french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr
 

مذبحة القضاء في زمن الإنصاف والمصالحة - عبد الحفيظ السريتي

 

2010-09-05

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

                          


بعد سنتين ونصف السنة، وبعد جلسات ماراثونية تجاوزت المئة جلسة، أسدل الستار على واحدة من أغرب القضايا السياسية، بتأكيد جل الأحكام الجائرة وتخفيض بعضها بديلا عن البراءة وانتصارا أعمى للرواية الرسمية التي أطلق صفير شؤمها وزير الداخلية السابق شكيب بن موسى في مؤتمر صحافي بتاريخ 20 شباط/فبراير 2008، حيث أصدر حكمه حتى قبل أن يرسو ملف القضية على مرفأ القضاء .
لقد تتبع الجميع كيف انتهى الشوط الثاني من هذه القضية، فقد كانت النهاية عبارة عن مذبحة قضائية جديدة، بعد أن ظن الجميع أن مغرب اليوم انتصر على جراحه ولو بضمادات ناعمة، من دون جراحة ولا استئصال الغدد القمعية التي اعتبرها الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان المسؤولة عن المراحل السوداء التي عاشها المغرب طيلة السنوات الماضية.
إن هذه المدة التي استغرقتها هاته المحاكمة السياسية وما شهدته من مرافعات قوية ونوعية تقدمت بها هيئة الدفاع التي تشكلت من خيرة أبناء البلد ومن كبار وأقطاب مهنة المحاماة، كالنقيب عبد الرحمن بن عمرو والنقيب عبد الرحيم الجامعي والنقيب عبد الرحيم بن بركة والأستاذ خالد السفياني والأستاذ مصطفى الرميد والأستاذ عبد العزيز النويضي والأستاذ محمد الصبار والأستاذ خليل الإدريسي والأستاذ عبد الله زعزاع والأستاذ محمد جلال والأستاذ سيداتي ماء العينين والأستاذة يوحاند ماء العينين والقائمة طويلة، نعم لقد أثبتت هذه المحاكمة الجائرة أن هناك أيادي خفية تعبث بالقانون وتسخر القضاء لإدامة التوتر الاجتماعي والسياسي في البلاد .
لقد قام الدفاع بفضح هذه المؤامرة الدنيئة التي استهدفت سمعة البلاد قبل استهداف أشخاص بالزج بهم وراء القضبان. إن هؤلاء الشرفاء أفنوا حياتهم في الدفاع عن العدالة ونذروا أنفسهم للذود عن الكرامة الإنسانية، هؤلاء العظام عندما تتأمل صفاء عيونهم من وراء نظاراتهم الطبية ترى بريقها يصدح بحب هذا الوطن، تراها تلخص الآمال الصامتة التي تسكن قلوب وعقول الملايين الطامحة والحالمة بغد أفضل تسوده العدالة والحق في العيش الآدمي الكريم .
ستذكر حيطان قاعة الجلسات رقم 1 بمحكمة الإستيناف بسلا مرافعة النقيب عبد الرحمان بن عمرو وهو يفضح تناقضات الملف بتركيز قل نظيره، ستذكر أيضا النقيب عبد الرحيم الجامعي، وهو يرافع بكل قواه موجها كلامه لرئيس الجلسة 'العصابة الحقيقية السيد الرئيس التي يجب أن تحاكم أمامكم اليوم هي العصابة التي صنعت هذا الملف'، وستذكر كذلك الأستاذ خالد السفياني بنبرته الحاسمة: 'نحن واثقون من براءة موكلينا، لا نريد تخفيف الأحكام، نريد البراءة ...'
