في الوطن يظل حُلمُ الهجرةِ مُطاردًا إياك كما تطارد خيالَ شابٍ مراهقٍ صورةُ أول فتاة تمكنت من شغافِ قلبه فلا تدري إنْ كانت مزقته أو التصقت به.
وفي الهجرة يظل حلمُ العودة مُطاردًا إياك حتى لو خرج من صُلبك جيلٌ جديد يحمل بين جنبيه الاثنين معًا: وطنًا ورثه عن أبيه، ووطنًا سقط من بطن أمه فيه!
المصريون خارج نطاق الاحصاءِ، ولا يعرف عددَهم مكتبٌ أو هيئةٌ أو وزارةٌ فَهُم أضعافُ ما تحويه سجلات أيّ سفارةٍ مصرية، وينتشرون في أركان الأرض الأربعة، وإذا أردت أن تحـُصيهم فعليك بأسلاكِ الهاتفِ في المناسبات الدينية والأعياد الكبرى، ثم عليك بعدد الحقائب التي تهبط من أحشاءِ الطائرات في كل عام أو عامين، وستكبر علامةُ الاستفهام حتى تظن أنَّ النيلَ أيضا سيهاجر، وأنَّ الأهرامات ستدلف من مطار القاهرة الدولي إلى حيث ينتشر أحفادُ الذين بنوّها طوعًا أو .. كرها!
تـُفَرّقنا السياسةُ في الوطنِ، فإذا هاجرنا طاردتنا همومُها حتى الفراش الذي تـُبَلله دموعُنا فلا نعرف إنْ كانت على وطنٍ هجَرْناه، أمْ علىَ أهلٍ سقطنا من ذاكرتِهم!
المصريون في الخارج لم يهبطوا من الفضاءِ، ولم تنفصل بهم مَرْكَبَةٌ قادمةٌ من المريخ، لكنهم شرائحٌ مختلفةٌ ومتقطعةٌ غادَرَتْ مصرَ ويُخفي كلُّ مصري بين أضلعه الأسبابَ الحقيقيةَ لغربتِه.
قد تكون ماديةً ثم لا يعود لأسبابٍ سياسية، وقد تكون بحثًا عن استقرارٍ ماليٍّ وأُسَرّي وعاطفي لكنه لا يعود بعدما انقطع خَطُّ العودة.
لا يقضي كلُّ مصري مغترب حياتَه في بهجةٍ، ولا يحتفل مساء كلِّ يومٍ بمناسبةٍ سعيدة، ولا يخرج مع كلبِه حينما تنام زوجتـُه الشقراء مُتـَقَلّبة بدلالٍ على فراشٍ وثير، ثم يعود ليجلس أمام المدفئةِ، ويداعب الريموت كونترول ليبحث بِكَسَلٍ عن قنواتٍ لا يشاهد دقيقتين من كل منها، لكن ملايينَ من أبناءِ وادي النيل يعانون في غربتِهم أمراضًا نفسيةً وعصبية، ويَشـُدّ الكثيرُ منهم الأحزمةَ علىَ البطون، خاصة بعد رحلة الأسابيع الأربعة في مصر التي يتصرفون خلالها كأنهم ورثةُ بيل جيتس، فإذا عادوا كادت تقتلهم فواتيرٌ مُكـَدّسة، وإنذارات بمضاعفة قيمتِها، وشركات تأمين وهواتف وكهرباء تأكل ثـُلُثي دَخْلِ نِصْفِ العام التالي قبل أنْ يلتهم ميكانيكي السيارات الثلثَ الأخير.
والمصري الذي يحسده على غربتِه أبناءُ وطنه يرهقه البحثُ علىَ النتّ عن أرخص تذكرة طائرة، ويقضي أسابيعَ طويلةً مُتنقلا بين الأوكازيونات ليشتري أرخص ما فيها، ثم ينزع السعرَ المُخَفّضَ، ويقوم بحشو حقائبِه للأهل والأصدقاءِ والأحبابِ، ويبدو وهو يخْرُج من المطار كأنَّ العُمْلةَ الخضراءَ آخرُ اهتماماتِه، وأنَّ جيبَه لا يَفْرُغ حتى يتضخم من جديد!
