أخاطبك على غير معرفة سوى المعلوم عنك نتيجة المعلن من كلام وتصرفات ومواقف.
حدود المعرفة هذه قد تبرر وتعذر: تبرر بجهلي فيك ردة فعلك إن رفضت، وتعذر ما سأقول بصدق مقصدي.
معرفتي بأخلاقيات المغفور له، والدك، الرئيس رفيق الحريري، واختباري تقبله للنقاش والحوار برغم اختلافي شبه الدائم مع نهجه ومخططاته السياسية والاقتصادية والإدارية شجعاني على مخاطبتك عسى ورثت بعضا منها، ما يفسح لمخاطبتي هذه، ان تلقى الصدى الذي تحمله صدق نياتها.
دولة الرئيس،
لم يغتل المغفور له والدك من أجل لبنان. إلا أن بيدك اليوم ان تجعل اغتياله استشهاداً من أجل لبنان.
رأيي أن المغفور له والدك قد اغتيل من أجل الفتنة. اغتيل من أجل إعمال القرار 1559 للضغط على سوريا وإخراجها من لبنان، ومن ثم استباحة الساحة اللبنانية لتعميم ما حققه غزو العراق على كامل العالم العربي، أي نشر وتعميم الفتنة السنية ـ الشيعية وإحلال ايران محل إسرائيل في مرتبة العداء الأول للعرب، تكملة لنهج التسوية والرضوخ للمشروع الصهيوني الذي بدأ مع أنور السادات، وحقق إخراج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي، كما حقق استفراد العرب دولة دولة لتسهيل إخضاعهم والسيطرة عليهم.
اغتيل الرئيس رفيق الحريري، من أجل الفتنة، وبيدك أنت ان تحول اغتياله استشهاداً، وأن تحول الفتنة المطلوبة باغتياله تماسكاً وطنياً من أجل لبنان ووحدة أبنائه ومستقبل أهله.
دولة الرئيس،
لقد ورثت الحكم أنت والرئيس فؤاد السنيورة بولاية الدم. وولاية الدم، مهما عزّ هذا الدم، فانها لا تعطي شرعية لولاية الأمر بقدر ما تفرض توليها بالعصبية والحقد اللذين يقاربان الاغتصاب السياسي. بيدك أنت، اليوم، الأمر الذي لم يكن بيد سلفك بحكم كونه نائباً عن أصيل، ان تنتقل من ولاية الدم بالعصبية والإرث، إلى ولاية الأمر بالوطنية والاستحقاق، أي بالرضى الوطني الشامل، غير المشوب بشبهة المتاجرة بالدم ولا بالعصبية المذهبية العمياء ولا بالانجرار إلى تحقيق أغراض الفتنة التي أرادها من أمر باغتيال والدك.
تحقيق المصلحة الوطنية العامة هو المطلب السياسي الأول والأخير. المطالب الأخرى جميعها تلي وتتبع. في السياسة، مطلب المصلحة الوطنية العامة يشكل القيمة الأولى وشبه الوحيدة. المطالب الأخرى جميعها مطالب لتبرير المصالح الخاصة وإظهارها بمظهر المصلحة الوطنية العامة. فمطلب الحقيقة والعدالة ومنع القتل السياسي بالمحاكمة والعقوبة جميعها مطالب لا أولوية لها على المصلحة الوطنية العامة. الحكمة تقتضي منك ان تسأل نفسك: ما مصلحة لبنان وأهله في معرفة من اغتال والدك ومحاكمته؟
سؤال مطلق وليس له جواب يفيد، فكيف لو وضع في سياق قرارات الاتهام والإدانات الموجهة والمسيسة والتي تبرم لتحقيق أغراض سياسية لا مؤدى لها سوى استمرار التوتر وتفاقم الكراهية وقرع أبواب الفتنة.
