تعكس هذه الدراسة الاتجاهات العميقة التي تسود أوساط اكاديمية إسرائيلية والرافضة علناً لفكرة حل الدولتين لشعبين. ففي رأي كاتب الدراسة غيورا أيلاند، وهو الذي شغل سابقاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي، مشروع الدولة الفلسطينية كما هو مطروح في حل الدولتين غير قابل للحياة. ويجب البحث عن بدائل أخرى منه، مثل الحل الكونفيديرالي وتبادل أراض.
معهد بيغن - السادات الذي نشر هذه الدراسة (كانون الثاني 2010)، هو مركز للدراسات الاستراتيجية تابع لجامعة بارأيلان. وهو اجمالاً أميل الى ايديولوجيا اليمين، وهذا واضح في توجهات رئيس المركز أفرايم عنبار.
في ما يلي ترجمة عن العبرية لبعض الفصول المختارة من هذه الدراسة:
مع مطلع 2010، لا يبدو التوقيع على إتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني أمراً ممكناً في المستقبل القريب. قبل بضعة أشهر كان هناك من ينظر الى الوقائع نظرة متفائلة. وكان سبب هذا التفاؤل الموسمي السياسة المعلنة للرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، التي جعلت من تحقيق السلام في الشرق الأوسط حجراً أساسياً في توجهاتها الجديدة.
لكن الواقع الموضوعي القائم في مطلع 2010، لا ينبىء بشيء مختلف عما حدث في كل المرات الماضية التي جرى فيها تحريك عملية السلام. بدءاً من خريف 1993 (التوقيع على إتفاق أوسلو)، وصيف 2000 (مؤتمر كمب ديفيد)، وكانون الأول 2000 (خطة الرئيس كلينتون لإنهاء النزاع)، وخريف 2007 (مؤتمر أنابوليس)
من الصعب التصديق أن المسعى الديبلوماسي الذي فشل عام 2000، سينجح عام 2010، لاسيما بعد تغير عناصر المعادلة كلها. نحن اليوم أمام أربع وجهات نظر:
المقاربة الأولى هي القائلة بتعذر التوصل الى حل سياسي في المستقبل القريب، من هنا من الأفضل إدارة النزاع، وعدم حله.
المقاربة الثانية هي التي تحاول التوصل الى "تسوية جزئية". والتي تقبل الاعتراف بقيام دولة فلسطينية ذات حدود موقتة، الأمر الذي يفرض نقل أراض جديدة الى الفلسطينيين، ولكنه يمنع مواجهة المشكلات غير القابلة للحل، مثل مشكلة الحدود الدائمة، والقدس، واللاجئين، والاعتراف المتبادل الشامل ونهاية النزاع.
المقاربة الثالثة هي التي تسعى الى الاتفاق الدائم. وفي رأيها رغم كل الاخفاقات الماضية والعوائق، يجب محاولة التوصل الى إتفاق دائم يقوم على مبدأ "دولتين لشعبين". لأن هذا هو الحل الوحيد، وكل تأجيل في تحقيق هذا الحل، سيزيد في العوائق التي ستحول دونه مستقبلاً، كما سيزيد من المخاطر المترتبة عن غياب السلام.
المقاربة الرابعة هي التي تحاول التوصل الى اتفاق دائم، ولكن ليس انطلاقاً من مبدأ الدولتين لشعبين، الذي سبق وفشل أكثر من مرة في الماضي، وإنما على أساس البحث عن حلول أخرى. وهذا ما سنتحدث عنه في الصفحات التالية.
الحلول البديلة
إن النقاش الذي دار خلال الستة عشر عاماً الأخيرة، أي منذ التوقيع على إتفاق أوسلو تمحور بين حدين: الثقة الكاملة بأن حل" الدولتين لشعبين" ممكن التحقيق؛ في مقابل التشاؤم التام من إمكان التوصل الى حل سياسي للنزاع. وبين هذين الحدين برزت أفكار متعددة لإتفاقات مؤقتة.
الحل الإقليمي الأول: كونفيديرالية أردنية - فلسطينية
مثل كل الدول العربية، رفض الأردن قرار التقسيم عام 1947. وسارع الى السيطرة على الضفة الغربية، كما حاول احتلال اجزاء من الضفة كان من المفترض أن تكون تابعة للدولة اليهودية. في نهاية حرب الإستقلال ضم الأردن الضفة الغربية، وبعكس موقف مصر من غزة، تعامل مع الأرض والسكان كجزء
لا يتجزأ من الأراضي التابعة للسيادة الأردنية.