المغتربُ ليس هاربًا من الوطنِ، لكنه امتدادٌ في الخارج لأهلِه في الداخل، والذي حَمَلَ بلَده معه فَتـُرْديه قتيلا في كل مرة يلمسها ليس كالذي يعيش فيها ولا يعرف لها ملمَسًا!
يقف أمامك مهاجرٌ مصريّ زحف الشيبُ علىَ مَفرقِه، وآخر لم يغادر قريتـَه إلا إلىَ عاصمةِ الدنيا لتخليص أوراقٍ في ( المُجَمّع)، ومع ذلك فالغائبُ الحاضرُ يَصِفْ لك دقائقَ المشهدِ كأنَّ روحـَه تستنسخه مباشرة، والمقيمُ داخل المشهدِ لا يستطيع أنْ يصف أيًا من جوانبِه، فلا تعرف حينئذ مَنْ الذي يذوب حُبًا في الوطن: المهاجر الموجوع أم المقيم الذي خدّرته العادةُ فإذا فَتَحَتْ له كارثةٌ أو مصيبةٌ أو فاجعةٌ عينيه، أغلقها سريعًا قبل أنْ يكتشف أنهما تبصران لو أراد أنْ يَعْرض أمامه جحيمَ وطنٍ، وجهنمَ مصر في عهدِ مبارك.
يجانب الصوابَ مَنْ يظن أننا في غربتِنا ننام علىَ ريشِ نَعام، ونُحصي أموالنـَا بشِقّ الأنفس من كثرتِها، ونستبدل في أول كل شهر سيارةً جديدةً بسيارةٍ قديمةٍ، وأنَّ كلَّ أيامِنا أعياد، فحياةُ المغتربين لا يعرف مواجعَها إلا من انتظر بصبرٍ نافدٍ العائدَ من زيارةٍ يصف فيها الوطنَ بعدما مرمطه أولادُ الحرام، ومرّغ أنفـَه في الترابِ كلابٌ أطعمها زعيمٌ مغتصِب للسلطةِ، فإذا بدموع المهاجر تختلط بجهازِه العصبي قبل أنْ تبلل وجهَه، فالوطنُ الذي يحترق.. يختنق بدخانِه المغتربون قبل المقيمين!
مصرُ في عهد الطاغية مبارك هي الدولةُ التي لا ينزل خَطُّ بيانِها الانحداري، لكنه يسقط في كل مرة تفتح عينيك لترى وطنَ أجدادِك يشتعل، فإذا أغلقتها لساعةٍ أو بعض الساعةِ وأعَدْتَ النظرَ مرة أخرى فلن تصدق المشهدَ الجديدَ، حتى الغلاء تحسّ به ربةُ الأسرة مع دوران عقرب الدقائق، فإذا عادت إلى نفسِ المحل في اليوم التالي اكتشفت أنَّ عليها عملَ ميزانيةٍ جديدةٍ تقف بين الخط الفاصل للجوع و .. ونِصْفِ الشَبَعِ أو .. الشـَبَح!
يرقص أعداءُ مصر في قصر العروبةِ طـَرَبًا، ويشربون في قصر عابدين نَخَبَ سياسةِ ( فَرَّق .. تَـسُدْ)، ويضحك كبيرُهم حتى الثمالة في منتجعِه العسكري بشرم الشيخ عندما يشاهد بلذةٍ عجيبةٍ صراعَ المصري مع ابنِ بلـدِه: مسلم ومسيحي، مغترب ومقيم، إسلامي وعلماني، معارض شجاع ومنافق جبان، مسالم وبلطجي، مواطن و .. ضابط شرطة.
في الغربة حتى لو اكتفيت بمراقبةِ الانحدار المصري وأنت أمام شاشة التلفزيون فلا تستطيع أن تهرب من الهَمّ، والكَمَدِ، والغَمّ، و .. الحزن، وتضرب كفًا بكفٍ وأنت لا تصدق أنَّ هذه هي مصر التي تركتـَها أمانةً في أيدي أبنائها في الداخل.
حتى خط الدفاع الثاني عن الضحكة المصرية التي تنافس آثارَ مصر في قِدَمِها، وأصالتها، وقوتها، وعمقِها يدهشك أنه ينهار أمامك كما ينهار بِنْاءٌ رمليّ هشّ علىَ شاطيء البحر إذا لمسته موجةٌ هادئةٌ لا تخيف رضيعًا في مهدِه!
