وضع راهن
من بيروت ومن الجنوب اللبناني رمزا المقاومة والتحرير يعقد في الذكرى الاولى للعدوان الاسرائيلي على غزة ملتقى عربي دولي لدعم المقاومة. وذلك بمبادرة من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، ودعوة 66 هيئة عربية ودولية. يندرج هذا الملتقى، الذي هو حلقة ضمن سلسلة، في مرحلة تاريخية شديدة الوطأة على حقوق الشعوب وحركات التحرر في العالم قاطبة وفي المنطقة العربية بنوع خاص. هي مرحلة القطبية الأحادية التي أرّخ لها انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، وكان لها أن تتعزز مع بداية الألفية الثالثة وأحداث نيويورك في 11 أيول/سبتمبر2001 التي كانت الفرصة الذهبية لاطلاق ما سمي بالحرب على الارهاب. حملة شرسة هدفت لضرب المقاومات المشروعة للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال أو التي تتعرض لعدوان. فكانت الضربات المجنونة تكال بكل الاتجاهات لتطال حتى الجمعيات الانسانية والخيرية (غالباً الإسلامية) الهادفة لحماية النسيج البشري من افرازات الفقر والعسف والتهميش والكوارث الطبيعية.
في فلسطين، كان لنجاح حركة المقاومة الإسلامية في الانتخابات الأخيرة أن يشكل منعطفاً جديداً وسابقة في القانون الدولي وفي سقف وحدود الشرعية في النضال الوطني الفلسطيني. اتفاقيات أوسلو والقرارات والقوانين المتعلقة بالانتخابات التشريعية كانت قد نصت على ضرورة مشاركة كل الأطراف الفلسطينية في عملية السلام ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. كما وتعهدت الدول المانحة، وبشكل خاص الاتحاد الأوروبي، باحترام الإختيار الفلسطيني الحر لممثلي الشعب الفلسطيني. لكن الحرب على الإرهاب جاءت لتعزز الحرب الغربية على أية مقاومة مسلحة للإحتلال. وكان من نتيجتها أن نجحت مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل في استصدار قرار (من البرلمان الأوربي) من أكثر القرارات الأوروبية عداء للقضية الفلسطينية. قرار يصنف فصائل مقاومة أساسية على لائحة الإرهاب، كما ويطالب السلطة الفلسطينية بمحاربتها كشرط لاستمرار ما يسمى بعملية السلام. وكي تكتمل حلقة المحاصرة لفصائل المقاومة، تعهدت المفوضية الأوروبية في اجتماع سري لها (في منتصف ديسمبر ومباشرة قبل الانتخابات الفلسطينية) بوقف المساعدات عن الجانب الفلسطيني في حال نجحت حركة حماس في الإنتخابات.
اشتد سعير الإعتداء على السيادة الفلسطينية وعلى حق هذا الشعب في اختيار ممثليه بممارسة الولايات المتحدة الأمريكية سياسة عزل سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي على حكومة حماس الأولى ومن ثم فرض حصار لا مثيل له بعد الصراع الفلسطيني- الفلسطيني وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة. معظم الحكومات الأوروبية دعمت هذه السياسة العدائية لنهج المقاومة، سواء ارتبط عند الأطراف السياسية الفلسطينية بهدنة مؤقتة أو طويلة الأمد، أو كان برنامجاً سياسياً يجمع بين مختلف أشكال النضال العسكري والسلمي من أجل الاستقلال.