احتلت إسرائيل الضفة الغربية خلال حرب الأيام الستة في 1967. ومنذ ذلك الحين وحتى 1993 انقسمت الآراء في إسرائيل الى موقفين: وجهة نظر حكومة حزب العمل الداعية للتوصل الى "تسوية إقليمية" مع الأردن، تقضي باعطاء الأردن معظم الضفة الغربية، خاصة المناطق التي يسكنها العرب. على أن تحتفظ إسرائيل بمنطقتين أمنيتين: وادي الأردن في الشرق، ومناطق إضافية في الغرب توسع "الخاصرات الضيقة" للدولة. عارض الليكود كل تسوية اقليمية. ففي رأيه الضفة الغربية (يهودا والسامرة) يجب أن تبقى لأسباب أمنية أو تاريخية-دينية، تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة. وعلى الرغم من ذلك كان الليكود مستعداً منح السكان العرب (الفلسطينيين) في هذه المنطقة حكماً ذاتياً. علاوة على ذلك، فحتى قبل 18 عاماً كانت فكرة قيام دولة عربية مستقلة جديدة (الدولة الفلسطينية) مرفوضة تماماً من جانب غالبية الجمهور الإسرائيلي. وحتى الأردن لم يكن يعتقد طوال السبعينات والثمانينات، بأن حل النزاع الأردني – الإسرائيلي يتطلب قيام دولة فلسطينية.
في نيسان 1987، عُقد في لندن اجتماع سري بين شمعون بيريس الذي كان وزيراً للخارجية آنذاك، والملك حسين لحل مشكلة الضفة الغربية، من طريق اقامة كونفيديرالية أردنية - فلسطينية. وكان المطلوب ان تتنازل إسرائيل عن معظم أراضي الضفة. يومها غضب رئيس الحكومة اسحق شامير، ورفض الفكرة بصورة مطلقة. وشكل هذا نقطة تحول في موقف الأردن من الموضوع. فبعد نشوب الإنتفاضة الأولى (في كانون الأول 1987)، أدرك الملك حسين ضآلة حظوظ المملكة في ضم الضفة الغربية الى أراضيها، فأعلن في تموز 1988 أنه لم يعد مسؤولاً عن الموضوع الفلسطيني، وأنه من الآن فصاعداً على إسرائيل التفاوض مع منظمة التحرير. هذا التغيير في التوجه الأردني سهّل على إسرائيل والأردن التوصل الى اتفاق سلام في 1991، وأغلق الطريق أمام التوصل الى حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.
كونفيديرالية
أردنية – فلسطينية
الحل الأول المقترح هنا هو انشاء مملكة أردنية فيديرالية، تتكون من ثلاث "ولايات": الضفة الشرقية، الضفة الغربية وغزة. هذه الولايات تكون states بالمفهوم الأميركي، مثلما هي حال بنسلفانيا أو نيوجيرسي، تتمتع باستقلال داخلي كامل، ولها موازناتها، ومؤسساتها الرسمية، وقوانينها الخاصة، وحاكمها وسائر أشكال الإستقلال. ولكن كما هي حال بنسلفانيا ونيوجيرسي فإنها تملك أي صلاحية في موضوعين: السياسة الخارجية، والقوات المسلحة. فهاتان السلطتان ستبقيان ضمن صلاحية الحكم (الفيديرالي) في العاصمة عمان. بعد سيطرة "حماس" على غزة، ما زال بالإمكان تحقيق هذا الحل على مرحلتين. بداية في الضفة الغربية، وعندما تنضج الظروف يمكن تطبيقه على غزة. من أجل ذلك تجري إسرائيل مفاوضات مع حكومة فلسطينية-أردنية مشتركة، كما كان من المفترض أن يحدث في مؤتمر مدريد عام 1991.
فوائد حل الفيديرالية الأردنية – الفلسطينية
إن هذا الحل هو الأفضل بالنسبة للفلسطينيين وللأردن، وبالتاكيد بالنسبة لإسرائيل أيضاً.
