السجن سعودي،
التواطؤ أمريكي، والصمت أوروبي عربي
فيوليت داغر؛ رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان
اعترفت السلطات السعودية أخيرا بأن عدد
المعتقلين فيها ضمن "الحرب على الإرهاب"
هم بحدود 700 شخصاً. كانت اللجنة العربية لحقوق الإنسان
وجمعية
الكرامة قد
نشرتا سابقا تقريرا بالفرنسية مفصلا عن الاعتقال التعسفي في هذا البلد احتوى قوائم غير كاملة بأسماء
600 ونيف معتقل. الأمر الذي استدعى
هجوما غير مسبوق على اللجنة العربية باعتبارها تقوم بعمل دعائي غير دقيق.
كنا نتمنى أن تنشر المملكة قائمة بأسماء
المعتقلين لديها، خاصة
وأن عددا كبيرا من معتقليها في سجن الحائر السيئ الذكر يقوم بإضرابات دورية عن الطعام أدت لنقل أكثر
من خمسة عشر منهم للمستشفى في حالة
خطرة. كما وأن هناك جدار صمت رهيب حول أوضاع السجناء الذين يطالبون - ومنذ أول حركة سلمية احتجاجية
قام بها أكثر من مائتي سجين بإعلانهم
إضرابا مفتوحا عن الطعام يوم 22/12/2004 - بوضع حد لأوضاعهم اللا إنسانية وظروف احتجازهم
وغياب البعد القضائي لتوقيفهم. لقد أعلنوا في رسالة وصلتنا من السجن عن أهم مطاليبهم وهي:
ـ إيقاف حالة
الحبس الاحترازي الذي يمنع فيه السجين من حقوقه الأساسية،
ـ إحالة المعتقلين للمحاكم للنظر في
قضاياهم،
ـ الإفراج عن كل المعتقلين الذين انتهت مدد أحكامهم،
ـ إيقاف المعاملة السيئة أثناء التحقيق
والتي تمتد للاعتداء الجسدي
في حالات كثيرة،
ـ إنهاء حالات
السجن الانفرادي والتي يتعرض فيها كثير من السجناء إلى عزل تام عن بقية السجناء، ذلك
في انتهاك صارخ للمعايير الدولية
في أوضاع السجناء.
كانت الأوضاع الرديئة في سجن الحائر سببا
لحريق تحدثت عنه الصحافة المحلية،
لكن حالت المباحث العامة دون معرفة أسبابه الحقيقية ونتائجه.
ومن المعروف أن هذا السجن يضم أكبر تجمع
لمعتقلي الرأي والمتهمين
"بجرائم إرهابية وأخرى تمس أمن الدولة". فبسبب
المعاملة الرديئة والمهينة داخله،
حاول المحامي عبد الرحمن اللاحم، الكادر في اللجنة العربية لحقوق الإنسان والكاتب والصحفي، وضع حد
لحياته إن كانت ستستمر
على هذا الحال. الأمر الذي كان من السهل معاينة آثاره
على يديه
في أول زيارة
له من محاميه.
قبل عام من اليوم، قامت أجهزة المباحث العامة بحملة 16 آذار
(مارس) 2004
التي شملت
اعتقال 12 إصلاحيا بقي منهم ثلاثة في معتقل عليشة هم:
الدكتور
متروك الفالح
والدكتور عبد الله الحامد والشاعر علي الدميني (جميعهم
من الشخصيات الاعتبارية
المعروفة عربيا وعالميا ولهم إسهامهم الغني في اللجنة العربية لحقوق الإنسان والكتابات
الفكرية والأدبية). تبع ذلك اعتقال المحامي عبد الرحمن اللاحم لمدة
أسبوع لتدخله من أجل الدفاع عن صحبه.
كذلك منع عدد كبير من السفر، منهم من يطاله المنع حتى
يومنا هذا
مثل: الأستاذ
محمد سعيد طيب والدكتور خالد الحميد والأستاذ نجيب الخنيزي والدكتور توفيق القصير
والمحامي القاضي سابقا سليمان الرشودي والدكتور عدنان الشخص والأستاذ أمير
أبو خمسين.
كانت خطة وزارة الداخلية والمباحث
العامة إخراس صوت الإصلاح في المملكة بإعطاء درسٍ في ثقافة الترهيب والخوف.
فإذا بالسحر يرتد على الساحر، ويكتشف
العالم أجمع نخبة من الإصلاحيين الدستوريين الرافضين لسندان عنف السلطة ومطرقة عنف الجماعات
المسلحة. مجموعة من المصرين على انتقال سلمي وحضاري من داخل البلد وأبناء
المجتمع، لا من خارجه وبأوامر فوقية.
فقد تبلورت معالم تأسيسية لحركة مدنية واسعة تتكثف مطالبها في: إدراك معنى قيام دولة المؤسسات الدستورية،
ضرورة التصدي للأزمات المعيشية المتفاقمة
للمواطنين، خطورة غياب الحريات العامة، تأثير غياب تعبيرات المجتمع المدني على
تأصل العنف والتطرف في المجتمع، مخاطر استمرار انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق
المرأة والأقليات المذهبية والطائفية.