أسألك ما إفادة لبنان وأهله من صدور قرار يدين حزب الله، كما هو مخطط اليوم، باغتيال والدك، أو قرار يدين سوريا، كما كان مخططاً في مرحلة سابقة؟
وإن صدر مثل هذا القرار، وهو مشكوك بصحته وصدقه، من قبل نصف اللبنانيين على الأقل، فماذا أنت فاعل به غير تسعير العداء بين اللبنانيين وإعطاء أصحاب القرار 1559، الذين أمروا بقتل والدك لتفعيل قرارهم، حججاً إضافية لتعقب المقاومة وخدمة إسرائيل؟
ألست بمطلب الحقيقة والعدالة من جهات غير مضمونة النيات والصدقية تفرض على لبنان واللبنانيين غرقاً في توتر سياسي دائم وحقداً أعمى واستمراراً في صراع داخلي مدمر ووقوفاً دائماً على مشارف الفتنة المذهبية؟
ما مصلحة لبنان واللبنانيين في كل ذلك؟
أنا لست أرى فيه، يا دولة الرئيس، سوى مصلحة لإسرائيل وخدمة لها.
وفي هذا السياق، أما ساءلت نفسك مرة عن غيرة جيفري فيلتمان، عين اسرائيل الساهرة في الخارجية الأميركية، على المحكمة الدولية والحقيقة والاقتصاص ممن اغتالوا والدك؟ فإن كان فيلتمان من حملة دم والدك، أي ان والدك لا سمح الله كان من جماعته، أفليس في ذلك افتراء على وطنية رفيق الحريري تستدعي تسفيهاً ورفضاً، وإن كان فيلتمان من أهل اصطناع الغيرة والتمسك بالعدالة كما أظن وأجزم خدمة لمصالح أهله الحقيقيين، ألا يستحق منك أيضا ومن اللبنانيين جميعاً التسفيه والفضح؟
قد يكون، يا دولة الرئيس، بعض من حولك من مترزّقي سياسة ومترزّقي مال يرغبون في استمرار التوتر لاستمرار الترزق.
وقد يكون بعض من حلفائك من المتورطين بارتباطات تاريخية على غيرة غير مسبوقة بشغف الحقيقة والعدالة لأن مؤداها كان بالنسبة إليهم قانون عفو مع شارة نصر رفعتها أنت فرميت العدالة ومطلبها بظلال من شك إذ تصرفت كمن يكيل بمكيالين.
وقد يكون بعض من داعميك من خارج الوطن على مصلحة باستمرار استباحة الساحة بالتوتر والعصبية والتحكم بمسار الفتنة المذهبية.
غير ان المصلحة الوطنية اللبنانية، كما أراها، تقتضي منك ان تكون بحجمها فتتجاوز المترزقين والمرتبطين المحليين والداعمين الخارجيين، وتقف لتقول: «اغتيل رفيق الحريري من أجل لبنان ووحدته وسلمه ومستقبل أبنائه لذلك لا مصلحة لنا الآن وفي الظرف الراهن بمعرفة من قتله، لتعذر المعرفة بموضوعية معترف بها من غالبية اللبنانيين الموصوفة، لذلك نقدم اليوم دماءه ودماء من استشهد معه قرباناً للبنان من أجل تعزيز وحدته وسلمه الأهلي ومستقبل أبنائه، ولسوف نتحين مع القضاء اللبناني الظرف المناسب لمعرفة من ارتكب جريمة الاغتيال وجميع الجرائم الأخرى خدمة للعدالة والحقيقة بعد أن نكون قد حصّنا بموقفنا الوحدة الوطنية وأمّنا المصلحة الوطنية العامة».
ثم تجمع مجلس الوزراء الذي تكون، بعد هذا الاعلان، قد أصبحت رئيسه، استحقاقاً لا إرثاً، وتتخذ قراراً، تنتقل به من ولاية الدم الموروثة إلى ولاية الأمر المستحقة على كبر، يعتبر الاتفاقية التي عقدتها الحكومة اللبنانية بشأن المحكمة الدولية اتفاقية مخالفة للدستور اللبناني لأنها لم تعقد من قبل المرجع الصالح دستورياً ولأنه لم يصادق عليها المجلس النيابي وفقا للدستور كونها تقتضي نفقات متكررة وعابرة لسنة، ولكونها تخالف الدستور بعدم مساواة اللبنانيين أمام العدالة، وتطلب استردادها، وتتوجه إلى مجلس الأمن طالباً استعادة السيادة للدولة اللبنانية وللقضاء اللبناني وتقفل الملف.
هكذا يصبح رفيق الحريري شهيد لبنان، وتستحق أنت ولاية الأمر بالرضى الوطني وبالشرعية المستحقة
|