بالنسبة للفلسطينين: الذين يعيشون في الضفة من غير المؤيدين لـ"حماس"، فإن هذا الحل هو أفضل من حل"الدولتين لشعبين" وذلك لأربعة أسباب. أولاً: لأنه منتج أكثر من اي اتفاق قد تنفذه إسرائيل. فالعديد من الفلسطينيين يرغبون في رؤية نهاية الاحتلال الإسرائيلي، ويفضلون أن يتم ذلك عبر هذا الحل، على حل السلام الإسرائيلي - الفلسطيني الذي من الصعب التوصل اليه في وقت قريب.
السبب الثاني، إدراك هؤلاء الفلسطينيين أنه في حال قيام دولة فلسطينية وفقاً "لحل الدولتين لشعبين"، فالأرجح أن تسيطر عليها "حماس". وكثيرون يفضلون العيش تحت السلطة الأردنية، على تحمل الاستبداد الديني لـِ"حماس"، كما يحدث في غزة.
ثالثاً: وحده الحل الإسرائيلي - الفلسطيني، سيفرض على الفلسطينين تقديم تنازلات صعبة مثل التنازل عن حق العودة، والاتفاق على نهاية النزاع وهلم جراً. ومن الأسهل مشاركة دولة عربية (الأردن) في تحمل العبء العاطفي المترتب انذلك.
.رابعاً: يدرك الفلسطينيون أن حل" الدولتين لشعبين" سيحولهم مواطني دولة صغيرة جداً، وغير قابلة للحياة، تخضع لقيود كبيرة في الموضوع الأمني (مثل التنازل عن السيادة على الأجواء الجوية)، لذا من الأفضل لهم أن يكونوا مواطنين متساوين في دولة محترمة وكبيرة يشكل فيها الفلسطينيون الغالبية الديموغرافية.
بالنسبة للأردن: يدرك الأردنيون أن قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة قد يجعلها تقع تحت سيطرة "حماس" كما جرى في غزة. من هنا فإن قيام دولة مجاورة (فلسطين) يحكمها الأخوان المسلمون، بالاضافة الى الحدود الطويلة بين الدولتين، و خطر الاخوان المسلمين في الأردن، سيشكل نهاية المملكة الهاشمية. إن السبيل الوحيد لبقاء الأنظمة في الشرق الأوسط هو السيطرة الأمنية الفعلية. من هنا فالطريقة الوحيدة لقمع التمرد الذي قد تقوده سلطة "حماس" مستقبلاً هو السيطرة العسكرية الأردنية على هذه المنطقة.
بالنسبة لإسرائيل: هناك أربع ميزات لهذا الحل بالمقارنة مع حل "الدولتين لشعبين".
اولاً؛ هناك تغيير في الخطاب السائد. فلم يعد الموضوع يتعلق بالشعب الفلسطيني الواقع تحت الإحتلال، وإنما بنزاع إقليمي بين دولتين: الأردن وإسرائيل. ومن المنتظر أن يتغير الضغط الدولي الذي يمارس حالياً على إسرائيل ويطالبها بالتنازل.
ثانياً؛ من المحتمل أن يكون الأردن أكثر تساهلاً في عدد من الموضوعات، مثلاً الموضوع الإقليمي. فالفلسطينيون غير قادرين على التنازل عن"حدود1967". فإسرائيل الصغيرة بحاجة الى المزيد من الأراضي، لكن الدولة الفلسطينية ستكون أصغر. وليس من المنطقي مطالبة الطرف الأضعف والأصغر بالمزيد من التنازلات. ولكن عندما يصبح الشريك هو المملكة الأردنية فالأمر يصبح اسهل بكثير.
ويصح ذلك بصورة واضحة على كل ما له صلة بالترتيبات الأمنية. ففي أي اتفاق ستطلب إسرائيل تجريد الضفة الغربية من السلاح. وستطلب من الدولة الفلسطينية التخلي عن سلاحها الثقيل على كل أراضيها. وهذا أمر صعب بالنسبة لشعب يسعى الى الاستقلال. ولكن عندما يصبح الموضوع اتفاقاً بين إسرائيل والأردن تصبح هذه المطالبة أكثر منطقية. ويصبح كل المطلوب التنازل عن نشر القوات في مناطق معينة (الضفة الغربية)، وهذا مطلب قد يبدو مقبولاً من جانب الأردنيين، مثلما قبلت مصر قبل ذلك المطلب الإسرائيلي بعدم نشر قوات عسكرية كبيرة في سيناء.
