الفصل الرابع

في المرأة والأسرة- قراءة نفسية

د. فيوليت داغر*

 

 

لكنّ، أمي، أختي، ابنتي وصديقتي

ولكم، زوجي، أخي وصديقي

ووددت أن أضيف أبي الذي كان

وابني الذي لم يكن

أهدي هذه الأوراق

التي هي جزء هام من ذاتي

 

 

تقديم

منذ نشأتها تحمل المرأة في لاوعيها مخلفات الوضع الذي عاشته بنات جنسها خلال دهور، بما تركه ذلك من آثار على صورتها عن نفسها ورغبتها في محاربة الوضع التمييزي ضدها. من المؤكد أنها لم تكن على مر التاريخ مسحوقة أو ضعيفة. فمن النظريات ما يقول بوجود عصر كانت السلطة فيه للنساء وكانت الآلهات عديدات. وحتى خلال عصر الرجل توجد نماذج كثيرة لأسماء نسائية لمعت وأثبتت أن المرأة لعبت بجدارة كل الأدوار. لكن من نتائج المنظومة البطريركية، الذي استقرت شيئا فشيئا ومكّنت الرجل من وضعه، أن نزعت حقوق المرأة وهيبتها وحددت حريتها الجنسية وقوننت قدرتها على الإنجاب داخل مؤسسة الزواج. كما أن الميراث لم يعد ينتقل للمرأة وإنما بين الرجال. لقد أصبحت ملكاً لأبيها ثم لزوجها بالإمكان بيعها وسبيها والتبادل بها واقتناء ما أمكن منها. هي تنجب الأطفال وتلتزم نطاق المنزل وزوجها يذهب خارجه يحارب ويعيل أسرته و"يضع مولوده" من رأسه أو كد يده حيث لا يمكنه من رحمه ويستمتع بوقته.

فالرجل في منطق هذه المنظومة صورة الإله على الأرض، وعلى المرأة أن تعبده وتتفنن في إرضائه كي لا يشيح عنها أو يستبدلها بأخرى. إنها السيدة والجارية بآن، وهي المسؤولة عن سعادته وتعاسته بكل الأحوال. هو يحبها، لكن يخافها ويحتقرها كونها تجسّد الخطيئة والشر المطلق. لذلك وكلما أمكن، عليها أن تخفي محاسنها بلباس يغطي شعرها ووجهها وجسدها وكل ما يمكن أن يظهر منها كي لا توقعه في الخطيئة. إنه مضطر لها كي يكون له ذريته ومن يشكل امتدادا له ويحمل اسمه ويأخذ ميراثه، لكن هذا لا يتحمله إلا بوضع مسافة معها. يذهب الأمر في بعض المجتمعات لحد الفصل وحتى العزل الكامل بين الجنسين. كما ويجبر المرأة على التزام نطاق المنزل تحت أي مبرر وسد أبواب العمل أمامها وتأكيد دونيتها وقصورها دونما هوادة. بكل الأحوال للعنف تجاهها أشكال عديدة، تتكثف تعبيراتها في المجتمعات التقليدية المحافظة ومنها الخليجية.

يمكن للرجل أن يبرر ساديته وعدم شعوره بالذنب تجاه المرأة بأنها هي المسؤولة كونها بنظره مازوشية وتستمرئ المعاملة القاسية. الصورة النمطية عنها تبيح له إسقاط ما بداخله عليها. وهو إن خانها فليس في فعله ما يستحق التأنيب والعقاب، وفي غالب الأحيان لا يعامل بنفس الطريقة القاسية المتبعة معها. أما هي فعليها أن تسكت على زلاته وتطيعه في ما يبغي وتقبل، معها أو بدونها، بغيرها له. خاصة إن لم تكن في وضع يؤمن توازنها الاقتصادي، حيث تضطر لمقايضة انتهاك حقوقها بالحفاظ على أولادها ووضعها الأسري. والطامة الكبرى عندما يصل بها تحدي وضعها للبحث عن نفسها في تصرف أو علاقة خارج ملكوته وإرادته. فعندما لا يباح قتلها "لغسل العار"، ترجم أو تطلق. فهي ليست ملك نفسها لتفعل ما يحلو لها وعليها أن تبقى أسيرته ليرضى عنها ويطمئن لها.

ما يعقد الوضع هو أن صورته عنها تحمل المتناقضات والأضداد: الحب والكره، الحياة والموت، الخير والشر، النجاح والفشل، السيطرة والخضوع، العطف والنقمة. هو يريد أن يتحرر منها وبالوقت نفسه يتكوم في كنفها. وعندما تخرج عن طاعته، كونها في نظر نفسها ليست ملك يمينه يتصرف بها كما يطيب له، تغدو في نظره مخيفة وشريرة. لكن في قرارة نفسه يطالبها في أحيان أخرى أن تكون المبادرة والمحرضة، على شرط أن يبقى ظاهريا الآمر الناهي، لتحفز غرائزه وتدعه يمتلكها لحظة لإشباع شهواته. فحاجتها للحماية الاجتماعية جعلها تضعه في مصاف لم يكن فيه لو كانت أكثر تحررا وتحقيقا لذاتها. وكي لا تتحول حياتها لمعركة مفتوحة ولا تخسر نفسها، عليها أن تصمت وتغش. أن تمر بمرحلة مخاض قاسية لتتعلم كيف تتلون بحيث تنسجم مع محيطها ووضعها وصورتها لديه.

 

الخوف من الآخر

يتعامل كل مع وجوده إنطلاقا من شخصيته وتربيته وظروفه ومستوى وعيه وقناعاته ومدى تبنيه أو تأقلمه مع نموذج ثقافة مجتمعه ومحددات هامة أخرى. فعملية البناء تحتاج بآن لشئ من الاستقرار كما للتجديد واكتشاف آفاق مجهولة. إنها تفترض القدرة على التشكيك وطرح الأسئلة والنقد الذاتي بما يساهم بالانفتاح على فضاءات أخرى تدعم عملية البناء هذه وتحرر من سجن الماضي. هذا السجن الذي يبقى بالمرصاد ويعبر عن نفسه في سلوكات غريزية أو لاعقلانية تسيطر على المرء وتقيد حركته، بما يبدو له ولغيره غير منسجم مع مواقفه الفكرية أو ما يعبر عنه بالكلام. ذلك أن التواصل مع الآخرين يمر عبر عدة قنوات ولا يقتصر فقط على اللغة ورموزها. سلوكات الرجل والمرأة حيال بعضهما تنطلق من الصورة التي يكونها كل طرف في ذهنه عن الآخر والتي يحب أن يجد نفسه فيها والتي لا تكون بالضرورة مطابقة لواقعه. مما يستتبعه اصطدامات تكون أحياناً مؤلمة بين الصورة والواقع.

ليس الاختلاف بين الجنسين هو الذي يولد التمييز الجنسي وهيمنة الأقوى على الأضعف. بل إنه الخوف من هذا الاختلاف ومن الفروقات التي يمكن أن تفهم كتهديد للذات. مما يجعل الآخر في علاقة شك وعدائية لحماية النفس والدفاع عن الوجود. هذه النفس التي تسقط على مرآته ما فيها من مشاعر سلبية لا تقبلها، وذلك في عملية لا واعية قد تكون تدميرية للآخر وللذات.

لا تختلف النعوت التي توصف بها المرأة عن تلك التي تطلق على سبيل المثال على المهاجر، أكان ذلك في مجتمعاتنا العربية أم في أي مكان آخر. أليس الآخر هو مصدر الخطر، حامل الأمراض، ذو النزعات الجنسية الفتاكة، همجي الطباع، غريب الشكل؟ كم من جرائم القتل أو الأعمال المشينة ارتكبت بحقه وطالت فصيلته خاصة خلال فترات الأزمات الاقتصادية أو الحروب؟ إلى أي حد يمكن أن نتعرف ونعترف بهذا الخوف وهذه العدوانية لنتحكم بها دون أن ننقاد لها كالضحية إلى المقصلة؟

في المجتمع السلطوي يغيّب القوي من هو في موقع أضعف منه أو يطوعه لرغباته. ثم تبدأ الضحية بالبحث عن مخرج للانتقام من وضعها بما فيه تقليد القوي واحتقار الذات ومن يشبهها. لكن عندما ينتصر الرجل على المرأة ويجعلها في وضع دوني يرتاح له، يكون ليس فقط قد قتل شيئا هاما فيها وإنما أيضا المرأة التي في ذاته والتي من صفاتها الرقة والحساسية. فالرجل القاسي الطباع معها يريد أن يؤكد لأمه أنه أقوى من أن يدعها تلتهمه بحبها. لكن طالما أنه يشعر بالحاجة لتأكيد ذلك، طالما تبقى مشكلته معها قائمة حتى ولو أوهم نفسه وأظهر عكس ذلك. هذا الرجل هو اقرب ما يكون للانهيار والمرض عندما تهزه عاصفة. ولا يغشن مظهره الفظ وتظاهره بالثقة بالنفس، فهذا ليس سوى القشرة الخارجية التي تغلف لبه الهش.

تنطلق الرغبة بالمبارزة والتفوق من شعور بالنقص ومن الحاجة للبحث عن تعويض له. وقد تعترض تحقيقها عدم رغبة الآخر في تقديم هذا الشيء المرغوب. مما يولد التوتر والصراع والعدوانية. فالذي يبتغي السيطرة يمكن أن يزيل من الوجود من يعترض طريقه. ليس بالضرورة بقتله فعليا وإنما رمزيا غالب الأحيان. الغاية لديه تبرر الواسطة. وهذا أكثر ما يظهر جليا عند الذين يتربعون في سدة الحكم حيث يعملون على تغييب من يقف في طريقهم إليه. لكن الحكمة في تحقيق الذات تفرض إيجاد توازن بين قطبي الأنوثة والرجولة، بحيث لا يمكن لقطب أن يمتلئ بالحياة عندما يكون على حساب قمع الآخر.

خلال هذه الصيرورة تبرز الخطوات متعثرة، بما يترجم الصراع الداخلي ويؤدي للقنوط. والكثير من لا يفلح في النهوض والانتصار على الذات. هناك، حسب علماء النفس، توازنات يتأقلم معها المرء حتى عندما تكون ضارة بالنفس. إن فيها فائدة ما، وإلا لما كان هناك من مقاومة للتغيير لاواعية عند الذين يطالبون بالتغيير. ثم أن كلفة التغيير قد تكون عالية، بما يثني المرأة عن النضال للحصول على حقوقها والرجل عن التخلي عن بعض مكتسباته.

لكن المرأة التي لم يعد بمستطاعها الامتثال لمشيئة الرجل (البعل) حاولت مرارا وتكرارا أن تتحرر منه. فكان كلما زاد قمعه زادت ثورتها، وكلما ثارت عليه ازداد خوفه منها ورغبته في السيطرة عليها. مشهد يتكرر خاصة في العلاقات الزوجية، بغض النظر عن كون الشريكين يتعايشان وأحيانا كثيرة يتحابان.

 

الحب يجمعهما

صحيح أنه ليس بالحب وحده يحيا الإنسان، لكن في الالتقاء بالآخر حياة جديدة. حالة داخلية تجعل العالم المحيط أكثر فتنة بوجود الشخص المحبوب. قد يكون من الصعب أحيانا التعرف على حالة الحب هذه، لكن هناك ما يدلل على وجوده. كأن تحدث مثلا تغييرات في الجسم بمجرد التفكير بالعشيق والاطمئنان لوجوده حتى ولو كان بعيدا. فحسب بعضهم، الحب لا يدرك إلا بالبرهان عليه. في حين أن آخرين لا يرون حتى من دليل عليه وإنما مطالبات ببراهين على وجوده. فالرغبة بالآخر ليست دليلا على الحب، حيث يمكن أن نحب دون أن يكون هناك رغبة موازية. كما ويمكن أن نحب شخصا وفي الوقت نفسه نقدر على خيانته مع غيره.

