تتعرض هذه الدراسة إلى التكييف القانوني الدولي لاحتلال فلسطين، وإلى قرارات التقسيم وبطلان كل المخالفات الجسيمة للقواعد الآمرة المتعلقة بأحكام الانتداب الدولية في عهد عصبة الأمم، وقواعد الوصاية في ميثاق الأمم المتحدة. كذلك تناقش الدراسة تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول الملحق بها على قطاع غزة، وادّعاءَ العدو الصهيوني أن غزّة كيان معادٍ لا إقليم محتل، والالتزامَ بمبدئي التمييز والتناسب في تحقيق الأهداف العسكرية. وتَبْسُطُ الدراسة القول في شرعية المقاومة المسلّحة في غزة، وارتباطها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وأيضاً، فإنها تفنّد عدم قانونية اتفاقيات المعابر البرية التي أبرمها الاحتلال؛ فالاحتلال الحربي، واقعياً، يوقف الدولة المحتلة عن ممارسة سلطاتها السيادية مؤقتاً، ولا يلغيها، كما لا يحق له أن يغير المركز القانوني للأقاليم المحتلة. وكذلك تتعرض الدراسة إلى عدم قانونية الإغلاقين: الجوي والبحري المفروضين على غزة، واعتبارهما عقوبة جماعية على سكان القطاع وجريمة ضد الإنسانية. ويتناول الباحث جريمةَ الاعتداء على سفن أسطول الحرية التي شرعت بالتدخل المدني الإنساني لإغاثة أهلنا في غزة، والقوانينَ الدولية والوطنية المتصلة بمعاقبة كيان العدو وكل مسؤوليه وجنوده الذين شاركوا في الجريمة.
هذه الدراسة مهداة إلى أرواح الشهداء، وإلى المقاومين الأبطال في غزة، وإلى كل ثوّار العدالة الراديكالية في العالم.
التكييف القانون الدولي لاحتلال فلسطين
الأراضي الفلسطينية التي احتلتها العصابات الصهيونية، من البحر إلى النهر، هي أراض محتلة في فقه القانون الدولي؛ فالاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير بالقوة يخالف المبادئ العامة والقواعد الآمرة الدولية، وهي قواعد تتصل بالنظام العامّ، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها. فالكيان الصهيوني بذلك غير شرعي، وإن اعترفت له منظمة الأمم المتحدة بصفة "الدولة"؛ فالقرارات الباطلة، موضوعاً، وما ينبني عليها من إجراءات، لا ترتّب أثراً أو حقوقاً للمعتدي، بل يستطيل إليها البطلان ويعطّل أثرها، لأن ما يبنى على باطل هو باطل، ولا يرد عليه التصحيح، ولا يغير من بطلانه الاعتراف.
ومن ثَمّ، فليس لأحد حق التنازل عن البطلان المطلق صراحة أو ضمناً، ويجوز الاحتجاج به (البطلان) على الرغم من سبق التنازل عنه، فالبطلان المطلق لا يَسقط الحق في التمسك به مطلقاً، لأنه من القواعد الآمرة ولأنه متصل بحق الشعوب والأجيال اللاحقة في الاستقلال وتقرير المصير.
وتطبيقاً لذلك، فقرار التقسيم رقم (181) لعام 1947 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: فلسطينية ويهودية، هو قرار باطل ومخالف لميثاق الأمم المتحدة ولقواعد القانون الدولي وأحكامه؛ لأن الأمم المتحدة عامة، والجمعية العامة خاصة، لا يحق لها أن تقسّم وطناًً لا تملكه، فمن لا يملك لا يمنح. كما أن القرار باطل قانوناً لمخالفته قواعد القانون الدولي الآمرة، وأحكام الانتداب الدولية في عهد عصبة الأمم، وكذلك أحكام الوصاية الدولية في عهد الأمم المتحدة؛ ومن ثَمّ يستطيل البطلان ويمتدّ إلى كافة الآثار المترتبة على قرار التقسيم.
وفي كل الأحوال، فقرار الأمم المتحدة بقبول "إسرائيل" عضواً في المجتمع الدولي، اشترط عليها قبولها بقرار التقسيم رقم (181) لعام 1947، وبالقرار (194) لعام 1948 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين؛ ورفض "إسرائيل" أياً من القرارين المذكورين يعني الطعن في شرعيتها الدولية (الحوراني: 2002، دراسة قانونية).
وقد اعترفت الأمم المتحدة بأقاليم "إسرائيل" البرية والبحرية والجوية، وفقاً لما جاء في قرار التقسيم (181) لسنة 1947، ثم لاحقاً وفق القرار (242) لسنة 1967، على الرغم من عدم تسليمنا بأي منهما. وترتكز السلطة الفلسطينية في مفاوضاتها إلى القرار (242) على الرغم من أنه ينصّ على وجوب انسحاب الكيان الصهيوني إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، في حين أن القرار (181)، على الرغم من بطلانه ورفض العرب له وقت صدوره، يحكم للفلسطينيين من أرض فلسطين بضعفي ونصف المساحة التي يحكم بها القرار (242)؛ وإن القرار الأخير، بخلاف القرار الأول، لا يتعرض لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره؛ بل يتحدث عن "حل عادل" لقضية اللاجئين لا "حق العودة"، ولقد جادل الكيان الصهيوني في أن هذا الحق يشمل اليهود في الدول العربية ودول المهجر.
وبموجب القرار (242) يتعامل المجتمع الدولي مع القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة على أنها "مناطق محتلة"، مما يعني أن جميع الأعمال العسكرية التي ينفذها العدو في هذه المناطق محكومة باتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949.
ويجادل الكيان الصهيوني في أن فلسطين قبل الانتداب لم تكن دولة ذات سيادة، وأن الأراضي التي استولى عليها العدو في حرب 1967 لم تكن جزءاً من دولة وإنما مثّلت "مناطق مدارة" لا "مناطق مستقلة" (غتمان وريف وكُتاب: 2003، ص 55). غير أن واقع الأمر يشير إلى أن فلسطين، بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، قد وُضعت خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية تحت الانتداب البريطاني، بموجب المادة (22) من ميثاق عصبة الأمم، لمساعدتها في تطوير أجهزتها الإدارية والسياسية. وقد صنّفت فلسطين آنذاك وفق الفئة (أ)، وهي نفس الفئة التي صنف فيها كل من العراق وسوريا ولبنان والأردن. والتكييف القانوني لهذه الطائفة من طوائف الانتداب أنها بلغت تطوراً سياسياً يؤهلها للتمتع بالاستقلال الكامل، لكنها لا تباشر اختصاص الدولة بذاتها، بل تنوب عنها في ذلك الدولة المنتدَبة، وهي بريطانيا في حالة فلسطين (سرحان: 1989، 26 – 28). وقد أعلنت العصبة في اجتماعها الأخير والمنعقد في نيسان / أبريل 1946 أنها انحلت تماماً، وأن دورها بالنسبة للأراضي الواقعة تحت الانتداب قد انتهى، وبذلك لم تنقل العصبة أي وصاية تتعلق بفلسطين إلى الأمم المتحدة (الطاهر: 2001، دراسة قانونية).
وفي واقع الأمر، فبريطانيا اقترفت خيانة لأمانة صكّ الانتداب؛ حيث سهّلت هجرة اليهود إلى فلسطين، ودعمت تسليح العصابات الصهيونية، مخالفةً بذلك البند (5) من صك الانتداب الذي يلزم الدولة المنتدبة بعدم التصرف أو بعدم تأجير أي جزء من أراضي فلسطين، والبندان (22) و (28) – على التوالي - يلزمان دولة الانتداب بمنح الشعب الفلسطيني كامل حقوقه الوطنية في دولته المستقلة، وبتسليم فلسطين إلى "حكومة محلية" فور انتهاء الانتداب.
ويَفترض صك الانتداب أن القيود المفروضة على سيادة الشعب قيود مؤقتة، ولا يَمنح الصكُّ، أو الشرعة الدولية، الدولةَ المنتدبةَ الحقَّ في مصادرة حق الشعب الواقع تحت الانتداب في تقرير مصيره (South West African Case, Security Council Resolution 276 – 1970).
وعندما أُنشئت منظمة الأمم المتحدة عام 1945، كانت فلسطين تتمتع بمقومات الشخصية الدولية، وهي حقيقة يؤيدها التاريخ، فقد أَبرمت فلسطين عدة معاهدات دولية، إبّان الانتداب وفي أثنائه، كان من أهمها اتفاقية تسليم المجرمين عام 1922 مع الحكومة المصرية، والاتفاقية المصرية الفلسطينية التي صادق عليها مجلس الوزراء المصري عام 1946 بشأن تبادل عربات الركاب بين مصلحتي السكك الحديدية المصرية والفلسطينية (بيومي: 2002، دراسة قانونية).
وفي ردها على الاعتراض الذي تقدمت به الدول العربية، على عدم صلاحية تصرف الأمم المتحدة بفلسطين، فقد أيدت "لجنة الأمم المتحدة حول فلسطين" الاعتراض، وقررت الآتي: "بدراسة الفصل الثاني عشر – في نظام الوصاية الدولي - من ميثاق الأمم المتحدة، تبيّن بما لا يدع مجالاً للشك أن الجمعية العامة، وأي جهاز آخر من أجهزة الأمم المتحدة، لا يتمتعون بصلاحية النظر، ناهيك عن التوصية أو فرض أي حل لقضية فلسطين، يخرج عن إطار الاعتراف باستقلالها ...." (الطاهر: 2001، دراسة قانونية).
وقد أيد فقهاء القانون الدولي المنصفون قرار اللجنة، بناءً على أن الأمم المتحدة غير قادرة على نقل ملكية سيادة إقليمية لا تملكها أصلاً، فيكون التقسيم اعتداءً على أرض فلسطين، وحرماناً للأغلبية الفلسطينية من حق تقرير المصير لصالح الأقلية اليهودية، التي سهّلت لها الدولة المنتدَبة هجرة معظمهم إلى فلسطين في أثناء الانتداب؛ فعدد اليهود في فلسطين إبّان عهد الانتداب عام 1922 كان أربعة وثمانين ألفاً، وفي عام 1946 ارتفع هذا العدد إلى ستمائة وثمانية آلاف نسمة، أي بنسبة زيادة بلغت 87%، كان أكثرهم وَفـَدَ إلى فلسطين في فترة الانتداب من بولندا وروسيا ووسط أوروبا- وفق إحصائية اعتمدها الطاهر ونشرتها صحيفة العربي الناصرية المصرية (الطاهر: 2001، دراسة قانونية).
غير أن الجمعية العامة لم تعر قرار اللجنة والخبراء أي اهتمام، وأصرت على أنها مخوّلة، بموجب البند (10) من ميثاق الأمم المتحدة، بالتصرف والتوصية وفق مشيئتها، واحتجت بالنص الآتي: "للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق أو يتصل بسلطات أي فرع من الفروع المنصوص عليها فيه أو في وظائفه. كما أن لها، في ما عدا ما نُصّ عليه في المادة (12)، أن توصي أعضاء الهيئة أو مجلس الأمن أو كليهما بما تراه في تلك المسائل والأمور".
