حتى لا يحتوينا الوهم ، والوهم من خطرات القلوب تتوسع من خلاله التخيلات والتصورات غير العقلية موصلا ًإلى حالاتٍ من التيه المؤدي إلى الحيرة والضياع المشوبين أحياناً بصلف وغرور،لذا فمن رَغِب في حياةٍ كريمةٍ في إطار الأسرة كان لزاماً عليه التقيد بنواميس وضوابط أوعية العلم ، وتشتد ضرورات الالتزام بها في إطار المجتمع،وفي أيامنا الحالية وقد صَغُرت المسافات بين أصقاع الأرض بفعل التطورات والتقدم في وسائل النقل والاتصال حتى راح العالم برمته وعلى اتساعه يشبه قرية عادية باتت الكتل الاجتماعية تؤثر فيه وتتأثر بذات الوقت بإراداته.
من هذا المنطلق كان لابد للمهتمين بالعمل السياسي إيلاء هذا الجانب حقه من الفهم والإدراك الكاملين مركزين على ثوابت العلاقات الدولية التي حَصرتها فلسفة التاريخ بمفهوم المصالح , ملحقة بها جدلية استمرار الصراع حولها وبكل أنواعه : السياسية- الاقتصادية- العسكرية- ا لفكرية والثقافية , مستمرة ما بقيت الحياة ، وإذا سلمّنا بهذه الحقيقة التاريخية أصبح لزاماً علينا الانطلاق من مبدأين متناقضين التناقض كله،واللقاء العابر بينهما أحياناً في جوانب لهما يكون آنياً وسريع الزوال،وهما:
- ماذا نريد نحن لأنفسنا؟!...
- ماذا يريد الآخرون منا؟!... وبتحديد دقيق ، ما هي استراتيجيات أعداء الأمة؟!....وما هي استراتيجياتنا نحن في التصدي والردع الكاملين؟!....
مثل هذا الواقع لابد له من أن يأخذ مسارات ثلاث:
- الوقوف على الطرف المعارض والمناقض لتطلعات ورغبات الأعداء، وبالتالي إدارة التعارض في جميع المواقف بحكمة ودراية مخففا من احتمالات الفشل...محققا الطموحات تباعاً وتدرجاً.
- الوقوف وقفة المُشاهد الخالية من ردات الفعل إلا من صدى الكلام الأجوف المعسول،وفي ذلك الحُكم سلفاً على المعتدى عليهم بالزوال الهادئ المتأني.
- الانصياع والقبول والتمرس والتعوّد على تنفيذ الإملاءات، وذلك أسوأ صنوف العمل السياسي لأنها تُسرّع في النهايات الحتمية والأكيدة.
والواضح والجليّ أن صراع الأمة العربية مع عَدوّيها أمريكا " وإسرائيل " الحليفين الاستراتيجيين أخذ بعداً ثابتاً منذ أكثر من نصف قرن لا تنتهي دوائر التآمر فيه ، لذا كان علينا فهم وتفهم طبيعة هذا الصراع ومناحيه الشمولية.
لقد أجمع الباحثون على أن الإستراتيجية الأمريكية المُعلنة في أكثر من مجال، وفي أكثر من مناسبة تتركز في بنود:
1- السيطرة على النفط.
2- دعم "إسرائيل" ومحاولة إبقائها قوة توازي القوة العربية مجتمعة، وتتفوق عليها.
3- منع دول المنطقة من الدخول في أية تحالفات بينها وبين بعض الدول المنافسة للولايات المتحدة على المستوى الدولي.
4- منع قيام حالات من القوة والتوحد على أي صعيد بين هذه الدول، فعامل التوحد يعطي القوة والمِنعة لهذه البلدان في مواجهة مخططاتها العدوانية.