في مطلق الأحوال، الحب حاجة للآخر حيث لا نقوى على التخلي عنه وإلا تخلينا عن التوازن الحيوي لدينا. إنه شئ يأتي من اللاوعي حسب المحللين النفسيين، ولا علاقة له بالمعرفة والعقل. لكن بعد اتقاده يأتي المنطق ليعطي معنى للحالة. يبقى أن من يحب حقيقة لا يستعمل الآخر أو ينتقص من قدره ويضعه في وضع لا يتمناه لنفسه. وإلا لا يسمى ذلك حبا وإنما منفعة أو مصلحة اقتصادية أو اجتماعية أو رضوخ لأعراف وتقاليد أو عقائد دينية.

أحيانا كثيرة يحتل الشريك مكانة الأم أو الأب ويلعب دور المثل الأعلى الذي يعزز الهوية ويكمل الشخصية ويسمح بالتجدد واكتشاف الذات. إنه يرمز بكل الأحوال لصورة آتية من اللاوعي، فيها ما هو سلبي وإيجابي وما لا ينطبق عليه وليس له فيه قرار أو تأثير. قد نخاطب هذا الرمز عندما نتحدث إلى الشريك بحيث لا يكون هو المعني الحقيقي بذلك، لكن يطلب منه أن يلعب كل الأدوار. عندما انتقيناه من بين الآخرين فلأننا وجدنا فيه شيئا يحاكي ما في لاوعينا من حاجة غير مدركة منا للبحث عنه. ربما يشبه من أحببنا في بداية حياتنا أو صورة مثالية نسجناها لهما وغالبا لها (الأم) قد لا تكون لها علاقة بها أو بهما فعليا.

نريده أن يكون نسخة طبق الأصل عن الذات أو أن يكمل هذه الذات أو يشبه ما نود أن نكون عليه. أن يعكس لنا صورتنا في مرآته، صورة إيجابية أو مثالية عن ذاتنا. بكل الأحوال، نتمسك به، نعمل ما بوسعنا للاحتفاظ به، نعلق آمالا عليه، يصبح أحيانا الصديق والشقيق والطفل والوالدين بآن. ففي هذه العلاقة لا يوجد بالواقع اثنان فقط وإنما ستة على الأقل: هي وهو وأمها وأبيها وأمه وأبيه، وأحيانا أشخاص هامين آخرين كان لهم دور في طفولتهما. ولما لا، فحتى الحيوانات أظهرت التجارب التي أجريت عليها أنها تتعلق بمن تتعرف عليه عند ولادتها حتى ولو لم يكن من فصيلتها.

هناك من يشعر وكأنه يعرف الشخص الذي تعرف عليه، كمن التقاه في زمن آخر. ففي رأس كل منا حنين لوجه مثالي للحب الأول، نبحث عنه في عيون الآخرين. هذا الوجه الذي لا يفارقنا قد طبعنا به، لكن ليس فقط إيجابا، بل وأحيانا سلبا بحيث نهرب منه. هذه الصورة تشعرنا بالطمأنينة، بأننا في مأمن من مكائد الحياة والأخطار المحدقة. حيث أن الطفل الذي يبقى حياً في داخلنا حتى النفس الأخير، يستفيق عند كل اهتزاز. لذلك نريد أن يكون هذا الآخر كامل الأوصاف ولا نقبل ما يظهره من ضعف عندما نعايشه ويظهر بوجهه العاري يوما بعد يوم. عليه أن يشغل المكان الذي وضعناه فيه قبل أن نلتقي به.

لكن هذه المرحلة الأولى في العلاقة لا تستمر طويلا، بل تبدأ بالتبدل تحت ضربات الواقع المعاش. وحين يتحول الحب إلى مشاحنات وأحيانا بغضاء، قد ترتد العدوانية على الذات كما ارتدت على الآخر. فهو قد بات جزءا هاما من هذه الذات ومن الهوية الشخصية. 

أما الوله، فهو درجة قصوى لما أسلفنا تمنح العشاق جناحان للتحليق في عالم فيه الكثير من نسج الخيال. إنه يخيف البعض الذي يهرب من ذاته ويخشى خسارة شئ منها في تضاريس هذا الآخر. هو لا يتبع نفس مراحل الحب لأنه عاصف ومفاجئ يستحوذ على التفكير ويعمل كالصدمة التي تجعل الولهان يعيش كمن على كوكب آخر لا علاقة له بالزمان والمكان. كأنما هذه الحظية نسخة طبق الأصل عن الذات أو الصورة المثلى لها وتجسيد للخالق.

في حالة الهيام، يبقى الانسجام الفكري والجسدي كلي إلى أن تعترضه أول عقبة، حيث يبدأ الإحباط وفقدان الأوهام. وقد تكون الاستفاقة من حالة شبه الغيبوبة هذه صعبة الاحتمال. كما يمكن أن تؤدي لعواقب وخيمة كمحاولة الانتحار، حيث لم يعد هناك ما يعوض الفراغ الذي تركه فقدان المحبوب. في كل الأحوال هناك فترة من الحداد على هذا الآخر بصورته التي دخلت الذات. هذه الذات التي تحتاج لوقت لتتأقلم مع المتغيرات وتسترجع توازنها المفقود.

بالحب ترتفع المرأة وتصبح مساوية للرجل بدل أن تكون عبدته. لكن كم من الوقت يستمر الحب والهيام بين رجل وامرأة؟ قصص الحب لا بد أن تؤدي بعد وقت للإحباط الذي يستتبعه أخذ مسافة من الآخر. وقد تبقى المودة وشئ آخر يكفي لإكمال الطريق. إنه العمل على رؤية الواقع كما هو ليحل مكان الحلم. فتخيل الآخر حسب نوازعنا وحاجاتنا شئ، والقبول به كما هو شئ آخر. بداية العلاقة الحقيقية هي عندما يتم الانتقال للمرحلة هذه. عندما يعود الواقع لاحتلال مساحته اللازمة على حساب الرغبة.

 

ما  يفرقهما..

تجتاز العلاقة مراحل متعددة تختلف مدتها ونوعيتها باختلاف الشريكين. يرى مختصون نفسيون، أنها إجمالا ستة، تراوح بين: الذوبان بالآخر، إلى الشعور بالاختلاف والتمسك كل بهويته، ثم الرغبة بالتعرف على شئ آخر بمعزل عن الشريك- بما فيه علاقة خارجية، إلى التقارب من جديد بالآخر على أسس واضحة والاغتناء من العلاقة معه. أخيراً، إلى الشراكة بمشروع والاهتمام بتطور الآخر، وصولا لخلق أشياء معا كفريق عمل يكون فيها نفع للغير. فعندما تستمر العلاقة رغم العواصف التي تجتاحها ستكون بالتأكيد مثمرة للشريكين. باستثناء أن يكون البقاء قسريا بحكم الظروف الاجتماعية أو مسؤولية الأسرة أو التقاليد أو الدين أو ما شاكل ذلك. مما لا يترك حرية الخيار للشريكين وخاصة المرأة التي تعاني بحكم دونيتها من الاختناق وضياع الهوية وفقدان الحرية. فيعيشا كغريبين يتقاطعان دون أن يلتقيا، العنف قاسمهما المشترك يدفع ثمنه كل أفراد الخلية الأسرية ومنهم بالأخص صغار السن.

أن تحصل أزمات بين الشريكين شئ لا مفر منه عندما لا يكون الفراق هو المخرج. والمشاحنات قد يعود سببها لما لا يقال أكثر منه لما يتم التعبير عنه ولو بعنف. فالصراع يدور غالبا لفرض وجهة نظر الواحد على الآخر، للتعبير عن عواطف أو إخفائها، لتأكيد الهوية وعدم فقدان تقدير الآخر. بحيث لا يتم تبادل وجهات النظر وإنما عراك يتمسك فيه كل طرف بوجهة نظره. يدافع عنها كأنه متهم سلفا أو كأنه وحده من يملك الحقيقة أو من يعرف مسبقا وجهة نظر الآخر التي هي حكما الأسوأ. بالتالي، هما لا يستمعا لبعضهما ولما يقوله الآخر، بل يتبادلا الاتهامات ويعمدا لرد الكيل كيلين. فاتهما أنهما تغيرا مع الوقت والتجارب وأنه كان عليهما الاستماع لبعضهما ليكتشف كل منهما الآخر كما أصبح. هذه الخلافات ترافقها مشاعر وعواطف جياشة من الحزن والغضب والشعور بالخزي. لكن يحاول الشركاء إخفاءها أحيانا خوفا من الظهور بمظهر الضعيف. وهي لو تم التعرف عليها وشرحها للآخر لعرف كيف يتعامل معها بعقله ولما اضطر ربما أن يحتمي منها بردها للآخر.

السبب الأول في الخلافات هو الفروقات بين المرأة والرجل. فهما علاوة على أنهما شخصان مختلفان، ليسا من نفس الجنس ولا يمكن بالتالي أن يتشابها. التخاطب يبقى المصدر الكبير للخلاف. والاثنان لا يملكان نفس المفاهيم والرؤية للحب ولا نفس الرموز المسلكية أو اللغوية للتعبير عنه. غالبا تتكلم المرأة أكثر من الرجل كونها تفكر بصوت عال. وعندما يصمت هو تعتبر هي أن ذلك قلة اهتمام بما تقوله. في حين أن في ذلك ربما دليل على الحاجة للتفكير قبل التعبير عن الرأي. كذلك تعبر المرأة عاطفيا عن مواقفها من الأحداث وتقيّم الأشياء بمشاعرها، في حين يعمد هو لنقل الخبر موضوعيا. ثم يغدق النصائح أو يحاسبها ولا يعرف كيف يصغي لها.

لتفريغ شحنات الغضب والكآبة تحتاج هي أن تجد أذنا صاغية واعترافا بمشروعية مشاعرها وأيضا المساعدة. لكنه عندما ينبري لتفنيد ما تقول مقللا من أهميته، وأحيانا للتخفيف عنها أو لاقتراح الحلول، يمكن لذلك أن يصعّد من التوتر لديها والشعور بعدم التفهم وبالوحدة. خاصة عندما يعتبر أنها بشكواها كشفت للملأ أسرارهما. فيحاسبها بقسوة على ذلك ولا يفترض أنها عندما أجبرت على الكلام، هي أيضا فقدت شيئا من اعتبارها لنفسها. لقد كانت تفضل الاحتفاظ بمكنونات صدرها لو لم يضطرها لذلك.

وفي حين تنتظر هي أن يحذر عليها ما تريد منه، لا يملك هو سوى الإجابة على أشياء محددة. فالمرأة تعتقد أنه من علامات الحب قراءة رغباتها دون التعبير عنها كي لا تضع نفسها في وضعية المطالب. فهي حينما تشعر بأحاسيسها برغبات الرجل تنتظر منه أن يفعل بالمثل. وعندما يكون مزاجها مواتيا تعطي من الحب والاهتمام الكثير وتغدق دون حساب. لكن عندما ينخفض لا تقوى على الشيء الكثير، بل تحتاج لمن يعطيها ويؤازرها ويقدم لها الحنان. شريكها يحتاج أن تشرح له بوضوح ما تريد. وفي حين تشعر هي بالحاجة للتوقف على حقيقة مشاعرهما من أجل التقييم والخروج بحلول وطرق جديدة في التعاطي مع أمور الحياة، يشعر هو كأنه افتقد حبها واستغنت عنه. كذلك عندما تحاول أن تدفع حياتهما للأفضل أو أن تطور شريكها بالتدخل بأشياء تخصه لتغييرها، يعتبر هو أنها تحاول السيطرة عليه أو إهانته ويريدها أن تقبله كما هو.

حسب مختصي الطب الجنسي، لا تستطيع المرأة كذلك أن تفصل بين ما يحصل في جسدها وفي رأسها، في حين أن ذلك ممكن عند الرجل. فلكي تهب جسدها له يجب أن يمر ذلك عبر رأسها. وهي لا تتخلص من مشاكلها على الوسادة بسهولة كما يمكنه هو أن يفعل. لكن كي تتفتح شهوة الرجل يجب أن تبان الرغبة عند شريكته، حيث أن امرأة غير مبالية بالوصال لا يمكن أن تتمتع أو أن تمتع. وإن كان هو يغلّب حاسة النظر، فهي تغلّب السمع واللمس. إنها  بحاجة لسماع كلماته الرقيقة والإحساس بلمساته تداعبها. مما يشعرها بأنه يريدها هي بالذات وليس أية امرأة. عند ذلك يمكن أن تتحرك رغباتها. ثم إن ما يحركها ليس العلاقة الجنسية بحد ذاتها وإنما ما يرافقها من جو وما تعطى من وقت. أضف لذلك أنه بفعل اختلاف هرموناتها خلال الشهر تتغير رغباتها ومزاجيتها ولا تستقر بمستوى واحد. في حين أن رغباته هو تبقى بنفس المستوى بفعل الهرمون الذكري الذي لا يتغير. ويبدو أن ارتفاع هذا الهرمون لدرجة ما مسؤول عن العنف والخيانة والطلاق.