ويعدّ قرار الجمعية تأويلاً مخالفاً لميثاقها، وهو الذي ينص في المادة (80/1) منه على الآتي: " ... لا يجوز تأويل نصّ أيّ حكم من أحكام هذا الفصل - الفصل الثاني عشر: في نظام الوصاية الدولي - ولا تخريجه، تأويلاً أو تخريجاً، من شأنه أن يغير بطريقة ما أيَّ حقوق لأيِّ دول أو شعوب ....". كما يخالف القرار ما جاء في البند (73) من الميثاق، وفيه أن أعضاء الأمم المتحدة الذين يوكل إليهم إدارة الأقاليم يقرّون بأن: "مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، ويَقبلون أمانة مقدسة في عنقهم ... ويعملون على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم ... ويوطدون السلم والأمن الدولي". بل إن القرار يخالف ديباجة ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي نصت على ضرورة: "تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي".
تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول الملحق بها على قطاع غزة
والالتزام بمبدئي التمييز والتناسب في الأعمال القتالية
ينظر المجتمع الدولي إلى القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة بوصفها أقاليم فلسطينية محتلة، وقد أصدر مجلس الأمن الكثير من القرارات في هذا الشأن، ربما كان أهمها القرار رقم (446) لعام 1979، والذي ينص على خضوع الأعمال الحربية التي يقوم بها العدوّ في كل الأقاليم المحتلة عام 1967 لاتفاقية جنيف الرابعة (Reynolds: 2010, BBC News). ومن القرارات المعاصرة ذات الصلة القرار رقم (1860) الصادر في 9 من كانون الثاني/ يناير2009، إثر العدوان الصهيوني البربري على غزة، والذي نص على أن قطاع غزة يؤلف جزءاً متكاملاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويشكل من ثَمّ جزءاً من الدولة الفلسطينية (United Nation Security Council SC/9940: 2010).
ووفق مبادئ القانون الدولي، فالعدو يشكل قوة احتلال ما دامت سيطرته مستمرة على معابر قطاع غزة وعلى إقليميه البحري والجوي. وتطبق من ثَمّ على الأراضي الفلسطينية أحكام اتفاقية لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والبروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام 1977، ويبقى الاحتلال الصهيوني مسؤولاً مسؤولية كاملة عن حفظ الأمن وحقوق الإنسان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بصفته قوة احتلال لا تزال تسيطر على المناطق التي تديرها مدنياً حركة حماس، دون أن يعفي ذلك الاحتلال الصهيوني من مسؤوليته القانونية طبقاً للقانون الدولي.
ولقد أحكم العدو حصاره على القطاع منذ فوز حماس في الانتخابات عام 2006 بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وما تلاه من مؤامرات داخلية وخارجية استهدفت إثارة القلاقل والفتن، لعزل حماس عن الحكم وإفشال التجربة الديمقراطية هناك. ويتذرع العدو بالاتفاقيات الأمنية التي أبرمها مع السلطة الفلسطينية قبل "إعادة انتشاره" في قطاع غزة عام 2005، وهي اتفاقيات ومعاهدات باطلة بطلاناً مطلقاً؛ فهي قد أُبرمت تحت تهديد الاحتلال العسكري، وتؤدي إلى تنازلات إقليمية خطيرة، وهذا ما نصت عليه المادة (52) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية: " تكون المعاهدة باطلة إذا تم التوصل إلى عقدها بطريق التهديد أو استخدام القوة، بصورة مخالفة لمبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة". وسنأتي بشيء من التفصيل على ذلك.
وتُعنى اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب، بإلزام الأطراف السامية بالحفاظ على حياة المدنيين غير المقاتلين وكرامتهم، وممتلكاتهم، أثناء النزاعات المسلحة في الدول والأقاليم المحتلة. غير أن المحكمة العليا الصهيونية كانت قد قررت أن اتفاقيه لاهاي واتفاقيات جنيف الثلاث الأولى تمثل جزءاً من القانون الدولي العرفي، ومن ثَمّ فهي تلزم حكومة العدو بالعمل بمقتضاها، في حين أعلنت المحكمة أنها ستتصرف، بحكم الواقع، وفقاً للأحكام الإنسانية بشأن اتفاقية جنييف الرابعة. وكان العدو قد اعترف باتفاقية جنيف الرابعة في الأمر العسكري رقم (3) الصادر في 7 حزيران/ يونيو 1967، ثم عاد وألغى اعترافه بها ضارباً بقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة عرض الحائط (محكمة العدل الدولية – إجراءات إفتاء: 2004، ص 139). والواقع أن اتفاقيتي لاهاي وجنيف ملزمتان لجميع الدول، سواء أصادقت عليهما الدول أم امتنعت عن ذلك؛ لأنهما تجسدان، في جميع جوانبهما ذات الصلة، القانونَ الدوليَّ العامَّ والقانونَ الدوليَّ الإنسانيَّ العرفيَّ. وقد أيد هذا التوجهَ أحكامُ العديد من المحاكم الجنائية وقراراتها، وكذا أحكام اللجان الدولية (سقف الحيط: 2009، دراسة قانونية).
وكما نصت المادة الثانية من اتفاقية جنيف الرابعة، فهذه الاتفاقية تسري على: "جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليمِ أحد الأطراف السامية المتعاقدة". وقد حاولت حكومة العدو التنصل من حقيقة أنها دولة محتلة لقطاع غزة، ومن ثَمّ أنكرت دورها وواجباتها بوصفها قوة احتلال مسؤولة إنسانياً وقانونياً وفق هذه الاتفاقية، وتذرعت بأن "انسحابها" من القطاع سنة 2005 يعني استقلال القطاع وبسط حكومة فلسطينية السيادةَ عليه. والحقيقة أن ما قامت به قوات العدو هو "إعادة انتشار" لا انسحاب، وأن قطاع غزة لا يزال محتلاً، بسبب سيطرة العدو غير المشروعة، على كافة معابره البرية، وعلى أراض أخرى للقطاع، وعلى إقليميه البحري والجوي؛ ومن ثَم فانسحاب العدو المنفرد إلى مواقع جديدة، وكذلك عدم ممارسة العدو لوظائف الحكومة داخل القطاع، لا تعني إنهاء حالة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية الغزيّة، ولا تؤدي إلى استقلال القطاع بالمعنى القانوني، وإنما تبقيه محتلاً جزئياً وخاضعاً لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة (سقف الحيط: 2009، دراسة قانونية).
وفي 5 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار (A/Res/64/10)، وفيه استرشدت بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وأشارت إلى قواعد القانون الدولي ومبادئه ذات الصلة، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب والمؤرخة في 12 من آب/ أغسطس 1949، تسري على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية؛ وأوصت الجمعية حكومة سويسرا، بصفتها الحكومة الوديعة لاتفاقية جنيف، المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، بأن تتخذ الإجراءات اللازمة في أقرب وقت ممكن لعقد مؤتمر للأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن تدابير إنفاذ الاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكفالة احترامها وفقاً للمادة الأولى منها. غير أن هذه التوصيات لم تترجم عملياً في فلسطين المحتلة، ولا يزال العدو الصهيوني ينكر أنه قوة احتلال (General Assembly:2009, 39th plenary meeting).
ويقودنا ذلك إلى ضرورة تقيّد قوات الاحتلال بمبدئين حربيين مهمّين، أولهما هو: مبدأ التمييز "The Principle of Distinction"، ومفاده: التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية؛ فالعمليات القتالية يجب أن توجه إلى المقاتلين وإلى الأعيان المستخدمة في القتال فقط، لا إلى المدنيين أو أعيانهم. وقد جاء في المادة (48) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1977 ما يفيد باقتصار القتال على الأهداف العسكرية دون غيرها: "تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثَمَّ فعليها أن توجّه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام السكان المدنيين وحمايتهم وتأمين الأعيان المدنية". كما حظرت المادتان (51) و(52) من ذات البروتوكول الهجمات العسكرية العشوائية التي توقع خسائرَ في أرواح المدنيين أو تهدد سلامتهمً، أو تضر بالأعيان المدنية، بغية تحقيق انتصارات عسكرية. وحظرت المادة (54) تجويع المدنيين بصفته أسلوباً من أساليب الحرب. هذا، وتشكل أيٌّ من التجاوزات الجسيمة السابقة جريمة حرب وفق ما جاء في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
أما المبدأ الثاني فهو مبدأ التناسب ""The rule of proportionality وبموجبه فيُحظر شن الهجوم العسكري الذي يتوقع أن يتسبب في خسائر عرضية تلحق بأرواح المدنيين أو يؤدي إلى الإضرار بالأعيان المدنية. ويجب الافتراض بأن الأعيان المدنية لا تستخدم لتسهيل مهمات قتالية، فإذا تعمد المقاتلون التماهي بالمدنيين وأعيانهم، فيُحظر على الجيوش ضربهم، إلا في حالات الضرورة القصوى التي يتحقق فيها للمهاجمين منفعة إنسانية كبيرة للغاية، مقارنة بخسائر محدودة للغاية في المدنيين و/أو في أعيانهم. كما يُحظر بشكل قاطع ضرب أماكن التركّز السكاني، وإنْ تَحَصَّنَ بها المقاتلون، ويُحظر القصف السجّادي، ويحظر استخدام القوة المفرطة التي لا تبيحها الضرورة العسكرية في قتل المحاربين: تشفياً وانتقاماً وإرهاباً. وتصف المادة (85) من البروتوكول الأول الهجومَ العشوائيَّ الذي ينفذ، مع سابق معرفة المهاجمين بأنه سيوقع ضرراً جانبياً مفرطاً بالسكان المدنيين- تصفه بالخرق القانوني الجسيم، وهو جريمة حرب وفق التكييف القانوني للمادة (8/ب/4) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي التي عددت جرائم الحرب، فأوردت في الفقرة (ب) النص الآتي، تبياناً له وتوضيحاً، فقالت إنه : "تَعَمُّدُ شنّ هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديدٍ للبيئة الطبيعية، ويكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة".
ويتذرع العدو الصهيوني بأن المقاومة الفلسطينية الغزّية تطلق صواريخ بعيدة المدى تطول مستوطنيه "المدنيين"؛ لذلك فهو فرض حصاره على غزة لضمان وقف إطلاق الصواريخ، وهو من ثَمَّ يحاول تبرير العقوبات الجماعية ضد سكان القطاع بالدفاع الشرعي. وعلى سبيل الفرض الساقط بأن صواريخ المقاومة تنتهك القانون الدولي، مع عدم التسليم بذلك، فإن مخالفة القواعد الآمرة لهذا القانون من جانب المقاومة، لا يبرر جرائم يرتبكها المحتلّ، ويبقى العدو ملزماً بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول الملحق بها.
وقد ذهب في ذات الاتجاه الفقيهُ ميشيل فيوذي، المستشارُ القانوني السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث قال: "إن عدم احترام مجموعات معينة لقوانين الحرب، لا يعطي مجموعات أخرى حقاً في عدم احترامها" (غتمان وريف وكتاب: 2003، ص 70).
وفي ضوء تمترس العدو الصهيوني الجبان على تخوم حدود غزة البرية، واعتماده الدباباتِ والأسلحةَ الثقيلة، للحيلولة دون تمكين رجال المقاومة المسلحين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة من الاشتباك مع جنوده ومستوطنيه، وفي ضوء استهداف العدو لغزة بالصواريخ الأرضية وصواريخ الطائرات والسفن، ونظراً لضعف الإمكانات الفنية في القوة الصاروخية لدى المقاومين- فلا يؤخذ على المقاومين توخي دقة إصابة صواريخهم لأهدافها.
