(هذه المقالة مُهداة لإدوارد سعيد ودانيال بارنبويم)
حازم خيري
"لا يمكن أن تكون الحياة تحت سيطرة تحريم ومنع
الفكر النقدي والتجربة التحررية. الأولوية يجب أن
تكون لهذين المفهومين. لا يمكن للجهل والتجنب ـ
للذات اليهودية ـ أن يكونا دليلاً كافياً للحاضر"
إدوارد سعيد
لاشك أن أبناء الحضارات المختلفة لم يستفيدوا بنفس المقدار من الزمن الماضي الذي كان لبعضهم ـ ومنهم أبناء ثقافتنا العربية الاسلامية(1) ـ، زمناً ضائعاً، وكان لبعضهم الآخر زمناً حافلاً بالتطور المعرفي. وهكذا نصل إلى التمييز بين نوعين من التاريخ: تاريخ تقدمي اكتسابي، يجمع الفكر النقدي والتجربة التحررية ليبني صروحاً معرفية، وتاريخ آخر، ربما كان نشيطاً بنفس المقدار، وانما يعوزه النقد، وتعوزه التجربة التحررية التي هي من حظ الأول!
فكل ابداع بدلاً من أن يُضاف الى الابداعات السابقة ويُغنيها، يذوب في ميعان لا يقوى قط على الاحادة عن الاتجاه المناهض للفكر النقدي والتحررية!
"الصلاح والحكمة، قد ولدتا حرتين، ولكنهما مقيدتان بالسلاسل في كل مكان(*)، وذلك بحسب فكرنا الأنسني(2)! بيد أن الفرصة تظل سانحة ـ عند كل لحظة في التاريخ ـ، أمام عشاق للحرية، للذود بشرف عن حرية العقول والقلوب!
صحيح انه ليس أمام هؤلاء من شيء مادي يكسبونه لأنفسهم، غير أن الفرصة سانحة أمامهم لكسر أغلال الاغتراب الثقافي(3)! وتأكيد حق البشر جميعاً في نُشدان الحقيقة، على طريقتهم، احتراماً لطبيعتهم وكرامتهم الانسانية، واحتراماً لما فيهم من ينابيع عقلية ووجدانية حية، تجعلهم، قادرين على الاشتغال بنشدان الحقيقة! فهنالك، بمعنى ما، حكمة في لجوء الإنسان إلى الجهل، إذا ما عنينا به جهل محبي الحقيقة، لا جهل من يرسفون في أغلال الاغتراب الثقافي المُهين!
ولشد ما تزداد قناعتي، يوماً بعد يوم، بأن الكبار والمؤثرين من واضعي النظريات ـ من أمثال أبي العلاء المعري وماركس وانجلز وفرويد وفولتير وغاندي ورينان وطه حسين وفرانز فانون واقبال أحمد وإدوارد سعيد ـ، لا يحققون أثرهم القوي بفضل التكامل المنطقي لنظرياتهم، وانما لأنهم يملئون فراغاً يحس به الظامئون للحرية لاشعورياً، يملئونه بقوة عاطفتهم الأخلاقية والحاحها!
العرفان بالجميل هو أجمل ضروب اللياقة! والشعوب ـ خاصة المتخلفة ـ لا تعرف الجميل، بل نراها تُصعب الحياة على رجالاتها العظام! تتمتع بمشاهدتهم يجاهدون ضراوة الوحدة والعوز! تتركهم فريسة لأعداء الحرية وباعة الأوهام!
على أية حال، لنفترض أن الجنس البشري قُدر له أن يظل في ضيافة الأرض لأجيال أخرى قادمة، وأنه لن يفنى قريباً كما يُروج محترفو التبرير الديني وفلاسفة الضِرار، ولنتصور أن أحفادنا ـ نحن معشر العرب ـ بعد ثلاثة أو أربعة أجيال من الآن، قد أقاموا معرضاً باسم: "أجيال عصر الاستقلال السلبي"!
