نهب المال العام ، ما العمل

 

( المصطفى صولــــيح* – مشروع إعلان تطوان )

 

                                                  

                                   المصطفى صوليح El Mostafa Soulaih

بدعوة من جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان ، شاركت في الندوة التي نظمتها هذه الجمعية بمدينة تطوان حول موضوع " نهب المال العام ، ما العمل ؟ " بمداخلة تحت عنوان " مبادرات و تجارب في أفق تجريم نهب المال العام و إنفاذ القانون بصدده " ، و في ما يلي نص مشروع " إعلان تطوان " الذي اقترحته بموازاة مع ذلك على فعاليات الندوة من أجل مناقشته و إدخال التعديلات المطلوبة عليه . و بالفعل تم تكوين لجينة تتكلف بهذه المهمة . و إذ أعيد تعميم نصه على هذا الموقع ، بإذن من اللجنة العربية لحقوق الإنسان ، فلإدماج أكبر عدد من المناضلين و غيرهم من المعنيين في عملية تنميته و المصادقة عليه :

نحن المشاركين في ندوة " نهب المال العام ، ما العمل ؟ " ، المنظمة من قبل جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان و اللجنة المحلية لمكافحة الفساد في مدينة تطوان يوم السبت 10 دجنبر 2005 الموافق للذكرى 57 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان  ،و المتزامن مع اليوم العالمي ضد الفساد ( 09 دجنبر ) و على مدى بضعة أيام من دخول أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ( 14 دجنبر 2005 ) حيز التنفيذ ،

إذ نضع في عين اعتبارنا جملة المشاكل و العوائق و المخاطر التي يطرحها الاعتداء على المال عموما و المال العام خصوصا  و إهداره و إتلافه أو سرقته و استباحة حرمته ، أمام استقرار البلاد و أمنها كما أمام العدالة  و التنمية البشرية  و قيم الديمقراطية و القيم الأخلاقية و سيادة القانون ؛

واقتناعا منا " بأن اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة يمكن أن يلحق ضررا بالغا بالمؤسسات الديمقراطية و الاقتصادات الوطنية  " ؛

واقتناعا منا بأنه ، بناء على تجارب آسيوية إسلامية و تجارب أوروبية و أخرى أمريكية لاتينية ، كلما حسنت النيات و تمتنت الإرادات السياسية الحقيقية في سبيل حماية المال العام ، إلا و مكنت المقادير الهائلة من الموجودات ( ريع مركزي ، سندات و أسهم ، حسابات بنكية ، عقارات ، ممتلكات أخرى، ) البلاد من تيسير مشاريع و خطط للمساهمة في حل معضلات البطالة و الفقر ؛    

وإذ نستحضر مبادرات المجتمع المدني المغربي ، و في مقدمته ترانسبرنسي المغرب ، الهيئة الوطنية لحماية المال العام ، اللجنة المحلية لمحاربة الفساد  ( تطوان) و غيرها ، إلى الإلحاح على الدولة و حكوماتها المتعاقبة ، عبر الملتقيات العلمية و الحقوقية و الحملات الوطنية التحسيسية و البيانات و الوقفات الاحتجاجية، من أجل أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في منع الفساد و ما يشمله من نهب للمال العام ؛               

وإذ نستحضر ، كذلك ، مشاريع القوانين و الإجراءات ذات الصلة التي أعلن عنها السيد الوزير الأول في آخر تصريح حكومي له، ضمن ما أطلق عليه اسم " الخطة الجديدة لمكافحة الفساد "، و من أهمها : ــ مراجعة القانون المتعلق بممتلكات المسؤولين الحكوميين ؛ ــ القانون المناهض لتبييض الأموال ؛ ــ قانون تنفيذ الأحكام؛ ــ إحداث هيئة لتتبع قضايا محاربة الرشوة ؛ ــ قانون الصفقات ؛ ــ التخلص من الموظفين الأشباح ؛

وإدراكا منا للأهمية القصوى لإعمال و تفعيل أحكام و مواد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في توفير الوقاية من الفساد الداخلي و في توفير التعاون الدولي في الحماية من الفساد الخارجي و الأموال الناجمة عن الجرائم غير المشروعة التي تتسرب إلى الأبناك و البورصات و المشاريع الاستثمارية المباشرة عبر مشاريع أو شراكات أو مؤسسات صورية أخرى، و كذا في حماية العملة الوطنية و الأجنبية  و شهادات المنشأ من التزييف و الملكية الفكرية من السطو ؛