ثالثاً؛ الموضوع الأهم هو مسألة الثقة. ففي حل"الدولتين لشعبين" سيكون على إسرائيل التنازل عن أمور ملموسة مقابل "تعهدات" فلسطينية بالمحافظة على الهدوء. وهناك تخوف إسرائيلي من خسارة مزدوجة: التنازل عن كل المناطق، وعدم الحصول على الأمن. وثمة خطر كبير من أن تعجز السلطة الفلسطينية عن تقديم المطلوب، أو ترفض تقديمه.
ويختلف الأمر عندما يكون المطروح التوقيع على إتفاق سلام إسرائيلي-أردني. ربما ستضطر إسرائيل الى المخاطرة بكثير من الأشياء، ولكنها ستكون مخاطرات شبيهة بتلك التي أخذتها على عاتقها عام 1973 عندما وقعت اتفاق السلام مع مصر وتنازلت عن كل سيناء. أما الفائدة الرابعة فهي المتصلة بالعلاقات بين الدولتين. هناك أسباب كثيرة للتخوف من أن يؤدي نشوء دولة فلسطينية مستقلة ضعيفة بنيوياً الى خلق عبء اضافي على إسرائيل. وبصورة عامة ليس أكيداً أن المساحة الواقعة بين نهر الأردن والبحر تسمح بقيام دولتين قابلتين للحياة. من هنا فإن كل مشكلات الدولة العتيدة (غياب البنى التحتية، وعدم وجود فرص العمل، والانفصال بين الضفة الغربية وغزة) ستقع على عاتق دولة إسرائيل. ناهيك بأن المجتمع الدولي سيعتبر أن من واجب إسرائيل الأخلاقي مساعدة الدولة الجديدة، وذلك بعد سنوات الاحتلال الطويلة، وناهيك بالانعكاس السلبي على إسرائيل للفقر والعوز والبطالة في الدولة الفلسطينية. وكل هذا لن يحدث في حال أصبحت الضفة جزءاً من مملكة الأردن"الكبرى".
إن قيام دولة فلسطينية وفقاً لحل" الدولتين لشعبين" سيبقي غالبية المشكلات في المرمى الدولي. وسيكون من الصعب على الدولة الجديدة أن تستقل اقتصادياً، كما أنها ستنقسم إقليمين (غزة والضفة الغربية)، ولن يكون حل مشكلة اللاجئين قريباً. والأهم من هذا كله المشكلات بين إسرائيل و فلسطين لن تُحل في اللحظة التي يجري فيها توقيع الإتفاق. وسيضطرالمجتمع الدولي، وبصورة خاصة الولايات المتحدة، الى توظيف جهود كبيرة من أجل انجاح تطبيق الاتفاق.
وتختلف المشكلة عندما تتحول مشكلة دولتين قائمتين ومستقرتين، فإسرائيل والأردن ستكونان مسؤولتين عن حل هذه المشكلات. وبعد توقيع الاتفاق سيصبح تطبيقه تحدياً بالنسبة للأردن ولإسرائيل، ولكن حجم الاهتمام الدولي سيتراجع بصورة كبيرة، كما جرى بعد التوقيع على اتفاق السلام مع مصر في 1979.
الحل الإقليمي الثاني:
تبادل مناطق
في اطار تحسين اقتراح حل" الدولتين لشعبين"، اقترحت الادارة الأميركية على الدول العربية اعطاء إسرائيل مقابلاً لإستعدادها التنازل عن أراض مقابل الاتفاق. ففي نظر هذه الإدارة ليس في مستطاع الفلسطينيين وحدهم دفع الثمن لإسرائيل (وهذا صحيح) مقابل التنازلات الكبيرة التي ستقدمها في اطار إتفاق السلام. والثمن المنتظر تقديمه من الدول العربية هو تحسين علاقاتها مع إسرائيل. وعلى الرغم من أهمية ذلك، فمن الواضح صعوبة "تعويض" خسارة إسرائيل كل مناطق الضفة مقابل بوادر حسن نية أو أمور أخرى.