نعم..مما لاشك فيه أنهم سيسموننا: "أجيال عصر الاستقلال السلبي"!!
إن هذا المعرض الذى أتصوره الآن سيسخر منا، وسيعبر به أحفادنا عن حنقهم نحونا، نحن الأجيال التى تنازلت عن حقها في امتلاك ثقافة حرة ومتطورة، وأحجمت عن تعرية آخرية عربية/محلية (ربما تكون الأكثر تضليلاً وتغلغلاً في الذات المغتربة على مر التاريخ)، لا تدخر جهداً في تكريس اغترابنا الثقافي وتخلفنا، وتعمد في جرأة (مُستفزة) للتواطؤ مع الآخريتين العالمية والاقليمية(4)!
من هنا، تهدف هذه المقالة إلى لفت الانتباه لما أتصوره عاراً، ستُعيرنا به الأجيال القادمة للأسف الشديد، أقصد الاستقلال السلبي لعالمنا العربي، والاغتراب الثقافي للذات العربية، والآخرية العربية/المحلية المُربكة. غير أني سأسعى جاهداً لبلوغ هدفي عبر تشريح مأساة الاتجار بالذات الفلسطينية، باعتبارها دليل إدانة لنا، نحن أجيال عصر الاستقلال السلبي، والذى تزامن ميلاده مع رحيل الأوروبيين!
بواكير التاريخ:
قامت في أرض فلسطين واحدة من أقدم المدنيات. وقبل قرون من الهجرة الأولى للقبائل العبرية إلى المنطقة، وُلدت في فلسطين حضارة متميزة. وفي هذه الفترة، على حد ما هو معلوم، بُنيت في فلسطين أقدم قرى ثابتة في العالم، وكانت فلسطين أيضاً مهد الحياة الحضرية، فهي المكان الوحيد في العالم الذي تقوم فيه مدينة يرجع تاريخها إلى تسعة آلاف سنة! إنها أريحا أقدم مدينة في العالم(5)!
وفي نهاية القرن السابع الميلادي غلبت على فلسطين الصبغة العربية الإسلامية، وسرعان ما أصبحت معروفة في العالم الإسلامي كله، حدود فلسطين وخصائصها، ومن ذلك اسمها العربي ـ فلسطين ـ، كما اشتهرت بخصوبتها وأهميتها الدينية. وفي أواخر القرن العاشر، كانت فلسطين هي أقصى مناطق سورية غرباً، واستغرق قطعها، من أقصى طول لها من رفح إلى حدود اللجون، يومي سفر للراكب، ووقتاً مماثلاً لقطع المنطقة عرضاً من يافا إلى أريحا والزور وبلد قوم لوط وجبال الروم والشراه وحتى ايلاط. الجبال والشراه كانتا ولايتان منفصلتان ولكنهما متجاورتان، داخلة جميعها في فلسطين وخاضعة لحكومتها.
وفي سنة 1516، أصبحت فلسطين ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية، واحتفظت على مدى الأعوام بخصوبتها، وكذلك بطابعها العربي الإسلامي..
وعلى الرغم من انتظام وصول المستوطنين اليهود إلى فلسطين بعد سنة 1882، لم تكن في فلسطين ـ وحتى الأسابيع القليلة التي سبقت مباشرة قيام دولة إسرائيل في ربيع 1948 ـ حقيقة أشد وضوحاً من كون العرب هم الأغلبية الكبرى. فمثلاً في سنة 1946، بلغ عدد اليهود 608225 نسمة، بينما بلغ مجموع سكان فلسطين 1912112 نسمة، تكلم معظمهم العربية، وعدوا أنفسهم عرباً!..