وإذ نؤكد على لزوم أن تتعاون الدولة ، في بناء و تنفيذ و تتبع تنفيذ استراتيجيه شمولية لمكافحة الفساد بما يسعف في وضع حد لآفة نهب المال العام أو تبذيره ، مع هيئات المجتمع المدني ذات الصلة و مكونات القطاع الخاص ؛

و إذ نؤكد ، في نفس السياق ، على ضرورة الإقرار بالدور الحيوي و الرئيسي الذي يجب أن يلعبه الإعلام سواء المكتوب أو المرئي و / أو السمعي في دعم تلك الإستراتيجية و في إشاعة أهدافها و محتويات مساراتها و تقييم و تقويم نتائجها ؛

نطالب بــ :

1 ـــ ضرورة استكمال الدولة لمقتضيات المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد و ذلك بتتويج تلك المقتضيات بالتعجيل بنشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية ؛

2 ــ ضرورة البدء بتنفيذ أحكام الاتفاقية و متطلبات نصوص موادها دون انتظار الانتهاء من مقتضيات التصديق ، و ذلك بالإسراع بإخراج مشاريع و إجراءات " الخطة الجديدة لمكافحة الفساد " الحكومية المنوه عنها بالذكر أعلاه إلى حيز التنفيذ، على أساس احترام المبادئ التالية :

2.1 ــ تجريم نهب المال العام : أن تنص كل القوانين و كذا مشاريعها ذات الصلة ، بالوضوح المطلوب و اللفظ غير القابل للتأويل ، على أن مختلف أشكال نهب المال العام و كذا الخاص هي جريمة معاقب عليها ، و أن يراعى في ذلك إعمال المادة 17 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تنص على أن " تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية و تدابير أخرى لتجريم قيام موظف عمومي عمدا ، لصالحه هو أو لصالح شخص أو كيان آخر ، باختلاس أو تبديد أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه ، أو تسريبها بشكل آخر " ، و أن يراعي إعمال كذلك المواد 18، 19 ، 20 21 و المادة 22 من نفس الاتفاقية التي تنص بدورها على أن " تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية و تدابير أخرى لتجريم تعمد شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص ، أو يعمل فيه بأي صفة ، أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري ، اختلاس أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه " .

2.2 ــ بخصوص هيئة تتبع قضايا محاربة الرشوة : أن يتم تعديل تسمية هذه الهيئة لتصبح هيئة أو هيئات مكافحة الفساد الوقائية ، تحدث  و تتمكن من كل الوسائل و الصلاحيات التي التزمت الدولة بتخويلها إياها منذ أن وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، و هي الوسائل و الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 6 من هذه الاتفاقية حيث تناط بهذه الهيئة مهمة تنفيذ سياسات مكافحة الفساد   و زيادة المعارف المتعلقة به و كيفية مكافحته و الوقاية من حدوثه ، و أن يتم إحداث و تشكيل و تمكين هيئة أخرى هي الهيئة المتخصصة في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون كما هو منصوص على سلطاتها في المواد 36 ، 37 ، 38 ،،، من الاتفاقية إياها ، من " هيئة أو هيئات متخصصة أو أشخاص متخصصين في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون ، و تمنح تلك الهيئة أو الهيئات أو هؤلاء الأشخاص ما يلزم من الاستقلالية ، وفقا للمبادئ الأساسية للنظام القانوني للدولة الطرف ، لكي يستطيعوا أداء وظائفهم بفعالية و دون أي تأثير لا مسوغ له . و ينبغي تزويد هؤلاء الأشخاص أو موظفي تلك الهيئة بما يلزم من التدريب و الموارد المالية لأداء مهامهم" .

2.3 ــ إحداث اللجنة الوطنية العليا الموسعة و المستقلة لمكافحة الفساد و من ضمنه آفة نهب المال العام : إن الأمر يتعلق بلجنة تتألف من ممثلي القطاعات الحكومية ذات الصلة  و ممثلي القطاع الخاص و منظمات المجتمع المدني ، تتكلف في إطار من الاستقلالية الفعلية بصياغة إستراتيجية شمولية لمكافحة الفساد و الحد من إهدار المال العام و نهبه و تعزيز الشفافية و النزاهة في العلاقة بين مؤسسات الدولة و بينها و بين المواطنين و إعمال الحق في مساءلة أجهزة الدولة التنفيذية ؛