كما أنه من الصعب موضوعياً، عدم رؤية شوائب حل الدوليتن. فمن جهة ستضطر إسرائيل وفلسطين للاكتفاء بدولة صغيرة ومكتظة سكانياً، ومن جهة اخرى ستكونان محاطتين بدول ذات أراض شاسعة، مع عدد قليل من السكان (الأردن، صحراء سيناء، السعودية). فالأمر الوحيد الذي تملكه الدول العربية بكثرة وتحتاج اليه إسرائيل وفلسطين بصورة حادة هو الأرض. فإذا تنازلت هذه الدول عن جزء قليل من الأرض، يمكن إدخال تحسينات كبيرة على وضع إسرائيل والدولة الفلسطينية. يتناول هذا الفصل كيفية "تكبير الكعكة" بحيث يخرج الجميع رابحين.
أسس الاقتراح
1-تنقل مصر الى غزة مناطق مساحتها نحو 720 كيلومتراً. وتشمل هذه المنطقة جزءاً من الشريط المبني الممتد على طول 24 كيلومتراً على طول شاطىء البحر المتوسط من رفح غرباً حتى العريش. بالاضافة الى شريط يقع غرب كرم سالم جنوباً ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر. وتؤدي هذه الزيادة، الى مضاعفة حجم قطاع غزة البالغ حالياً 365 كيلومتراً نحو ثلاث مرات.
2--توازي مساحة 720 كيلومتراً حوالى 12 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12 في المئة من أراضي الضفة التي ستضمها إسرائيل إليها.
3- مقابل الأراضي التي ستعطيها مصر الى فلسطين ستحصل من إسرائيل على منطقة جنوب غرب النقب. ويمكن أن يصل حجم الأراضي التي ستنقلها إسرائيل الى مصر الى 720 كيلومتراً، ويمكن أن تكون أصغر.
الفائدة بالنسبة لفلسطين
غزة في حجمها الحالي غير قابلة للحياة. ولا تملك الحد الأدنى الذي يسمح باستقلالها اقتصادياً. إذ يعيش فيها اليوم مليون ونصف، وسيبلغ عدد سكانها في 2020 مليونين ونصف. فمن يصدق أن سكان غزة الحاليين قادرون على العيش برخاء في منطقة غير قابلة للنمو؟ فحتى مرفأ صغير من الصعب بناؤه في غزة لعدم وجود مساحة كافية، أو بسبب الأضرار الكبيرة التي قد يتسبب بها لشواطىء إسرائيل نظراً الى قربه الشديد منها. ويخطىء كل من يشبه غزة بسنغافورة، فالتجارة في سنغافورة تعتمد على التجارة الدولية، وعلى المصارف المتطورة و صناعة "الهاي – تك". أما الاقتصاد في غزة فيقوم على الزراعة والتكنولوجيا البسيطة...
إن زيادة مساحة غزة وفقاً للإقتراح أعلاه سيزيد شاطئها بمساحة 24 كيلومتراً، ويشمل ذلك اضافة تسعة اميال من المياه الإقليمية، مع احتمال العثور على الغاز الطبيعي في هذه المنطقة. وستسمح زيادة 720 كيلومتراً على مساحة غزة بإنشاء مرفأ دولي كبير، ومطار دولي، على بعد 20 الى 25 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل. والأهم من هذا كله: بناء مدينة جديدة يسكنها مليون شخص، تشكل المستقبل الطبيعي ليس لغزة فقط وإنما يمكنها استيعاب اللاجئين الفلسطينيين من دول أخرى.
ومقابل تحويل غزة مكاناً جذاباً ذا قدرة فعلية على التحول مركزاً للتجارة الدولية في المنطقة، على الفلسطينيين التنازل عن مناطق في الضفة الغربية تتواجد فيها منذ عشرات السنوات مستوطنات اسرائيلية ومنشآت عسكرية. وهذا تنازل مؤلم، ولكن لا يمكن مقارنته بالفائدة الكبيرة في غزة.
الفائدة بالنسبة لمصر
مقابل اعطاء مصر (للفلسطينيين وليس لإسرائيل) 720 كيلومتراً من أرضها "المقدسة"، ستحصل على سبعة فوائد:
1-ارض مقابل أرض. اذ ستحصل مصر من إسرائيل على أرض تقع جنوب النقب حجمها 720 كيلومتراً.
