اسقاط على واقع الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال الصهيوني ( الجزء الأول )
يعاني الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الصهيوني انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان, حيث تمارس بحقهم أبشع أساليب التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي بشكل مخالف للقوانين والأعراف الدولية التي حددت حقوق الأسرى وبالأخص من أسمتهم أسرى الحرب, حيث جاءت بعد إجماع هيئة الأمم على احترام هذه الحقوق والإلتزام بها ضمن اتفاقية جنيف الثالثة حول معاملة أسرى الحرب التي وقعت في الثاني عشر من أب أغسطس 1949م.
في هذا التقرير سنقوم بإجلاء واقع وتجربة الأسير الفلسطيني في معتقلات الإحتلال على بنود ومحتوى الإتفاقية بغية تحديد موقع الأسرى في السجون الصهيونية من القانون الدولي ومدى احترام الكيان الصهيوني له.
أسير الحرب
أولاً لابد من تعريف أسير الحرب وفق المادة (4) للاتفاقية كل من أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع, وأعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم حتى لوكان هذا الإقليم محتلاً على أن تتوافر فيهم عدة شروط وهي أن يقود حركة المقاومة شخص مسؤول عن مرؤوسيه وأن تكون لها شارة مميزة وأن تحمل السلاح جهراً وأن تلتزم بعملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
هذه المتطلبات تنطبق على فصائل المقاومة الفلسطينية, فالكيان الصهيوني اغتصب أرضاً لها شعب يحق له الدفاع عنها بشتى الوسائل في مقدمتها المقاومة المسلحة, وعلى ضوء ذلك ولدت حركات مقاومة لها قيادات سياسية وعسكرية ولكل حركة شعار وراية وأذرع عسكرية تنفذ عمليات حربية ضد العدو وتعترف بها أي تقاتل المحتل جهرا, كما أن أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط والمعاملة التي لاقاها من قبل المقاومة من حيث علاج اصابته والحفاظ على حياته هو التزام بقوانين الحرب الإسلامية أولاً والقانونية الدولية ثانياًً.
بالتالي إن اسقاط المادة (4) يؤكد أن الأسير الفلسطيني هو أسير حرب لذا يتوجب على الإحتلال الصهيوني معاملته بأسير حرب وفق اتفاقية جنيف حول معاملة أسرى الحرب.
أسير الحرب..ماله وما عليه
تعطي اتفاقية جنيف الثالثة أسير الحرب حقوقاً انسانية وقانونية منذ لحظة وقوعه في الأسر لدى العدو وحتى اللإفراج عنه, ولا يحق للأسير التنازل عن حقوقه هذه تحت أي ضغط كان يمكن أن يمارسه العدو ضده.
تنص المادة (13) من الإتفاقية على معاملة أسرى الحرب معاملة انسانية في جميع الأوقات, وتحظر أن تقوم الدولة الحاجزة أي فعل أو اهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها حيث يعتبر انتهاكاً جسيماً لها.
بالإسقاط على حال الأسير الفلسطيني فقد قدمت الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال (198) شهيداً كان أخرهم الشهيد ( عبيد دويك ) من الخليل الذي استشهد بتاريخ 26/8/2009 بعد الإفراج عنه نتيجة تدهور وضعه الصحي, والشهيد ( فايز فرج ) من الخليل الذي استشهد بتاريخ 12/2/2010 بعد اصابته أثناء اعتقاله حيث تركه جنود الاحتلال ينزف حتى ارتقى شهيداً.
وقد بلغت حصيلة الأسرى الشهداء نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وعدم تقديم العلاج للأسرى من قبل سلطات الاحتلال (50) شهيداً, و(78) شهيداً جراء القتل بعد الإعتقال, و(70 ) شهيداً نتيجة التعذيب الوحشي الذي يمارس من قبل السجان بحق الأسرى كالشبح لساعات طويلة والضرب المبرح والرش بالماء الساخن والبارد تباعاً والصعق الكهربائي والكثير من أساليب التعذيب التي سنتطرق لها في الجزء الثاني من الدراسة.
كما تقتضي الاتفاقية عدم تعريض الأسير للتشويه البدني نتيجة التعذيب, فقد سبب التعذيب الوحشي للأسرى الفلسطينيين عاهات مستديمة كالعمى والشلل والأمراض المختلفة, حيث سجلت على الأقل حالتي إصابة بالعمى وذلك نتيجة وضعهم في غرف معزولة لا تدخلها أشعة الشمس, ورفض الاحتلال علاج الأسرى المصابين بأمراض العين المختلفة.