أحيانا كثيرة ما يكون البحث عن اللذة بين الشريكين على حساب المرأة. ففي حين تبحث هي عن نوعية العلاقة مع الرجل يريد هو أن يتأكد من قدراته، وقد يعوض نقص العاطفة بزيادة الكمية. لكن الانسجام يفترض أخذ رغبات الآخر بعين الاعتبار. وإلا من يرفض يمكن أن يفهم كبارد والمرفوض يشعر بأنه غير مرغوب. خاصة عندما تخضع هي لرغبته هو حتى ولو ليس لديها من رغبة أو لم يعرف كيف يحركها.

الصمت ضار والكلام مفيد لمعرفة الآخر وما يريد أو لا يحب. هناك من يخبئ غضبه وشكواه، وغالبا ما يكون الرجل. هذا التصرف ليس صحيا، حيث من الأجدى شرح أسباب الرفض والتغلب على الشعور بالعيب والحرج كي لا يتحول سوء الفهم لنزاع. لكن الصمت للأسف كبير حول هذا الموضوع بسبب التربية المشبعة بالمحرمات والاعتقادات الخاطئة والخوف من الآخر وما سيفكر به. ومن المؤكد أن الرغبة بالآخر لا تتعايش مع الامتلاك وغياب الحرية والتبعية وعدم تخصيص الوقت الكافي لذلك. فالمرأة تحتاج لوقت لتستفيق رغباتها، وكل شئ يؤثر على هذه من مشاكل الحياة اليومية والغضب والحزن. كذلك صورتها السلبية عن نفسها وعن جسدها تؤثر على تعاطيها مع حياتها الخاصة. والسلبية عندما تعشعش تحول الرغبة لبرود أو أي شئ آخر يقف حائلا في وجه الانسجام.

الاختلاف لا يعني انعدام الحب، حيث بقدر ما يوجد من روابط بين الشريكين يكون الغضب عارما. لكن قد يفهمه الآخر وكأنه تهديد بقطع العلاقة. وهذا ما يحصل فعلا عندما لا يتسنى للمرء التعبير بشكل صحي عما يعتمل في صدره. فالمشكلة تكمن في أن شريكه بدلا من الاستماع له يلجأ اتوماتيكيا لتبرير نفسه مما يعتبره اتهام له. والأنكى من ذلك هو عندما يخفف من أهمية ما يعبر عنه ولا يأخذ آلامه على محمل الجد وبالقدر الذي يستحق.

الجرح النرجسي لا يلتئم إلا بتصرفات تصلح رمزيا ما أفسد وبإظهار الرغبة الجدية بالإصلاح والأسف على ما حصل. أما عندما يبقى مصدر الألم قائما يبقى الجرح نازفا ويتكرر العراك والأزمات، حتى عند تقييم الوضع وإظهار الأسف. إصلاح الوضع يفترض أخذ رغبات الآخر على محمل الجد وليس تغليب رغبات الذات لحجة أو لأخرى لا يراها منطقية إلا صاحبها.

هناك من تقوم علاقتهما على لعب أحدهما دور معالج للآخر بحيث يشعره بتفوقه عليه وحاجته له. هذا النوع من العلاقة لا يستمر طويلا لأن الإنسان يتغير مع الزمن ولا يقبل الاستمرار في وضعية الأضعف. لكن الأقوى لا يرتاح لهذا التغيير حيث يخاف من انتقال شريكه لموقع يبارزه ويستغني عن خدماته. هناك أيضا من يتعاظم قلقه أمام المشاكل التي يعتبر أنها مؤشر لنهاية العلاقة، بحيث يدعها تتداعى ظنا منه أنه أسقط في يده. إنه القضاء والقدر بنظر البعض الذين يستسلمون للسلبية وعدم المواجهة. خاصة وأن في المجتمعات العربية إقبال على الغيبيات وكثير من التحفظ على استشارة أخصائيين نفسيين. بما يجعل الكثير من التدخلات الخارجية الأخرى سلبية عندما لا تكون عديمة الجدوى.

السبب لا يقبع في عدم الرغبة في المساعدة وإنما في الإسقاط. الذي هو آلية دفاعية لاواعية تجعل أحيانا من الخلط بين ما يخص الذات وما يخص الغير مسألة اوتوماتيكية. في حين أن هناك تقنيات وخبرات لا بد منها للمساعدة في هذا النوع من الخلافات. هناك أيضاً من يتوصل لحل مشاكله بنفسه دون الحاجة لتدخل طرف ثالث. لكن ذلك يفترض مستوى عالي من الوعي والحكمة والقدرة على النقد الذاتي والتحليل والرغبة بالإصلاح والقبول بالتنازل عن أشياء مقابل الحصول على أخرى.

عندما يكون أنا وأنت يساوي نحن، يفترض أن لا يقمع النحن الأنا. بل يدعها تتنفس بعدم التضييق عليها ومساعدتها على تأكيد هويتها وإيجاد توازنها. فتتعزز بذلك قدرة كل فرد على العيش ضمن أسرة منسجمة. الحق بالاختلاف قد لا يعره البعض الاهتمام الذي يستحق أو يخافونه لأنه يسمح بالابتعاد والتفرد ويخفف من غلو السيطرة على الآخر. لكنه يمنح الهواء الضروري لتجديد العلاقة. فالحرية في التعاقد هي ما يغذي العلاقة ويرفدها بعوامل استمرارها. في حين أن الحرمان والتضحية بالرغبات الفردية من أجل الآخر غالبا ما يقود للضغينة والاختناق. وعندما لا تجد الانتظارية ما يعوضها أو جوابا مناسبا لها تنتهي للإحباط وعدم القدرة على الاستمرار في العطاء. أحيانا كثيرة ما يبقى الشريكان في وضع الانتظار ولا يرى أحدهما الخطوات التي قام بها الآخر تجاهه. وإن أدركها قد لا يعبر عن غبطته بها، في حين أن الكلفة المعنوية للقيام بذلك كانت كبيرة.

عندما يأتي الأولاد يبتعد الزوج عن زوجته التي تلتصق بهم بسبب وظيفتها الطبيعية، على الأقل في الفترة التالية للوضع، أو هرباً إليهم. ثم هناك من لا يعرف وضع الحدود بين ما يخص الحياة العائلية وحياة الشريكين، بحيث تحتل الأولى مساحة كبيرة على حساب الثانية. عندما يضاف هذا لتعداد الأولاد والعمل في الخارج واهتمامات أخرى، لا يبقى الشيء الكثير لكي تتجدد علاقتهما. لكي ترفد بما يوفره كل منهما للآخر من اهتمام وتخاطب ودفء ضروري لبناء الأسرة المتآلفة المنسجمة.

من الشركاء من ليس لديهما أو لم يعد لديهما مشروع حياة يجمعهما، بحيث تبدو الحياة في نظرهما غير مثيرة أو لا معنى لها. فيبدأ الانطواء على النفس أو الهرب لمشاريع أخرى لا تدعم الحياة المشتركة وإنما تكون على حسابها. عندما لا يعرفا كيف يجدا التوازن المطلوب تصبح حياتهما هربا للأمام وخلاصا فرديا لأحدهما أو كليهما. وأحيانا بسبب الشعور بالذنب أو الخوف من الوحدة أو من أجل العائلة قد يستمرا معا، لكن يعيش كل منهما وحيدا جنب الآخر وليس معه. يتحول الشريكان أحيانا لنوع من الأصدقاء حيث يفقدا مكانتهما السابقة بالنسبة لبعضهما. ويستمرا فقط بتأدية الأدوار المطلوبة منهما بغياب ما يشحن طاقتهما.

 

الغيرة..

مشكلة إضافية تعترض الشريكين وتعقد حياتهما هي الغيرة. والرجل ميال بطبيعته أكثر من المرأة للتعدد. ففي حين تحرص هي على الاستقرار وانتظام العلاقة، يعبر هو عن رغبته في التخلص من القيود وتوقه للحرية. أضف لذلك أن المجتمع التقليدي يبيح له ما يحرمها منه. ففي حين يغمض العين عن زلاته، ويل لها إن كانت هي سبب الخيانة حيث تصبح عاهرة. وقد يصل الأمر لقتلها كي لا تلطخ بالعار عائلتها. عليها أن تقبل بالأمر الواقع لتحتفظ بنوع من الاستقرار ولتبقى مع أولادها الذين غالبا ولعمر معين يتبعون أبيهم في حالة الطلاق. وإن رفضت معاناتها يمكن أن تتعرف على العزلة والنبذ الاجتماعي وأن تتحمل مسؤولية الأولاد دون معيل إن لم تكن تعمل.

لكن في حين أن المرأة تعيش أوضاعا قاسية جدا في حالات كهذه، خاصة في بعض المجتمعات الأكثر تقليدية أو التي تبيح تعدد الزوجات، وصل الأمر بأختها في مجتمعات أو فئات أخرى أكثر انفتاحا أن تكون أكثر جرأة من السابق في هذا المضمار. ذلك انطلاقا من مناداتها بالمساواة واعتقادا منها أن هذا النوع من التجارب يسمح لها باكتشاف ذاتها وإنضاجها والمحافظة على توازنها النفسي من الاستلاب. فهي تتعلم كيف تمنح نفسها وتنسحب وتوزع وقتها بين كل الأدوار المطلوب أن تلعبها بحيث تجد توازنها المنشود.

الغيرة هي شعور طبيعي عند الجنسين، وكل ما يمكن فعله هو أن لا تصبح مدمرة عندما يشعر أحدهما وكأنه قد خدع واستبدل بآخر خارج العلاقة الزوجية. أو عندما يعتقد أنه عومل وكأنه غير موجود أو ناقص أو فاقد الاعتبار. والنساء لسن أكثر غيرة من الرجال، وإنما يظهرن مشاعرهن أكثر منهم. فهؤلاء ينفون تأثرهم بذلك إلى حين مواجهة الحقيقة. فيتخلون حينئذ عن لا مبالاتهم الشكلية وتظهر تأثيرات ذلك القوية أحيانا على سلوكهم. وحين لا تظهر فلأن آليات الدفاع قوية لا تسمح لها بذلك. لكنها تبقى فاعلة في اللاوعي بشكل أقوى بحيث تظهر كأنها لامبالاة غير طبيعية أو برودا مؤذيا يحمل الكره ويخفي غيرة قاتلة. يركز الطرف المخدوع على فكرة لا تفارقه وهي أن الآخر لا يستحق ثقته وسيخدعه مهما فعل.

من مخزونات اللاوعي ما يأتي من الطفولة، من تلك الفترة عندما أقبل أخ أو أخت استأثر باهتمام والديه وخاصة أمه. هذه التجربة عندما لا تحل بشكل طبيعي تترك آثارا سلبية على البناء النفسي تبقى فاعلة طوال العمر وقد تصبح مرضية. قد تنحرف لشكل من البارانويا الذي يمكن أن يقود لجريمة القتل وبكل الأحوال لرد فعل غريب وغير مبرر أو مفهوم.

غالبا ما يظهر هذا الوضع عند أولئك الذين لم تتح لهم علاقتهم بأمهم وهم أطفالا التفرد الكافي. وحيث لم يمنحوا الحب لذاتهم وإنما عوملوا كدواء في علاقة مشوهة، لا يشعرون فيما بعد بأنهم يخدعون شريكتهم عندما يفعلون. فهم يشكون بحب الجنس الآخر لهم ولا يريدون أن تحتجزهم شريكتهم كما فعلت بهم أمهم التي عانوا الكثير ليتحرروا منها. كرد فعل على ذلك يحتاجون للتحكم بجسدهم ورغباتهم وليس الواجب الأخلاقي أو الزوجي ما يملي ذلك وإلا أظهروا عنفا وشراسة. فالنرجسية الناقصة لا تتيح الثقة بمحبة الآخرين للذات التي تبقى بحاجة للتأكيد الدائم على المكانة عند الآخر.