إزاء هذا الوضع، هناك اسئلة تطرح نفسها بقوة: هل يحق لأي شعب تحت نير الإحتلال مقاومة المحتل بكل الوسائل المتاحة بما فيها المسلحة؟ ما هو المباح والمحظور في النضال المسلح؟ وهل يحول هذا النضال دون تقدم مباحثات "السلام"؟ بل هل يوجد حالة دولية واحدة لنزع السلاح قبل انجاز البرنامج السياسي لحركة التحرر الوطني؟
يلخص حسين آيت أحمد، أحد مؤسسي جبهة التحرير الجزائرية، إشكالية المحظور والمباح في القانون الدولي بأن احترام جبهة التحرير اتفاقيات جنيف وتطبيقها، حتى ولو لم تعترف الدول السامية على جبهة التحرير، بمثابة العقد الأخلاقي والحقوقي الأساسي بين جبهة التحرير والمجتمع الدولي. في حين يقع كل ما يتعدى ذلك في نطاق استقلالية المقاومة وحركات التحرر، وهو عمل شرعي تماماً في ظل كل احتلال. نجد آراءًا مشابهة لهذا الموقف في الفقه القانوني الدولي الأوروبي وعند العديد من منظمات حقوق الإنسان الأوروبية، كالرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان في الفترة الإستعمارية. ولا شك، بأن أي أمر قائم، تحتكر فيه السلطة السائدة العنف ضد الشعب، أكانت محتلة أو دكتاتورية، يناهض فكرة حق المقاومة للظلم والاحتلال. فهل يمكن للمجموعة البشرية التقدم دون مقاومة الاعتياد على روتين المنظومة الحاكمة لوجودها، أو العيش دون مقاومة الظلم الواقع عليها؟ معروف أن العنف عندما يكون دفاعاً عن الحياة وعن الحق في العيش هو مشروع بكل المقاييس. مما يذكرنا بمأثورة أبي ذر الغفاري: "أعجب لرجل لا يجد قوت يومه فلا يخرج على الناس شاهرا سيفه"..
لمحة تاريخية
هناك تأصيل لحق المقاومة في الثقافة العربية الإسلامية. لقد عرف شرقي المتوسط حركات مقاومة مسيحية للظلم ذات طابع ديني مثل النساطرة واليعاقبة والموارنة. وعندما جاء الإسلام وكثر الظلم على المسلمين خرج نص قرآني يعطي المشروعية لمقاومة الظلم.
أما في أوروبا فكان لمقاومة مظالم الكنيسة ومحاكم التفتيش ثمن باهظ. وقد دخل "حق المقاومة" في التراث الأدبي الغربي القاموس مع الحروب الدينية. كما وارتبط تطور مفهوم المقاومة مع تطور مفهوم "العقد الاجتماعي" ووجود عقد بين الله والشعب وآخر بين الملك والشعب. بحيث أن انتهاك الملك للدين هو انتهاك لهذا العقد، بما يتيح للشعب ممارسة حق المقاومة. تطور الأمر لفك الارتباط بين حق المقاومة والقوانين الإلهية، وللقول بقوانين وضعية تنطلق من مصالح البشر، بما يجيز لهم استعمال حق المقاومة في ظل سلطة ظالمة.
جاء إعلان الاستقلال الأمريكي (4/7/1776) كوثيقة أولى تنص صراحة على حق المقاومة، وتؤكد على أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج ضد الهيمنة الاستعمارية (يقصد بها الإنجليزية في ذلك الحين) في المستعمرات الأمريكية الثلاث عشرة. وقد أصبح هذا النص مرجعاً للعديد من حركات التحرر في القرنين التاسع عشر والعشرين.
بعد عقد ونيف يأتي "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" (1789) الفرنسي ليقر أربعة حقوق طبيعية للإنسان لا يجوز المساس بها: حق الملكية، حق الحرية، الحق في الأمن، الحق في مقاومة الظلم والاستبداد. واعتبرت المادة 33 من النص الثاني لهذا الإعلان، الذي صدر في 1793، أن حق مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى. أما "إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي"، الذي أقرته أمة جنيف في 9/6/1793، فنص في مادته العاشرة على ستة حقوق هي: المساواة، والحرية، والأمن، والملكية، والضمان الاجتماعي، ومقاومة الظلم. ثم أكدت المادة 44 على أنه "لكل مواطن الحق في مقاومة الظلم" (مواد مقتبسة من موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان).