المُفزع ـ حقاً ـ هو أنه جرى تفكيك المجتمع الفلسطيني وتشتيته. وحتى الحقيقة التاريخية للوجود الفلسطيني السابق بوصفه كياناً، وللفلسطينيين بوصفهم شعباً، تعرضت للتساؤل، وصُورت على أنها ظاهرة تشوب الشكوك أصالتها! الأستاذة جانيت أبو لغد وصفت تفرد المأساة الفلسطينية، وحداثة عهدها، بقولها:
"فيما عدا إفناء التسمانيين، لا يعرف التاريخ حالات تم فيها الاقتلاع العملي الكامل للسكان الأصليين للبلد من قبل جماعة أجنبية خلال مدة لا تتجاوز جيلين اثنين. ومع ذلك فإن هذا بالضبط ما كان يُنفذ في فلسطين منذ أول القرن الـ20"!
العوامل المؤهلة للاتجار بالذات الفلسطينية:
ثمة محددات عديدة، تُهيئ الأجواء المواتية، وتُغري بالاتجار بالآلام الفلسطينية، على نحو فريد! وفي هذه الجزئية، أعمد إلى تعهد هذه المحددات بالرصد والتحليل، على أمل تبصير الذات الفلسطينية الكسيرة بطريق الخلاص!
على الصعيد الغربي/العالمي:
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] التعاطف الغربي مع معاناة اليهود: يظل التعاطف الغربي مع معاناة اليهود أحد أبرز العوامل المؤهلة للاتجار بالذات الفلسطينية، منذ بدء توطين اليهود في فلسطين، ومروراً بإقامة دولة إسرائيل، وإنتهاء بالدعم الغربي المُزمن والتحريضي للآخرية اليهودية (والتى تُشكل النخبة الحاكمة في إسرائيل حجر الزاوية في هيكلها)! ولسوف أعضد قناعتي هذه باقتباس من خطاب لآرثر بلفور، في مجلس اللوردات البريطاني عام 1922، عمد فيه إلى تبرير وعد حكومة بلاده، في نوفمبر 1917، للشعب اليهودي بتأسيس وطن قومي له في فلسطين(6):
"..أقول انهم ـ يقصد اليهود ـ يتفردون في أوضاعهم وتاريخهم وعلاقتهم بالديانات والسياسات العالمية فليس لهم نظير في ذلك، بل ليس ثمة ما يشابههم في ذلك في أي فرع آخر من فروع التاريخ الانساني. فهناك جنس بشري صغير العدد كان يعيش في البداية في بلاد صغيرة لا تزيد في مساحتها على مساحة ويلز أو بلجيكا، بل انها تضاهيهما في المساحة، ولم تكن لهذا الشعب في أي وقت من تاريخه قوة مادية وإنما كان يُسحق دائماً بين ممالك شرقية عظيمة، وكان أبناؤه يُبعدون ويُشردون ثم يُطردون من البلاد ليتبددوا في سائر أرجاء العالم، محتفظين رغم ذلك بدينهم وتقاليدهم العنصرية التى لا مثيل لها في أى مكان آخر.
"ولاريب في أن هذا وحده في غاية الأهمية، وعلينا أن نفكر، ولعل هذا التفكير لايطيب لنا، وإن كنا لانستطيع النسيان، بما عومل به هذا الشعب طيلة قرون طويلة في أرجاء مختلفة من العالم، بل أن هذه المعاملة التي أتحدث عنها مازالت ماثلة حتى هذه اللحظة التي أتحدث إليكم فيها.
"أجل..فكروا، كيف تعرض هذا الشعب للطغيان والاضطهاد، وكيف أن حضارة أوروبا كلها، بل نظامها الديني كله، كانا مسؤولين عن الجرائم الفظيعة التي لحقت بهذا الشعب. وأنا لا أنكر أن بعض أفراد هذا الشعب قد سببوا بتصرفاتهم السيئة مثل هذه المعاملة. إذ لا أدري سبباً آخر لذلك. ولكن لو أكدنا هذه الناحية فإن علينا أن لا ننسى في الوقت نفسه ما قدمه هذا الشعب من إسهام فكري وفني وفلسفي وعلمي في تطوير العالم.."!