ويرى الباحث أن مبدأ التناسب يتحقق في استخدام المقاومة الفلسطينية القوةَ الصاروخيةَ غيرَ الموجهة، للدفاع عن النفس واستهداف المستوطنين الغاصبين، إذا أحصينا عدد ضحايا الحصار الصهيوني الظالم المفروض على غزة، قياساً بعدد ضحايا الصواريخ القسّامية من مستوطني العدو. في حين أن العكس غير صحيح، ففرض الحصار والتجويع على غزة هو عقوبة جماعية لا تتناسب وفوز فصيل مقاوم في انتخابات حرة ونزيهة باعتراف المجتمع الدولي، أو أسر جندي صهيوني نظامي. والأهم من ذلك هو أنه لا يجوز لقوات الاحتلال الردُّ بالمثل، تطبيقاً للقاعدة القانونية والفقهية المستقرة التي تقرر أنه: "لا دفاع شرعيّ ضدّ دفاع شرعيّ"، فحق الرد غير مكفول قانوناً لقوات العدو.
المقاومة المسلحة
لعل أحد أهم القرارات الدولية المفسّرة لحق الشعوب في تقرير مصيرها هو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذو الرقم (1514) بتاريخ 14 من كانون الأول/ ديسمبر 1960، والقاضي بأن إخضاع الشعوب للاستعباد الأجنبي واستغلالها يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، وأن لجميع الشعوب الحقَّ في تقرير مصيرها ووضعَ حد لكل الأعمال المسلحة والتدابير القمعية المتّخذة ضدها، ويجب أن يُصار فوراً إلى اتخاذ التدابير اللازمة، في الأقاليم المشمولة بالوصاية، والتي لم تنل استقلالها بعد، لنقل جميع السلطات إلى شعوب تلك الأقاليم، دون قيد أو شرط، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي (بجك: 2006، ص 521). وعندما اعتمدت الجمعية العامة العهدين الدوليين لحقوق الإنسان في 16من كانون الأول/ ديسمبر 1966 حرصت على أن تضمّن المادة الأولى في كلا العهدين نصّاً حول حق الشعوب في تقرير مصيرها.
واعتمدت الجمعية العامة، بقرارها رقم XXV)) (2621) بتاريخ 12من تشرين الأول/ أكتوبر 1970، برنامج العمل من أجل التنفيذ التام لإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. وورد في القرار أن للشعوب المستعمرة الحق في الكفاح، بجميع الوسائل الضرورية التي في متناولها، ضد الدول الاستعمارية (Gowlland-Debbas: 1990, pg. 228).
ووفقاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها القرارات: 2105 (XX); 2465 (XXIII); 2674 (XXV); 2708 (XXV); 2734 (XXV); 2797 (XXVI); 2878 (XXVI); 2908 (XXVII); 3070 (XXVIII); 3103 (XXVIII); 3163 (XXVIII); 3328 (XXIX); 3379 (XXX);، ففصائل المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعدّ حركات تحرر وطني. وقد أكدت هذه القرارات على شرعية نضال الشعوب المستعمَرة، وحقها في استخدام كل الوسائل العسكرية الممكنة لاستعادة القدرة على تقرير المصير والسيادة، كما أكدت على حقها في تلقي جميع أنواع المساعدة الدولية، وخصّت بالذكر شعبي فلسطين وجنوب أفريقيا. ودعت تلك القرارات جميع الحكومات إلى عدم إنكار حق الشعوب الواقعة تحت نير السيطرة الاستعمارية في الكفاح المسلح، وأدانت الدولَ التي تنكر حق أي شعب في تقرير مصيره، كما أدانت سياسة ضم الأقاليم المحتلة بالقوة، والاحتفاظ بها، ومحاولة تغيير مركزها القانوني؛ واعتبرت أياً من هذه الأعمال العدوانية انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة، ولمبادئ القانون الدولي.
وانطلاقاً من أن حق الشعوب في تقرير مصيرها يشكل قاعدة آمرة في القانون الدولي، وأن الاستعمار جُرْم دوليّ، إضافة إلى أنه انتهاك لحقوق الإنسان، فقد أجيز للشعوب المستعمَرة ممارسة الدفاع عن حقها في تقرير المصير وانتزاع الاستقلال بمختلف الوسائل المنصوص عليها في الميثاق، ومنها استخدام القوة، وذلك بموجب المادة رقم (51) من الميثاق التي أشارت إلى حق الدفاع الشرعي، وهو حق طبيعي لا يملك القانون الدولي حياله سوى تنظيمه فقط، وليس له الحق في منعه أو الحد منه؛ ومن ثَمَّ فمنع وصول الأسلحة أو تعطيل وصولها إلى حركات التحرر الوطني، كحركة حماس وحركات المقاومة الغزّية الأخرى، جريمة تنتهك مبادىء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهي أيضاً تواطؤ مع الاحتلال واشتراك في جرائمه.
وتأكيداً على ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير بمختلف الوسائل المتاحة، ومنها الكفاح المسلح، فقد اعتمدت الجمعية العامة مجموعة قرارات بمنح حركات التحرر الوطني صفة المراقب في الأمم المتحدة، كون هذه الحركات تمثل الشعوب المناضلة في سبيل الاستقلال. والنموذجان الشاخصان لذلك هما: "المؤتمر الوطني لجنوبي أفريقيا" ممثِّلا لشعب جنوب أفريقيا سابقاً، و"منظمة التحرير الفلسطينية" ممثلة لشعب فلسطين (بجك: 2006، ص 522). وينطوي قرار منح حركات التحرر الوطني صفةَ مراقب في الأمم المتحدة على أبعاد قانونية مهمة تتعلق بالاعتراف بتمثيل حركات المقاومة لشعوبها في نضالها حتى التحرير، حيث يُعدّ أفرادها مقاتلين شرعيين يتمتعون بحقوق الجنود النظاميين (المصدر السابق).
ويعرّف الباحث المقاومة بأنها: "نزاع عسكري مسلح، تخوضه تنظيمات وأفراد متطوعون وطنيون ضد قوات الاحتلال الأجنبي ومرتزقته وعملائه، لتحرير الوطن، بإيقاع أكبر الخسائر الممكنة بقوات الاحتلال وأعوانه ودفعهم إلى الاندحار. وتخضع أعمال المقاومة العسكرية لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ويتمتع المقاومون بالحماية التي نصت عليها ذات المبادئ".
وكثيراً ما يّستخدم تعبير "مقاتل غير نظامي" ليصف فدائياً ينتمي إلى مجموعة شبه عسكرية، أو مليشيا، أو فرق تطوعية، أو حركة مقاومة منظمة، أو قوة متمردة. وكثيراً ما يكون غير النظاميين مقاتلين متماهين بالشعب، لا يرتدون زياً موحداً، ولا يحملون أسحلتهم علناً عندما ينفذون هجماتهم. ويشيع استعمال تعبير "الأنصار" لوصف غير النظاميين الذين يقاومون جيشاً أجنبياً يحتل أوطانهم. ومن الفقهاء من يطلق على المقاومين الأكثر تنظيماً مصطلح: "القوات شبه العسكرية". ويُكفل للأنصار وللقوات شبه العسكرية، إذا قاتلوا في نزاع دولي وأُسِروا، ما يُكفل للعسكريين الشرعيين من الحماية التي نصّت عليها اتفاقيات جنيف الأربع.
ولما كان القانون الدولي قد قنّن للمقاومة شرعيةَ القتال ضد قوات الاحتلال، فإن المقاوم يتمتع بذات الحقوق التي يتمتع بها العسكري في الجيوش النظامية الدولية، وهذا ما نصت عليه المادة الأولى –القسم الأول /الفصل الأول - من اللائحة المتعلقة بقوانين الحرب البرية وأعرافها، في لاهاي عام 1907، ومنها اعتبار المقاوم أسير حرب إذا وقع في قبضة المحتل. وقد نصت المادة الرابعة في اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب على أن المقاومين يتمتعون بنفس الحماية التي يتمتع بها الأسرى العسكريون المقاتلون. وتعني هذه الحماية أن تقدم لهم الرعاية الطبية اللازمة، وأن يُحظر تعذيبهم، وأن يجري تزويدهم بالطعام، وأن يسمح لهم بالاتصال الخارجي عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي. ومثلهم مثل أي قوة نظامية، فلا يمكن محاكمتهم لمجرد اشتراكهم في القتال بصفتهم مقاتلين محترفين، ولكن يمكن أن يعتقلوا بوصفهم أسرى حرب إلى أن يتوقف النزاع؛ وأن يُعادوا إلى أوطانهم دون إبطاء فور انتهاء العمليات العسكرية العدائية الفعلية.
وحتى يُعَدّ المقاومون غيرُ النظاميين مقاتلين شرعيين، مؤهلين لوضع أسرى حرب، فعليهم الالتزام بمعايير معينة، تشمل: أن يحتل العدو أرض المقاوم، وأن تجري أعمال المقاومة ضمن الإقليم المحتل، وأن يحمل المقاوم سلاحه علناً في أثناء الاشتباكات أو الانتشار، وأن يكون تحت إمرة شخص مسؤول وفق الظروف المتاحة، وأن يلتزم بالقواعد الدولية المتعلقة بالنزاع المسلح، وألا ينتهك القانون الدولي الإنساني (الفتلاوي: 2009، ص 138 - 139).
ويرى الباحث أن الشروط السابقة مجتمعة، باستثناء الشرط الأخير، تخضع لظروف القتال، وللجاهزية القتالية، ولنوعية الأسلحة المتاحة للمقاومين، وتطبيق مبدأ التناسب، ومدى تقيّد المحتل بالقانون الدولي الإنساني. فاستخدام العدوّ غير المتكافئ للطيران الحربي والقصف الجوي، إذا استهدف بهما دولاً أو أقاليمَ لا يتوفر فيها دفاعات جوية عالية الأداء، فيعدّ عمله هذا إخلالاً بمبدأ التناسب وغدراً؛ لأن قوات العدو تقاتل دون مخاطرة ودون أن تُشاهَد، وهو إخلال خطير بمبادئ الحرب والفروسية؛ الأمر الذي يحتم على المقاومين ابتكار أساليب عسكرية جديدة في مواجهة العدو، ومنها العمليات الاستشهادية التي تستهدف أرتاله العسكرية، وغيرها من الكمائن وأساليب التماهي. وقد نصّت المــادة (24) من اتفاقية لاهاي، الخاصة باحترام قوانين الحرب البرية وأعرافها، على الآتي: "يجوز اللجوء إلى خدع الحرب والوسائل اللازمة لجمع المعلومات عن العدوّ وعن الميدان". وأيضاً، فالمادة (37/2) من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع نصّت على أنّ: "خدع الحرب ليست محظورة. ويُعدّ من خدع الحرب الأفعال التي لا تُحْسَبُ من أفعال الغدر، لأنها لا تستثير ثقة الخصم في الحماية التي يقرها القانون الدولي، والتي تهدف إلى تضليل الخصم أو استدراجه إلى المخاطرة، ولكنها لا تُخِلّ بأي قاعدة من قواعد ذلك القانون الذي يطبق في النزاع المسلح. وتعدّ الأفعال التالية أمثلة على خدع الحرب، وهي: استخدامُ أساليب التمويه، والإيهامُ، وعملياتُ التضليل، وترويجُ المعلومات الخاطئة". كما أن مخالفة المحتل لقواعد القانون الدولي الإنساني هو بمثابة تحريض للمقاومين على الردّ بالمثل، خاصة أنهم في موقف الدفاع الشرعي، وأنهم أقلّ عدداً وعتاداً، ومن طبيعة الحروب أن الأفراد والتنظيمات الشعبية أقلّ انضباطاً من الجيوش النظامية، وإن كنا في فلسطين المحتلة نرصد العكس تماماً.