2- مصر اليوم معزولة جغرافياً عن جزء أساسي من الشرق الأوسط (هو الجزء الشرقي)، وذلك عبر البحر الأحمر الى الشرق الجنوبي، والبحر المتوسط في الشمال. ومن أجل السماح بارتباط بري، ستسمح إسرائيل بحفر قناة تربط بين الأردن ومصر. وستمر القناة التي يبلغ طولها نحو عشرة كيلومترات من الشرق الى الغرب (على بعد خمسة كيلومترات من إيلات) وتكون خاضعة للسيادة المصرية الكاملة. بحيث لايحتاج الانتقال من مصر الى الأردن الى موافقة إسرائيلية.
3--بين المطار الجديد في غزة الكبرى، والمرفأ البحري الجديد على شاطىء البحر المتوسط، و القناة التي تربط مصر بالأردن، يجري شق شبكة من الطرق السريعة للسيارات، ويمد أنبوب للنفط (مسار هذه الخطوط سيكون بمثابة حدود أردنية - مصرية على الجانب المصري) وتجتاز هذه الخطوط الثلاثة القناة الى الأردن، ومن هناك ستتوزع شمالاً في اتجاه الشمال الشرقي نحو العراق والأردن، وجنوباً في اتجاه السعودية ودول الخليج. وسيؤدي هذا الربط الى فوائد اقتصادية ضخمة. والفائدة التي ستجنيها مصر واضحة: إذ ستحصل الجمارك المصرية على حصتها من حركة التنقل بين الأردن والعراق والخليج العربي من جهة ومرفأ غزة من جهة ثانية.
4-تعاني مصر من مشكلة مياه آخذة في التفاقم. فهناك زيادة كبيرة في عدد السكان مقابل تراجع في مصادر المياه العذبة.وليس باستطاعة دولة نحو خمسين في المئة من سكانها يعيشون على الزراعة الاستمرار لعقد أو أكثر من دون حل جذري لمشكلة المياه. الأمر الذي يقتضي توظيف استثمارات في تحلية مياه البحر وتكرير المياه، ويتطلب هذا أموالاً طائلة وتكنولوجيا متطورة. وهو ما لا تملكه مصر، من هنا مقابل "الكرم" المصري، سيوظف العالم في مصر (عبر البنك الدولي) في مشاريع تحلية المياه وتكرريها.
5- لقد أعطى اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي مصر الكثير من الإنجازات، ولكنه في المقابل فرض قيوداً كثيرة وقاسية على انتشار قواتها العسكرية في سيناء. وستوافق إسرائيل كجزء من تقديماتها على اجراء تغييرات على الملحق العسكري لإتفاق السلام، مما سيسمح لمصر ان تقول لشعبها: صحيح أننا تنازلنا عن واحد في المئة من سيناء، لكن هذا التنازل سيسمح لنا بعد ثلاثين عاماً، تطبيق السيادة المصرية بصورة أفضل على 99 في المئة من أرضنا.
6-تسعى مصر مثل العديد من الدول في المنطقة الى الحصول على الطاقة النووية (لأغراض سلمية)، وبناء مفاعلات نووية من اجل انتاج الكهرباء.
الفائدة بالنسبة للأردن
الأردن هو المستفيد الأكبر من هذا الإتفاق من دون أن يدفع شيئاً. وهناك فائدتان كبيرتان:
1-شبكة الطرقات، وسكة الحديد، وأنبوب النفط الذي سيربط مرفأ غزة الدولي، بالخليج الفارسي عبر القناة الأردنية - المصرية. وسيصبح للأردن منفذ مجاني على البحر المتوسط (المرفأ الجديد في غزة)، ومن هناك الى أوروبا. بالاضافة الى ذلك فإن الجانب الشرقي للقناة سيتحول "عنق الزجاجة" لحركة التجارة من أوروبا الى العراق والخليج، الأمر الذي سيدر على الأردن فوائد اقتصادية واستراتيجية كبيرة.