استمرت المضايقات على المجتمع المدني الأهلي رغم الحملة
العربية
والدولية
للتضامن مع معتقلي المملكة. فتراجعت الحكومة عن علنية محاكمة الشخصيات الإصلاحية. كما
وطلبت رسميا من سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا في الرياض عدم إرسال أي مراقب
لجلسات المحكمة حتى لا يتم تعنيفه
باعتباره شخصا غير مرغوب فيه. كذلك منعت المحامين
والمراقبين
العرب
والدوليين من دخول أراضي المملكة وحضور المحاكمة رافضة الاعتراف بهيئة المحامين
الدولية التي سمتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان من العرب والغربيين. وعندما
توصل المحامون من أبناء الجزيرة لتكوين هيئة يتناوبون على رئاستها، اعتقلت المتحدث
باسمها المحامي عبد الرحمن اللاحم في
6/11/2004.
بداعي واجب الحياد والولاء للوظيفة العامة، قرر مجلس
الوزراء السعودي يوم
الاثنين 13/9/2004، اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع مناهضة سياسات الدولة أو برامجها "من
خلال المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في إعداد أي بيان أو مذكرة أو خطاب بشكل جماعي أو
التوقيع على أي من ذلك، أو من خلال
المشاركة في أي حوار عبر وسائل الإعلام أو الاتصال الداخلية أو الخارجية أو المشاركة في أي
اجتماعات أو التستر على هذه المشاركة في نطاق مناهضة سياسة أو برامج الحكومة".
كانت آخر جلسة لمحاكمة الإصلاحيين في 12/3/2005
تأكيدا لما قاله الدكتور عبد
الله الحامد، من أن المحكمة أعجز من أن تسمح بعلنية الجلسات. وإن اختلفت عن سابقتها في شيء،
فهو عدم القيام باعتقالات جديدة في محيط المحكمة العامة في الرياض.
كان رد الحكومة على مداخلات اللجنة العربية لحقوق الإنسان
في المفوضية السامية لحقوق الإنسان تأخير
الردود بشأن الإصلاحيين والمطالبة بعدم إطلاع اللجنة على التدخلات السعودية بحجة عدم
احترام اللجنة العربية لسرية الإجراءات. كذلك أصرت على رفض أي وفد غير حكومي
لزيارة المملكة والإطلاع مباشرة
على أوضاع المعتقلين في سجن الحائر ومقر المباحث العامة في عليشة. كما لم تعترف بهيئة
المحامين الدولية التي شكلت للدفاع عن رواد الإصلاح والتي تضم حتى الآن 24 محاميا
ومحامية وجبهة المحامين للدفاع عن الدكتور
سعيد بن زعير.
لقد هددت العديد من عائلات المعتقلين من
مغبة التعاون مع منظمات حقوق الإنسان
ووعدت مقابل مقاطعتها بدراسة أوضاع أبنائهم المعتقلين. إضافة لذلك لم تأبه لقرار فريق العمل الخاص
بالاعتقال التعسفي الذي اعتبر الاعتقال
تعسفيا في قراره في شهر يناير (كانون الثاني) 2005. ورغم فقدانه 32 كيلو غرام من وزنه بسبب
إضرابه شبه المتواصل عن الطعام، ما زالت
السلطات تعامل الدكتور سعيد بن مبارك بن زعير وكأنه خطر
داهم على أمن الدولة، وهو الداعية الذي حكم
بالسجن خمس سنوات لخمس دقائق تحدث بها
على إحدى الفضائيات العربية.
إن جريمة اعتقال الإصلاحيين الدستوريين والناشطين من أجل
حقوق وكرامة الإنسان في المملكة، والمماطلة
في محاكمتهم سرا بشكل يرفض المراقبين وغير المرغوب به من المحامين، ثم مواصلة
إغلاق الأذان عن نداءات الرأي العام داخل وخارج المملكة العربية السعودية من أجل
الإفراج عنهم، وتوجيه تهم
لا تثير الضحك وحسب بل الرثاء على أصحابها، كل هذه الأمور تفترض من المنظمات غير الحكومية وبين
الحكومية التدخل بحزم وقوة من أجل الإفراج عن المعتقلين. من أجل رفض المحاكمات
السرية والطابع التأديبي والتعسفي للاعتقال
والأحكام. من أجل تحسين ظروف السجون الصحية والتوقف عن
ممارسة
عقوبات إضافية
للمعتقلين، جماعية كانت أو فردية. هذا التدخل أصبح ضرورة حيوية في ظل التواطؤ الأمريكي الرسمي والصمت الأوربي والعربي.
إن بقاء رموز الإصلاح الدستوري في السجون السعودية ميزان
الحرارة الحقيقي لأي
خطاب عن التغيير. فكيف يمكن ادعاء التغيير ورواد التغيير وراء القضبان؟ كيف
يمكن الزعم بتحديث المؤسسات في حين أن أمن الأشخاص على كف عفريت؟ كيف يمكن الحديث عن الإصلاح
ومازال "تزمامارت" المشرق (سجن الحائر) يحمل لنا أبشع الصور
عن معاملة السجناء المتهمين بتهم خاصة؟
إن الإفراج عن رواد الإصلاح والموافقة على مطالب السجناء السياسيين في المملكة معيار لمصداقية أي حديث عن الإصلاح. هو سيعطي دفعة أصبحت أكثر من ضرورية لمد جسور وسيطة بين السلطة والمعارضة. وهو إجراء كلما تم التعجيل فيه كلما تراجعت احتمالات اللجوء إلى العنف لحل المشكلات الداخلية.