وعلى الرغم من كل القواعد الآمرة، فالعدوّ الصهيوني لا يعترف بالمقاومة الفلسطينية وبقوات حماس شبه العسكرية بوصفهم عسكريين نظاميين، حتى لا يُمنحوا حقوق أسرى الحرب. بل يعدّهم العدو مدنيين مجرمين يعيشون في "كيان معادٍ"، وبذلك يسوغ لنفسه ملاحقتهم واعتقالهم ومحاكمتهم وتجريم أفعالهم وسجنهم بصفتهم مجرمين أمنيين؛ ومع ذلك، فقواته العسكرية تستهدف الفلسطينيين كأنها تخوض حرباً نظامية (غتمان وريف وكتاب: 2003، ص 70).
ووفقاً للقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني، فإن أيّ اتفاقيات تمنع إمداد المقاومين بالسلاح تقع باطلة، ومن ذلك الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية لمنع تهريب السلاح إلى غزة. ويمكن تحديد أهم أسباب بطلانها بالآتي، أولاً: انتهاكها القانون الدولي بمنع شعب يرزح تحت نير الاحتلال من المقاومة والدفاع الشرعي؛ ثمّ حرمانها الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وتحقيق سيادته على أرضه، خلافاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وبشكل خاص المادتين (51) و(55)؛ كما أن المخالفتين السابقتين تعنيان أن الاتفاقية خالفت قانون المعاهدات الدولية لعام 1969، خاصة المادة (53)، فهما تعارضتا مع قواعد آمرة في القانون الدولي (أبو الخير: 2009b ، ص 21 - 22)؛ وكذلك، فالاتفاقية تخالف ميثاق حلف شمال الأطلسي "The North Atlantic Treaty"، خاصة ما ورد في المادة (سابعاً/3/أ) التي حددت نطاق الحماية العسكرية للحلف بأوروبا بشكل عام وأوروبا الغربية بشكل خاص، إضافة إلى أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا)، ومن ثَمّ ففلسطين ليست ضمن هذا النطاق.
إغلاق المعابر البرية والمجال الجوي
وفقاً للوائح لاهاي وللقانون الدولي العرفي والمكتوب، فالاحتلال الحربي يمثل عملاً مادياً مؤقتاً، لا حالةً قانونيةً دائمة؛ فهو من ثَمّ لا يرتب أية آثار قانونية؛ إذ هو نتاج استخدام غير مشروع للقوة في تسوية النزاعات الدولية، أو هو كسب مغانم غير مشروعة. فالاحتلال الحربي لا ينقل السيادة إلى الدولة المحتلة، بل تبقى السيادة للأمة الرازحة تحت الاحتلال (محكمة العدل الدولية – إجراءات إفتاء: 2004، ص 118).
أما السلطة الفعلية التي تمارسها دولة الاحتلال فهي ليست تطبيقاً لنظرية الحلول، وإنما يحكم تلك العلاقةَ قانونُ الاحتلال الحربي؛ فالاحتلال الحربي يوقف الدولة المحتلة (المغلوبة) عن ممارسة سلطاتها السيادية مؤقتاً، ولا يلغيها، ولا حق للقوة الغالبة في تغيير المركز القانوني للأقاليم المحتلة، ومن النصوص الحاضرة في هذا الشأن ما جاء في المادة (47) من اتفاقية جنيف الرابعة: "لا يُحرم الأشخاص المحميون الذين يقيمون في أي إقليم محتل، بأي حال ولا بأي كيفية، من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب تغييرٍ يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أم بسبب اتفاقٍ يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أم بسبب قيام هذه الدولة بضم كل الأراضي المحتلة أو ضمّ بعضها".
كما أن هذه الاتفاقيات والتفاهمات تمت بقوة السلاح والتهديد باستخدامه، وقد نصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لعام 1969، في المادة (52) منها، على بطلان معاهدات الصلح التي تؤدي إلى تنازلات إقليمية، والتي تبرم نتيجة استعمال القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستعمالها، فجاء فيها: "تعدّ المعاهدة باطلة بطلاناً مطلقاً إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة، واستخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة". فاتفاقيات المعابر بذلك تدخل في دائرة البطلان المطلق المنصوص عليه في هذه المادة، لأنها أُبرمت تحت التهديد باستخدام القوة، مخالفة بذلك المبادئ العامة في القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وهي قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. وهذا ما نصت عليه المادة (53) من قانون المعاهدات، التي جاء فيها: "تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي. ولأغراض هذه الاتفاقية، فيقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي: القاعدة المقبولة والمعترف بها، من قبل المجتمع الدولي ككل، على أنها القاعـدة التي لا يجوز الإخلال بها، والتي لا يمكن تعديلها، إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي ولها ذات الطابع". وقد تناولت المادة (64) ظهور قاعدة آمرة جديدة من القواعد العامة للقانون الدولي (النظام العام الدولي)، فنصت على أنه: "إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من القواعد العامة للقانون الدولي فإن أي معاهدة نافذة تتعارض معها تصبح باطلة وتنقضي".
كما حددت المادة (71) من ذات القانون آثار بطلان المعاهدات، التي تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي، فعددتها على النحو الآتي:
1. في حالة المعاهدة التي تعدّ باطلة، بموجب المادة (53)، فعلى الأطراف:
(أ) أن تزيل بقدر الإمكان آثار أي تصرف تم الاستناد فيه إلى أي نص يتعارض مـع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي؛
(ب) أن تجعل علاقاتها المتبادلة متفقة مع القاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي.
2. في حالة المعاهدة التي تصبح باطلة ومنقضية، وفقاً للمادة 64، فيترتب على انقضاء المعاهدة:
(أ) تحلل الأطراف من أي التزام باستمرار تنفيذ المعاهدة؛
(ب) عدم التأثير في أي حق، أو التزام أو أي مركز قانوني للأطراف، نشأ من تنفيذ المعاهدة قبل انقضائها. ويكون من الممكن الاستمرار في صيانـة هـذه الحقوق والالتزامات والمراكـز، وذلك بالقدر الذي لا يتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي.
ومن ثَمَّ، فتوقيع العدو لأي اتفاقيات أو تفاهمات مع السلطة الفلسطينية أو الحكومة المصرية، بشأن الإدارة والإشراف المشترك على المعابر البرية، يعدّ فعلاً سيادياً يتعلق بجزء من أرض الإقليم المحتلّ الذي انسحب منه العدو، فيقع بالمعنى القانوني باطلاً، لأنه يمثل تنازلاً عن سيادة شعب غزة على حدوده البرية. كما أن هذه الاتفاقيات والتفاهمات تمت بقوة السلاح والتهديد باستخدامه، وهي تخالف القواعد الآمرة في القانون الدولي. لذلك، فيجب وقف العمل بمقتضى هذه الاتفاقيات، وبمقتضى أي إجراءات تشريعية أو إدارية ترتبط بها.
ومن جهة أخرى، ومع التمسك بالبطلان، فاتفاقية المعابر التي وقّعها العدو مع السلطة الفلسطينية في 15من تشرين الثاني / نوفمبر 2005، قد انتهت على أرض الواقع بسبب عدم تجديدها (كان يفترض أن تجدد الاتفاقية كل ستة شهور)، نتيجة سيطرة حركة حماس على مقاليد الحكم في غزة. أما الاتفاقية التي وقّعها العدو مع السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي، وهي اللاحقة للاتفاقية السابقة والمترتبة عليها، فكانت تقضي بتفويض الاتحاد الأوروبي بإعداد بعثة مكونة من قرابة سبعين عنصراً أمنياً للقيام بالمراقبة والتحقيق والتقييم لأداء السلطة الفلسطينية على المعابر المشتركة. وهذه الاتفاقية أيضاً لاغية لانتهاء الاتفاق السابق (أبو الخير: 2009 a، ص 71 - 72).
وكل ما أوردناه ينطبق أيضاً على الاتفاق الذي وقعته حكومة العدو والحكومة المصرية في الأول من آب / أغسطس 2005، عقب انسحاب الكيان الصهيوني من غزة، وهذا الاتفاق خاص بمعبر رفح وبالمنطقة الحدودية الغزية المصرية، وهو ينقل مسؤولية تأمين تلك الحدود إلى مصر. وينص الاتفاق على أن تتولى قوة من حرس الحدود المصري - في المنطقة المذكورة - مهامّ منع العمليات الفدائية، ومنعِ التهريب، وإمداداتِ السلاح والذخيرة، ومنعِ تسلل الأفراد، واكتشافِ الأنفاق وتدميرها، وأن تتولى أيضاً كلَّ ما من شأنه تأمين الحدود على الوجه الذي كانت تقوم به قوات العدو قبل انسحابها. وهذا الاتفاق لاغٍ حكماً؛ فالكيان الصهيوني كان قوة احتلال في غزة وقد انسحب من منطقة الحدود الغزية المصرية، وطبقاً للمبدأ المستقرّ في القانون الدولي فالاحتلال لا ينقل السيادة، في حين أن الإشراف على المعابر من مستلزمات السيادة ومن مقتضياتها، ومن ثَمّ فالإِشراف على المعابر قانوناً هو للسلطة الفعلية في غزة، وهي حكومة حماس، لأنها السلطة الحاكمة على الأرض والمختارة شعبياً (أبو الخير: 2009 a، ص 72 - 73).
وفي سماء غزة تحلق طائرات العدوّ الحربية والاستطلاعية بشكل دائم، ويراقب العدو ما يجري في القطاع، ويقوم بين الآن والآخر بتنفيذ هجمات جوية على أهداف أرضية. وقد مكّنت اتفاقيات أوسلو العدوَّ من السيطرة الكاملة على المجال الجوي للقطاع، وهذه الاتفاقيات لاغية حكماً، كما مرّ بنا؛ إذ الاحتلال لا ينقل السيادة، ثم إن هذه الاتفاقيات والتفاهمات تمت بقوة السلاح والتهديد باستخدامه، وهي أيضاً تتعارض مع قواعد عامة آمرة في القانون الدولي.
وقد شُيّد مطار غزة عام 1998، وانطلق منه أسبوعياً عدد محدود من الرحلات الجوية المتجهة إلى بعض الدول العربية. وكان القادمون جواً إلى غزة يتم نقلهم براً إلى معبر رفح الحدودي حيث تتفقد قوات أمن العدوّ جوازات سفرهم وأوراقهم الثبوتية. ولقد عطلّت قوات العدو عمل المطار فور اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وفي عام 2001 دمّرت طائرات العدو الحربية مدارج المطار. ويمنع العدو طائرات أي دولة من التحليق في سماء غزة أو تقديم إغاثات منقولة جواً (B`tselem: 2010, Net).
ووفق مبادئ القانون الدولي الإنساني، فإغلاق المعابر البرية والمجال الجوي يعدّان عقاباً جماعياً لسكان غزة المدنيين؛ وبذا، وطبقاً للمادتين (6) و(7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فالحصار يشكل جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية؛ فيجب على الحكومة المصرية وقف كل أعمال الإغلاق، وتدمير الجدار الفولاذي الذي يعززه، فهذا الجدار يلحق ألماً بالغاً وأذىً بالسكان وبالمنشآت المدنية، ويحد من تزوّد القطاع بالسلع والخدمات الأساسية، وينتهك حق التنقل والصحة والتعليم والعمل والعيش الكريم وإيجاد فرص للاستثمار.