[2] الحاجة لحماية المصالح الغربية في المنطقة: الآخرية الغربية/العالمية في حاجة لحليف إستراتيجي موثوق به في المنطقة، يكون صديقاً دائماً للمصالح الغربية، ومنها النفط والممرات والأسواق والاستثمارات والقواعد العسكرية..إلخ.
النخب الحاكمة في إسرائيل، وبحسب القناعة الغربية، تظل الأنسب والأقدر على لعب هذا الدور! وهو ما أكدت عليه صراحة التواصي العاجلة التى قدمها مؤتمر لندن الاستعماري عام 1907 لرئيس الوزراء البريطاني كامبل بنرمان، إذ أكد المؤتمرون(7): "ان إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة".
[3] الحاجة لتخويف الآخرية العربية غير الموثوق بها: وجود الآخرية العربية/المحلية أمر حتمي ـ من وجهة نظر الآخرية الغربية بطبيعة الحال ـ لتكريس إغتراب الذات العربية ثقافياً، ومن ثم تكريس تخلفها وضعفها، لئلا تنشأ دولة إسلامية فتية في المنطقة، تُعيد تهديد الحضارة الغربية(8)! فلطالما أجج الآخر الإسلامي نيران غزو الغرب، وسماه فتحاً مُبيناً! فى حين أنه لم يكن سوى توسع مألوف من دولة فتية ناهضة! خطيئة الآخر الإسلامي أن غلفه برقائق دينية!
وجود الآخرية العربية/المحلية إذن أمر حتمي، غير أنها بالتأكيد لا يوثق بها، وكيف تثق الآخرية الغربية/العالمية بها وهي تتآمر على أبناء ثقافتها العربية الإسلامية، وتعمد إلى تكريس إغترابهم وتخلفهم، على نحو جبان وغير إنساني(9)! ثمة حاجة غربية إذن للآخرية اليهودية، لتخويف وتأديب الآخرية العربية/المحلية (والتى تُشكل النخب العربية الحاكمة حجر الزاوية في هيكلها)، حين يُداعبها الغرور، وتتمرد على الدور المُعد لها سلفاً والمطلوب منها لعبه وعدم تجاوزه(10)!
على الصعيد اليهودي:
ــــــــــــــــــــــ
[1] إدراك الآخرية اليهودية لإمكانية ابتزاز الضمير الغربي، واستثمار تعاطفه مع معاناة الشعب اليهودي، وحرصه على تأكيد عدم معاداة السامية(11)، حتى لو جاء ذلك على حساب تشريد وتشتيت وتجويع الذات الفلسطينية الكسيرة!
[2] إدراك الآخرية اليهودية لإمكانية الزعم بمحاكاة البروميثية الغربية، فالغرب يحلو له دوماً أن يرى نفسه بروميثياً(12)، نسبة إلى الإله اليوناني بروميثيوس الذى سرق نار المعرفة من الآلهة ليعطيها إلى البشر! وهو ما يُغري الآخرية اليهودية الوافدة من الغرب بالزعم بأنها مُساهمة في نفس المهام السامية، ألا وهي تقديم التنوير للمتخلفين في المنطقة عموماً، وفي فلسطين بصفة خاصة!
ولنتذكر هذه العبارة المنسوبة إلى الروائي الانجليزي اليهودي اسرائيل زانجويل، والتى تشكك فيها لاحقاً! كتب زانجويل في مقالة منشورة في سنة 1901، يقول(13): "إن فلسطين بلد بلا ناس، واليهود ناس بلا بلد. إن إعادة إحياء الأرض ستؤدي إلى إعادة إحياء الناس"! قول مُرعب في تعاليه، يُراد به الباطل!