2.4 ــ بخصوص مراجعة القانون المتعلق بممتلكات المسؤولين الحكوميين : إن المرجو و المؤمل من هذه المراجعة هو تطوير القانون رقم 25-92 الذي لم يجد طريقه إلى التنفيذ ليصبح قانونا آمرا بأثر رجعي لكل المسؤولين الذين يتقاضون تعويضا أو راتبا من ميزانية الدولة و كذا الوزراء و أعضاء مجلسي البرلمان   و القضاء و المسؤولين العموميين في جميع مختلف مؤسسات الدولة و إداراتها  و زوجاتهم و باقي أفراد أسرهم القاصرين بأن يعلنوا عن ذمتهم المالية و ملزما لهم بالقيام بهذا الإعلان ، و ذلك مع توفير آلية ، قد تكون واحدة من هيئات مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون السابقة الذكر، مهمتها استقبال جذاذات الإعلان عن الذمة المالية و تفحصها و وضع لوائح المعنيين المخالفين للقانون لدى الجهة القضائية المختصة ؛

2.5 ـــ  في شأن قانون منع عمليات تبييض الأموال : أن يكون مجال هذا القانون، كما تبينه المادة 14 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تحت عنوان " تدابير منع غسل الأموال " ، هو:

ــ  فرض الرقابة و الإشراف القانونيين على المصارف و المؤسسات المالية غير المصرفية و غيرها من الهيئات المعرضة بوجه خاص لغسل الأموال ، مع احترام قواعد تطبيق قوانين السرية المصرفية ؛

ــ ردع و كشف جميع أشكال غسل الأموال ؛

ــ إقدار السلطات الإدارية و الرقابية و المعنية بإنفاذ القانون بما فيها السلطات القضائية على المكافحة العملية لغسل الأموال ؛

ــ  إنشاء وحدة معلومات مالية تعمل كمركز وطني لجمع و تحليل المعلومات المتعلقة بعمليات غسل الأموال المحتملة ، و لتعميم تلك المعلومات ؛

ــ التعاون و تبادل المعلومات على الصعيد الخارجي من أجل إقرار الشفافية                و النزاهة في ما يتعلق بهوية و مصدر الأموال و غيرها من الصكوك ذات المحتوى النقدي العابرة للحدود ، و تعزيز سلطة القضاء في مكافحة الأموال المشبوهة و غير النظيفة ...

2.6 ــ استرداد الأموال المنهوبة و توظيفها للمساهمة في حل معضلة البطالة               و الفقر و غيرها من الخدمات الاجتماعية : أن يتم الالتزام باحترام الحكم العام               و المواد 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 57 ، 58 ، و 59 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تؤكد على أن استرجاع الموجودات هو مبدأ أساسي في هذه الاتفاقية ، و أن يتم توظيف قيم هذه الموجودات في المساعدة على خلق مناصب جديدة للشغل و تمكين برامج التنمية البشرية من إدماج الأحياء السكنية المهمشة             و الأرياف النائية و ذوي الحاجات الخاصة من فرص التعليم و التدريب و تنمية الاقتصاديات المحلية و الخدمات الصحية؛

3 ــ تعزيز استقلالية القضاء و النيابة العامة ؛

4 ــ توفير الحماية اللازمة بل و المكافأة للموظفين العموميين و غيرهم الذين يبادرون إلى التبليغ عن حالات للفساد و نهب للمال العام أو إهداره ؛

5 ــ تقعيد حق المواطن و الإعلام في الولوج إلى المعلومات حيثما كانت و في أي وقت كان ، و تجريم حالات الحرمان من ذلك ؛

6 ــ اعتماد قواعد سلوك للموظفين العموميين من أجل تحفيزهم على تنفيذ مهامهم بشكل سليم ينأى بهم عن وضع اليد على ما ليس في ملكيتهم ، و ذلك مع توفير ضمانات توليتهم للوظائف التي يسمون فيها بناء على معايير الكفاءة و التدريب              و التكوين المستمرين و دعمها بوسائل مشروعة للتظلم و الانتصاف و بسلم للأجور و التعويض يكون عادلا .

7 ــ مبادرة نواب و مستشارين من داخل البرلمان إلى إحداث هيئة من قبيل                   " برلمانيين ضد نهب المال العمومي " توظف الأدوات و الوسائل البرلمانية في الضغط من أجل مكافحة هذه الآفة .

 

 

  

 

 

 

 



* كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة . من كوادر اللجنة العربية لحقوق الإنسان . صدر له ، عن أوراب و اللجنة العربية لحقوق الإنسان و الأهالي ، كتاب تحت عنوان " نقد التجربة المغربية في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " 2005 .