بل إن الإغلاق يشكل انتهاكاً لحق الشعوب المعتدى عليها في مقاومة الاحتلال، ويمنع الخيّرين من دعم نضال الشعب الفلسطيني المشروع؛ ولقد كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت عدة قرارات ذات علاقة تدعو إلى تقديم المساعدات والدعم المادي والمعنوي لحركات التحرر الوطني، ومنها القرار رقم 2105 (XX)، وهو الذي بمقتضاه تطالب الجمعية العامة أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة والمجتمع الدولي بتقديم مثل هذه المساعدات لحركات التحرر الوطني، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة. وبذلك، فإن اتخاذ الحكومة المصرية قراراً بفتح حدودها مع غزة سيكون متفقاً ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
الإغلاق البحري
وفق بقاء الاحتلال الصهيوني على تخوم غزة، كان يتعين عليه ضمان تدفق الإمدادات الغذائية والدوائية والطبية والخدمية لسكان القطاع، كما جاء في المادتين (55) و(56) من اتفاقية جنيف الرابعة. إلا أن المحتل، بخلاف ذلك، فرض قبل نحو أربعة أعوام حصاراً اقتصادياً ظالماً على غزة، براً وبحراً وجواً. وشمل الحظر منع عبور المواد الغذائية وتقنينها، وكذا الماء والدواء والوقود والكهرباء وكل مقومات الحياة، حتى الورق وحبر الكتابة. والأصل أن الحصار الاقتصادي عقوبة استثنائية مقيدة بشروط، فإذا جار الحصار على توفير الحاجات الحياتية الأساسية، عدّ جريمة في فقه القانون الدولي الإنساني العرفي والمدون. وقد جاء في المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية لسنة 1977: "يحظر مهاجمة المواد والأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، ويحظر كذلك تدمير هذه المواد والأعيان أو نقلها أو تعطيلها.... مهما كان الباعث، سواء أكان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر". وفعلياً، فتقليص تزويد القطاع بالكهرباء لا يمكن دون المسّ بعمل المشافي ومضخات المياه، ناهيك عن تقليص إمدادات الغذاء والدواء وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية (سقف الحيط: 2009، دراسة قانونية).
لذلك، فإن سياسة الحصار ومنع انتقال الأشخاص ومرور البضائع تمثل شكلاً من أشكال العقوبة الجماعية التي يحظرها القانون الدولي الإنساني، خاصة أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب، حيث تنص المادة (33) من الاتفاقية المشار إليها وتحظر على قوات الاحتلال الحربي معاقبة الأشخاص المحميين على جرائم لم يرتكبوها، كما تحظر عليها اتخاذ تدابير اقتصادية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم. كما أن الحصار، بوصفه إجراء من إجراءات الاقتصاص أو الثأر ومعاقبة المدنيين، ينتهك الفقرة الثانية من المادة الأولى في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، وهي التي تنص على أنه: "لا يجوز بحال من الأحوال حرمان شعب ما من وسائله المعيشية الخاصة". إلى ذلك، فإن سياستي الحصار وهدم المنازل اللتين تمارسهما قوات الاحتلال في غزة تشكلان انتهاكاً للمادة (16) من اتفاقية مناهضة التعذيب، وهي التي حرّمت ضروب المعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي تصل – أو لا تصل – إلى حد التعذيب؛ ولا يمكن تبرير أي من تلك الجرائم وفق مبدأ الضرورة العسكرية.
وبموجب "الاتفاقية المرحلية" التي وقعها العدوّ ومنظمة التحرير الفلسطينية، فالعدو قيّدَ السماح لسفن الصيد من غزة بالإبحار إلى مسافة (20) ميلاً بحرياً تقريباً من خط الشاطئ، باستثناء بعض المناطق التي حظر الوصول إليها مطلقاً، ثم أخذت هذه المسافة بعد الحصار تتقلص وصولاُ إلى ثلاثة أميال، مما أضرّ بمهنة الصيد وبالقائمين عليها وبعوائلهم، وهم قرابة أربعين ألف مواطن، وبمصدر غذاء أساسي لسكان القطاع (B`tselem: 2010, Net).
فما هو كُنْهُ الحصارات البحرية؟ وكيف تكون مشروعة أو مجرّمة؟ استُعملت الحصارات البحرية بفاعلية كبيرة في أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وكذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن منذ سنة 1945 لم تطبق الحصارات إلا في حالات قليلة جداً. ففي مناسبات عديدة، فوّض مجلس الأمن السفن الحربية باعتراض سفن الشحن المشتبه بانتهاكها العقوبات الاقتصادية. فهل يعدّ حصار غزة قانونياً، أم أنه إغلاق عدواني وعقوبة جماعية؟! للإجابة على هذا السؤال، فلا بد لنا من استعراض أنواع الحصار البحري التي يسمح بها القانون الدولي ومدى انطباق أيٍّ منها على حصار غزة.
الحصار العسكري للمواقع الحصينة ((Siege يعني قيام جيش دولة ما بتطويق إقليم دولةٍ أو مدينة أو حصون، لدفعها إلى الاستسلام. وقد قررت محكمة نورمبيرج الدولية العسكرية، التي شُكِّلت عقب الحرب العالمية الثانية لمحاكمة النازيين، شرعيةَ فرض حصار عسكري (Siege) على إقليم الدولة المعادية، عندما يكون الهدف هو دفعها إلى الاستسلام (The 1956 United States Army Field Manual). ولا يطبق هذا النوع من الحصار ضد قطاعٍ محتلٍّ، وكذلك يتعين ألا يلحق ضرراً بالغاً بالمدنيين، وإنما يهدف إلى إنهاء حالة الحرب بين دولتين، وتخليص الشعب المحاصر من المعاناة. الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة لا يمكن تصنيفه ضمن الحصار (Siege) الذي بيّنّاه آنفاً، لأنه لا يستهدف تحقيق نصر عسكري مباشر؛ كما أن القيود التي يفرضها المحتل على حركة الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه لا تحمل معنى "الهدف العسكري". والعدو الصهيوني لا يسعى إلى إخضاع غزة أو القيام باشتباكات عسكرية للسيطرة على مُدنها، أو إعادة احتلال القطاع، كما أنه لا يسعى إلى التدخل إنسانياً بهدف حماية المدنيين أو مساعدتهم في الخروج من القطاع المحاصر؛ بل العكس هو الواقع الماثل، فالحصار يستهدف المدنيين لإنهاكهم وإذلالهم، وصولاً إلى دفعهم للضغط على حركة حماس وعلى فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، لكي تقدم تنازلات عسكرية تنافي مبدأ الدفاع الشرعي وحق تقرير المصير (LCFM: 2008, Legal Study).
الحصار التكتيكي (Blockade) يشبه في غايته الحصار (Siege)، ويُفرض حول إقليم الدولة المعادية بوصفه تكتيكاً عسكرياً لحرمان العدوّ من الإمدادات العسكرية واللوجستية التي تمكنه من مواصلة القتال، وصولاً إلى تحقيق تفوق عسكري على قواته، ودفعها إلى الاستسلام؛ وفي كل مراحل تطبيقه، تستثنى الإمدادات الإنسانية من الحظر (Sandoz and others: 1987, Legal Study). إن حصار غزة لا يهدف إلى دفع الغزيين إلى الاستسلام أو إلى إعادة احتلال القطاع، كما لا يقتصر على منع وصول إمدادات الأسلحة، أو المواد المشتبه بدورها في تصنيع المتفجرات ودعم المجهود العسكري، فالكيان الصهيوني قلّص نسبة دخول الإمدادات الإنسانية إلى غزة إلى أقل من ثلث الحد الأدنى من احتياجات أهل القطاع، كما نفّذ، على فترات متعاقبة، أكثر من إغلاق كامل، منع في أثنائها دخول أي بضاعة، أو دخول أحد إلى القطاع أو خروجه منه، بما في ذلك الحالات الطبية الحرجة (LCFM: 2008, Legal Study). فالحصار من ثَمّ لا يستهدف الإمدادات العسكرية، وإنما يستهدف الإمدادات المدنية الإنسانية والتبادل التجاري الحرّ، الذي يعتاش عليه مليون ونصف المليون مدني، نصفهم تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً. كما أن غزة قطاع محتل، وليس دولة معادية، أو كياناً معادياً "Hostile Entity".
المادة (41) من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة تسمح باستخدام القوة المسلحة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ويجوز أن يكون من بين هذه التدابير "وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات، وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية". أما المادة (42) من ذات الميثاق فتنص على إجراء تصعيدي، إذا لم تفلح تدابير المادة السابقة، وهي تجيز القيام بما أسمته "الأعمال اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين"، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال "الحصار والعمليات الأخرى، بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة". إذن، فشروط الحصار الاقتصادي (Sanction) أو (Embargo) هو أن يصدر بموجب قرار عن مجلس الأمن، وهو يجيز الحصار بوصفه أحد التدابير المطلوب اتخاذها، وأن يُفرض الحصار ضد دولة ذات سيادة، وأن يحدِّد القرار كُنْهَ هذه التدابير، وأن تكون هذه التدابير لحفظ السلم والأمن الدوليين. وحصار غزة لم يصدر بموجب قرار عن مجلس الأمن، وإنما صدر عن إرادة صهيونية عدوانية منفردة، تخالف مبادئ القانون الدولي الإنساني، وتنتهج سياسة العقوبات الجماعية ضد السكان المدنيين، أي ضدّ إقليم محتل - لا دولة مستقلة. ويمنع هذا الحصار أي دولة في العالم من إقامة علاقات اقتصادية مع القطاع المحاصر أو تقديم العون للشعب الفلسطيني في غزة.
فحصار قطاع غزة هو إغلاق غير قانوني Closure) (Illegal مفروض على كل سكان القطاع بصفته عقوبة جماعية Collective Punishment)) (LCFM: 2008, Legal Study)، وهو جريمة تحرمها الشرعة الدولية. ويهدف هذا الإغلاق غير القانوني إلى معاقبة الغزيين على خيارهم الانتخابي، ودفعهم إلى التمرد على حركة حماس والفدائيين، لوقف المقاومة، ولإعادة الأسير الصهيوني شاليط. وحصار غزة بذلك إرهاب دولة يمنع توفير حياة كريمة لسكان القطاع، وقد نصت المادة (33) من اتفاقية جينيف الرابعة على أنه: "لا يجوز معاقبة أي شخص محميّ عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً"، ونصت أيضاً: "تُحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب".
الاعتداء على أسطول الحرية
يصطدم تعطيل تدفق المساعات الإنسانية إلى المناطق المعتدى عليها مع مبدأين من مبادئ القانون الدولي الإنساني هما: مبدأ تحريم تجويع السكان المدنيين، ومبدأ تحريم العقوبات الجماعية المتخذة ضدهم. وعلى الرغم من أنه لا ذكرَ لاتفاقية دولية خاصة بشأن التدخل العسكري الإنساني، لكن هذا التدخل يستند إلى المبدأ القانوني العام القاضي بأن التعامل الدولي يسمح لدولة ما، في ظروف خاصة، بالتدخل في سيادة دولة أخرى لاعتبارات إنسانية محضة. وهي تأتي لمواجهة حالات من المعاناة الشديدة التي يتكبدها المدنيون المحاصرون والمعرضون للخطر.