الإخلاص للآخر يبقى حاجة عند الكثيرين وليس واجبا فقط تفرضه الأعراف. إنه ينطوي على تعلق عاطفي بهذا الآخر عندما لا يكون تبعية واستلاب له. هذه الحاجة غالبا ما تكون عند النساء، حيث بالحب ترتفع المرأة بنظر نفسها وبنظر الرجل. لكن عند البعض يمكن أن يفهم الحب ترفا، في حين أنه ضرورة ماسة، خاصة في بعض الظروف المكلفة نفسيا.

في كل الأحوال، اكتشاف الشريك للعلاقة المحظورة هذه تزعزع الثقة والروابط التي يمكن أن تنهار. فالشك بالآخر يصبح قاعدة انطلاقا من الجرح النرجسي المفتوح والآلام التي نتجت عنه والشعور بالمهانة وفقدان المكانة. وهذا ليس غريبا، حيث أن هذا الآخر كان قد أصبح جزءا من هذه الذات ومن الهوية. فكل ما يدخل في حياة الإنسان ويأخذ عاطفيا مكانته لديه يغدو جزءا من صورته عن نفسه. فكيف بالأحرى ذلك الذي احتل مكانة هامة في حياته وربطته به علاقات متشابكة وقوية.

هذه العلاقة الخارجية قد تؤدي لافتراق الشريكين، كما يمكن أن تكون بالمقابل مناسبة لتقويم روابطهما على أسس جديدة. لقد كان من الأجدى الحفاظ عليه من الجرح النرجسي الذي ستسببه له المصارحة. خاصة عندما لا تحل العلاقة الظرفية محل القائمة وتبقى في حدود ضيقة. ثم أن هذه العلاقة قد تكون نافعة للطرفين بحيث تسمح بالتأكد من قوة الروابط. كما يمكن أن تتيح الاحتفاظ بمسافة ضرورية بين الشريكين لحماية كل طرف من الاستلاب وذوبان ذاته في الآخر.

الحياة المشتركة بين المرأة والرجل يمكن أن تقصر أو تطول وتدوم طوال العمر. لكنها بالتأكيد ليست خاضعة لحركة دائمة للأمام. فظروف الحياة تفترض تقهقرا في المسيرة يفقد التوازن. مما يضطر للبحث عنه من جديد بين متناقضات من الحب والكره، الصراحة والكذب، الخضوع لمبدأ الرغبة أو الواقع، للعقل أو الغرائز اللاوعية.

 

المرأة في الأسرة

إذا كان الحب يبدو أمراً شخصياً، فالزواج يبقى مسألة اجتماعية تفترض جهدا متبادلا وتنازلات بناء على دوافع من المشروع المشترك والتفاهم. وإذا كان الزواج غاية الفتاة تسعى لها بكل الوسائل خاصة في المجتمعات المحافظة، فالزوج قد لا يكون المبتغى عند تلك التي لم يتسنى لها أن تختاره أو أن تتعرف به قبل ليلة زفافها. فالمفاجأة يمكن أن تكون مرّة المذاق والحياة المشتركة أكثر مرارة. مؤسسة الزواج تحول غالباً المرأة لمسلوبة الإرادة، مقهورة على أمرها، حيث لحصولها على الأمان تخسر حريتها. وحتى لو عملت وخرجت من المنزل، يبقى التوازن الأسري مسألة أساسية غالبا ما تضحي من أجله بعملها أو ترقيتها.

قد تستنتج المرأة المتزوجة أن شريكها مهما كان لين المراس لا يمكن أن يفهمها. فمن الأزواج من يريد أن يكون قريبا من امرأته ويساعدها، لكن عليه أن يتأقلم مع ما يناسب المعايير الاجتماعية التقليدية وليس مع ما يبغي. فالمجتمع يفترض منه أن لا يظهر قربه من زوجته كي لا يعتبر محكوماً منها.

بعد أن بدأت المرأة تخرج من إطار المنزل لحقل العمل، بدأ الرجل يشعر بضرورة دخوله الميدان الذي كان حكرا عليها، المنزل وتربية الأبناء. لكن التوازن المنشود لم يحصل بعد، حيث يفترض ذلك اقترابا أكبر لكل منهما من القطب الآخر(المرأة من قطبها الرجولي والرجل من قطبه الأنثوي) من أجل التعرف على قيمه وعلى ما يعيشه كل منهما. لكن كم من الوقت سيمضي ليحصل هذا التقارب؟ وكم سيكلف هذا الانتقال لمرحلة متقدمة من الأزمات والانتكاسات والطاقات المهدورة؟

بكل الأحوال ليس للمرأة سوى الخضوع للوضع أو الثورة عليه. ثورة قد لا تتحكم بأشكالها، فتنتقم بوعي أو لاوعي لمعاناتها. تثأر لنفسها من زمن القهر الطويل باحتقاره وإضعاف ثقته بنفسه. كما يمكن أن تتلاعب به وتطوعه لمشيئتها. قد تقايض حريتها بالإبقاء على سجنها وتحويل وضعها فيه من ضحية إلى سجَانة. فالجلاد يقتبس سلوك من أنزل به العقاب عندما كان صغيرا ويثأر لضعفه آنذاك بالاقتصاص ممن يشعر بتهديده له فيحوله لضحية.

قد لا يهم المرأة قدر الرجل ومكانته بقدر ما تنتظر منه إظهار حبه ومشاعره بما يطمئنها إنها ليست للاستعمال أو الإشباع الجنسي. إنها بحاجة لما يشبع نرجسيتها ويعزز صورتها عن نفسها. وعندما يعرف كيف يفعل ذلك، تهبه الكثير وتسمح له بمطالبتها بأكثر. تنسى نفسها عند عتبة ملكوته ولا ترى نفسها إلا من خلاله. ومنهن من تتزوج رغباته وتتأقلم مع متطلباته وأهدافه ومشاريعه لتصبح جزءا منه. لكن قد يتحول حبهما لسجن للطرفين، يحاول أحدهما الهرب منه ويكون غالبا الرجل. المرأة تعبر عن ثورتها بالصراخ والبكاء والاكتئاب. وقد لا تعرف كيف تتخلص من هذا السجن وربما لا تريد ذلك بسبب الأطفال أو المجتمع أو التبعية الاقتصادية أو غيره.

هذه المرأة الثائرة على وضعها يمكن أن تخيف من الصورة التي تقدمها. فهي تغدو شريرة ومسيطرة لأنها تنتزع حقوقها بيدها. والرجل ليس معتادا بعد على وضع تكون الغلبة فيه للطرف الآخر. فيصبح أكثر تعنتا وغيورا على مصالحه وعلى علاقات القوة القائمة. ينسى أن الإنجاب يكسبها نضجا وإحساسا بالمسؤولية كبيرين. كما وأن حسها بالعدالة قوي كونها ضحية ظلم لفترة تاريخية طويلة. وقد لا يقدّر أن من خصائصها الليونة والغيرية والعاطفية والنعومة والميل للسلام والصبر والقناعة، لو عرف كيف يتعامل معها. يفوته أن ردود الأفعال العنفية ليست بالضرورة عدائية وإنما أحيانا بهدف الدفاع عن النفس من الظلم والحيف الواقع عليها.

مكان الفراغ يحل الانتظار والشك والغيرة وتتحول العاطفة لشعور بالوحدة، والمحبوب لعدو، والتواصل لصراعات مدمرَة. لقد تحول الحب لجرح نرجسي نازف تنبت عليه أشواك الشر والمفاسد. وفي هذا الوضع هدم للذات وللآخر الذي أصبح جزءا من هذه الذات. عندما بحث الرجل في المرأة عن أمه أو خليلته، كان لا بد أن يصطدم بتلك التي تطالب بأن تكون مساوية له. فهل توقع ذلك أم أن التحطيم سيكون نهاية الملتقى؟ الصرح قد يهوى عندما يتحول الإله لطفل أناني، غير مبال.

عندما يكون الانفصال غير ممكن لسبب من الأسباب، يصبح تواصل الزوجين قعقعة تصم الآذان ولا يؤدي الحوار بينهما دوره البنّاء. فيمر زمن طويل يتبادلان خلاله الأدوار ويستمران بالدوران في حلقة مفرغة. تتصارع في أعماق كل منهما غريزتا الحياة والموت ويرحَل كل منهما شعوره بالمسؤولية والذنب على الآخر. الثمن بالتأكيد غالٍ جدا: مشاعر إحباط وإرهاق ووحدة وعزلة واضطهاد وذنب وتشتت وانعدام عدالة وغياب البهجة والاسترخاء وعدم القدرة على التفاعل مع الغير أو الاستمتاع باللحظة وضعف احترام النفس والتدمير الذاتي عبر المرض.

يخلق جو التوتر والصراعات المستشرية بين الزوجين قلق وكآبة وعدم ثقة بالنفس عند الأطفال. كما يترجم إلى أمراض وسلوكيات عنفية يساعد في تأزيمها قسوة الأهل على الأولاد بحجة تربيتهم. فقد اختلط في ذهن الطفل، الذي لم يتعلم بعد أن يميز بين المشاعر، الحب بالكره، غريزة الحياة والموت، الخير والشر. وهو سيحمل معاناته التي لم يتح له التعبير عنها بشكل صحيح إلى مرحلتي المراهقة والرشد. للانتقام من ذلك لن يتوانى عن قمع من هم أضعف منه (من الأبناء إلى الخدم والمرؤسين وغيرهم) وإطلاق شحناته العنفية بإضفاء مواصفات إيجابية عليها. ومنهم من يجد طريقة للانتقام من والديه والتحرر من سلطتهما خاصة في مرحلة المراهقة التي تملك آلياتها الخاصة بها.

الأنكى من ذلك عندما يتشارك الزوجان في ذلك ضمن تراتبية وتوزيع أدوار لا تترك الفرصة للطفل بالشعور بحنان أو تفهم طرف منهما. كما يمكن استخدام الدين بما يؤدلج ويبرر للسلوكيات المنحرفة. بهذا ما يتيح للمكبوتات أن تنتقل من جيل إلى جيل دون كبير تغيير في المظاهر العنفية. أما عندما يتسلم شخص مشوه من هذا القبيل مقاليد الحكم أو أية سلطة فحدّث ولا حرج. الكل يدرك نوع الأنظمة التي تحتل الساحة وتسهم كل حسب مواصفاتها في إعمال معاول الهدم في هذه البشرية.

 

 

المرأة وأطفالها..

إذا كان في الأمومة ما يعوض للمرأة شيئا من إحباطاتها، يمكن أن تتحول هذه الإحباطات إلى نقمة على أطفالها الذين سيمتصونها مع الحليب الذي يرضعونه. فهي بلا وعيها تنتقم من أبيهم ومن حياتها معه، حتى عندما تضحي بنفسها ورغباتها لإشباع متطلباتهم. مما يحمّلهم عقدة الذنب طوال حياتهم تجاهها. فالطفل يفضل ألف مرة أن يكون له أماً تحقق نفسها وتشعر بالابتهاج معه ولو ليست بجواره طوال الوقت على أم مقهورة حبيسة وضعها تضحي بنفسها من أجله.  ثم من النساء من لا يشعرن بغريزة الأمومة أو من لم يتلقين الحب والاهتمام الكافي ليعرفن كيف يكن أمهات ويهبن الحب لأولادهن عندما ينجبن.

على السؤال: هل غريزة الأمومة موجودة فعلا عند كل امرأة؟ من المختصين من يجب بالنفي. ومنهم من يقول بأنها إن وجدت فهي لا تتفجر لحظة وضع الطفل. وهناك من يذهب لأبعد من ذلك بالقول أنها أسطورة تستخدمها السيطرة الذكورية لتعزيز موقعها. لتكون الأم هي المسؤولة أولا وأخيرا عن نوعية تعاملها مع طفلها. بكل الأحوال، مفهوم غريزة الأمومة يطالب الأم بأكثر من طاقتها ويشعرها بالذنب عندما لا تستنتج وجودها عندها كما تتصور. ثم أن غريزة الأمومة هذه أو الرغبة بالاعتناء بالمخلوقات الصغيرة، ليست بالضرورة بعلاقة بالهوية الجنسية. ومن حيث أنها ليست غريزة حيوانية، هي شئ قد نتعلمه.