[3] إدراك الآخرية اليهودية لحاجة الآخرية الغربية/العالمية الدائمة لحليف إستراتيجي موثوق به في المنطقة(14)، يكون صديقاً للمصالح الغربية، ومؤدباً للآخرية العربية/المحلية، حين يُداعبها الغرور، وتتمرد على الدور المُعد لها سلفاً والمطلوب منها لعبه وعدم تجاوزه! وهو ما أغرى الآخرية اليهودية بتقديم نفسها كحليف موثوق به، في مواجهة آخرية عربية/محلية، تخدع وتُتاجر بأبناء ثقافتها!
[4] إدراك الآخرية اليهودية لامكانية توظيف واستثمار الوجود الدائم للآخرية العربية/المحلية، في: 1ـ تكريس إغتراب الذات العربية (خاصة الفلسطينية) ثقافياً، ومن ثم إدامة تخلفها وضعفها في مواجهة الآخرية اليهودية. 2ـ الدخول في شراكة (تجارة آلام) مُربحة وغير معلنة مع نسخ الآخرية العربية/المحلية، خاصة في الدول المجاورة لدولة إسرائيل. 3ـ تبرير مُُناهضة الآخرية اليهودية لحق الذات الاسرائيلية في التعايش الآمن مع الذات العربية (خاصة الفلسطينية)، عبر خلط الأوراق، وإيهام الذات الاسرائيلية بوقوف الذات العربية مع الآخر العربي في نفس الخندق، وتلاحمها معه وادراكها لآخريته(15)!
وفي هذا الصدد أود لفت الانتباه لأمرين: الأول، هو التطابق في علاقة الآخريتين اليهودية والغربية بالذات اليهودية والغربية! فالآخرية (يهودية كانت أم غربية) تُفرط في إحترام أبناء ثقافتها (الذات) على نحو مُدهش ومُستفز! فلا تجرؤ على تكريس تخلفهم، على نحو ما تفعل معنا، نحن أبناء الثقافة العربية الإسلامية، حين تتآمر مع الآخرية العربية/المحلية، لتكريس اغترابنا ثقافياً، ومن ثم تخلفنا!
الأمر الثاني الذى أود التنبيه إليه، هو إمكانية تفسير الاحترام الغربي للشعب اليهودي ـ آخريته وذاته ـ، في وقت تفتقد أمتنا العربية ـ آخريتها وذاتها ـ مثل هذا الاحترام! أغلب الظن أن الاحترام الغربي للشعب اليهودي مرجعه محاكاة الآخرية اليهودية للآخرية الغربية، في عدم متاجرتها بأبناء ثقافتها! في وقت تستعر فيه نيران متاجرة الآخريتين، اليهودية والغربية، بأبناء ثقافات أخرى!
أما عدم الاحترام الغربي للأمة العربية، فمرجعه في رأيي، هو تواطؤ الآخرية العربية/ المحلية مع الآخريتين الغربية واليهودية في تكريس تخلف أبناء الثقافة العربية الإسلامية والمُتاجرة بآلامهم! وكذا تعويل الذات العربية على الآخرية العربية/المحلية في خلاصها! ولنتذكر حديث سارتر ـ وهو أحد أبرز المفكرين الغربيين ـ عن احتقاره الشديد لضحية تُدافع عن جلادها وتموت دونه!
على الصعيد العربي:
ــــــــــــــــــــــ
[1] إدراك الآخرية العربية/المحلية لامكانية تعزيز فرص المناورة مع الآخرية الغربية، فهي تدري دورها جيداً، ومن ثم تستشعر الاحتقار الغربي لها! فنراها تُبادل الآخرية الغربية حذراً بحذر، وتعمد لتعزيز فرصها في المُزايدة والمناورة(16)! آلام الذات الفلسطينية أحد أهم المُغريات التى تمتلكها الآخرية العربية، في علاقتها مع الآخرية الغربية، فهي بضاعة تجد دائماً من يشتريها..