ومن الأمثلة التطبيقية لدول ادّعت تطبيق هذا المبدأ في تدخلها العسكري: التدخل البلجيكي في الكونغو عام 1960، والتدخل الأمريكي البلجيكي في نفس الدولة عام 1964، والتدخل الأمريكي في جمهورية الدومينكان عام 1965، والغزو التركي لقبرص عام 1974، والانتشار الفرنسي في زائير عام 1978، والتدخل الأمريكي في غرينادا عام 1983، والغزو الأمريكي لبنما عام 1989، وغيرها (الجندي: 2003، ص 42، 43).
وفجر يوم الأول من حزيران / يونيو 2010 قامت القوات الصهيونية، بأمر من وزير دفاع كيان العدو، باعتراض السفينة التركية (مرمرة) وهي إحدى سفن أسطول الحرية التي أبحرت للتدخل المدني الإنساني في غزة، وكانت تحمل عشرة آلاف طن من المعونات الإنسانية لسكان القطاع المنكوب؛ ونفّذت قوات العدو عملية إنزال جوي مصحوبة بإطلاق كثيف للنيران، وبعمليات قنص، فقتلت عشرة ناشطين مدنيين – تسعة منهم أتراك الجنسية - وأصابت (36) آخرين، وقد نفذت القوات الصهيونية جريمتها في المياه الدولية، ثم خطفت السفن وطواقمها والناشطين واقتادتهم إلى مناطق في فلسطين المحتلة.
رئيس الوفد المغربي قال: إن جنود العدو أمطروا النشطاء بوابل من الرصاص؛ مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والمصابين, ثم كبلوا أيدي الباقين واقتادوهم تحت حرّ الشمس. وهو ما أكدته الناشطة الجزائرية "صابرينا" التي قالت: إن جنود العدو لم يفرقوا بين رجل أو امرأة ولا بين رجل مسنّ وطفل, وعاملوا الجميع بمنتهى القسوة والهمجية، وأضافت قائلة: إنه تم تقييدها وتركها أربع ساعات تقريباً على سطح السفينة تحت أشعة الشمس الحارقة (الجزيرة: b2010، نت).
وقال رئيس الوفد الجزائري: إن جنود العدو منعوا ابنه الصغير من قضاء حاجته مدة عشر ساعات, ولما احتج والده على ذلك ضربوه بعنف قبل أن يتم تقييده. كما أكد النائب الكويتي وليد الطباطبائي أنه تعرض للضرب على أيدي المعتدين, مضيفاً: إن المحققين الصهاينة تعمدوا خلال التحقيقاتِ السخريةَ والاستهزاء من كبار الشخصيات المشاركة في الأسطول (الجزيرة: b2010، نت).
وأضاف غريغوروبولوس وبيترويانيس، وهما ناشطان يونانيان: إن جنود العدو تركوا النشطاء ساعات طويلة دون أن يسمحوا لهم بالاتصال بأي محامٍ أو جهة خارجية، مما أدى إلى انقطاعهم عن العالم الخارجي؛ كما أن هؤلاء الجنود طلبوا منهم التوقيع على وثائق مكتوبة باللغة العبرية دون ترجمة محتواها، وتبيّن لاحقاً أنها عرائض تظهر ندم الناشطين واعتذارهم عمّا قاموا به، لكن كثيرين رفضوا توقيع العرائض على الرغم من تعرضهم للضرب بالعصي الكهربائية ولإطلاق الرصاص المطاطيّ على أجسامهم من مسافات قريبة (الجزيرة: c2010، نت).
وقال باباذوكوستوبولوس: إن بيساياس رفض إعطاء بصماته والخضوع للتحقيق لأنه عدّ عملية الاعتقال غير قانونية أصلاً، مما جعل جنود العدو يضربونه ويعذبونه بشدة. أما بول لارودي الناشط الأمريكي المعروف، فجنود العدو قيدوا يديه ورجليه بشدة، وتركوه عارياً، يصرخ متوجعاً من الألم، ثم حقنوه بإبر مهدئة (الجزيرة: c2010، نت).
وتحدث أحد مراسلي الجزيرة عن عمليات تحقيق لا علاقة لها بالقافلة، مثل سؤاله عن التوجهات السياسية لأعضاء فريق قناة الجزيرة، وعن مكان إقامة عائلته في لبنان، ثم طلبوا منه التوقيع على إقرار بأن يده كسرت نتيجة سقوطه في السفينة، وليس بسبب تعرضه للضرب على يد جنود العدو (الجزيرة: c2010، نت).
وعلى الصعيد الدولي، فمجلس الأمن الدوليّ أجاز مشروع القرار الذي قدمه ممثلو كل من: باكستان (نيابة عن منظمة المؤتمر الإسلامي)، والسودان والوفد الفلسطيني (نيابة عن مجموعة الدول العربية) يوم 2 من حزيران / يونيو 2010، وذلك بغالبية 32 صوتاً من أصوات المجلس المكون من 47 دولة، وعارضته ثلاث دول هي: الولايات المتحدة وإيطاليا وهولندا، وامتنعت عن التصويت تسع دول، في حين تغيبت عن الجلسة ثلاث دول. ويدين القرار جريمة الاعتداء، ويطالب العدوّ بالإفراج الفوري عن المعتقلين وبإعادة السفن المحتجزة، وبالسماح بالدخول العاجل للإعانات التركية إلى غزة، وبالتنفيذ الكامل لقراري مجلس الأمن (1850) لعام 2008 و(1860) لعام 2009، وهما القراران اللذان يحمّلان الاحتلال الصهيوني مسؤولية حماية المدنيين في قطاع غزة، باعتباره جزءاً محتلاً من الدولة الفلسطينية، ويطلبان كذلك تشكيل لجنة يوكل إليها التحقيق العادل في الجريمة (FT.Com Middle East: 2010, Net).
وقد أعرب مجلس الأمن في اجتماعه يوم 21 من تموز / يوليو 2010 عن خشيته من أن الإغلاق المفروض على قطاع غزة والذي يمنع دخول: "الوقود قد يتسبب في نقص الكهرباء في القطاع أو تعطيلها؛ وكذلك، فالحظر المفروض على دخول مواد البناء إلى القطاع من شأنه بقاء المنازل والمباني، التي دمرتها إسرائيل في حربها على القطاع على حالها؛ وهي تشكل قرابة ثلاثة أرباع منازل القطاع. وكذلك فالحصار ينذر بقرب انهيار النظام الصحي في قطاع غزة بشكل كامل" (Security Council, 6363rd meeting: 2010).
كما قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ((UNHRC في جلسته يوم 23 من تموز / يوليو 2010 تشكيل بعثة تقصي حقائق مستقلة، وفق القرار (S/PRST/2010/9)، تتولى التحقيق الفوري بصدق ونزاهة وشفافية في انتهاكات جنود العدو للقانون الدولي، في أثناء هجومهم على سفن أسطول الحرية. وقد نص القرار الصادر عن المجلس على تشكيل هذه اللجنة من البريطاني: ديسموند دي سيلفا Desmond de Silva، المدعي العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة في المحكمة الخاصة التي شكلتها المنظمة في سيراليون؛ ومواطن جمهورية ترينيداد وتوباغو: كارل هادسون فيليبس Karl Hudson-Phillips، قاضي المحكمة الجنائية الدولية السابق، والماليزي: ماري شانث ديريام Mary Shanthi Dairiam، العضو السابق في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة (JURIST LNRS: 2010, Net).
القرصنة الحربية الدولية .. الجريمة والعقاب
تُجرِّم قواعد القانون الدولي أعمال القرصنة البحرية وتُصنفها بأنها جريمة وطنية ودولية، ويعدّ فاعلها مرتكباً لجرائم ضد الإنسانية، ويخضع للمحاكمة والعقاب في نطاق الاختصاص القضائي الوطني والدولي. وقد استهدفت أعمال القرصنة الحربية الصهيونية Piracy Military، كما مرّ بنا، قتل من يبحرون على متن سفن التدخّل الإنساني وترويعهم. كما كشفت النتائج الأولية لتشريح جثامين الشهداء، كما جاء في تقرير قناة الجزيرة، أن الضحايا أُمطِروا بوابل من الرصاص من عيار (9 ملم)، وأن معظم الرصاص جرى إطلاقه من مسافة قريبة، فأصابهم في الرأس أو الصدر (الجزيرة: a2010، نت).
ومن القوانين ذات الاختصاص، في تجريم القرصنة الدولية، هو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، وهذه الاتفاقية تعرّف جريمة القرصنة في المادة (101) منها بأنها: "أيُّ عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز، أو أيُّ عمل سَلْبٍ يرتكبه لأغراض خاصة طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة، ويكون موجّهاً في أعالي البحار، ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة، أو على متن تلك الطائرة، أو ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات، في مكان يقع خارج ولاية أيّ دولة، أو التحريض أو التسهيل لأي مما سبق".
أما المادة (105) من ذات الاتفاقية فقد تضمنت نصاً خاصاً على مبدأ الاختصاص العالمي لمحاكمة مرتكبي جرائم القرصنة البحرية، فجاء النص كما يلي: "يجوز لكل دولة في أعالي البحار، أو في أي مكان آخر خارج ولاية أيِّ دولة، أن تضبط أيَّ سفينةِ قرصنةٍ أو طائرة، أو أيَّ سفينةٍ أو طائرة أُخِذَت بطريق القرصنة وكانت واقعة تحت سيطرة القراصنة، وأن تقبض على مَن فيها من الأشخاص، وتضبط ما فيها من الممتلكات. ولمحاكم الدولة التي قامت بعملية الضبط أن تقرر ما يفرض من العقوبات". ومن ثَمّ، فهذه المادة تُرسي معاً مبدأي: الاختصاص الدولي، والاختصاص الخاص العالي في ملاحقة جرائم القرصنة البحرية، فهي تمنح أي دولة حق التدخل في ملاحقة مرتكبي جرائم القرصنة البحرية واعتقالهم ومحاكمتهم وتوقيع العقوبة عليهم، سواء في أعالي البحار، أو في البحر الإقليمي في عرض المياه الممتدة على طول سواحل الدول التي تجتازها سفن القراصنة وقواربهم.
غير أن هجوم قوات العدو الصهيوني على أسطول الحرية لا يعد "قرصنة" وفق المعنى الوارد في الاتفاقية السابقة، فالقوات المهاجمة هي جيش نظامي لا قوات مدنية، كما أن تركيا ودولة الكيان المزعومة ليستا عضوين في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ولما سبق فالهجوم هو قرصنة عسكرية وعدوان حربي على تركيا؛ وبالتالي فمهاجمة الناشطين الأتراك، إن تأكدت، لجنود الاحتلال الصهيونيّ في بداية الإنزال الجوي، بالعصيّ والأسلحة البيضاء، هي دفاع شرعيّ عن النفس؛ إذ الاعتداء الصهيوني وقع على السفينة التركية المدنية في المياه الدولية، على الرغم من أن هذه السفينة لم تكن محمّلة بأيّ أسلحة، وكان الإعلام قد تابع نشاطها الإغاثي الإنساني قبل إبحارها، فعرف العالم كله هدف رحلتها.
وتحكم جرائم القرصنة قواعدُ القانون الدولي العام التي تضمنتها المعاهدات الدولية، المتعلقة بسلامة النقل البحري للركاب والبضائع التي تنقلها السفن التجارية عبر البحار، والمتعلقة بالمحافظة على الأمن البحري؛ وتحكمها أيضاً البروتوكولاتُ واللوائحُ الخاصة بالسلامة البحرية والبحث والإنقاذ في البحار (التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب: 2010)؛ وتحكمها كذلك مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأيٍّ من أشكال الاحتجاز أو السجن- بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (43/173) لعام 1988 - (39) مادة؛ إلى جانب قواعد القانون الدولي العام التي تضمنتها المعاهدات والاتفاقيات الدولية والثنائية المبرمة بين الدول بشأن تجريم أعمال الإرهاب الدولية، وملاحقة مرتكبيها ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وذلك باعتبار أن جريمة القرصنة البحرية الحربية عمل من أعمال الإرهاب الدولي.