نعم إن الفلسفة التي نحتها هؤلاء على مدار عقود زمنية في القضايا السياسية وفي قضايا النشر والرأي لم تكن في يوم من الأيام دفاعا بذاك المعنى الضيق للكلمة، بل كانت دفاعا عن استقلالية القضاء المستهدف الأول من مثل هذه المحاكمات، دافعوا بشراسة عن قضية واحدة عنوانها دولة القانون وسيادة القانون واحترام القانون، لأن انتصار القانون هو انتصار لكافة المظلومين، هو انتصار لكل أولئك الذين تم الاعتداء على حرياتهم وكراماتهم، هو انتصار للحق في المواطنة الكاملة، هو انتصار أولا وأخيرا للأمن القضائي الذي تم نحره ببرودة دم خلال مرحلتين، مرحلة الحكم الابتدائي الباطل الذي لم يصدر باسم الملك ومرحلة الحكم الاستئنافي الذي سار بعكس كل الانتظارات التي تطلعت إلى الإنصاف - في زمن الإنصاف والمصالحة ـ خاصة مع التطمينات التي أطلقها وزير العدل السيد محمد الناصري بعد معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، التي دامت 19 يوما، ولم يتم تعليقها إلا بعد تدخل هيئة الدفاع ومنظمات حقوق الإنسان والأسر التي تحركت في اتجاه وزير العدل الذي وعد بضمان الحق في المحاكمة العادلة .
كم كنا محظوظين بوقوف أسماء وازنة إلى جانبنا وإلى جانب الحق والقانون، أسماء بحجم النقباء والأساتذة الأجلاء، وكم كنا مسنودين بإجماع قل نظيره من قبل منظمات حقوقية وطنية ودولية وأصدرت بيانات وتقارير كان لها دور كبير في إبراز الخلفيات التي تحكمت في تدبير هذا الملف. نذكر السيدات الفاضلات خديجة مروازي، خديجة الرياضي، أمينة بوعياش ود. فيوليت داغر والأساتذة عبد القادر العلمي والمانوزي وخالد الشرقاوي السموني والمصطفى صوليح  ود.هيثم مناع ود.منصف المرزوقي وإيريك كولتشتاين. و كم كنا فخورين بالتضامن اللامشروط الذي تلقيناه من قيادات تاريخية من مثل القائد الفذ محمد بن سعيد آيت يدر والأستاذ محمد مجاهد والأستاذ عبد الإله بنكيران والأستاذ فتح الله أرسلان والدكتور عبد المجيد بوزبع والأستاذ إبراهيم ياسين والأستاذ محمد الحمداوي والأستاذ محمد الساسي والأستاذ حسن العلوي والأستاذ محمد حقيقي والمناضل سيون أسيدون والفنان الكبير أحمد السنوسي والأستاذ حسن طارق والدكتور عبد العلي حامي الدين والأستاذ أحمد وايحمان والزملاء خالد الجامعي ومحمود معروف وعلي أنوزلا ومحمد حفيظ ومصطفى الخلفي.
والآن أين سيتجه هذا الملف بعد أن 'نجح' مهندسوه في إغراق البلاد في قضية حامت حولها شكوك كثيرة؟ وماذا بعد أن أسدل الستار على هذه المحاكمة بتأكيد جل الأحكام الصادرة في المرحلة الابتدائية من طرف محكمة الدرجة الثانية؟ هل بنهاية كهذه يمكن للقضاء أن يرفع رأسه وينسل من بركة الفساد؟ هل بإصدار أحكام جائرة من دون إيلاء أي اعتبار لما راج داخل المحكمة سنفتح باب إصلاح القضاء؟ أسئلة لا تبدو لها أهمية ما دام القاضي بنسامي سار منتشيا على نهج سلفه القاضي بن شقرون، معلنا الأحكام بدم بارد، مخيبا بذلك الآمال الضئيلة التي علقت على القضاء للفصل في هذه القضية التي شغلت الرأي العام الوطني والدولي وأسالت مدادا كثيرا وأتخذت حيزا مهما على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات العربية والدولية وتابعتها منظمات حقوقية من داخل المغرب وخارجه .
لكن السؤال الذي يظل مفتوحا كما أسلفنا هل طويت هذه القضية بالنطق بالأحكام الجائرة؟ وهل زالت الألغاز التي فجرها هذا الملف؟
الجواب حتما لا. انظروا إلى المواقف التي عبرت عنها المنظمات الحقوقية وبعض الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية عقب صدور الأحكام، جميعها أدانت بقوة هذه الأحكام التي عبرت عن الجهة التي صنعت الملف وحولت البلاد وتركتها عارية وفي صورة من يرسل خطابا ويأتي عكسه: (dionance entre les principes et la conduite) .