الإنجاب لا يصنع العلاقة بين الأم وطفلها وإنما معايشته يوميا والعناية به. كما أن التكيف معه والاستجابة لحاجاته ليست مسألة سهلة حيث تحتاج لمهارات ورغبات وعواطف. فالأمهات لم تكن تعتني بالأطفال كفاية في العصور السابقة ولم يصبح ذلك ممكنا إلا في الأزمنة الحديثة، بعد أن انتهت المجتمعات من الصراع المرير من أجل الوجود. ستشعر الأم بالتأكيد بالذنب لو اعترتها مشاعر سلبية تجاه وليدها نتيجة عوامل طارئة لا تتحكم بها. أو لو لم تشعر بالاندفاع نحوه والقدرة على الاهتمام به والعطف عليه.

لكن لهذا الطفل صورة ما في مخيلتها نسجتها له قبل قدومه للحياة. هي مجبولة بعناصر روافدها عديدة وفيها ما ليس للأم علاقة مباشرة به. هذه الصورة قد لا تكون متطابقة مع الطفل الحقيقي الذي تكتشفه بين يديها بعد وضعه. منها أن يكون مثلا كما يحدث كثيرا، ابنة وليس ابنا كما رغبت. بكل الأحوال، تريد المرأة أن تكون أما ليس بسبب غريزة الأمومة وإنما لشيء آخر. قد يكون تقوية علاقتها بزوجها أو الاحتفاظ به أو لتعويض النقص العاطفي الذي لم تحصل عليه من أمها وأبيها. كذلك لأنها تعودت على هذه الفكرة منذ صغرها ولا ترى نفسها بغير ذلك. قد يكون مرده أيضا لرغبتها اللا واعية منذ كانت طفلة بأن تحل محل أمها بالنسبة لأبيها وتمنحه طفلا. احتمالات كثيرة ممكنة. وفي مطلق الأحوال الطفل هو امتداد نرجسي لها وشيء من حب الذات. مما يجعلنا ندرك أهمية مرحلة الالتصاق بالمولود والأشهر الأولى من حياته التي يمكنها أن تطبع كل ما تبقى منها.

 

هن وأخواتها..

باكرا خلال طفولتها تثور الفتاة على كونها امرأة وتشعر بأن عليها أن تتشبه بأبيها بدلا من أمها. ثم شيئا فشيئا تعود لتقبل جسدها وكونها أنثى. فتهتم بإظهار جمالها وأنوثتها وتحاول أن تستقطب انتباه الرجال لها وأن تفرض نفسها عليهم. لكن بنفس الوقت تخاف منهم ومن اقترابهم منها. فالمرأة لا تعاني فقط من جرح ثقافي بسبب وضعها الدوني، وإنما أيضا من جرح شخصي. مرد ذلك لعلاقتها بأبيها ونظرته غير المكترثة لها التي لم تعزز نرجسيتها وصورتها عن نفسها. لقد اقتبست منه حبها للسلطة والسيطرة ورفضها للرجل المسيطر. لتخفي ضعفها تحاول أن تفرض نفسها على الرجال بالاهتمام بشكلها عندما لا يكون التعويض كافيا بعملها أو علمها وذكائها.

مما يفسر لجوء الكثيرات منهن للمظهر أكثر من الاهتمام بالجوهر وتدعيم الثقافة والميزات التي تتعلق بالروح والقلب. يشجّعهن في ذلك شركات التجميل والماكياج والإعلان والموضة وعبادة الجمال. أي تكريس صورة نمطية للأنثى تجعلها تصبو لها بالاهتمام بشكلها والمبالغة به أحيانا. إنها تحب الجمال كأي كائن. لكن المغالاة تنم عن شئ آخر، غالبا ما يكون الفراغ الداخلي الذي يجعلها تبحث عن ملئه بلفت الأنظار لها وتركيز الاهتمام بها بإفراط. بذلك ما يغذي نرجسيتها ويشعرها بالتطابق مع الصورة التي يرسمها لها المجتمع الرجالي.

مع نشوء الدولة والتقسيم الطبقي بدأ الجمال والتبرج يأخذ حيزا هاما ليميز المرأة الغنية عن الفقيرة. وإن كان جمال المرأة قد احتل مكانة هامة منذ أكثر من خمسة قرون، فهو لم يعرف ما عرفه في هذا المضمار القرن العشرين. ذلك عبر الصحافة والدعاية والسينما وكليشهات النجوم وعارضات الأزياء وبوصوله لكل فئات المجتمع. وراء ذلك كانت بالتأكيد الحاجة لزيادة الإنتاج وتصريف البضائع العائدة لتجارة الجمال، بما فيها ما يتعلق بالغذاء الصحي والرياضة. لكن الجمال-السلعة لخدمة صناعة وتجارة تدر الربح لم يعد يقتصر على المرأة، بل بدأ يهم الرجل أيضا.

بمعزل عن الاهتمام بالجمال وحب الظهور ولفت الأنظار إليها، تتربى البنت على الكذب. فمع الوقت ووعيها لعلاقات الهيمنة بين الجنسين تتعلم أن تجامل وتراوغ. عليها أن تتطابق مع الصورة النمطية التي يرسمها لها الآخر والتي قد لا تعكس وضعها الحقيقي. مما يعني تدمير مشاعرها وحبها للحياة والمغامرة لتصبح امرأة مقبولة وأما مثالية وخادمة لأولادها وزوجها. عليها أن تتجاهل رغباتها وتضحي بتطورها كونها لن تكن امرأة كاملة إن لم تكن أما. وحتى لو كانت أمها ثائرة على أوضاع المرأة فهي ستقف لها بالمرصاد لتمنعها من تغيير المعادلة ولتزوجها باكرا. كونها تخاف من حكم المجتمع وتوجيه أصابع الاتهام لها كمسؤولة عن تربيتها. إنها وإن تعاطفت مع ابنتها وفهمت رغباتها لن تبدأ المعركة مع مجتمعها بل تنتظر أن يفعل ذلك سواها.

 

الأم وابنتها

الأم التي تخلق الحياة تطبع ذريتها بمشاعرها وسلوكها معهم، بحبها وبغضها، بسعادتها وتعاستها. من ثم تصبح الحياة عراكا لتأكيد الذات بموازاة هذه الأم، تقليدها أو رفض نموذجها. وغالبا لا يكون من السهل الابتعاد عنها بعد أن كانت معبودة.

عندما تعيش الأم حياتها بشكل يناسب تطلعاتها، تستطيع حينها أن تحب أبناءها وأن يحبونها. وستكون بالتأكيد نموذجا يحتذى حين تعمل على تأكيد نفسها دون عقدة ذنب. مما يجنّب ابنتها الخوف من الاختلاف عنها والصراع معها ورفض الاقتداء بها في تكوين هويتها الجنسية. والأم لا ترغب أن تضع ابنتها نموذجها موضع الشك والتساؤل. فهي حين تفعل، تدحض النهج الذي بنت حياتها حوله. وحتى عندما ترفضه وتقتبس عكسه في سلوكها، فهي تحمل الكثير منه شاءت أو أبت. هناك مسافة بين شخصية الأم الحقيقية وصورتها تحاول ابنتها أن تجد مكانها فيها. وعندما تعي ذلك تكون قد خطت خطوة جبارة. لكن كي لا تسبب الألم لأمها تسكت وتعمي أبصارها عن رؤية ما هو جلي الوضوح، حيث أن تحمّل حزن الأم صعب للغاية.

العلاقة الغامضة بالأم لا توفر الاستقلال لابنتها. لأنها ستعيش في الخوف من الإقدام على التجارب الصعبة وبلوغ ما تبغيه في الحياة أو نيل الإشباع منه لو خبرته. فالطفلة ترى نفسها في عيون أمها. مع أم كئيبة أو منشغلة بهمومها أو لا مبالية، لا يمكنها أن تتعرف على نفسها وأن تحب ذاتها. فهي لم تستشف الحب في نظرات والدتها التي هي مرآتها. والبنت بخلاف الصبي تبقى أكثر التصاقا بأمها بسبب تربيتها التي تختلف عن تربيته. فهو يعوّد باكرا على الانفصال والاستقلال وتحقيق نفسه كما يرغب.

أما البنت التي تتقوّى بدعم أمها التي هي جزء منها في المرحلة الأولى لحياتها، لن تشعر بأنها فقدتها عندما ابتعدت عنها. صلابة العلاقة تعطيها إحساس بالقوة تتكئ عليه لاكتشاف العالم من حولها. المهم أن تؤسس الروابط بشكل حسن كماً ونوعاً ليتسنى لها تخزين الصورة الجيدة الكفيلة بطرد القلق حتى خلال غيابها عنها. من غير ذلك ستظل تبحث عنها حتى ولو أصبحت راشدة وستبقى ثقتها بنفسها مهتزّة.

للأسف، من الأمهات من تصل درجة قلقها لحد لا يساعدها على تحمل فكرة اعتماد ابنتها على ذاتها. فتبقى ملاصقة لها للحظة زواجها وأحيانا لما بعد ذلك. فمن تربى ضمن مفاهيم تربوية من هذا النوع ليس من السهل عليه أن لا يكررها مع أبنائه حتى ولو سببت له الآلام عندما كان في وضعهم. هي لا تقبل فكرة كون ابنتها ليست ملكا لها وأنه بإمكانها أن تكبر دون إشرافها الدائم عليها. فتبقى أمنية مستعصية كلمات الفيلسوف اللبناني الراحل، جبران خليل جبران: "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة، والحياة لا تقيم في منازل الأمس.."

الثمن الذي تدفعه الابنة للحصول على استقلاليتها كبير. وكم بالأحرى تلك التي شكلت امتدادا لأمها بدل أن تستقل عنها وتتفرّد في حينه. خاصة عندما تسعى الأم لتحقيق نفسها من خلال ابنتها أو عندما تريدها على صورتها دون حق بالاختلاف. فتقرر عنها وتفرض عليها طريقتها في الحياة وتعاملها مع الجنس الآخر وخيارها في الزواج ونهجها في تربية أطفالها. تأثيرات الأم تبقى مطبوعة عند الابنة وتظهر في سلوكها حتى ولو ابتعدت عنها أو ثارت عليها واتخذت خيارات مغايرة لما تريد. ستبحث عن وجهها من خلال علاقتها بزوجها أو صديقها عندما ترنو للحب والاهتمام الذي لم تلقاه لديها أو بشكل غير كافي. وفي الغالب ستبقى أسيرة إحساس داخلي بأن جزءا منها لا تسيطر عليه لأنه ملك أمها.

سيخالطها أيضاً الشعور بالذنب لابتعادها عنها والإخلال بواجبها تجاهها. وهي إن أحرزت نجاحات في حياتها، سينقصها الشعور بالاستمتاع بما حققته. في حين أن أخيها ربما حاز أكثر منها على اهتمام أبيه الذي رأى نفسه من خلاله فمده بما أمكن لدعمه، واهتمام أمه التي وضعته مكان أبيه وأسندت إليه أدورا ليست لعمره.

هذه البنت لن تستطع أن تتصدى لتربية أمها ومخالفتها الرأي كي لا تعاني من التأنيب الذاتي وعقدة الذنب تجاهها. باسم حب أمها لها لن تقدر على التصرف حسب قناعتها، بل ستمتثل لما تمليه عليها، حتى ولو كان بذلك من الآلام ما لا تقوى على تحمله. وهي حتى ولو حصلت على درجات تعليم وعلى عمل ستبقى ملتزمة لدرجة أو أخرى بتقاليد مجتمعها وتوجيهاتها. لقد كانت في بدايات حياتها أكثر انطلاقا وثقة بنفسها. لكن شيئا فشيئا بدأت تقترب من صورة أمها وتفقد تفردها وبعض طاقاتها وميزاتها. هوية الفتاة الجنسية هي أكثر ما تكون تأثرا بتلك التربية، حيث يحاط هذا الموضوع بجدار من المحرمات والمخاوف والاعتقادات. حتى ولو لم تكن أمها قد عبّرت عنه بوضوح أو نقلته بشكل مباشر لها.