وتطبق على تلك الجريمة أيضاً القوانين الجزائية الوطنية التي تُجرّم أعمال القرصنة البحرية، لاسيما التي ترتكب ضدّ سفنها المبحرة في المياه الأجنبية أو الدولية. ويذهب المشرع الجزائي عموماً إلى الأخذ بمبدأ إقليمية القوانين الجزائية، حيث تعدّ الجريمة مرتكبة في الدولة إذا وقع على إقليم تلك الدولة أحدُ العناصر التي تؤلف الجريمة، أو أيُّ فعل من أفعال جريمة غير مُجَزَّأَة، أو فعلُ اشتراكٍ أصليّ أو فرعيّ؛ وتشمل أقاليمُ الدولة طبقةَ الهواء التي تغطيها، والبحرَ الإقليمي إلى مسافة لا تتجاوز إثني عشر ميلاً بحرياً من سواحل الدولة، والمدى الجويَّ الذي يغطي البحر الإقليمي، والسفنَ والمركباتِ الهوائيةَ التي تحمل علمها (سقف الحيط:2011، ص 380 - 382). وبذلك، فالاختصاص ينعقد للقانون الجزائي التركي وله حق القبض والاعتقال والمحاكمة والعقاب لمرتكبي جرائم القرصنة وقادتهم ومشاركيهم، أمام محاكم تركيا الوطنية.
ويتضمن ميثاق المحكمة الجنائية الدولية توصيف الأعمال غير المشروعة، ومن ذلك جريمة القرصنة البحرية التي تعدّ جريمة ضد الإنسانية. ويترتب على اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية اعتبار نصوص النظام جزءاً من التشريع الوطني. فإذا ما اعتنقت الدولة مبدأ الشخصية السالبة "Passive Personality Principle"، فيمكنها إدماج نظام المحكمة بقوانينها الداخلية للعمل بمقتضاها وإكساب محاكمها اختصاصاً عالياً. لذلك، فالتشريعات العربية الجزائية يجب أن تكفل امتداد الولاية القضائية لمحاكمها؛ لتتمكن من ملاحقة أيِّ مجرم ارتكب جريمة دولية، نصّ عليها نظام روما، ضدَّ مجنيٍّ عليه يحمل جنسية محكمتها، وملاحقة الجاني في دولة أخرى، أو في إقليم دولي لا يتبع دولة معيّنة؛ ليكون للدولة التي يحمل الضحيةُ جنسيتَها الحقُّ في الولاية القضائية على تلك الجريمة.
كما يمكن إدماج قوانين أخرى، تتعلق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولين الملحقين بها، في القوانين الوطنية. وتجربة بلجيكا وفرنسا وإسبانيا خير دليل على بعض هذه الإدماجات. وقد أسبغت اتفاقيات جنيف الأربعة اختصاصاً عالمياً لمحاكم الدول الأطراف فيها، لتقوم بملاحقة مقترفي الجرائم الجسيمة واعتقالهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم أياً كانت جنسياتهم، وذلك بموجب نصوص المواد: (49) من اتفاقية جنيف الأولى، و(50) من اتفاقية جنيف الثانية، و(129) من اتفاقية جنيف الثالثة، و(146) من اتفاقية جنيف الرابعة.
ولِما سبق، فالاعتداء على المتضامنين المدنيين جريمة ضد الإنسانية، وقد مارست القواتُ الصهيونية أعمالَ القتل والتعذيب عن سبق إصرار، وسبق ترصد لقوافل إغاثية إنسانية غير محاربة؛ وإن الاتهام يطول جسم الكيان الإسرائيلي: "حكومته"، كما يطول وزير دفاعه ومسؤوليه، وكل فرد شارك في الاعتداء المسلح. وعليهم جميعاً تحمل المسؤولية الجزائية في العقاب، والمدنية في تعويض الضحايا.
ويمكن لتركيا ولأي دولة أصيب أو تضرر أحد رعاياها من الاعتداء، وهي طرف في نظام المحكمة الجنائية الدولية، التقدم بطلب إلى مدعي عام المحكمة لتحريك الاتهام بحق كيان العدو، وفق المادتين (13/أ) و(14)، ويكون تقريرُ مجلس حقوق الإنسان حال إعداد الاتهام أحدَ بيّنات الدعوى. وإذا رفض العدو اختصاص المحكمة؛ إذ هو ليس عضواً في النظام الأساسي للمحكمة، فيمكن حينها رفع الشكوى إلى مجلس الأمن الدوليّ. والجدير بالذكر أن المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تمنح مجلس الأمن سلطة إحالة حالات جرمية مشابهة إلى المحكمة، حتى لو اتصلت هذه الحالات بدول ليست طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة. ومن ثَمّ، فجرائم العدو الصهيوني ذات العلاقة تقع ضمن اختصاص المحكمة؛ وبموجب هذه المادة، فمدعي عام المحكمة كان قد تمكن من الادعاء بحق الرئيس السوداني عمر البشير في قضية قبائل دارفور الانفصالية. ولكن، ستثور، من بعد، مشكلة حق الاعتراض على قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة (الفيتو) من الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتعاطفة مع الكيان الصهيوني (سقف الحيط: 2009، دراسة قانونية).
كما يفترض أن يكون مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ممثلاً للمجتمع الدولي؛ ووفق المادتين (13/ج) (15) من نظام المحكمة، فيمكنه أن يباشر التحقيقات (من تلقاء نفسه) على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وهي: جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان.
ولمجلس الأمن، بناءً على صلاحياته الممنوحة له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن يشكل محاكم دولية خاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، مثل: محكمتي يوغسلافيا عام 1993، ورواندا عام 1994، وهما اللتان أنشأهما مجلس الأمن بموجب القرارين (808) و (935)، لمحاكمة مجرمي الحرب في هذين البلدين.
ووفق المواد (146) و(147) و(148) و(149) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، فيتوجب على الدول الأطراف في الاتفاقية محاكمة مجرمي حرب العدوّ الصهيوني أمام المحاكم الجنائية لتلك الدول، وإلقاء القبض على أي مسؤول صهيوني متهم بارتكاب "مخالفات جسيمة" بمجرد دخوله تلك الدولة. وهذا أسلوب تلجأ إليه المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، وأفراد من ضحايا جرائم الحروب الصهيونية. وقد نصّت الاتفاقية على هذا الالتزام في متن المادة (146): "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أيَّ إجراء تشريعي يَلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية ....". وتعرّف المادةُ (147) المخالفاتِ الجسيمةَ بالآتي: "أحد الأفعال التالية، إذا اقتُرِف ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية، وهي: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة، والنفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وإكراه الشخص المحميّ على الخدمة في القوات المسلحة للدولة المعادية، أو حرمانه من حقه في أن يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقاً للتعليمات الواردة في هذه الاتفاقية، وأخذ الرهائن، وتدمير الممتلكات واغتصابها على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية". أما المادة (148) فتحذّر من التحلل من هذا الالتزام القانوني: "لا يجوز لأي طرف متعاقد أن يتحلل أو يحلّ طرفاً متعاقداً آخر من المسؤوليات التي تقع عليه، أو على طرف متعاقد آخر، فيما يتعلق بالمخالفات المشار إليها في المادة السابقة".
ويترتب على انتهاك أي دولة لقواعد القانون الدولي العام وأحكامه أو لقواعد القانون الدولي الإنساني مسؤولية دولية ذات طبيعة مزدوجة: فهي جزائية من جانب، ومدنية من جانب آخر. والمسؤولية بشقيها: عرفية، ومدوّنة في الشرعات الدولية، مثل ما جاء في المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين الحرب وأعرافها لعام 1907: "يلتزم الطرف المحارب الذي يخلّ بأحكام هذه اللائحة بالتعويض إذا دعت إليه الحاجة، كما يكون مسؤولاً عن جميع الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قواته المسلحة".
كذلك جاء في البند السابع من المادة الثانية من الإعلان الصادر عن المؤتمر الدولي لحماية ضحايا الحرب، والذي انعقد في جنيف في الفترة من 30 من آب / أغسطس إلى الأول من أيلول / سبتمبر 1993 ما يأتي: "... و نؤكد من جديد أن الدول التي تنتهك القانون الدولي الإنساني ستكون ملزمة بدفع تعويض إذا اقتضى الأمر ...". هذا، ولمجلس الأمن العديد من القرارات المماثلة، ومنها القرار الذي عدّ بموجبه العراق مسؤولاً عن جميع الخسائر التي لحقت بالكويت وبدول أخرى وبالشركات الأجنبية وبالأشخاص، جراء اجتياح الجيش العراقي الكويتَ عام 1990 (حق: 2009، دراسة قانونية).
ووفق المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فالدولة بوصفها شخصاً معنوياً لا تُسأل جنائياً، وإنما تُسأل مدنياً، عن الأضرار التي تنتج عن أعمال ممثليها غير المشروعة، ويُسأل الأشخاص الطبيعيون وفق المسؤوليتين الجزائية والمدنية.
كما يجب إرسال بلاغات إلى المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان وانتهاكات اتفاقيات جنيف والبروتوكلين الملحقين بها، مثل منظمة العفو الدولية في لندن ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان في نيويورك، وغيرهما من المنظمات الحقوقية العربية والعالمية؛ لإمدادهم بالمعلومات المتوفرة عن ممارسات العدو الجسيمة، وبالبيّنات التي أمكن جمعها، وكذلك لمناقشتهم في النصوص القانونية والقرارات الدولية ذات العلاقة، لمساعدتهم في تعقب مجرمي الحرب الصهاينة وتطبيق العقوبات العادلة بحقهم.
النتـائج
الاحتلال العسكري يخالف المبادئ العامة والقواعد الآمرة الدولية، وهي قواعد تتصل بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها؛ فاحتلال فلسطين، وقرارات التقسيم، ودولة العدو الصهيوني، لا شرعيةَ لأيٍّ منها، مهما حظيت باعترافات دولية. وفي المحافل الدولية، فإن المجتمع الدولي يعترف بالقدس الشرقية وبالضفة الغربية وبقطاع غزة بوصفها أقاليم فلسطينية محتلة، ويرى خضوع الأعمال الحربية التي يقوم بها العدو في تلك الأقاليم لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وللبروتوكول الأول الملحق بها.
ويدعم القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة شرعية نضال الشعوب المستعمرة، وحقها في استخدام كل الوسائل العسكرية الممكنة لاستعادة القدرة على تقرير المصير والسيادة، وكذلك حقَّها في تلقي جميع أنواع المساعدة الدولية، بما في ذلك الأسلحةُ، وتمتعُ المقاومين بحقوق أسرى الحرب العسكريين النظاميين، وفق التزامهم بشروط معيّنة. وينص القانون الدولي الإنساني على ضرورة تطبيق مبدأي التمييز والتناسب في الأعمال العسكرية التي يقوم بها العدو في فلسطين المحتلة.