لقد تأكد لجل المتتبعين ولكل الذين راقبوا هذه المحاكمة عن قرب أن القضاء 'المستقل جدا' لم يكن سوى الأداة الطيعة التي تم بواسطتها تنفيذ إرادة الذين وقفوا وراء هذا الملف لطمر الأبرياء وتغييبهم وراء القضبان. لقد كان القضاء لا يقدم ولا يؤخر في مثل هذه القضايا، كما في قضايا الهجوم المنهجي على الصحف المستقلة التي غيبتها الأحكام الجائرة والغرامات الخيالية كما غيبت إعلاميين وأقلاما جريئة مثل بوبكر الجامعي وعلي المرابط ولي أنوزلا وعلي عمار وتوفيق بوعشرين وعدد من المراسلين كمدير مكتب 'الجزيرة' بالرباط حسن الراشدي والصحافيين محمد البقالي وأنس بنصالح .
فعن أي ديمقراطية يتحدثون وسط هذا الانحدار وهذا التردي الذي قفزت نحوه البلاد على صعيد التضييق على حرية التعبير وحرية الصحافة وعودة الاعتقال السياسي والاختطاف والتعذيب وتصفية الحسابات السياسية عبر الزج بالأبرياء في ملفات غريبة ومصنوعة بغباء فاضح؟
لقد كانت الغرابة وشدة الاندهاش في هذا الملف في المرحلة الثانية كما في المرحلة الأولى. تذكروا معي أين وصل الاستخفاف بالقانون يوم طلب دفاع المعتقلين السياسيين معاينة ما سمي 'بالأسلحة'، مجرد معاينة ما وجدته هيئة الحكم موضوعا على الطاولة بدون تشميع ولا ختم قبل دخولها قاعة الجلسات، تصوروا أن رئيس الجلسة لم يتمكن من المعاينة واضطر إلى رفع الجلسة للمداولة في طلب لا يقتضي مداولة، بل مجرد معاينة الأشياء الموضوعة أمامه. كم أحزننا ذلك المنظر، منظر قضاء لا يتحرك إلا بـremote-control يومها كان من بين المراقبين قاض بلجيكي لم يجد ردا على هذا المشهد الرديء سوى إرسال قهقهات لخصت قصة قضاء، ومنذ ذلك اليوم حزم القاضي البلجيكي حقائبه ولم يظهر ثانية في قاعة المحكمة. هذا مجرد مشهد من المشاهد الذي عرفه الفصل الأول من المحاكمة، فماذا عن المشهد الثاني؟ وهنا سأسوق ثلاث قضايا ستظل عصية على الفهم والاستيعاب وتطرح أكثر من علامة استفهام .
الأولى: تتعلق بالمذكرة التي تقدمت بها هيئة دفاع المعتقلين السياسيين وطالبت فيها بإجراء بحث تكميلي، طلبا للحقيقة كل الحقيقة، لكن رئيس الجلسة وكعادته مع كل الطلبات وبعد المداولة أجل الحسم في طلب البحث التكميلي واستجاب لطلب لم يطلبه أحد وهو استدعاء الشهود في قضيتين اثنتين، هما قضية المواطن المغربي بأبي زنكوط وقضية ماكرو التي مثلت لوحدها أكبر فضيحة في هذا الملف، خاصة أن هناك أشخاصا توبعوا عام 1994 بهذه القضية وصدرت في حقهم أحكام نهائية وأغلق الملف هو الآخر بشكل نهائي. ورغم حضور الشهود وبعد أدائهم لليمين، نفووا عن الأشخاص المتابعين بشكل قاطع تهمة محاولة قتل المواطن المغربي بأبي زنكوط والضلوع في محاولة الهجوم على سيارة نقل الأموال التابعة لماكرو.
رغم هذه الشهادة، ورغم أن قرار استدعاء الشهود كان قرار المحكمة إلا أنها تعاطت معه كما لم يكن وانتهت إلى تأييد الأحكام التي صدرت في المرحلة الأولى في حق الأشخاص المعنيين، إنها قمة اللامعقول في فهم سلوك المحكمة وتعاملها مع ما دار أمامها أثناء الجلسات .