5- منع اقتصاديات الدول العربية وحتى الإسلامية من النمو على مستوى الأقطار المجزأة،بل المنع النهائي لتكاملها في إطار المشروع الوحدوي العربي والتكامل الاقتصادي،وأيضاً منع التعاون في مجال بناء اقتصاديات إسلامية فمن هذا النماء تتعزز الإمكانات الاقتصادية والمادية ، ومن ثم فستنعكس على تنمية القوة العسكرية لتصبح جميعها من معززات الإرادة العربية أو العربية الإسلامية.
6- استمرار الهيمنة،وتوسيع دائرة الإملاءات على أنظمة هذه البلدان، ومحاولات التضييق والإطاحة بالحكومات التي لا تلبّي جزءاً من رغباتها.
7- في إطار الإضعاف والحدّ من نمو القدرات الذاتية قطرية كانت أم قومية أم إسلامية،كان دعم"إسرائيل"جزءاً من هذه الإستراتيجية،"فإسرائيل"واستمرار عدوانها منذ اغتصابها للأرض العربية يصبّ في هذا المنحى التهديمي للقوى،ويجعلها بحالة دائمة متسوّقة للسلاح . إذاً هو إضعافٌ من طرف وبيعٌ ونهبٌ متمم لصالح احتكارات السلاح المُقرّة والموجهة للسياسات الأمريكية.
الخطوط الأساسية باتت واضحة لهذه الإستراتيجية ، لكن التغيرات تصبّ في الأساليب المُنفذة لها وفق المتغيرات العالمية وعلى الساحة الإقليمية للمنطقة ، ف " هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأسبق- يهودي- لم تَكفِه آثامه في الحدّ من الدور العربي لمصر،بل لنقل بإنهائه لصالح إسرائيل بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد،بينما كانت الركن الرائد للتوجهات القومية مقدمة التضحيات العظيمة زمن الراحل جمال عبد الناصر،بل ذهب أيعد من ذلك في آرائه متابعاً مسيرته التآمرية محدداً نقطة جديدة للبدء بمتابعة تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية فيقول في مذكراته:"من يريد السيطرة على الأمة العربية والإسلامية عليه أن يدمّر إرادة الأمة العراقية فهي الحلقة الرئيسية فيها".
إذاً بات من المطلوب لا السيطرة ولا تعزيز النفوذ ونهب الخيرات فقط ، بل التدمير،وتدمير إرادة الأمة فيه شمولية واسعة تطال كل الجوانب الحياتية لهذا الشعب العربي الأصيل.
ويدعم رأيه ما قاله"برينت سكو كروفت"مستشار الرئيسين الأمريكيين جيرالد فورد وجورج بوش الابن ، والذي يشغل حاليا منصب رئيس منتدى السياسة الدولية حيث يقول:
"إن العراق بحاجة إلى تأديب.لقد تضخمت قوته العسكرية،وأصبح كالسرطان يهدد كل أجزاء الجسم"وأضاف:"لا أخفيكم أن الرئيس بوش عقد معنا ثمانية اجتماعات في الشهور الماضية لبحث موضوع تأثير القوة العراقية على مصالحنا في المنطقة"، ومن هذه المنطلقات فالتوجه الرسمي الأمريكي ومن خلال اعتماد توصيات مراكز الأبحاث توصل إلى مجموعة من الأفكار للتعامل مع الواقع العراقي بعد حرب الخليج الثانية:
1- تدمير قوة الرعب العسكرية للعراق عن طريق قرارات المجتمع الدولي.
2- تغيير القيادة العراقية ضمن إشراف مركزي أمريكي- ويسترعي الاهتمام هنا استعمال مصطلح إشراف مركزي -.
3- العراق يُشكل مركز التهديد الأمني للولايات المتحدة الأمريكية
4- استخدام سياسة الاحتواء المزدوج في الحدّ من تأثير إيران بالتغيير المستقبلي للعراق.
5- استخدام الضربات التأديبية العسكرية في حالة تملص العراق من تدمير قوته العسكرية.
6- منع تطوير القدرات العسكرية والبشرية، وعدم الاستفادة من موارد العراق الكبيرة في تنمية أي قدرة عسكرية.
وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ولوضع تصوراتها موضع التنفيذ تقول في الشهر السابع من عام2003في بريطانيا وفي محاضرة لها اعتبرت العراق حجر الزاوية في عملية التغيير الثقافي،موضحة"أن عراقاً مختلفاً سيصبح نوعاً من حجر الزاوية لشرق أوسط مختلف لن تظهر فيه إيديولوجيات الكراهية"،بينما الرئيس الأمريكي جورج بوش وفي خطابه عن حالة الاتحاد11/10/2003يقول:"نتبّع إستراتيجية واضحة قِوامها أولا ً:قيام قوات التحالف بمطاردة الإرهابيين وبقايا أتباع صدام الذين يقاومون بيأس،منح الحرية للشعب العراقي،وثانياً:الالتزام بتوسيع التعاون الدولي في مجال إعادة إعمار العراق- - وفي هذه النقطة اعتراف بتدمير الكثير من إمكانات العراق - -وثالثاً:العمل عن قرب مع القادة العراقيين وهم يحضرّون لوضع مسودة الدستور"وأكدّ أنه يقوم بوضع نظام جديد يسمح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار " من أجل مستقبل العراق " ، معتبراً في خطابه الأسبوعي"أن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين كان قراراً صائباً،وأن العراق أصبح بفضله مثالا ًللشرق الأوسط".
وينبري لهذه الأكاذيب المفكر العراقي المقيم في السويد الدكتور عبد الوهاب حميد رشيد معرياً لها،وكاشفاً لعهرها،مستنداً إلى ما تناقلته الصحف والمجلات العالمية والأمريكية،وإلى أحاديث العديد من المسؤولين الأمريكيين و تقارير المنظمات الدولية ، وأغلب كتاباته تغطي وإلى حدّ كبير المآسي التي خلقها الاحتلال على الأراضي الطاهرة العريقة المنبت والجذور ليقول:"المأوى والغذاء وفرص العمل لا تزال الحاجات الرئيسية الأكثر إلحاحاً لحدّ يتجاوز1,6مليون مواطن عراقي أجبروا على الفرار من ديارهم منذ ثلاث سنوات ونصف السنة بعد تفجيرات سامراء في العراق،والتي خلقت الأرضية للعنف الطائفي وليد الاحتلال ، والمنظمة الدولية للهجرة لاحظت بأن تلك المعضلات الثلاث الأساسية لازالت تواجه هؤلاء المنكوبين،وهي الأكثر شيوعاً وحِدّة بين ما يقرب من224ألفاً الأكثر حاجة من النازحين داخلياً،وترتفع أرقام البطالة بين العائلات المشردة المتواجدة في كركوك إلى99%،القادسية97%،البصرة94%،واسط89%،كما أن أعداداً متزايدةً من الأطفال في الأنبار يتركون مدارسهم للمساعدة على إعالة أسرّهم عن طريق التسول،أو ممارسة أعمال بسيطة أو عرضية،وواحدة من كل عشر عائلات مشردة داخل العراق في المتوسط تتحمل المرأة مسؤولية إعالتها،والنساء المشردات عرضة بشكل خاص للتورط في ممارسات الدعارة"، وينقل الكاتب مأساة الأطفال،وعرضهم للبيع في الأسواق مستنداً إلى ما قالته إحدى الكاتبات في27تشرين الأول2009 " حيث هناك مزادات تأخذ طريقها لبيع القطع الأثرية العراقية المسروقة،ومزادات أيضاً لبيع أطفال عراقيين في أسواق وسط بغداد , إنهم يسرقون ماضينا ومستقبلنا.....ماذا بقي لنا وللعراق؟!...