والاحتلال الحربي هو عمل مادي مؤقت، لا حالة قانونية دائمة، ومن ثَمَّ فلا يحق للمحتل تغيير المركز القانوني للأقاليم المحتلة؛ فتكون باطلةً كلُّ اتفاقيات العدو الصهيوني، مع السلطة الفلسطينية أو أي دول أخرى، للسيطرة على المعابر البرية لقطاع غزة أو على مجاليه الجوي والبحري، وهذه الاتفاقيات لا ترتب أثراً قانونياً. أما الحصار البحري والقيود المفروضة على حركة المدنيين والبضائع من قطاع غزة وإليه، ومنعُ الغزيين من ممارسة التجارة وتلقي المعونات الإنسانية، فهو إغلاق غير قانوني وعدوان اتخذه العدوّ من جانب أحادي دون الرجوع إلى مجلس الأمن، وليس حصاراً بالمعنى القانوني أو جزاءً دولياً. وهو عقوبة جماعية مفروضة على سكان قطاع غزة وجريمة جسيمة تنتهك كل القوانين والأعراف الدولية.
ويعدّ الاعتداء على قوافل الإغاثة البحرية انتهاكاً لقواعد القانون الدولي، وهو جريمة قرصنة حربية بحرية، وجريمة ضد الإنسانية. وبموجب القانون الدولي يخضع جنود العدو الذين هاجموا قافلة الحرية للمحاكمة وللعقاب في نطاق الاختصاص القضائي الدولي، و في نطاق المحاكم الخاصة التي يشكلها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين؛ وهم يخضعون أيضاً للقضاء الجزائي الوطني للدول التي تحمل السفنُ علمَها، أو يحمل المعتدى عليهم جنسيتها؛ أو لقضاء الدول التي أكسبت محاكمَها اختصاصاً عالياً. ويُسأل الكيان الصهيوني عن جرائمه مدنياً، ويسأل الأشخاص الطبيعيون وفق المسؤوليتين الجزائية والمدنية.
وبعد، دم الإنسان أغلى من كل القوانين وقرارات المحاكم، وسياسة مجلس الأمن الدولي وغيره من المنظمات تقود العالم اليوم بعيداً عن العدالة، ودول الاستكبار العالمي تخون أمانتها الدولية وتدعم أعداء الإنسانية وخونة الأوطان للسيطرة على مقدرات الأمم. الحتمية التاريخية ستقود الشعوب المستضعفة إلى الإطاحة بكل العروش التي تأسست على وصايا باطلة، وبكل الأنظمة الظلامية؛ وحينها سيعاد فتح كل الملفات الحقوقية وفحص البيّنات القديمة، لتتم ملاحقة مجرمي الحرب، أياً كانت جنسياتهم؛ فجرائم الحرب لا تسقط بالتقادم. وسيُحكم على كل الظالمين بالقصاص العادل، وعلى الدول التي دعمت واشتركت في العدوان بدفع تعويضات لا تنضب للأمم المظلومة. وستحل منظمة مستضعفي العالم مكان المنظمات المتواطئة والضعيفة؛ لتعمل على إرساء السلم والإخاء الدوليين. أما في وقتنا الحاضر، وحتى موعد أكيد مع النصر، فالمقاومة هي السبيل إلى الكرامة والحرية، والقوانين لا تكتب إلا بدماء الشهداء.
المصادر العلمية
كتب:
1. أبو الخير، مصطفى أحمد (2009a) الحرب الأخيرة على غزة في ضوء القانون الدولي العام، إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع: القاهرة، مصر.
2. أبو الخير، مصطفى أحمد (2009b) الطرق القانونية لمحاكمة إسرائيل قادة وأفراداً في القانون الدولي بالوثائق، إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع: القاهرة، مصر.
3. بجك، باسيل يوسف (2006) العراق وتطبيقات الأمم المتحدة للقانون الدولي 1990 – 2005 دراسة توثيقية وتحليلية، مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت، لبنان.
4. الجندي، غسان هشام (2003) حق التدخل الإنساني، دار وائل للنشر: عمان، الأردن.
5. سرحان، عبد العزيز محمد (1989) الدولة الفلسطينية في قرارات الأمم المتحدة، أركانها وحدودها وعلاقتها بالإرهاب والجرائم الدولية، دار النهضة العربية: القاهرة، مصر.
6. سقف الحيط، عادل عزام (2011) جرائم الذم والقدح والتحقير عبر الوسائط الإلكترونية: شبكتي الإنترنت والهواتف النقالة - وعبر الوسائط الآلية والتقليدية والمطبوعات - دراسة قانونية مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع: عمان، الأردن.
7. غتمان روي، وريف ديفد، وكتاب داود (تحرير) ومسعود غازي (ترجمة) (2003) جرائم الحرب، أزمنة للنشر والتوزيع: عمان، الأردن.
8. الفتلاوي، سهيل حسين (2009) الإرهاب الدولي وشرعية المقاومة، دار الثقافة للنشر والتوزيع: عمّان، الأردن.
9. محكمة العدل الدولية، إجراءات إفتاء بشأن الآثار القانونية لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بيان خطي في 30من كانون الثاني / يناير 2004 ومرافعة شفوية في 23 من شباط / فبراير 2004، بكدار: القدس، فلسطين.
دراسات صحفية وبيانات حقوقية:
10. بيومي، عمرو (2002) "بالقانون الدولي: قتل الإسرائيليين مقاومة مشروعة"، 3 من شباط / فبراير 2002، جريدة العربي: القاهرة، مصر.
11. التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب (2010) "إسرائيل الدولة المجرمة تتمادى وتتقرصن وتدوس القانون الدولي"، بيان حقوقي، الأول من حزيران/ يونيو 2010.
12. الحوراني، عبد الله (2001) "181 ،لا 242 هو القرار الخاص بالدولة الفلسطينية"، 27من كانون الثاني/ يناير 2002، جريدة العربي: القاهرة، مصر.
13. سقف الحيط، عادل عزام (2009) "العدوان على غزة في فقه القانون الدولي الإنساني"، دراسة قانونية منشورة في صحيفة الغد الأردنية، بتاريخ السبت 10من كانون الثاني/ يناير 2009، الجزء الأول – قضايا، ص 12: عمان، الأردن.
14. الطاهر، عمر عصام (2001) "تقسيم فلسطين باطل بالثلاثة"، 30 من كانون الأول/ ديسمبر 2001، جريدة العربي: القاهرة، مصر.
15. مؤسسة حق، "مسؤولية المحتل المدنية الناشئة عن عدوانه على قطاع غزة"، دراسة قانونية، 18 من شباط/ فبراير 2009.
الاتفاقيات الدولية - مرتبة حسب التاريخ الأقدم فالأحدث:
16. الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين الحرب البرية وأعرافها، لاهاي- هولندا، 18 من تشرين الأول / أكتوبر 1907.
17. ميثاق عصبة الأمم لعام 1919.
18. ميثاق الأمم المتحدة الصادر في مدينة سان فرانسيسكو، 26 من حزيران/ يونيه 1945.
19. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقَبة عليها لعام 1948.
20. ميثاق حلف شمال الأطلسي The North Atlantic Treaty (الناتو) ووُقع عليه في واشنطن، 4 من نيسان / إبريل عام 1949.
21. اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب المعقودة في جنيف، خلال الفترة من 21 من نيسان / أبريل إلى 12 من آب / أغسطس 1949.
22. اتفاقية جنيف االرابعة المؤرخة في 12 من آب / أغسطس 1949 والمتعلقة بحماية ضحايا الحرب.
23. اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لعام 1969.
24. البروتوكول الإضافي الأول إلى اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 من آب / أغسطس 1949 المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلّحة الدولية والمؤرخ في 8 من حزيران / يونيو 1977.
25. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17 من تموز/ يوليه 1998.
مواقع إلكترونية:
26. الجزيرة (a2010) جندي إسرائيلي يقرّ بقتل ستة متضامنين، نشر في 5 من حزيران/ يونيو، تم التصفح في 25/7/2010، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/EF640BD6-BA0E-4F1A-85EB-5DEB85B030E3.htm
27. الجزيرة (b2010) شهادات عن بشاعة العدوان، نشر في 2 من حزيران/ يونيو، تم التصفح في 25/7/2010، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/6D952F9B-55C3-45B8-B75C-544F508B39D1.htm
28. الجزيرة (2010c) شهادات الحرية تدين إرهاب إسرائيل، الأول من حزيران/ يونيو ، تم التصفح في25/7/2010، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E66092A5-FB0F-49F7-A4EC-B4308054C0DA.htm
Books and Manuals:
29. Gowlland-Debbas, Vera (1990) Collective Responses to Illegal Acts in International Law - United Nations Action in the Question of Southern Rhodesia, Martinus Nijhoff Publishers: Netherlands.
30. Quigley, John (2005) The Case For Palestine – An International Law Perspective, Duke University Press: Durham: USA.
31. Sandoz, Yves, Christophe Swinarski and Bruno Zimmermann, eds (1987) Commentary on the Additional Protocols of 8 June 1977 to the Geneva Conventions of 12 August 1949, International Committee of the Red Cross: Geneva.
32. U.S. Dep't of the Army, Field Manual 27-10, The Law of Land Warfare 20 (1956).
Legal Studies:
33. Legal Center for Freedom of Movement - LCFM Gisha (2008) "Gaza Closure Defined: Collective Punishment", Position Paper on the International Law Definition of Israeli Restrictions on Movement in and out of the Gaza Strip, Occupied Palestine.
34. United Nation Security Council SC/9940, Department of Public Information, News and Media Division (2010) "Security Council Condemns Acts Resulting in Civilian Deaths during Israeli Operation against Gaza-Bound Aid Convoy, Calls for Investigation, in Presidential Statement", 31 May 2010, New York. Visited at 20 June 2010, http://www.un.org/News/Press/docs/2010/sc9940.doc.htm.
35. United Nations Security Council (1970) "Legal Consequences for States of the Continued Presence of South Africa in Namibia (South West Africa) Notwithstanding Security Council Resolution 276 (1970)", Advisory Opinion of 21 June 1970.
Resolutions:
36. United Nations - Security Council, Sixty-fifth year, 6326th meeting, Tuesday, 1 June 2010, 1.40 a.m. New York.
37. United Nations - Security Council, Sixty-fifth year 6363rd meeting, Wednesday, 21 July 2010, 10 a.m. New York.
38. United Nations - General Assembly, Sixty-fourth session Agenda item 64, 39th plenary meeting, 5 November 2009, New York.
E-References Resources:
39. B`tselem, The Israeli Information Center for Human Rights in the Occupied Territories, "Israel's control of the airspace and the territorial waters of the Gaza Strip", Visited at 2/8/2010, http://www.btselem.org/english/gaza_strip/control_on_air_space_ and_territorial_waters.asp.
40. FT.Com Middle East, "UN council votes for flotilla deaths probe", Daniel Dombey in Washington and Tobias Buck in Jerusalem, published: June 3 2010, Visited at 28/7/2010, http://www.ft.com/cms/s/0/e18d2a8a-6e23-11df-ab79-00144feabdc0,s01=1.html.
41. JURIST Legal News and Research Services, University of Pittsburgh, "UN rights council names Gaza flotilla raid investigators", published: July 23, 2010, visited at 28/7/2010. http://jurist.org/paperchase/2010/07/un-rights-council-names-flotilla-investigators.php.
42. Paul Reynolds, BBC News Website, "Gaza Sanctions: The Legal Argument", published: 30 October 2007, visited at 1/8/2010, http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/7069203.stm.
المحامي الدكتور عادل عزام سقف الحيط
دكتوراة في القانون الدولي الإنساني
Adel@radicaljustice.com
|