الثانية: عند مرافعة الأستاذ محمد الصبار الذي ناب عن موكله عبد القادر بلعيرج قدم وثائق رسمية بلجيكية تبرئ ساحة هذا الأخير من جرائم القتل التي نسبتها إليه السلطات المغربية، لكن هذه الوثائق البلجيكية هي أيضا لم تغير شيئا في مسار القضية.
الثالثة: فجرها دفاع أحد المتابعين في الملف وهو مصطفى التهامي، فقد تلا دفاعه أثناء المرافعة فقرة من أمر الإحالة يقول فيها قاضي التحقيق عبد القادر الشنتوف بالحرف ما يلي:'وحيث لم يكشف البحث المجرى في النازلة خلال سائر الأطوار على أي عنصر جدي يمكن الاعتماد عليه لتعزيز جرائم تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام وعقد اجتماعات عمومية بدون تصريح مسبق وممارسة نشاط في جمعية غير مرخص لها في حق المتهم مصطفى التهامي' هذا هو الاستنتاج الذي انتهى إليه قاضي التحقيق عبد القادر الشنتوف ومع ذلك أدين هذا الشخص بثماني سنوات سجنا نافذا ابتدائيا وتم تثبيته استئنافيا في المرحلة الثانية .
هذه مجرد نماذج ستظل وصمة عار على جبين القضاء، الذي يبدو مثقلا بالأغلال والأصفاد التي تشل حركته وتمنعه من الانطلاق نحو فضاء مختلف، حيث لا وجود للتعليمات لحسابات مصلحية ضيقة تسيء إلى صورة المغرب في المحافل الدولية. كان حريا بالمسؤولين أن يدركوا أن الدفاع عن صورة المغرب تنطلق من منع كل ما من شأنه أن يشكل مادة خاما ومعطيات قاتلة لتقارير المنظمات الدولية لا أن نترك الأبرياء يذبحون بيد قضاء فاسد غير مستقل ثم نأتي إلى المنابر الإعلامية لنصب جام غضبنا على منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية فننعتها بعدم الاستقلالية والتحامل على أحسن بلد في العالم. نحن بحاجة إلى ممارسة un mea-culpa لتجاوز أعطابنا وعلاج الأمراض التي فتكت وقوضت بصيص الأمل الذي لاح في الأفق ذات يوم. نعم نحن كمغاربة نستحق الأفضل، نستحق قضاء نزيها ومستقلا ونتطلع إلى اليوم الذي تنتصر فيه إرادة الإصلاح على إرادة الإفساد، نتطلع إلى اليوم الذي يقف فيه أي مسؤول مغربي لا ليدافع ولو كانت الندوب بادية على أجسادنا، بل ليعارض كل السياسات المدمرة ولم لا يستقيل من منصبه انتصارا للحق والقانون. لا نريد لبلدنا أن يستمر في مغلبة الحقيقة فالحقيقة كما يقول الفلاسفة وعلى الرغم من نسبيتها تظل حارقة ولا يمكن للدجل كيفما كان أن يصمد أمامها.
نعم لقد حوكمنا محاكمة غير عادلة وزورا في حقنا وانفضحت اللعبة وسقطت مغمى عليها، نعم لقد أدنا إدانة ظالمة سيحفظها التاريخ في سجل القضاء الأسود وسيحفظها كذلك في سجل وزير الداخلية السابق شكيب بن موسى ومن معه.
وفي الأخير أقول لكل الذين هندسوا هذا الملف اطمئنوا لن يتسرب الحقد إلى أنفاسنا، سنظل كما كنا من خيرة أبناء هذا الوطن، فلن نكون أول ولا آخر الذين دفعوا غاليا من حريتهم من أجل الكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان .

'
مراسل قناة 'المنار' بالمغرب
معتقل رأي

8/21/2010القدس العربي 

 

 

 

C.A. DROITS HUMAINS

5 Rue Gambetta - 92240 Malakoff – France

Phone: (33-1) 40921588  * Fax: (33-1) 46541913

E. mail achr@noos.fr   www.achr.nu www.achr.eu

 

 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها

الصفحة الرئيسة