[2] إدراك الآخرية العربية/المحلية لامكانية توظيف واستثمار الوجود الدائم للآخرية اليهودية، في: 1ـ تبرير حرمان الذات العربية (خاصة الفلسطينية) من الفكر النقدي والتحررية، وبالتالي تكريس عجزها عن تعرية الآخرية العربية/المحلية وتجريدها من مكاسبها(17). 2ـ الدخول في شراكة (تجارة آلام) مُربحة وغير معلنة مع الآخرية اليهودية، ومن ذلك تورط نُسخ الآخرية العربية في تعميق آلام الذات العربية(18)! 3ـ تبرير مُُناهضة الآخرية العربية لحق شعوبنا في التعايش الآمن مع الذات اليهودية، فنُسخ الآخرية العربية لا تمل إيهام الذات العربية المُعذبة أن الذات اليهودية والآخر اليهودي وجهان لعملة واحدة(19)!
قارئي الكريم، تلك كانت أهم وأبرز العوامل المؤهلة للاتجار بالذات الفلسطينية، أردت بطرحها التمهيد لحديثي التالي عن مظاهر هذا الاتجار الآثم..
مظاهر الاتجار بالذات الفلسطينية:
بداية، وقبل البدء في رصد بعض مظاهر اتجار الآخر بالذات الفلسطينية، أقرر صراحة وبلا مواربة، قناعتى كأنسني، بعدم وجود فرق جوهري بين الآخرية الغربية واليهودية والعربية، وإن ظلت الأخيرة هي الأحقر والأكثر إثارة للقرف، لا لشيء، وانما لانتهاكها تقليداً حياتياً راسخاً، يتمثل في العُرف القاضي بوجوب احترام القرابة الحضارية والثقافية! فقد اصطُلح حياتياً ـ وهو ما نناهضه بطبيعة الحال كأنسنيين ـ على شيوع تفهم تآمر آخرية بعينها على أبناء حضارة بعينها، بيد أن الرفض والاحتقار كانا دائماً من نصيب الآخرية المحلية التى تعمد للتآمر على أبناء حضارتها وثقافتها! وهو ما قد يُفسر لنا تفهم الذات الغربية لسلوك الآخرية الغربية تجاهنا، واستمراء تلك الذات لدور الحسناء النائمة في الغابة(20)!
من هنا، أستخدم في هذه الجزئية، كلمة "الآخر" للاشارة لكافة نسخ الآخر، عربية كانت أم يهودية أم غربية أم...إلخ! فلا فرق في رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني بين آخر وآخر! الآخر اليهودي قد يفضل نظيره العربي، لسهولة تعريته، وإمكانية تنبيه الذات العربية المتخلفة لخطورته، دون أن تفزع ويُصيبها الدوار!
أولاً: أسرى الذات الفلسطينية في سجون الآخر: المُراقب لمأساة الاتجار بالذات الفلسطينية المُغتربة، يلاحظ تناثر أسراها في المعتقلات الاسرائيلية والفتحاوية والحمساوية ومعتقلات عربية أخرى، لا أملك عنها سوى أقوال مُرسلة!
لن أتطرق هنا للحديث عن أسرى الذات الفلسطينية الكسيرة في المعتقلات الاسرائيلية! فالآخرية العربية (خاصة الفلسطينية) تنهض بهذه المهمة ـ وربما تكون هذه حسنتها الوحيدة في حق الذات الفلسطينية ـ، لكون ذلك يصب في مصلحتها، ويساهم في خلط الأوراق وتضليل وارباك الذات العربية والفلسطينية!
ما يتجاهله الكثيرون، وأود أن ألفت الانتباه لدلالته المهمة وتداعياته الكارثية، هو أسرى الذات الفلسطينية في سجون الآخر الفلسطيني (الفتحاوي والحمساوي)! أذكر أنني تعجبت كثيراً، وكنت ساعتها أجاهد اغترابي، عندما قرأت حديثاً لإدوارد سعيد(21)، يؤكد فيه أنه ما إن دخل ياسر عرفات إلى غزة، حتى جاءت التقارير تؤكد أن خمسة أو ستة ـ إن لم يكن سبعة ـ أجهزة مخابراتية، لابد وأن بعضها على صلة بجهازي الشين بيت والموساد الإسرائيليين، يقدمون تقاريرهم إليه، وأن بعض المواطنين الفلسطينيين قد لقوا حتفهم أثناء التعذيب، وأنه تم إغلاق بعض الصحف، وأن معارضي عرفات يُضيق عليهم!