وفيلم وثائقي يَعرض هذه المعضلة ظهر على شاشة التلفزيون السويدي،واختزل لمقالة نُشرت في صحيفة إكسبريس السويدية،وترجمت إلى12لغة في ظرف24ساعة،قام بإعداد الفيلم مراسلان صحفيان من داخل سيارتهما إذ شهدا من خلالها صفقات بيع أطفال عراقيين،وذكرا حالة تحقق فيها بيع طفلة - أربع سنوات-بمبلغ500دولار،ومبلغ الــ 500دولار هو ما يُنفقه رئيس جمهورية العراق،وكذلك رئيس الوزراء على باقات الورد لتزيين مؤتمراتهما الصحفية.
أما عن النفط أحد الأسباب الهامة الدافعة للاحتلال يشرح الكاتب المراحل التي مرت على هذه الصناعة،إذ بدأت الاستكشافات النفطية في العراق منذ أواخر العهد العثماني في القرن التاسع عشر بإنشاء شركة النفط التركية (بريطانيا-ألمانيا-هولندا) توقف نشاطها إبان الحرب العالمية الأولى،وأصبح العراق تحت الانتداب البريطاني،ثم في عام1925مُنح امتياز لشركة النفط التركية التي أصبحت تُعرف بشركة نفط العراق بمساهمات بريطانية وفرنسية وهولندية وأمريكية،وفي عام1927توسعت مساحة امتياز شركة النفط بعد اكتشاف حقل كركوك العملاق،إنما في عام1961صدر القانون رقم 80 واضعاً نقطة البدء لتأميم النفط بعد ثورة1958،وفي عام1964تأسست شركة النفط العراقية.
شرّعت الحكومة عام1967قانونين منحت بموجبهما الشركة حقوقاً شاملة لاستغلال وتطوير الاحتياطيات النفطية بما في ذلك إنتاج وتسويق النفط المستخرج من الحقول المشمولة بالقانون رقم80لعام1961،لكن في عام1972حزيران-يوليو-صدر قانون بتأميم شركة نفط العراق،ثم شركة نفط البصرة،وبذلك تمكن العراق من إنهاء الرقابة الأجنبية المباشرة على موارده البترولية.
منذ اليوم الأول للاحتلال لم تحمِِ القوات الأمريكية أية وزارة أو مؤسسة رسمية،بل تركت وثائقها ليعبث بها العابثون إلا وزارة النفط فقد شُددت الحماية حولها تنفيذاً لمخططات النهب والاستغلال التي وضعها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق في أوائل عام2001حيث أعدت للمناقشات وثيقة واحدة شملت خريطة مفصلة لحقول النفط العراقية،وفي مايو-أيار-2001أصدر فريق العمل من أجل الطاقة تقريراً ذكر فيه صراحة هدف الولايات المتحدة الأمريكية قيل فيه"إن منطقة الخليج ستكون محل التركيز الأساسي لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الطاقة"،وجريدة"وول ستريت"كتبت يوم16كانون الثاني-يناير-عام2003تقول:"أخذت شركات النفط الأمريكية تتهيأ للتحضير لليوم الذي تحصل فيه على فرص عمل في أكثر دول العالم الغنية بالنفط".
واستكمالا ًلمسيرة مخطط النهب والاستغلال ألغت حكومة ما بعد الاحتلال العقود التي أبرمت مع شركة النفط الروسية لتطوير حقل - القرنة غربي - إضافة إلى العديد من العقود التي تم إبرامها،وبالمقابل أعطيت شركة اكسون موبيل الأمريكية وشركة شل حق تطوير حقل القرنة غربي مقابل أن تعوض حكومة بغداد الشركتين عن تكاليف تطوير الحقل مبلغاً قد يصل إلى50بليون دولار بدفع1.95دولار عن كل برميل يُستخرج،والعقد الثاني كان مع شركة البترول البريطانية وشركة البترول الصينية الذي سيُقدم للمتعاقدين على شكل أرباح ما قيمته2بليون دولار سنوياً،والكثير من الصفقات وضعت لمساتها الأخيرة وأبرمت سيما في " إقليم كردستان " التي أثارت جدلا واسعا بين الحكومة المركزية وحكومة " الإقليم " و لقد أسهم اثنان من مسؤولي الإدارة الأمريكية في عمليات حصد المغانم،الأول جاي غارنر أول رئيس للإدارة الأمريكية في العراق(قبل بريمر)الذي يعمل مستشاراً لشركة طاقة كندية تمارس أعمال التنقيب والاستكشافات الواسعة،وتمتلك37% في أحد حقول النفط في الشمال الكردي،والثاني زلماي خليل زاده السفير السابق في أفغانستان والعراق ومن ثم في الأمم المتحدة،قام بإنشاء شركته الخاصة للاستشارات في الشمال في أربيل.