فإذا راقبتَ في رمضان أكثرَ صور انتزاعِ الضحكةِ سخافةً، وحماقةً، وغباءً، وبلاهةً، وعتهًا، وقرفاً وأنت تجلس لدقائق معدودة أمام برنامج ( 100 مسا لميس حمدان) فقد تسلمتَ سبعين إشارة على أنَّ مُخططي تدمير مصر الذين نجحوا في تغيير السلوكيات العريقة إلى فهلويات في كل المعاملات، وصلوا إلى خط الدفاع الذي لم يكن لطاغيةٍ في تاريخ مصر أنْ يقترب منه، أي الضحكة المصرية والنكتة والابتسامة وعبقرية السخرية، وقدّموا لنا هذا البرنامجَ الممهورَ بتوقيع وزير الإعلام وكل القيادات الإعلامية في ماسبيرو والرقابة على المصنفات الفنية ليقولوا لنا بأن الفكرَ الجديدَ للرئيس الشاب القادم سيُنهي إلى غير رجعة عبقريةَ الضحكةِ المصرية، فالغـَمُّ هو الأصل، والنكد ينبغي أن يكون مثل التلوّث في الهواء فيدلف الأول إلى النفسِ الحزينةِ والمقهورةِ والمقموعةِ والمـُهانة، ويتسلل الثاني إلى الرئتين!
في غربتِنا تطرق رؤوسـَنا مئات التساؤلات عما حدث بالوطن، ونريد أنْ نُشارك ولو علىَ مَبعدة آلافِ الأميال، ونمدّ خَطّاً روحيا بيننا وبين أبناءِ بلدنا، ونتعجب من الصمتِ القُبوري المخيف الذي ران على سُكـّان وادي النيل فحطم جهاز َالكرامة الذي وضعه العلي القدير في كل نفس بشرية، وجعل أعرقَ أمم الأرض تلوذ بالسكوت، والخوف، والصمت، فإذا حاولنا أن نشترك مع أبناء بلدِنا في محاولات الاطاحة بالطاغية، غرز مثقفوهم، ومعارضوهم، وقيادات الدكاكين الحزبية أظافرَهم في أعناقِنا، وطالـَبونا أن ندير ظهورَنا، ونكتفي بالرفاهيةِ في عالـَم ِالغُربة لأنهم أقدرّ على تغيير النظام الشرس من الذين لم يعودوا يشربون من مياه النهر الخالد.
نحن سبعة ملايين أو أقل أو أكثر، ويمكننا أن نـُربك الطاغية، وأن نستضيف اجتماعات المعارضة، وأن نفضحه علىَ مرأىَ من منظمات حقوق الإنسان في العالم برُمَّتِه، ولكن مشاعر َالفوقية لدىَ عددٍ كبيرٍ من مثقفي الداخل كحاجزٍ سَميك بيننا وبين قومنا، وإذا استمعت إليهم ظننت للوهلة الأولى أنهم علىَ مرمىَ حَجَرٍ من الامساك برقبة الطاغية مبارك، وأنهم أعدّوا القاعةَ الكبرىَ في محكمةِ الشعبِ التي سيمْثـُل أمامها مبارك وأولادُه وزبانيته وحيتانُ الفسادِ وتماسيحُ النهب التي عاشت سنوات طويلةً في مياه عكرة.
نحن في الخارج لسنا مطالـَبين بشهادة حُسن سير وسلوك لتوقيعها في مقر ّأحد أحزاب مُعارضة الداخل، وقد آن الوقتُ الذي نلتحم فيه جميعًا، ويَعْلَم الطاغيةُ أنْ لا فَرْق بين معارض مصري في أسوان وآخر في أستوكهولم، وبين متظاهر أمام سفارة مصر في باريس ومُحْتَجٍّ أمام نادي القضاة في القاهرة، وبين غاضبٍ أمام الشاشة الصغيرة في غرفتِه بسيدني أو بودابست أو فاليتا أو ميلانو وآخر أمام قسم شرطة سيدي جابر أو مديرية الأمن أو لاظوغلي أو سلخانة التخشيبة في قسم شرطة المنصورة.