طبقاً لادوارد سعيد، أضاف اختيار عرفات للرجال الذين تم تعيينهم في مواقع السلطة الوطنية آنذاك، مزيداً من الملح إلى الجرح الفلسطيني. فالمسئول الأول عن الأمن والمخابرات، هو نفسه سفير المنظمة في تونس، والذي أصبح معلوماً لاحقاً أن مكاتبه ومقاراته هناك كانت مخترقة بواسطة جهاز المخابرات الإسرائيلية. والقائد العسكري لأريحا هو نفسه ذلك الرجل الذي قضت المحكمة العسكرية بإدانته بتهم الهروب من الميدان والجبن، وذلك عندما فر من جنوب لبنان إبان الغزو الإسرائيلي عام 1982. هذا في الوقت الذي توالت فيه الأنباء عن الفساد، وتكاثر النصابون القادمون من أنحاء العالم للاستفادة من هذا الأمر!
ثانياً: تورط الآخر في هدر دم الذات الفلسطينية: لن أتطرق هنا للحديث عن التطهير الدموي المنهجي الذى يمارسة الآخر اليهودي الآثم، بدم بارد، في حق الذات الفلسطينية، فالآخرية العربية (خاصة الفلسطينية) تنهض بهذه المهمة ـ وربما تكون هذه حسنتها الوحيدة في حق الذات الفلسطينية كما ذكرت آنفاً ـ.
سأكتفي بتوضيح مدى خطورة ممارسات الآخر العربي (الفلسطيني وغير الفلسطيني) في حق الذات الفلسطينية، وهو ما دأب الراحل ياسر عرفات ـ على الحديث عنه فقط عند تبرم نخبته الفلسطينية الفتحاوية، وتلاسنها العلني مع بقية النخب العربية الحاكمة ـ، ففي حديث له مع صحيفة الرأي العام الكويتية، إبان زيارته للكويت خلال الفترة من 23 ـ 25 / 4 / 1985، أنحى عرفات باللوم والتقريع على ممارسات النخب العربية الحاكمة تجاه نخبته وشعبه، بقوله(22):
"..بصراحة مشكلتنا مع بعض العرب ـ يقصد النخب العربية الحاكمة ـ أسوأ مما هي مع إسرائيل..ولقد خسرنا من خلال ضربات الأشقاء أضعاف مما خسرناه في مواجهتنا مع العدو الصهيوني..كم أتمنى أن يكون شعار تحرير فلسطين حقيقيا وليس سلعة للمناورة والتجارة. ألا يكفى أنهم يمنعوننا من الموت فوق أرضنا..وصرنا نعانى أسوأ مشكلة عرفها البشر في تاريخهم..الفلسطيني صار يفتش حتى عن قبر ليدفن فيه، وكم من جثمان ينتقل من بلد إلى آخر!!.. نعيش بلا أرض..وبلا قبر..أليست هي المأساة!!..أليست هي الكارثة، أن بعض الجنود العرب يحمى حدود العدو ويستميت بالدفاع عنها، أكثر من الجندي الإسرائيلي نفسه؟؟..حين تصبح الكرامة أهم من النظام، حين يصبح الحق المسلوب أهم من الكرسي، نكون قد بدأنا فعلاً في مسيرة تحرير فلسطين".