وعن الكذبة الكبرى....كذبة الانسحاب من العراق المطروحة مؤخراً ينقل الكاتب رشيد ما كشفته صحيفة واشنطن بوست عن مراسلها " بأن القوات الأمريكية عندما تنسحب تنتقل مهامها إلى قوات مرتزقة - أصحاب العقود الخاصة - المعروفين بسوء السمعة ممن يعملون مقابل مبالغ طائلة للحفاظ على الوجود الضخم للولايات المتحدة في العراق،وهؤلاء غالبيتهم الساحقة هم "رعايا دولة ثالثة" تم استخدامهم بموجب عقود مع سكرتارية الدفاع.
إنها الصورة القاتمة التي رَسمت خطوطها أيد آثمة أمريكية،فبالإضافة إلى استشهاد أكثر من مليون عراقي وحوالي4ملايين نازح في العراق وخارجه عدا الملايين من الجرحى المعوقين والمصابين بالأمراض السرطانية نتيجة استعمال الأسلحة الممنوعة وخاصة اليورانيوم المنضب ، كما وأن البطالة وصلت نسبتها إلى60% في الكثير من المناطق،وبدأت سُحب الفقر تخيّم على بلدٍ كان اقتصاده في مقدمة اقتصاديات بلدان العالم،بل اعتبر النظام الصحيّ فيه الأول عالمياً،وحتى تكتمل عتمة وظلامية اللوحة تترك عليها الكاتبة بثينة الناصري في عام2008خطوطاً أشد قتامة من ظلام الليل في كتابها (يوميات الجنود الأمريكان في بلاد الرافدين) مستهلة الكتاب بمقدمة لها تقول فيها:"يبحث الأمريكان دائماً عن أفضل السبل لتسويق جنودهم على أنهم رسل الخير والمحبة بين البشر،كما يرتبط اسم كوكاكولا في الأذهان بالانتعاش،يبحثون عن وسائل تجعل صورة الجندي الأمريكي ترتبط بالحماية والحنان،بالضبط مثل أن تضع وجه طفل بريء على جذع فرانكشتاين"،وتكشف مباشرة وفي الصفحات الأولى وعلى لسان جنود أمريكيين وجدت في مذكراتهم نُشر الكثير منها،فعن"تشارلز كلوفر"المراسل الصحفي تنقل ما كتبه:
"إحدى ذكرياتي المريرة عن تجربتي في تغطية الحرب على العراق000000.لقد تواجد جندي صغير أثناء معركة في شوارع النجف جرى خلالها تبادل إطلاق الرصاص مع قناصٍ أسرعت سيارة فيات زرقاء في الشارع محاولة الهرب فأطلق الجندي15صلية من سلاح آلي،وقتل السائق الذي تبيّن أنه أستاذ جامعي غير مسلح،وفي هذه الأثناء تجمع زملاؤه الجنود حوله يهنئونه على أول عملية قام بها"،وتغطي المترجمة الأبعاد غير الإنسانية للمحتلين ناقلة عن"ايفان رايت"في كتابه (قتل الجيل) يقول فيه:
"إن نصف الفرقة التي كان يرافقها كمراسل جاءوا من منازل تفتقد أحد الأبويّن"مبرراً التقاطع المظلم للحرب،واستحواذ العنف على نفوس الجيل الجديد،فهم لا يحتاجون إلى سبب للقيام بمهامهم الشنيعة،ويقول:"رأيتهم سعداء تماماً بمعرفتهم أن الحرب هي من أجل الحصول على النفط"، وينقل عن أحد جنود المارينز قوله:"لقد تم غسل أدمغتنا،وتدربنا على القتل،وأثناء التدريب علينا أن نصرخ:اقتل2000مرة- المصدر المنقول عنه فايننشال تايمز نيوز - ويتوصل الكاتب إلى نتيجة حتمية فظيعة ،وبالنهاية هازمة للولايات المتحدة وحلفائها،" "-،ومايكل بليك عمره 22عاماً من ولاية نيويورك كان في العراق ما بين عامي2003-2004قدّم طلباً لإعفائه من الخدمة بسبب معارضته للحرب وينقل عنه"الرسالة التي أعطوني إياها قبل إرسالنا كانت دائماً الإسلام شر،وأنهم يكرهوننا"، وآلان شاكلستون24سنة دهس طفلا ًعراقياً عمداً بمركبته،يعاني من أرق شديد،ويراجع الطبيب النفساني كل ستة أسابيع،وفي التظاهرات يحمل لافتة "لا تقتل" ويقول للشعب العراقي:"نحن في غاية الأسف لما فعلناه بالشعب العراقي".