مقابل هذه السيرورة، نجد إشكالاً في اصرار عصبة الأمم على مفهوم الشعوب البالغة والشعوب القاصرة. كون مفهوم مقاومة الاستعمار وحق تقرير المصير لم يكن في القرن التاسع عشر مألوفاً عند البلدان المستعمِرة. وبالتالي لم يرتق إعلان الاستقلال الأمريكي لعلاقة مساواة مع الهنود والسود، ولم يجرؤ "مشروع إعلان المقاومات الأوربية" (1944) على حل ديمقراطي حقوقي لموضوع المستعمرات. مع ذلك موضوعة الشعوب القاصرة هذه لن تستطع أن تصمد طويلاً أمام نمو حركات التحرر الوطني في العالم. يعود الفضل لإعادة الاعتبار لمفهوم المقاومة والدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها لثورة أكتوبر وولادة الأممية الثالثة، كما للرئيس الأمريكي توماس ودرو ويلسون (1856-1924). وسيأتي ميثاق الأمم المتحدة ليقر في المادة الأولى منه حق تقرير المصير والمساواة في الحقوق بين الشعوب. مع ذلك ستخوض الشعوب المستعمَرة في أكثر من بلد حروباً طاحنة من أجل استقلالها، بسبب رفض الدول المستعمِرة التخلي سلمياً عن مستعمراتها. بتاريخ 14 ديسمبر 1960، تخرج التوصية رقم 1514 (15) حول منح الاستقلال للشعوب والأقاليم المستعمَرة، لتكون بمثابة النص الأكثر تقدماً ووضوحاً في هذا المضمار. تقول:
"1- إن خضوع الشعوب للاستعباد الأجنبي أو سيطرته أو استغلاله يعتبر إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ويهدد قضية السلام والتعاون في العالم.
2- لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية نظامها السياسي وأن تسعى في ظل هذه الحرية إلى تحقيق نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
3- يجب ألا يتخذ بأي حال تخلف الإقليم في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي ذريعة لتأخير الاستقلال.
4- يوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة أو أعمال القمع الموجهة ضد الشعوب غير المستقلة، وحتى تتمكن من أن تمارس في سلام وحرية حقها في الاستقلال التام وتضمن سلامة إقليمها الوطني.
5- كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية أو سلامة إقليم أي بلد تعتبر منافية لأهداف ميثاق الأمم المتحدة.".
وقد مهدت هذه التوصية لإقرار مبدأ حق تقرير المصير في المادة الأولى من العهدين الخاصين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما ونال حق المقاومة وتقرير المصير حيزاً هاماً في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، حيث جاء في المادة 20:
"1- لكل شعب الحق في الوجود ولكل شعب حق مطلق وثابت في تقرير مصيره وله أن يحدد بحرية وضعه السياسي وأن يكفل تنميته الاقتصادية والاجتماعية على النحو الذي يختاره بمحض إرادته.
2- للشعوب المستعمرة المقهورة الحق في أن تحرر نفسها من أغلال السيطرة واللجوء إلى كافة الوسائل التي يعترف بها المجتمع.
3- لجميع الشعوب الحق في الحصول على المساعدات من الدول الأطراف في هذا الميثاق في نضالها التحرري ضد السيطرة الأجنبية سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية.".