2-تشكل المشكلات الديموغرافية مصدر قلق للأردن، لا سيما أن غالبية مواطنيه هم من أصل فلسطيني، وعددهم آخذ في الإزدياد. ومنذ اللحظة التي تقوم فيها غزة "الكبرى مع المرفأ والمطار الجديدين، فإن هذا سيخلق فرصاً كثيرة للعمل، وسيغير الوضع في الأردن، وسيفضل الفلسطينيون الذين من غزة (نحو 70 ألفاً منهم يعيش اليوم في الأردن)، العودة الى ديارهم، بالاضافة الى جزء من اللاجئين المقيمين حالياً في الضفة والأردن.
الفائدة بالنسبة لإسرائيل
لدى المقارنة بين هذا الحل حل الدولتين، تبرز أربع فوائد:
1-الأراضي في يهودا والسامرة ستبقى تحت سيطرة إسرائيل(نحو 12 في المئة)، وهذه مساحة أكبر مما يمكن الحصول في الحل العادي. وهذه المساحة من الأرض هي التي اعتبرها ايهود باراك ضرورية للمحافظة على المصالح الإسرائيلية في قمة كمب ديفيد (2000). وهي ستسمح لإسرائيل خفض عدد الإسرائيليين الذين سيضطرون الى اخلاء منازلهم من مئة ألف الى ثلاثين ألفاً. يضاف الى ذلك أن هذه المساحة من الأرض ستسمح لإسرائيل الاحتفاظ بالأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية (مثل عفرا وكريات أربع، وأرييل) البقاء داخل إسرائيل ضمن شروط مريحة.
2-ان التقسيم المتوازن للأرض بين غزة والضفة سيجعل الدولة الفلسطينية أكثر قدرة على الحياة وبالتالي أكثر قوة وقدرة على احترام الاتفاق.
3-إن مشاركة دول عربية مثل الأردن ومصر في الحل له أهمية ويجعله ملزماً، ويقدم "ضمانات" قوية لإستمرار الاتفاق.
4-لا يلغي هذا الاتفاق الإقليمي الحاجة الى"معبر آمن" بين غزة والضفة، ولكنه يقلل من أهميته. "فالمعبر الامن" سيظل معبراً للإنتقال بين غزة والضفة، ولكن سائر الحركة التجارية وتنقل الأشخاص بين غزة والعالم العربي ستجري عبر المسار الجديد.
الفوائد الاقتصادية للجميع
إن معظم التجارة بين العراق والسعودية ودول الخليج وأوروبا يجري عبر السفن التي تعبر قناة السويس، أو عبر السفن التي يضطرها حجمها للالتفاف حول أفريقيا. وهذان الطريقان غير مفيدين، ولكن لا غنى عنهما في غياب مرفأ عصري على ساحل البحر المتوسط، وفي غياب شبكة مواصلات مفيدة.
ولكن في حال وجود مرفأ عصري على شاطىء البحر المتوسط في "غزة الكبرى" يستخدم تكنولوجيا متطورة مثل تلك المستخدمة في ميناء سنغافورة، وفي حال تشعبت منه شبكة طرق وسكة حديد وأنبوب للنفط، يمكننا ان نحسن بصورة كبيرة من التجارة، وخفض تكلفتها.
ولن يأتي تمويل هذا المشروع من الدول التي ستقام فيها البنى التحتية التابعة له، وإنما من الدول الغربية. فاليوم ينفق العالم ملياري دولار من أجل اطعام الفلسطينيين، ووفقاً لهذا المشروع يمكن استخدام المال في الإستثمار وليس في الاستهلاك، وهذا الاستثمار يمكن استرجاعه خلال بضعة أعوام. وسوف تستفيد مصر والأردن مباشرة من الحركة الإقتصادية، بالاضافة الى دول أخرى ستستفيد بصورة غير مباشرة.
يفضل المجتمع الدولي اليوم البحث عن حلول متعددة الطرف تستند الى أساس اقتصادي، وليس الحلول الثنائية التي تقوم على أساس سياسي - استراتيجي. ويُعتبر الاتحاد الأوروبي النموذج الأبرز على ذلك.
إن هذا الحل سيعطي للفلسطينيين فرصة للتحول "سنغافورة الشرق الأوسط". ومن غير الممكن التوصل الى مثل هذا الانجاز ضمن الحدود الضيقة الحالية لغزة.
ترجمة رندة حيدر عن العبرية
المصدر: نشرت في صحيفةالنهار اللبنانية في 15-02-2010
|