والتصرف الوضيع يعبّر عنه جو هاتشر الذي يقول:"لقد كنسّت أشلاء مقتولين من على الرصيف،ورميتها في سلة المهملات،وتركتها على قارعة الطريق".
والمآسي والآلام تتبدى في كتاب توماس ركس بعنوان(فشل المغامرة العسكرية الأمريكية).يقول في كتابه:"جوشوا كي28سنة،فتى ريفيً من أوكلاهوما،كان متزوجاً وأبّاً لطفلين،وفي كانون الأول-ديسمبر-2003عاد إلى أمريكا،وعَبَر وعائلته الحدود الكندية هارباً من العمل في القوات المسلحة،يروي أنه كُلف بمهمة مع عسكريين آخرين بدخول منزل عراقي والخطة تضمنت تفجير الباب،ومن ثم الاندفاع إلى داخله بسرعة والتفتيش فيه جدياً عن أسلحة وعلامات وجود أنشطة إرهابية،ثم اعتقال الرجال بأسرع وقت حتى لا يتعرضوا للصواريخ والهاونات"،ويكمل ما بدأه:"كنت قد حفظت التعليمات،أعرف زوايا المنزل،وأي باب سيفجره؟ وكم من الطوابق؟ 0000كان ترتيبي الثالث،ودخلنا البيت،ولم أدخل بيتاً عراقياً من قبل،ودخلت المطبخ،وفتحت الثلاجة على أمل أن أجد أسلحة أو قنابل يدوية،ولكني لم أجد شيئاً،وفي الغرفة وجدنا مع الأرائك طفلين ومراهقة وامرأة كما وجدنا شابيّن كانا أخوين،وكنت أصرخ:انبطحوا يا أولاد....أخرسوا أفواهكم اللعينة،ودفعنا بالأخوين إلى الخارج حيث كان ينتظر12عنصراً من فصيلتنا،وقد أخذ الشقيقان إلى مركز احتجاز أمريكي للاستجواب ،واستمررنا في بعثرة البيت،وكلما فشلنا في العثور على أسلحة أو أدلة مريبة كلما زدنا بعثرة وقلب المنزل،وفتشنا الطوابق الثلاثة،وفي الخارج عُهد إليّ أن أراقب النساء والأطفال،وبدأت الفتاة المراهقة تصرخ بي وبالآخرين،وسألتني بلغة إنكليزية:"أين تأخذون إخوتي؟!...."قلت:"لا أعرف يا آنسة"سألت:"لماذا تأخذانهما؟!...."أجبت:"لا أستطيع أن أصرّح".