ثنائية الظلم والمقاومة
مع نهاية الحرب الباردة، خرجت فكرة حق المقاومة من مجرد حق شعب في الدفاع عن نفسه لفضاء أوسع، ولتصبح حماية الشعب الفلسطيني مسؤولية دولية. فمن الصعب أن يشعر المرء، وخاصة في الدول المجاورة لبلد الصراع، بالأمان مع غياب الأمان عن الإنسان الفلسطيني أو العراقي أو الأفغاني الخ. فالقطبية الأحادية واختلال التوازن بين القوى الدولية أعادت مفهوم المقاومة للصدارة، كون من يمتلك القوة ليس هو من يحرص على ضمان القيم التي دفعت بالحضارة للارتقاء. ذلك علاوة على أن الأمم تمتلك من القدرات والمعارف والارادات ما يتيح لها أن تتجاوز ما يفرض عليها من الأقوى. ما يسمح باصلاح العطب الذي اصاب النظام الدولي بسبب هذه الهيمنة والتجبر على من هم الأضعف في مرحلة تاريخية معينة، بسبب تكالب مصالح الدول ومن يقودون سياساتها، لا بل من يستفردون بها لتحييد القوى الخيرة عن العمل العام والتضامن الانساني. وحيث أن التكالب المصلحي الشرس للأنظمة الحاكمة، شمالاً وجنوباً، بلغ أوجه في ظل الحملة على الارهاب، كانت هذه الحملة، يا للمفارقة، الفرصة الذهبية لكي تعيث النظم المارقة والمتسلطة الفساد في الأرض. وذلك باسم محاربتها لجماعات وصمتها بالارهابية وحرمتها من حق مقاومة الاحتلال والعدوان والظلم، حتى ولو كانت جمعيات سلمية وخيرية وحقوقية.
لكن الظلم، الذي هو منتج أساسي للاعقلانية واللاخلاقية في العلاقات بين الإنسانية، هو أيضاً منتج للمقاومات بكل أشكالها، على أساس أن العنف نوعين: دفاعي وعدواني. وإذا كان الأقوى هو الذي يفرض قواعد الحرب والسلم، فهو لن يستطع أن يغيب الآخر طويلاً، خاصة في ظل عالم معولم بات يشبّه بقرية صغيرة. يعلمنا التاريخ بأن ما من حق وراءه مطالب قد ضاع.
وعليه، رغم عمليات استهداف امكانات المجتمعات البشرية والمادية داخلياً وخارجياً، وانتكاساتها لتعابير طائفية وقبلية بدلاً من تجميع طاقاتها والانتماء لكيانات كبرى بديلة للعيش بكرامة في عالم لا متكافئ وغير عادل، فقد استطاعت شرائح واسعة من البشر أن تنطلق من الشعور بالهوية الانسانية الجامعة وضمن مقاومات مدنية غير قابلة للاحتواء عندما يتم استهداف الجمع عبر الاستفراد بالجزء.
رغم تخاذل الموقف العربي الرسمي ازاء الهجمة الشرسة التي يتعرض لها أبناء الأمة عموماً وفلسطين والعراق في مقدمها، ورغم تواطؤ الأقربون الذين أتاحوا للمعتدي أن يفرض سياسياً ما عجز عن تحقيقه ميدانياً، فإن تجليات ثبات المقاومات وصمود الشعوب- وخاصة في غزة المحرومة من سائر مقومات الحياة في ظل حصار خانق ومجرم- تعطي البرهان تلو الآخر بأنه هناك ما يستحق الحياة رغم غدر البشر وظلم الأقدار.
تشبث بالأمل
من رحم الانكسار والمعاناة، غد آخر ينبلج لا محالة، يصنعه المقاومون في فلسطين والعراق ولبنان والصومال والسودان وغيرها. ذلك رغم كل الدسائس المحاكة وعمليات التدجين والتطبيع والاستفادة من التناقضات وزرع الفتن التي يحيكها ليس فقط الأعداء وإنما المتواطئون معهم من الأشقاء. بطولات المقاومات الاسطورية (أكان ذلك في العراق أو لبنان وهلم جراً) غيّرت الكثير من معادلات دول عظمى وقوى عسكرية هامة اعتقدت لوهلة أن بأسها لا يجابه وإرادتها لا يعلى عليها.