عندما تختفي كلُّ مشاعر الاستعلاء التي يحملها المصري ويوجع بها أخاه في الداخل أو في الخارج فقد وضعنا أقدامَنا على الطريق الصحيح لازالة عَفَن هذه الأسرة الجائرة التي تحتقر المصريين، وتزدري مطالبَهم.
أتفق تماما مع اختصار المناضل الدكتور يحيي القزاز المشهدَ في كلمة ( اغتصاب )، ومن هنا تصبح التوقيعات، والترشيحات، وصناديقُ الانتخاب المزوّرة سَلـَفًا، وحملات القرف اليومي لتلميعِ وتجميلِ الوجهِ القبيحِ لربعِ قرنٍ قادم من الديكتاتورية المفزعة أشياءَ عبثية، بل هي تثبيتٌ لشرعيةِ السوّطِ فوق الظهر، والسلسلة حول الرقبة، والبصقة في الوجه.
أعيد مرة أخرى التذكيرَ بمخاوفي من أنْ تكون اللعبةُ أكبرَ مِنّا جميعًا، فالحيرةُ تتفتت ثم تتناثر في كل الاتجاهات، والمواطنُ المصري المسكين يقف مشدوهًا، ومندهشًا أمام لاعبي الثلاث ورقات، فأمامه جمال مبارك وأيمن نور والبرادعي، فيراهن على ورقةٍ فإذا بها عُمر سليمان، ويعيدها الساحر ُإلىَ جِرابِه ثم يُخرجها فتبدو صورة عمرو موسى، ولو غنَّىَ شعبولا:( با أحب زكريا عزمي وبأكره إسرائيل ) فستختفي ورقة وتظهر أخرى في لمح البصر وعليها صورة السيد البدوي، وكذلك ورقة نظيفة من نفايات الحديد بمليار جنيه كعربون محبة لدعم جمال مبارك في حملته من أخيه العزيز والشريك أحمد عز!
اغتصابُ السلطةِ قائمٌ علىَ قدمٍ وساق، والساحرُ في شرم الشيخ يقول بأنَّ في قبّعَتِه حمامة سلام، فإذا هي حَيـّةٌ تسعىَ، ويقول بأنَّ عصاه يتوكأ عليها، لكنه يضرب بها أعناقـَنا، والرئيسُ الشاب يحكُم، فِعْليّاً، منذ عدة سنوات، لكن ثمانين مليونا من الذين شاهدوا بصماته على خَرَاب الدولةِ يؤكدون أنَّ من حقّه الترشحَ أمام خيال المآتة، واللواء حبيب العادلي يستعجل فتح صناديق بها أصوات وهمية، وأخرى لمَوّتىَ تحلّلت رُفاتهم، ولكن النسبة المئوية يُحددّها هاتفٌ مُختصر من الرئيس فإذا بها تسْعٌ وتسعون نعجة، فالساحرُ قادرٌ علىَ تحويل يوم الانتخابِ إلى البيضة والحجر!
أن ترى بلدَك من الخارج لا يعني أنَّ الرؤيةَ مُشوّشة, فالغربةُ ليست عمليةَ تلويث للسمع والبصر والفؤاد، لكنها في كثيرٍ من الأحيان نقلةٌ نوعية إلى قلبِ الوطن ولو كنتَ في الجانب الآخر من الكرة الأرضية.
إذا أتفقنا بأنَّ المهاجر ليس هاربًا من جحيم الوطن، وأن المقيمَ ليس رافضًا للهجرة لالتصاقه بالأرض الطاهرة والمقدسة فسنصبح بالتالي على مسافةٍ واحدةٍ من قلب الوطن.
أما إذا اتفقنا جميعًا بأن َّالطاغيةَ مبارك هو عدو مصر والمصريين فإنَّ أجراسَ النصر ستقرع قبل أن يُلقي وريثُ عرشِ الاغتصابِ خِطابـَه الأول.
تمنيّت في مقالاتٍ سابقة أن يلتف المصريون حول الدكتور محمد البرادعي، أما الآن فإنني أتمنى أن يلتف الزعيمُ، الحقيقي أو الوهمي، حول الشعب، فعشرةُ ملايين من التوقيعات ستحتاج لنصف ساعة فقط ليدسها الرئيسُ في سلة المهمـَلات أو ربع ساعة لاحراقها، أو نصف دقيقة ليلقيها في وجه من يقوم بتسليمه إياها.