باكرا يصبح الزواج ضالتها المنشودة لتعيش حاجاتها دونما شعور بالذنب أو الخطيئة أو كره الذات. كذلك لكي تصبح سيدة محترمة مقبولة من أمها ومن الأسرة والمجتمع. ومن المرجح أن يكون أول شخص تعرفت به هو من سترتبط به خاصة في المجتمعات المحافظة. هذا عندما لا يكون أهلها هم من قرر ذلك دون معرفة منها مسبقة به أو بما يكفي عنه.

في كل الأحوال، بالزواج تكتشف فعليا ذاتها، وسيكون غالبا الاضطراب ونكران الذات ما سيطبع علاقتها بشريكها. كذلك الكذب على النفس والنفاق الاجتماعي سيلازمانها لأنها لم تتعلم أن تكون صادقة أو واضحة من غير عقد ودوران، بالأخص في المواضيع الحميمية. لقد كذبت أمها عليها وأخفت حقيقة مشاعرها بأمور كثيرة هامة بحجة حماية "أخلاق" ابنتها. ثم ما لبثت أن أنكرت عليها حقها في ذلك عندما تدخلت في حياتها ومارست ضغوطاً لمعرفة خصوصياتها. بذريعة "حسن" تربيتها حرصت الأم أن لا يفوتها شئ من أسرار ابنتها لتبقى قادرة على مراقبتها وتطويعها عند الضرورة. مما أفقدها ثقتها بأمها ودفعها للمراوغة والكذب كي لا تكشف ما لا يخصها ولا يحق لأحد معرفته.

قد تكون الأم فعلا محبة ومتفهمة، لكن قد يفصل المواقف عن السلوك مسافة تقل أو تكثر بفعل المشاعر الدفينة اللاواعية التي تتحكم بالبشر. بين ما يقال وما يعبر عنه بطريقة أخرى قد يكون هناك تناقض يضع الابنة في موقع يصعب عليها الخيار فيه. فالإشارات والإيحاءات وتعابير الوجه والجسد قد تكون أبلغ من الكلام، وبكل الأحوال هي أكثر صدقا كونها أكثر عفوية.

تتراءى للابنة صورة سيئة عن أمها. لكنها ستقاومها لأنها تريد أن تحتفظ بذلك الاطمئنان الداخلي الذي هي بحاجة له والذي لأمها الحصة الكبيرة في وجوده. وكم من الأولاد يظلمون ويضربون ويعذبون من قبل أهلهم ولا يفصحون لأحد بذلك؟ بل يدافعون عنهم متى اقتضت الحاجة من أجل الاحتفاظ بصورة إيجابية عنهم. هم يفضلوا الاحتفاظ بعلاقتهم بهم والبقاء معهم لو خيروا بالعيش معهم أو مع آخرين يحسنون معاملتهم. ثم هل من أم تعترف بأنها لا تحب ابنتها؟ حتى ولو كان ذلك صحيحا، فهي ستؤكد على هذا الحب اللامتناهي. وإلا فهي غير طبيعية بنظر نفسها ومجتمعها.

لكن هناك فرق بين الحب الذي يحترم كيان وخصوصية وتفرد الابنة، والحب الذي هو عبارة عن رغبة في التملك وترجمة لقلق ذاتي ينعكس قلقا على الآخر. في كل الأحوال، تبقى الأم الملتصقة بالطفل كالأم اللامبالية أو الباردة، ضارة بصحته النفسية. فهو سيعيش حياته يبحث عنها ليهرب منها. حيث في القرب شعور بتهديد للذات وخطر على الاستقلالية، وفي البعد شعور بالذنب وبعدم الراحة والاطمئنان.

بالطبع، هذا النوع من العلاقة سيظهر فيما بعد في العلاقة مع الشريك. إما سيطالب ضمنيا بأن يحل محل الأم وإما سيعامل وكأنه الابن. في مطلق الأحوال، سينتظر منه أن يلعب دورا لا علاقة له به وليس مسؤولا عنه. وهذا قد يكون أقوى من الإرادة وما يمليه الذكاء والعلم والمعرفة. من هذه الرواسب تتغذى المنازعات التي ستنشأ لا محالة. والشريك عندما لا يكون أو يعرف كيف يكون قريبا من زوجته، ستشعر وكأنه لا يحبها أو لا يريدها.

خوف الأم من انكشاف حقيقتها ومن خسارة حب ابنتها قاتل. لكن ليتها اعترفت لها بأن الحب الكامل غير موجود وهو كذب ورياء. حبذا لو قبلت أن الأم الحقيقية لا يمكن أن تكون مثالية وما هو مثالي ليس إلا صورتها. هي لم تقوى على الاعتراف بقدراتها المحدودة وبأنها تخفق وتخطئ وتقلق ككل إنسان. والنوع الضعيف داخليا هو أكثر من يحاول إظهار قوته لمن هم أضعف منه. فهل لها بعد ذلك أن لا تنتظر معاملة ابنتها بالمثل كي تحافظ على محبتها وتحميها من الحقيقة أو تحمي نفسها منها؟

في الحقيقة مواجهة، والغالب على العلاقة هو الهرب من المواجهة. الذات الحقيقية تغلف بقشرة تمنع اكتشافها حيث المطلوب إظهار التأقلم مع المجتمع والامتثال لنموذجه الكلياني أو نظامه السياسي التسلطي. لكن الويل لمن وصل به الأمر لاستبدال الذات الحقيقية بالمزيفة وأضاع القدرة على التمييز بينهما. أليست هذه من سمات مجتمعاتنا العربية ؟

 

الابن وصورة أمه

عندما نتحدث عن المرأة والرجل من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار النوع. بمعنى أن كل امرئ يحمل في شخصيته صفات النوعين. تختلف نسبة كل واحدة منهما باختلاف الأشخاص، لكن تتطابق غالبا مع جنسه. فتطور الواحد لا يتم بمعزل عن الآخر وهيمنة أحدهما يدفع ثمنها الطرفان ولو لم يشعرا بذلك دائما.

عندما يخاطب الرجل المرأة، فهو يتوجه لحد ما للمرأة التي في ذاته. وعندما يشوب التواصل مع الآخر الألغاز ويعتريه المثبطات فمنها ما يعود للذات وليس للآخر. نحن نعلم أن رؤيتنا للأشياء والناس هي عملية ذاتية أكثر منها موضوعية، كونها انعكاس الذات على الآخر.

في صورة المرأة عند الرجل، هناك نسج من خيال تحتل أمه حيزا منه، يكبر أو يصغر بفعل علاقتهما السابقة حين كان طفلا. فمن خلال المرأة، أكانت زوجته أو أخته أو غيرها، يثأر الرجل أحيانا لنفسه عندما كان صغيرا وضعيفا أمام أمه. لقد بقي خوفه منها وشيء من الكره الممزوج بالحب قائما في لاوعيه تجاهها. فالمرأة في نظره تراوح بين وجهيها: الجميل والقبيح. بين القوية، الشريرة، الجنية، العاهرة من جهة والعشيقة، العطوفة، الرؤوفة، الحنونة، المخلصة من جهة ثانية. في جسدها ما يمتع وما يخيف بآن، وفي وجهها محرّضات الحب والكره.

يقال أن الأم توزع محبتها بالتساوي على أطفالها. لكن يبدو لي ذلك أمنية ووهماً. من المعروف أن كل طفل يقبل إلى الدنيا حاملاً صفاتاً شخصية تميزه عن غيره وتلعب دورا بنوع العلاقة التي ستربطه بمحيطه. كما أنه يأتي في ظروف أسرية محددة ومتعلقة بتقلبات الوضع الاجتماعي والنفسي والاقتصادي لأهله. إضافة إلى عوامل أخرى تميز بين الأطفال: كظروف الوضع بين ميسّر أو متعثر، والمرتبة بين الأخوة وجنس الطفل. وهذا الأخير قد يكون هاماً جداً بحيث يؤثر سلباً أو إيجاباً على علاقة والديه به.

فالمكانة الهامة للصبي وخاصة الوحيد أو البكر لا تحتاج للتأكيد عليها في المجتمعات الأبوية. معظمنا يدرك كلفة الابنة لأمها عندما كانت تنتظر صبياً وولدتها. فالصبي هو من سيحمل اسم عائلته وميراث والديه وهو من تنصبّ عليه الأحلام والآمال لتأكيد مكانة العائلة واستمرار شجرة العائلة. يذهب الأمر ببعضهم لحد لوم الأم عندما لا تنجب صبياً وتحمّل المسؤولية في ذلك. وكأنها هي من اختار جنس مولودها، في حين أنها غالباً ما تفضّل أن يكون هذا الصبي هديتها لزوجها وعائلتيهما. وحينما تضعه تشعر وكأنها ملكت الأرض بقدوم من سينصّب ملكاً على قلبها ويضفي قيمة لوجودها. وعلى الغالب تنشأ علاقة قوية بين الأم وابنها، خاصة الأول، والذي قد يحتل رمزيا مكان أبيه بالنسبة لها.

أما الأب فقد يقذف خارج هذه العلاقة الثنائية بين زوجته وطفلها. أو قد يغار من طفله ومكانته هذه ويبتعد من تلقاء نفسه عنهما. وبقدر ما يشعر أنه خارج الحلقة بقدر ما يمكن أن يزداد شراسة أو استقالة من دوره كأب. مما يعقّد العلاقة على كل الأصعدة، حيث المترتبات التي تنجم عن ذلك يمكن أن تكون خطيرة على الصحة النفسية لجميع أفراد الأسرة.

الكثير من الأطفال من لا يخرجوا من هذه العلاقة أسوياء. يتصرف الصبي أحياناً وكأنه ليس ابن أمه وإنما سيدها والآمر الناهي في حياتها. لكن المسئولية في ذلك لا يتحملها وحده. فهو قد وضع في مكان ليس له وأفهم أن عليه أن يلعب دورا ليس دوره. ولم يتح للأب أو حتى لم يشأ أن يلعب واحداً من أدواره الأساسية التي هي الفصل بينهما. ربما ائتمنت الأم ابنها أيضاً على أسرارها وشكت له همومها مع أبيه وطالبته أو انتظرت منه ضمنياً أن يثأر لها. تؤكد الدراسات التي تجرى على المراهقين، الذين يرتكبون المخالفات أو الجنح والجرائم، العلاقة الوثيقة لسلوكهم بنوعية الروابط التي جمعتهم بأمهم وبشكل الخلية الأسرية.