إن ضرب صورة الإنسان العربي عن نفسه، عبر أمركة الأهواء وتأصيل العقلية الاستهلاكية غير المنتجة والإيغال في كره الذات بتأثير من العلاقة الاستعمارية أو غير المتكافئة مع الآخر، لم تمنع شرائح مجتمعية واسعة من التعبير عن الذات وممارسة المواطنة واسترداد الكرامة. أما الاتكاء بشكل أكبر على العنصر الشبابي وعلى مثقفي وناشطي المهاجر العرب فقد رفد هذه القوى بدم جديد قادر على استلهام انماط عمل مستحدثة وبعث ديناميات جديدة في عروقها. جرى ذلك بالتوازي مع تمتين الروابط مع قوى تنتمي لبلدان وثقافات مختلفة، وتلتقي على أهداف ورؤى مشتركة تناصر القضايا العادلة وتنادي بعولمة بديلة وبمساندة قوى التحرر والمقاومة.
فمع تعميم شبكات التضامن بين الشعوب، وتشجيع كل أشكال التعاون والتنسيق العابرة للحدود، تبدو هيئات المجتمع المدني في الوطن العربي مؤهلة لمعركة تجديد البنيان وتقوية عناصر المنعة الداخلية. وذلك بالاستلهام من التجارب واستقاء الدروس والاعتماد على آليات ورؤى وبدائل عملية مجرّبة، وليس بالطبع بالتعرض للاختراق وتطبيق اجندات خارجية عبر منظمات أهلية ومراكز أبحاث ومنابر اعلامية تستعمل لصالح أجهزة مخابرات أجنبية وعربية لتهميش وتسخيف الفكر المقاوم. بالتعاون مع سائر القوى المحلية والوطنية والاقليمة والعالمية التي تلتقي على مشتركات أساسها مؤازرة المقاومات في مواجهة الزحف الإمبريالي على دول العالم وبناء عالم أكثر إنسانية وتعددية. مشتركات قوامها التصدي لزحف الفقر والتهميش، وضعف الرعاية الاجتماعية، وتهديد الأمن الغذائي، واستباحة الطبيعة والبيئة التي تنتقم من الاعتداء عليها بإحداث المزيد من الكوارث.
لقد رأينا في المثل اللبناني بشكل جلي كيف أن قوى المجتمع المدني قادرة على التصدى لمهامها بجدارة عندما يتاح لها جو من الحريات يمكنها من اطلاق حملات التوعية والتعبئة بوسائل الاتصال والتواصل، وابتكار أدوات سلمية للمقاومة من أجل احداث التغيير المنشود. هذه القوى التي تؤمن بان معركة التحرر واستعادة الكرامة المهدورة تمر عبر المناطحة بدل الانبطاح، المقاومة لا الاستقالة، الاتكال على الذات بدلاً من تحميل المسئولية للغير. وعندما تفسح سياسة المقاومة بفصائلها المختلفة لهذا الحيز الواسع الذي يضم كل ألوان الطيف من الأبناء الأبرار بالتعبير عن نفسه، حينها يصبح بالامكان إحداث نقلة نوعية وفرض متغيرات على الواقع العربي المأزوم.
ثقافة حقوق الإنسان، التي يجب تعميمها بكل الأشكال المتاحة، هي أيضاً ما يغذي ثقافة المقاومة ويقوي منعة الأجيال الشابة ويعيدها لذاتها ولصنع حاضرها وبناء مستقبل أوطانها. بحيث لا يبقى الهروب من الواقع والانقلاع من الجذور الحل المتبقي لها، مع اتخاذ المهجر وجهة تؤم شطرها ثروات هذه الأمة البشرية التي سدت بوجهها معظم الآفاق في بلدانها، حتى ولو كان في ذلك خطر خسارة حياتها على قوارب الموت أو العيش في ظروف صعبة للغاية أو الانفصام عن الذات.
** مداخلة للملتقى العربي الدولي لدعم المقاومة، بيروت 15-17 كانون الثاني/يناير 2010
|