متى تعيدونهما؟!....ثم رددّت لماذا تفعلون بنا هذا؟!....ولم أستطع الجواب عليها، بعدها اقتديت النساء إلى داخل المنزل،وطُلب منّا جميعاً أن نقف حراساً. في الخارج، دخل أربعة عسكريين أمريكيين مع النساء، وأغلقوا الأبواب.لم نرَ شيئاً من خلال الشبابيك،كل ما أعرفه عنهم أنهم أعلى رتبة منّا أو على الأقل بمستوى ملازم أول فما فوق.بقينا خارج المنزل لمدة ساعة ، بدأت النساء يصرخن والرجال خلف الأبواب،طرأ على ذهني حينها أن الإرهابيين نحن الجنود الأمريكان،إننا نرهب العراقيين....نرعبهم...نضربهم.....ندمر منازلهم....ربما نغتصبهم،ويتساءل من يلومهم على رغبتهم بقتلنا وقتل كل الأمريكيين؟!.....
هنا أعود للحديث الأسبوعي للرئيس السابق في قوله:"كان قرارنا صائباً،وأن العراق أصبح بعد الغزو وبفضله مثالا ًللشرق الأوسط....أي مثلٍ عنّاه ذلك المجرم؟!...وهو ذاته قد عَيّن كارين هيوز مبعوثة له،وكان المطلوب منها معرفة الجواب على السؤال لماذا يكرهوننا؟!...وأن تسعى لتحسين صورة أمريكا في الأقطار العربية،لكن عمر مهمتها لم يطل فغابت وغابت معها الأسئلة،فالأجوبة على الكره متجذرة في قلب كل عربي مؤمن بالله ووطنه0000، وحتى الأطفال يدخل الكره في شرايينهم وهم يرون الصور البشعة لأبناء ملتهم وإخوتهم على شاشات التلفاز.
وأعود ثانية إلى الدكتور عبد الوهاب حميد لينعش الأمل , كل الأمل في الصدور الناسكة العابدة لله وللوطن،وينقل مقالا ًلكاتبة تقول : بالأمس قبل وت قصير، قال متحدث باسم المقاومة العراقية في مقابلة على قناة الجزيرة، بعبارات بسيطة جداً:"لا نعتقد بالعملية السياسية , والانتخابات في ظل الاحتلال بالنسبة لنا، كمثل"كشك"سياسي في إشارة إلى عقلية هكذا بائع،وهناك من يقدمون أنفسهم على أساس أنهم مقاومة،وبالمقابل انضموا إلى العملية السياسية مرّة تلو المرّة.إنهم ليسوا من المقاومة...المقاومة الحقيقية القائمة هي أننا جميعاً وحدنا في الساحة بدون دعم خارجي،بدون تمويل خارجي،وبدون تسليح خارجي،وهناك تعتيم يمارس ضدنا".
والنتيجة المستخلصة أن طرفين متناقضين التناقض كله، الأول محتل ويمارس التدمير بكل صنوفه....السرقة....النهب....القتل....التهجير....ومحاولات الإذلال، والاغتصاب،بل وكل المنكرات غير الإنسانية والثاني هذا الشعب العريق بحضارته القديمة وبأصالة عروبته،شعب يقاوم كل أنواع التحديات في وجه الدولة العظمى وحلفائها مقابل أن يسترد كرامته عبر تشريع استرداد الكرامة الإنسانية،والعمل على تعميق جذورها.
قلنا في البداية:نحن أمام مواقف ثلاثة:المقاومة-الصمت-الاستجابة للإملاءات.
ويبدو لي أن الأمة العربية بكاملها اختارت المقاومة بمعزل عن بعض أنظمتها الرسمية التي اختارت الصمت وبعضها غرق في تنفيذ الأوامر فكانت إشرافات تاريخنا المعاصر في العراق ولبنان،وفلسطين،وفي الصومال.
إنه الصراع بين الحق والقيم وبين الباطل والرجس والنذالة...حتى الحقارة،وهكذا فالهدف الأول الأساسي في حياتنا دعم المقاومة والمقاومين العرب متمسكين بمعتقدنا الديني ضد الذين يناصبونه العداء .
محمد علي الحلبي
|