قد تكون الأم من الصنف الذي يكره نفسه لأنها تكره وضعها. وبالتالي لا يمكن أن تحب من عداها حتى ولو كان طفلها. محبتها له نابعة بجزء منها على الأقل من حاجتها له كعلاج للخلل في علاقتها مع أبيه ومجتمعها. وهذا الحب ليس من النوع الذي يعترف بوجوده وكيانه ويحترمه كإنسان له كامل الحقوق. وإنما كتابع قاصر يملى عليه أي شئ، وكعبء لا بد منه بغض النظر عن خصوصية وضعه. بالتأكيد، سيكون المجهود باهظ الثمن عندما تتلاحق الولادات دون القدرة على التحكم بالنسل وتقرير الوقت المناسب أو العدد الممكن أو إعمال رغبتها في اتخاذ أي قرار هام. فهل بعد ذلك لامرأة كهذه أن تتمكن من إعطاء أولادها ما يطلبونه من اهتمام ورعاية وحنان كافيين؟ من الذي فكّر بها ودعمها معنوياً والتفت لحاجاتها ليطالبها بالاستمرار بالبذل والعطاء في عملية تربوية شاقة ومجهدة نفسياً؟

عندما يكبر هذا الطفل سيكون من الصعب عليه الابتعاد عن أمه المقهورة. فهو سيشعر بالذنب لمعاناتها وتضحياتها وتعلقها به. لكن بالوقت نفسه رغبته في التحرر منها قوية. خاصة وأن المرأة في الأسرة الأبوية تزداد شأنا مع التقدم بالعمر وتحاول فرض نفسها على أولادها الذين يشعرون بدين كبير نحوها. فصورتها ستلاحقه وعتبها عليه لابتعاده عنها مع أخرى قد يكون مؤذياً ، خاصة إن لم يكن لها كلمة في خياره هذا. تدخلها في اختيار شريكته أو شكل حياته سيضعه في موقع لا يحسد عليه. خاصة وأنها قد تكون أميل من زوجها لاحترام التقاليد. وهي من يؤمن استمراريتها، في حين أنها أكثر من عانى منها. كذلك سيكون من الصعب على نساء أسرتها الأصغر سناً التمتع بحرية أكبر منها في اختيار نوعية حياتهن لأنها ستكون لهن بالمرصاد. ومن منا لا يسمع بقصص الحرب التي تستعر رحاها بين الأم وزوجة ابنها؟

بكل الأحوال، الكلفة النفسية لعلاقة الأم بابنها قد تكون باهظة. حيث أن خوفه من أمه الذي لا يمكن أن يقبله أو يعترف به سيسقطه على من عداها من النساء. ولكي ينفصل عنها ويؤكد رجوليته سيترافق ذلك غالباً برد فعل قوي لاواعي منه تجاه بنات جنسها. ستلازمه الرغبة في الانتقام منهن بدلا منها، والسيطرة عليهن بشكل فظ لاتقاء "شرّهن". باختصار، ستطبع علاقاته المستقبلية بهن الكثير من التناقضات والخوف ومشاعر الكراهية.

من هنا نفهم أن يكون هذا الرجل ضحية هذه الأم التي هي بدورها ضحية زوجها ومجتمعها وعلاقات القوة السائدة فيه. ونفهم كيف اختلط في ذهنه الألم والحزن بالحب وعاش مع المتناقضات دونما شعور واعي بالتناقض. هذه العلاقة الجدلية للعنف المستشري على مستويات عدة يفسر استمرار هيمنة علاقات القوة وتحكم شخصيات مرضية بمراكز القرار. عقليات تقاوم تطبيق القانون عندما يعارض طموحاتها وتقفز فوق الأخلاق والأعراف لتحقيق مصالحها الآنية وتعزيز حبها للسيطرة على الآخر والثأر من معاناتها.

 

أين المخرج؟

أن نفهم لا يعني أن نبرر وإنما أن نبحث عن المخرج. لا بد من الإقرار أولاً بأن مسؤولية النساء كبيرة في تحديد معالم المجتمع والنسل من خلال ما تنجزه في حياتهن ونوعية هذا المنجز. فهنّ لا يمكن أن يتقدمن ويطورن الخلق بإعمال الاضطهاد والعلاقات القمعية للرد على الآخر بالمثل. لقد رأينا أن هذا النوع من السلوكيات هو نتيجة وسبب كره الذات والرغبة في السيطرة على الآخر بدافع الخوف منه. مما عمّم الشخصية العصابية التي لا تستكين إلا من خلال تكرار تصرفات مرضية. هذه السلوكيات التدميرية للآخر وللذات تحتاج لما يضع حداً لها على صعيد الممارسة، حيث لا يكفي إعمال الروادع القانونية والمعرفية.

وإلاّ ما الذي يفسر استمرار هذا الوضع الرديء منذ عهود طويلة حيث تعيش بعض المجتمعات وكأن عقارب الزمن لم تتبدل؟ لقد أتت أجيال بعد أجيال وعاشت على نفس المنوال دون كبير تغيير، بانتقال الموروث من الآباء إلى الأبناء. لكن المعضلة هي أننا من هذه الأرضية ننطلق نحو عالم نريده متجددا، مختلفا، أكثر انسجاما مع أحلامنا وطموحاتنا. فهل نفلح في سبر غور ماضينا وتاريخنا كي نغير وجه حاضرنا أو مستقبلنا أو على الأقل مستقبل أبنائنا؟ ألا نصبو جميعنا لحياة أكثر عطاء وتوازنا وخلقا، ننشد السعادة فيها لنا ولمن حولنا وللعالم أجمع؟ لماذا ما فتئنا إذن نرفع معاول الهدم في هذا العالم بينما نعتقد أننا نسهم ببنائه؟ كم ضاع من الوقت وهدر من الطاقات وتراكم من المعاناة جراء تعدي من يملك موازين القوة على حقوق الأضعف؟ متى يبزغ اليوم الذي يتيح للواحد البحث عن ذاته وتحقيق نفسه مع الآخر بعيدا عن هذه التجاذبات والمعارك الهدامة للذات وللآخر؟

إن ما يجمع المرأة والرجل أكثر مما يفرقهما. فالحب الذي يبقى المحرك الكبير لتحقيق الذات لا يتعايش مع الصراع والعدوانية. لديهما من الطاقة والقدرة على العطاء والبناء ما يمكنهما من المضي في خطوات تقود للتسامي وتقترب من الكمال. بقي أن نبدأ باكتشاف النفس والتعرّف على الذات لمعرفة كيفية توجيهها بشكل إيجابي. يجب استغلال الطاقات الكامنة لتحقيق أغراض نبيلة تعطي معنى للحياة وترتفع بها لما هو غني المعاني وفيه خير البشر. فمن وجد ذاته وعرف قيمته وأدرك إمكانياته لا بد أن يكون عنصر خير لنفسه ولغيره.

والرجل الذي يبحث في المرأة عما يكمله سيتحد معها للاقتراب من الكمال الذي يبقى المرتجى. هناك إمكانات هائلة عند الإنسان لو عرف كيف يستغلها. عبر تعاونه مع الآخر سينتصر على نفسه ويرتفع عن الصغائر لما هو أعلى قيمة.

دون المرأة يصبح الرجل أكثر قساوة وفظاظة ويتخلى عما هو عاطفي وروحي. ومشكلة المرأة تكمن في أنها تسعى لإثبات وجودها وإيجاد مكانها تحت الشمس، غير أنها ما زالت مسخنة بالجراح. هي تريد أن تقنع نفسها والآخرين من حولها بقيمتها، وتحاول خلال مراحل حياتها أن تتخلص من هذا الإرث المضني الذي يلازمها. فإما أن تبقى ملازمة لسجنها وإما أن تنجح في الانطلاق بعيدا عنه نحو عالم تساهم في صنعه بشكل فاعل وخلاّق. لهذا لا بد أن تبدأ بالتعرف على نفسها وما تريد وما تستطيع. أن تتعرف على طاقاتها المهدورة وتعمل لاستعادتها والارتقاء بها لما هو أسمى. أن تحب نفسها ولا تحتقر إمكانياتها بالتبعية والسلبية. بذلك تستطيع أن تحب الآخر وتتصالح معه وتساعده على العمل معاً لتغيير الوضع القائم. فعالمها الداخلي كالكنز المخبأ لو عرفت كيف تكتشفه لوجدت الضوء الذي سيملأها بالحب والسعادة.

الجنة في داخلنا لو عرفنا كيف نسبر أغوارها ونتخلص من الإرث المحشو بالمحرّمات والممنوعات والخوف وتسلط الأنا العليا. هذه الأنا، التي تكونت تحت ضغط التابوهات ومفاهيم الخطيئة والحرام والشعور بالذنب، حوّلت الطاقات الإبداعية لسلوكيات سلبية وتشاؤم وحقد. فمن عاش المرارة والقنوط والحرمان يهرب منها بكره الذات والحياة وكل الكائنات ويعمل آليات التدمير بدلاً من البناء. لكن المرأة التي تمنح الحياة، يمكن لها لو اكتشفت طاقاتها الكامنة أن تثق بنفسها وتستفيد منها وتبدع إمكانات متجددة. لقفزت فوق التهلكة والدوران اللانهائي في حلقة مفرغة من الصراعات العقيمة التي تقبر فيها روحها قبل جسدها.

المعرفة هي أول خطوة نحو الانتصار على الذات والتسامي على الصغائر. يليها القبول بأن عوامل الفشل تقبع بجزء كبير منها في داخلنا. إن ما يعزى للظروف هو غالبا ما لا نود إدراكه في ذاتنا. ثم أن الخلق يحتاج للمثابرة والوقت، ولو تخلل المسيرة أزمات وتراجع فهي لا بد منها. من طبيعة الأشياء أن يتبع انعدام التوازن بحث عن توازن جديد.

لاجتياز العقبات لا بد من الخروج من وضع الضحية وإيقاف الحرب وأخذ المبادرة والتواصل دون انتظار الخطوة الأولى من الآخر. لكي يحدث التأقلم مع الآخر، يجد الرجل مثلاً من الأفضل له أن يستغل الجانب الأنثوي في شخصيته. فيهتم بالمنزل والأولاد أكثر من ذي قبل. في حين تأخذ المرأة سلطة أكبر، لكن دون مغالاة، لرعاية مصالحها ومصالح الآخرين.

كذلك يمكن أن يساعد تحقيق عمل مشترك الزوجين للنظر في نفس الوجهة وإضفاء معنى لحياتهما معا. وهما يتعاونا ويتناقشا حتى ولو لم يهتما بنفس الأشياء. كل منهما مثال للآخر ولو اختلفا في وجهات النظر. ليس في حرية وتفرد كل منهما ما يقلق، طالما أن وجودهما المشترك يحقق حاجاتهما أو جزءا كبيرا منها على الأقل. وإذا تراجع الحب أو نقصت الرغبة تبقى المودة واحترام خصوصية كل طرف. يبقى نوع من الصداقة التي تقي من ضياع معالم الذات في الآخر والتبعية له. يستمر حب الحياة والرغبة في الخلق والعطاء وما يجنب آلام النفس والآخر، حيث الزواج عقد شراكة وليس تملك.

في المعرفة والاطلاع والتحليل ما يساعد على تخطي إن لم يكن تجنب الأزمات. إنها الطرف الثالث الأجدى الذي يفصل بين المتنازعين عندما يكون إنقاذ الروابط هو المطلوب. فهل هناك حرص على معرفة حقيقة مشاعر ونوايا الآخر كي لا يعزى له ما ليس به؟ هل ما يقوله وأحدهما يصل للآخر كما هو أم كما يريد أن يتلقاه؟ أليس من الأجدى حفظ الحدود والاقتناع بأن ما من أحد يمكنه أو يحق له السيطرة على الآخر؟ حتى ولو كانت حقوق هذا المشروعة منتهكة بفعل العادات والتقاليد والديانات والأعراف والقوانين، هل هناك ما يلزمه بالطاعة والرضوخ لمشيئة الطرف الأقوى؟

لتقليم الغرسة وتنميتها ينصح علماء النفس بالانتباه لآليات التواصل، للكلمات المستعملة وطريقة التفوه بها. بين ندرة الكلام وكثرته هناك توازن يجب البحث عنه. فما يتم السكوت عنه يبقى فاعلا في النفس، باستثناء الكلام من أجل الكلام. كما أن الشفافية الكبيرة يمكن أن تكون مؤذية. القاعدة هي أنه ليس لأحد الحق بنبش كل ما يخص حميمية شريكه وما عليه الاحتفاظ به لنفسه. إنها ليست سوى رغبة لاوعية بتملك الآخر، وهي أقرب لسلوك الطفل الذي يعيش داخلنا منها للعاقل. حتى أن الطفل لا يحق لوالديه التدخل بأسراره وإجباره على كشف مكنونات نفسه. فكيف يمكن أن يفرض ذلك على الآخر المساوي في الحقوق والواجبات؟ إنهما ليسا شخصا واحدا وإنما كيانين مستقلين يتشاركان في مساحة معينة. كذلك هما ليسا صديقان، بل يجمعهما شئ من طبيعة أخرى، عليهما الاحتفاظ بجماليته وإلا أطاحا بما يجمعهما.