وتنص الاتفاقية على عدم استخدام أسرى الحرب في التجارب الطبية أو العلمية, إلا أنه على النقيض تقوم سلطات السجون الصهيونية بإعتماد الأسرى كفئران تجارب تختبر عليهم الصناعات الدوائية الصهيونية والتي كان لها تأثير خطير على صحة الأسرى وفقاً لما ذكرته تقارير حول هذا الموضوع, ناهيك عن استخدام أدوية منتهية الصلاحية.
كما يجب حماية أسير الحرب من جميع أعمال العنف أو التهديد وضد السباب والإهانة واحترام أشخاصهم وشرفهم, لذا يعمد الإحتلال إلى اعتقال الأسير بصورة بشعة وانتهاك لحرمة العائلة الفلسطينية, وحجز الأسرى الفلسطينيين مع المعتقلين الجنائيين الصهاينة لإيذاء الأسرى وجرح كرامتهم واهانتهم وخاصة الأطفال من الأسرى.
وتوجب المادة (14) أن تعامل النساء الأسيرات بكل اعتبار الواجب لجنسهن, ويجب على أي حال أن يلقين معاملة لا تقل ملائمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال.
أما الإحتلال الصهيوني فلا يزال يمارس بحق الأسيرات سياسة التفتيش العاري لتحطيم معنويات الأسيرات, والإقتحامات الفجائية والمتكررة لغرف نوم الأسيرات بحجة التفتيش, بالإضافة لتكبيل الأسيرة بالسرير أثناء ولادتها وأيضاً حجزهن مع المعتقلات الصهيونيات الفاسدات أخلاقياً كما مجتمعهن الصهيوني وذلك للتضيق على أسيراتنا الصامدات, كل ذلك ناهيك عن همجية اعتقال الأسيرة الفلسطينية وظروف سجنها وتعذيبها الوحشي ومنع الزيارة عنها دون أدنى مراعاة لجنسها.
أما المادة (15) تنص أن تكفل الدولة التي تحتجز أسرى حرب بإعاشتهم دون مقابل وتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجاناً.
لكن الإحتلال ينتهج سياسة الإهمال الطبي كأداة لتحطيم الأسرى وابتزاهم بالعمالة له مقابل تلقيهم العلاج, وإن حظي الأسير الفلسطيني بفرصة للعلاج فإنه لا يتلقى العلاج المناسب والعديد من الأسرى تفاقمت أوضاعهم الصحية في المعتقلات الصهيونية ومنهم من أصيب بالأمراض داخل السجن حيث سجل أكثر من (1600) حالة مرضية تستوجب العلاج في صفوف الأسرى الفلسطينيين من بينهم ( 550) أسيراً يحتاجون عمليات جراحية عاجلة و (160) أسيراً يعانون أمراضاً خطيرة منهم (15) أسيراً مصابون بالسرطان والعدد أخذ بالازدياد وفق تقارير تفيد بأن أمراض السرطان تغزو المعتقلات الصهيونية حيث يكتشف الأسير اصابته بهذا المرض الخبيث بعد الإفراج عنه.
أيضاً ( 18) أسيراً يستخدمون الكرسي المتحرك, و(80) أسيراً مصابون بالسكري, و(40) أسيراً يعانون اصابات بالشظايا والرصاص أثناء اعتقالهم وقبله , و(41) أسيراً يرقدون في مايمسى مشفى سجن الرملة بشكل دائم.
كما لا توجد غرف عزل خاصة بالأسرى المصابين بأمراض معدية, والمماطلة الصهيونية في تقديم العلاج للأسرى المرضى, وعدم توفر أطباء اختصاصيين وتفتقد عيادات السجون لأطباء مناوبين ليلاً, ولا تتوفر الأجهزة الطبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة كالأطراف الاصطناعية والنظارات الطبية وأجهزة التنفس والبخاخات لمرضى الربو.
كما تتعمد سلطات الاحتلال حرمان الأسرى ذوي الأمراض المزمنة من أدويتهم, والاعتداء على الأسرى المرضى بالضرب والعنف مستخدمين الغاز مما يفاقم الحالة الصحية للأسير.
المادة (16) توجب معاملة أسرى الحرب على قدم المساواة ولا التمييز بين الحالة الصحية أو أعمارهم أو مؤهلاتهم أو الجنس أو التدين أو الأراء السياسية أو أية معايير مماثلة أخرى.
لكن الاحتلال من خلال ممارساته يعامل الأسرى من منطلق واحد أنهم مجرمون ويجب سحقهم.
في الجزء الثاني سنتحدث عن أساليب التعذيب التي ينتهجها الاحتلال بحق الأسرى الجسدية والنفسية ومحلها من الإعراب في اتفاقية جنيف الثالثة حول أسرى الحرب.
دمشــق
في 2/3/2010
|