟ فرد إنه السلطان يا بني". فالسلطة مخيفة, لذا أتعامل معها بحذر مستمر, وقد رفضت أكثر من عرض لها؛ لأني أخاف على نفسي منها وأتمنى أن أموت خارجها " يضحك", مع أني لا أرفض في النضال اليومي وضع يدي في الرمل أو الطين, لا, بالعكس, فقد وضعنا أيدينا في قضايا حساسة وصعبة جدا, لكن في موقع موازٍ للسلطة وليس في موقع الملائمة والتعامل, لأتمكن من الاحتفاظ بمسافة كافية تمكنني من وضوح ضروري في الرؤية وتواصل مع قضايا المظلومين, فيما يخولني قدرة إعطاء رأيي الشخصي بحرية, وانسجام مع الضمير, ربما أخطأت, من يدري، ولكنني في هذه الحالة لم أفعلها لكرسي أو مصلحة، بل لمجرد سوء التقدير؟                                                                                                          

 

الأمل: ربما لأنكم عشتم تجربة طويلة من فقدان الثقة, كمناضلي حقوق الإنسان مع الأنظمة العربية؟

                 

هيثم مناع: بالتأكيد, فنحن نفتقد أي مثال إيجابي, منذ ثلاثين عاما نسمع مراسيم تتحدث عن " عفو شامل"،  أكثر من عشر مرات دون مبالغة, ولم يخجل أحد الأنظمة العربية من إبقاء ثلاثة آلاف سجين سياسي في المعتقل بعد عفو تشريعي عام! لذا " الملدوغ" لا يمكن أن يثق بكل سهولة, بأي عرض, ومهمته وواجبه أن يراقب ويتابع ثم يعطي رأيه وفق حقائق الحياة نفسها.                                                                                                                               

على العموم لابد من حد أدنى من المحاسبة الأخلاقية, إن لم نقل القانونية لحقبة الاضطهاد التي حدثت في التجارب العربية.

من هنا أتمنى أن تكون العيون مفتوحة على المسار الموريتاني, لإنقاذه من احتمال " اغتصابه" أو حتى من الكسل الذهني الذي قد يبرره, كما يقول المثل الشعبي: " يا فرعون مين فرعنك" , يعني : المدح يفرعن والاستسلام وأصحاب المصالح المباشرة, يفرعنون؛ مما يخلق عند الحاكم شعورا بأنه متميز, ولم يخلق رب العالمين أحدا مثله, ليطفح العسف كجزء أساسي من ممارسته. المحاباة أيضا تقتل الروح النقدية الضرورية لكل تجربة, لا لأن الشخص سيء أو حسن النية, لكن لأنهم الحرص على بناء مستقبل أفضل لأطفالنا يتطلب منا أن ننظر إلى أبعد من أنوفنا ومصالحنا الشخصية المباشرة! من هنا الإصرار على اعتبار المواطنة والحق بالمشاركة الأساس الأفضل في كرامة الحاكم والمحكوم.

                                    

الأمل: مابين التجربة السودانية والمالية, في أي خانة تضعون التجربة الموريتانية؟ 

                                             

هيثم مناع: التجربة الموريتانية ابنة التجربة الموريتانية, وليس علينا قراءتها في غيرها أو استنساخها في أي بلد آخر, لأن ذلك قد يؤدي إلى مسحها.                                                                                                                                      

الأمل: كيف تتصورون الدور الشخصي الذي يمكن أن تلعبونه وكذلك منظمتكم من أجل أن تحيل هذه التجربة إلى ديمقراطية حقيقية؟ 

                                                                                                                 

هيثم مناع: أولا اللجنة العربية لحقوق الإنسان أعربت منذ الأيام الأولى عن استعدادها لتلبية نداء الديمقراطيين الموريتانيين, لتقديم أي دعم ممكن, فإذا أرادوا حضورنا ل: تقديم ندوات للقضاة, لمسئولين في السلطة التنفيذية بما في ذلك مخافر الشرطة.. فنحن لنا سمعتنا وشبكتنا التي تضم خيرة النخبة العربية الفاعلة اليوم في مجال الديمقراطية. كلهم على استعداد لتقديم الدعم في هذه المرحلة العويصة, فإن أرادوا حضورنا فنحن جاهزون, لأن نجاح التجربة الموريتانية كما ذكرت يحمل معنيين: محلي؛ يتعلق بنجاحها في موريتانيا أساسا, ومعنى إقليمي, خصوصا أني من الذين يعتقدون أن أفضل جسر ثقافي وسياسي وحضاري بين إفريقيا والعالم العربي هو موريتانيا, ومجرد حصول انفراج سياسي في البلد, سيعطي موريتانيا, ليس فقط دورا سياسيا في المغرب, بل في العالم العربي بأجمعه, وهذا ما نتمناه لأن هذا البلد الذي استطاعت نخبته رغم قسوة الديكتاتورية, المحافظة على حصتها من الإبداع والعطاء والأمل؛ هم بطبيعة الحال قادرون على لعب دور في موريتانيا وخارجها.                                                                                                                                   

الأمل: لكم أصدقاء بموريتانيا, هل من كلمة توجهونها إليهم, خصوصا الذين يشاركون في التسيير الفعلي للمرحلة الانتقالية؟

هيثم مناع: في الحقيقة أقول لهم أنتم في مرحلة صعبة جدا والمهمة الملقاة على عواتقكم من أشق المهام. ففي حياة الإنسان هناك لحظات يثبت بها قدرته على الفعل التاريخي, وعلى أن يكون فاعلا في المجتمع والدولة, هذه اللحظات لا تتكرر كثيرا. مع ذلك أتمنى لهم النجاح, خصوصا أني أعرف أن طينتهم نظيفة وأنهم لا يبحثون عن مصالح شخصية بالمعنى الرخيص للكلمة, وليسوا عناصر يمكن إفسادها, فلا الدهر أفسدها ولا العروض الداخلية والخارجية, من هنا  تبقى لديهم فرصة في تحقيق أشياء بهية طيلة هذه المرحلة الانتقالية, من كل قلبي أتمنى لهم النجاح, وإن احتاجوا لنا فنحن هنا.

 

الأمل: شكرا