كل إنسان بحاجة لخلق صورة عن نفسه عند الآخر. وفي التفاصيل ما يمكن أن يشوه هذه الصورة، بحيث يبدو عاريا أمامه حتى من ورقة التوت. فيها أيضاً ما يشكل عبئا على الآخر وما يدخل إلى اللاوعي الذي يحتفظ به مع مخزونات أخرى إلى أن يخرج بركانا ثائرا عند أول فرصة. تفاصيل الحياة قد تتسبب بجرح نرجسي يمكن أن لا تظهر تأثيراته إلا بعد وقت. والصراحة ليست دوما فضيلة، فهي تنم أحياناً عن رغبة في التخلص من عقدة الذنب تجاه الآخر. كما أن الصدق والكذب مفهومين نقيضين ليس للأول من إيجابيات والثاني من سلبيات بالمطلق. بل هناك وضع ثالث بينهما يجنب إشكاليات قد تكون مدمرة.

بين الكذب والإخفاء توازن يجب البحث عنه بتقدير قدرات وحاجات الطرفين العقلية والنفسية. والآخر ليس "مذبلة" نودعه المخزونات التي نود التخلص منها لأنها تزعجنا، فنقاسمه إياها بحجة الشفافية والإخلاص. في الصمت أحيانا احترام له ولمشاعره ومحافظة عليه وليس العكس. هذا التعاقد يجب حمايته بقياس ما يمكن أن ينميه وما يضر به، دون ضرب الثقة بين الطرفين. ثم إن الكلام يبدو أحيانا تافها أمام قدسية أوضاع يكون الصمت فيها مملوءا بالمعاني، وأمام لغة غير محكية تناجي النفس وتتسامى بالروح.

عندما يتم التفاوض على وضع هناك ما يخسره وما يربحه كل طرف. من أجل أن تتمتّن العلاقة بين الطرفين يجب أن لا يكون هناك إحساس عند طرف بأنه الخاسر في المعادلة. كي لا يتولد الغبن والغضب وتفشل محاولات التفاوض في إعطاء ثمارها. الثقة بالنفس هي ما يسمح بهذه الليونة في التعاطي مع أمور الحياة والآخرين. والأزمة لا بد أن تكون حافزا للأفضل لو استغلت كما يجب.

الحاجة ماسة إذن لأن تخرج المرأة من الظلمات التي رميت إليها وتعود لمكانها قرب الرجل. يداً بيد يبنيا معاً هذا العالم الذي ما أن يتقدم خطوات ليتراجع أخرى. لكن السؤال: إن كان الأمل ببلوغ الهدف مباح، كم من الوقت سيمضي قبل أن يصبح الحلم واقعا متاح؟

 

 

*فيوليت داغر: رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومختصة في علم النفس الذي تدرّسه. لها كتابات وأبحاث في ميادين عديدة.

 

 

بعض المراجع الأساسية:

-نانسي فرايدي، أمي مرآتي، بحث الإبنة عن هوية، ترجمة راتب شعبو وتيسير حسون، دار السوسن، دمشق، 2000

-Jean Lemaire, Le couple, sa vie, sa mort- la structuration du couple humain, Ed. Payot, Paris, 1984.

-Jérome Clément, Les femmes et l’amour, Ed. Stock, 2002.

-Paule Salomon, La sainte folie du couple, Ed. Albin Michel, 1994.

-Revue Psychologies, Vivre en couple, N° hors-série.

 

 


من إصدارات اللجنة العربية لحقوق الإنسان

 

*فيوليت داغر وجيمس بول، من أجل نهاية الحصار على شعب العراق: نصّان حول العقوبات، (تقرير بالعربي)، 1998

*الحماية لنشطاء حقوق الإنسان في تونس، (تقرير بالعربي والفرنسي)، 1998

*محمود خليلي، الجزائر: قضية سركاجي من المجزرة إلى المهزلة، (تقرير بالفرنسي)، 1998

*فيوليت داغر، الزواج المدني في لبنان حق وضرورة، (تقرير بالعربي)، 1998

*جمال الهيثم النعال، الحريات الديمقراطية حقوق الإنسان وأزمة القضاء في الدستور السوري، (تقرير بالعربي)، 1998

*عمر المستيري، قراءة في الاتفاقية العربية لمناهضة الإرهاب، (تقرير بالعربي)، 1998

*محمد حافظ يعقوب، المحكمة الجنائية الدولية، (تقرير بالعربي والفرنسي)، 1998

*مصادرة جمعية المحامين في البحرين، (تقرير بالعربي)، (اللجنة العربية والمنظمة البحرينية لحقوق الإنسان)، 1998

*منصف المرزوقي، فيوليت داغر، عصام يونس، هيثم مناع: سلامة النفس والجسد، التعذيب في العالم العربي،(كتاب بالفرنسي،

 والعربي)، طبعتين، 1998

*فيوليت داغر، العقوبات الاقتصادية على العراق، (تقرير بالعربي والفرنسي والانكليزي)، 1999

*من أجل الديمقراطية والحقوق الإنسانية في تونس، (تقرير بالعربي)، 1999

*هيثم مناع، مراقبة قضائية في محكمة راضية النصراوي والمتهمين بالانتماء لحزب العمال الشيوعي التونسي، (تقرير

 بالعربي)، 1999

*هيثم مناع، مراقبة قضائية في محاكمة جلال بن بريك الزغلامي في تونس، (تقرير بالعربي)، 1999   

*ناتالي بوجراده: مراقبة قضائية في محاكمة منصف المرزوقي ونجيب حسني في تونس، (تقرير بالعربي والفرنسي)، 2000

*هيثم مناع، مراقبة قضائية في محاكمة مناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، (تقرير بالعربي)، 2000

*محمود خليلي وأمينة القاضي، الاختفاء القسري والتعذيب في الجزائر، (تقرير بالفرنسي)، 2000

*توفيق بن بريك، الآن أصغ إلي، (دار الصبار واللجنة العربية لحقوق الإنسان والبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان)، 2000

*محمد حافظ يعقوب، فيوليت داغر، محمد أبو حارثية: اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، ( كتاب بالعربي والانكليزي)، 2000

*هيثم مناع (إشراف) و38 باحثة وباحث، موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان، (دار الأهالي، دار بيسان، منشورات أوراب

 واللجنة العربية لحقوق الإنسان)، 2000-2002   

*فيوليت داغر، تقرير أولي عن الأوضاع الصحية في ظل الانتفاضة، (بالعربي)، 2001

*هيثم مناع، الحرية في الإبداع المهجري، سلسلة براعم، أوراب- الأهالي، (كتاب بالعربي)، 2001

*منصف المرزوقي، هل نحن أهل للديمقراطية؟  سلسلة براعم، أوراب- الأهالي، (كتاب بالعربي)، 2001

*هيثم مناع، ماذا عن المستقبل: ملاحظات على تقرير الحكومة السورية المقدم إلى لجنة حقوق الإنسان في نيويورك، (تقرير

بالعربي والفرنسي والانكليزي)، 2001

*تونس الغد. عمل جماعي شارك فيه: أحمد المناعي، توفيق بن بريك، راشد الغنوشي، مصطفى بن جعفر، منصف المرزوقي،

 نور الدين ختروشي، سلسلة الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، أوراب، (كتاب بالعربي)، 2001

*أحمد فوزي، مراقبة قضائية في محاكمة النائبين مأمون الحمصي ورياض سيف في دمشق، (تقرير اللجنة العربية

 والبرنامج العربي بالعربي)، 2001

*استعمال القوة من قوى الأمن الإسرائيلية، مؤسسة الحق، (تقرير بالعربي نشرته اللجنة بالفرنسي)، 2001

*فيوليت داغر (إشراف) و18 باحث سوري، الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية، ( كتاب بالعربي، والانكليزي،

 والفرنسي)، 2001

*حبيب عيسى، النداء الأخير للحرية، (كتاب بالعربي)، باريس 2002. بيروت 2003

*جان كلود بونسين وناتالي بوجرادة، انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، (تقرير بالفرنسي)، 2002

*ريتشارد موران، روجر نورمان، جيمس بول، جون رامبل وكريستوف ويلك، العقوبات على العراق: المترتبات الإنسانية

 وخيارات المستقبل، بالإشتراك مع: منتدى السياسات الشاملة(نيويورك) وحماية الطفل (لندن) وعشرة منظمات غير حكومية،

(تقرير بالعربي والانكليزي)، 2002

*أنور البني، مراقبة قضائية لمحاكمة حبيب يونس في لبنان، (تقرير بالعربي)، 2002

*مها يوسف، عماد مبارك، مصطفى الحسن طه، القوانين الاستثنائية وحق التنظيم في مصر، (كتاب بالعربي)، 2002

*محكمة الشعب والعداء لحق التنظيم السياسي في ليبيا، (تقرير بالانكليزي والعربي)، 2002

*انجيلا غاف، واحدة من أفضل نجاحاتنا، تقرير عن مجزرة الدرج-غزة (بالاشتراك مع مركز الميزان لحقوق الإنسان)،

(بالانكليزي والعربي)، 2002

* ناتالي بوجرادة، حول محاكمات مروان البرغوثي، (تقريران بالعربي والفرنسي)، 2002

*حول انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين، تقرير مجلس الهيئة الوطنية للمحامين، (بالعربي)، 2002

*هيثم مناع، الولايات المتحدة وحقوق الإنسان، سلسلة براعم، باريس، دمشق، جدة، (كتاب بالعربي)، 2003

*الاعتقال التعسفي في الأسبوع الأول للعدوان على العراق، (تقرير للجنة بالعربي)، 2003

*هيثم مناع، تقرير حول أوضاع الفلسطينيين في العراق، (بالعربي)، 2003

*خليل معتوق وأنور البني، تقرير عن أوضاع الفلسطينيين في مخيم الرويشد، (بالعربي)، 2003

*فيوليت داغر، في جريمة العدوان، سلسلة براعم، أوراب-الأهالي، (كتاب بالعربي)، 2003

*محمد بن طارية، عباس عروة، يوسف بجاوي، تاريخ التعذيب وأصول تحريمه في الإسلام، جده ، بيروت،

 (كتاب بالعربي عن اللجنة العربية ومركز الراية للتنمية الفكرية)، 2003

*دنيا الأمل اسماعيل، أوضاع الأطفال الفلسطينيين الأسرى في المعتقلات والسجون الإسرائيلية، (تقرير بالعربي

 لمؤسسة الضمير واللجنة العربية)، 2003

*نجدة المستضعف، أعمال مؤتمر باريس للجمعيات الإنسانية والخيرية، (كتاب بالعربي ومقالات مختارة بالفرنسي

والانكليزي) أوراب- الأهالي، 2003

*مسؤوليتنا المشتركة، تقرير بالانكليزي للمنظمات غير حكومية حول نتائج حرب جديدة على أطفال العراق، 2003

*الكلمة الحرة والإرهاب، قضية تيسير علوني، (تقرير بالعربي)، 2003

* هيثم المالح، عبد المجيد منجونة، هيثم مناع، حالة الطوارئ ودولة القانون في سورية، (كتاب بالعربي)، 2004

*اليوم العالمي للتضامن مع المعتقلين السياسيين في تونس، (إصدار مشترك مع 25 منظمة غير حكومية بالفرنسي والعربي)، 2004

*الاعتقال التعسفي في العالم العربي، حالة قطر والسعودية وسورية وتونس، (بالاشتراك مع جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق

الإنسان، بالفرنسية والعربية)، 2004

*هيثم المالح، حقوق المستضعفين، سلسلة براعم، أوراب-الأهالي، (كتاب بالعربي)، 2004

*من أجل مجتمع مدني في سورية، حوارات "منتدى الحوار الوطني، (كتاب بالعربي)، 2004

*حسين العودات (إشراف)، حرية الإعلام في العالم العربي والغرب، سلسلة براعم، أوراب-الأهالي، (كتاب بالعربي)، 2004

*هيثم مناع، صرخة قبل الاغتيال، مستقبل المنظمات الخيرية والإنسانية في المملكة العربية السعودية، (كتاب بالعربي

والفرنسي بالاشتراك مع المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية)، 2004

*فيوليت داغر (إشراف)، حق الصحة من حقوق الإنسان، سلسلة براعم، أوراب-الأهالي، (كتاب بالعربي)، 2004

*رشيد مصلي، ظاهرة الاختفاء القسري في الجزائر، (بالفرنسي)، 2004

*هيثم مناع، ومضات في ثقافة حقوق الإنسان، مركز التنمية الفكرية واللجنة العربية لحقوق الإنسان، 2004  (كتاب بالعربي)