من يظن أن اللعبة ستنتهي في عام 2011 لصالح الهدّاف الأول في المرمى فهو في سنة أولىَ سياسة، فمبارك وأسرته وكلابه وأصدقاؤه وحيتان عهده وناهبو أموال الشعب ورؤوس الفساد هم الحَكـَم واللاعبون و .. المتفرجون!
في بلدٍ عربيّ كانت هناك منذ بدايات الستينيات مقاعد محجوزة في الصفوف الأولى في جميع مؤتمرات القمم العربية لكبار الضباط في الموساد الإسرائيلي، وأخشى أن نكتشف متأخرين أن أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لها مكاتب ثابتة في كل قصور واستراحات الرئيس حسني مبارك، حينئذ لن يحتاج الساحرُ إلى قـًبّعَتِه فحمامُ السلام سيغرق في دمائِه ويحل محله بومٌ ينعق على خراب أمة.
المصريون في الخارج غير قادرين بمفردهم على الاطاحةِ بالطاغية، والمصريون في الداخل محاصَرون بين لقمة العيش ومليون من رجال الأمن ينفق عليهم الديكتاتور ثلث ميزانية الدولة، لكن التعاون بين كارهي النظام في الداخل والخارج سيُعَجّل في يوم سقوط المباركين اللعينين.. الأب و الابن!
المصريون في الخارج سَنـَدٌ، ودعمٌ، وخطُّ دفاعٍ أول عن المصريين في الداخل الذين يجابهون جيشًا عرمرمًا من الصامتين، والمنافقين، والبلطجية، وحيتان الفساد، وهراوات رجال الأمن، والقُضاة الخائفين، والمحامين المنشغلين برفع قضايا دينية بعيدة عن هموم الوطن، فضلا عن عدة آلافٍ من أصحاب القلم الجالسين في مكاتب صحفهم، وعيونُهم على مديرية الأمن!
لا ينبغي للمصريين في الداخل نزعُ الوطن من قلوب أبناءِ بلدِهم في المهجَر، فالطاغيةُ نزع حقـَّنا في الانتخابِ، ولم يبق إلا أنْ يمنع عنّا زيارةَ الأهل والأحباب والتطهر ّبتراب الوطن.
المعارضةُ المصرية في الداخل تفتح عيونها لترى مشهدَ المؤامرةِ بوضوح، لكنها بدعم المعارضين في الخارج تستطيع أنْ توسّع فتحة العين لعلها تكتشف عُمقَ، ونذالةَ، وحقارةَ، ونـَتنَ كبارِ اللاعبين على طاولةِ مستقبل مصر، فالرؤيةُ في الداخل تضيق بفعل تخدير العادة، ومن الخارج يمكننا التنبيه على أخطار لا يراها أبناءُ بلدِنا الذين يتكالب عليهم الصغير والكبير.
أيها المصريون في الداخل،
ألم يأن الوقت الذي نكتشف فيه أنكم بنا أقوى في مناهضة الطاغية، وأننا أقرب إلى الوطن في أحضانكم الدافئة؟
اللعبة القذرة لتوريث مصرنا من ديكتاتور دموي إلى ابنه لينهي العصر المصري قد تكون أكبر منكم، لكنها ستنهزم حتمًا عندما نؤمن أن لا أحد يملك من مياه النيل أكثر من الآخر، وأن المصريين في الداخل والخارج جسدٌ واحدٌ إذا اشتكى منه عضوٌ تطبّب بما بقي من أعضاءٍ سليمة.
والخطوة الأولى التي نداوي بها الأعيُنَ الرُمدَ تبدأ برفض شرعية الديكتاتور وابنه وكل المجرمين الذين أذاقوا شعبـَنا الويلات في ثلاثة عقود مظلمة.
حينئذ فقط نستعد لنقول لأبنائنا و أحفادنا لا تلعنوننا فقد غادرنا الدنيا وتركنا لكم وطنًا بدون طاغية، وأرضًا لا يَحْكمها الفسادُ، ونهرًا لا يتحكم فيه من يمر عليهم، وبلدًا نزعناه من أنياب أشرس طـُغاة العصر!
وسلام الله على مصر
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 3 سبتمبر 2010
|