حديث عرفات كلمة حق أراد بها الرجل باطلاً! الحديث كلمة حق لأن هناك ما يعضد القول بمسئولية الآخرية العربية عن الاراقة المباشرة للدم الفلسطيني، ولنذكر معاً خطيئة الآخرية الأردنية في أيلول الأسود(23)! بيد أن كلمة عرفات لم تأت دفاعاً عن دم الذات الفسطينية، لعدم اتساقها مع ما عُرف به صاحبها من مُزايدة واستهانة بالدم الفلسطيني المُناهض لهيمنة نخبته الفتحاوية!
الطريف، هو أن النخبة الحمساوية، وقد نجحت يوماً في استمالة مواطنيها عبر تعريتها لاستهانة النخبة الفتحاوية بالدم الفلسطيني المُناهض لهيمنتها، لا تتورع اليوم عن اقتراف الخطيئة نفسها، في حق الدم الفلسطيني المُناهض لها!
ثالثاً: إحكام الآخر للحصار على الذات الفلسطينية: أبواق الآخرية العربية، خاصة في الدول العربية الملاصقة لفلسطين، دأبت على الصراخ والتباكي على الحصار والتجويع اليهودي الوحشي لاخوة لنا في أرض فلسطين!
حتى أن أجيالاً يُعتد بها من الساسة والاعلاميين والمفكرين والفنانين وغيرهم، بنوا ريادتهم وصيتهم على هذا التباكي! المدهش هو أن أبناء ثقافتنا العربية لم يساورهم الشك يوماً، في مصداقية هؤلاء الرواد وصرخاتهم! والأكثر إثارة للدهشة هو عدم تعرض مصداقية هؤلاء الرواد لاختبارات حقيقية، ربما بفضل الوجود اليهودي المباشر في فلسطين، ومحدودية الانفتاح المعلوماتي!
بيد أنه، ولسوء حظ النخب العربية القائمة (والتى تُشكل كما أسلفنا حجر الزاوية في هيكل الآخر العربي)، يختلف الأمر كثيراً في أيامنا هذه، فالتعتيم الاعلامي التقليدي الذى لطالما اكتوى أبناء ثقافتنا بناره، لم يعد خياراً مطروحاً!
تأكدت لى هذه القناعة بقوة، وأنا أشاهد على شاشة التليفزيون الوطني في بلادي، مقدمي البرامج وضيوفهم المُتعارف عليهم في مثل هذه المناسبات، يتلعثمون ويرتجلون، في سعيهم المضحك والمبك في الآن ذاته، لاقناعنا بسلامة موقف النخبة المصرية الحاكمة، في تعاطيها مع الحصار الخانق على غزة..
ما يهمنى هنا هو التاكيد على زيف دعاوي الخطاب المُعلن للآخرية المصرية! وليس لجاهل أن يظن أني أستثني النخبة الحاكمة في بلاده من حديثي، فالنخب الأردنية والسورية تقتل الفلسطيني أو تعتقله إن تسلل لحدودها!
حديثي عن تعاطي نخبة عربية بعينها مع الحصار الخانق على قطاع غزة، إنما يأتي فقط استجابة لشروع النخبة المصرية في بناء جدار فولاذي قاس وظالم، وكذا حرصها على استرضاء نخبة إسرائيلية، يُناط بها تأديب نسخ الآخر العربي إن هى تمردت! ولتعلم، قارئي الكريم، أن انخراط نسخ الآخر العربي في التمكين للحصار على غزة، يُعضد زعمنا باتجارها في الآلام الفلسطينية!
جفف المستنقع فلا يبقى هناك بعوض!
والآن، أما وقد انتهيت من تشريح مأساة الاتجار بالذات الفلسطينية، باعتبارها دليل إدانة لنا، نحن أجيال عصر الاستقلال السلبي، والذى تزامن ميلاده مع انتهاء الوجود الأوروبي المباشر في عالمنا العربي! أتمنى أن أكون قد أحرزت تقدماً، ولو ضئيلاً، على طريق لفت الانتباه لما أتصوره عاراً، ستُعيرنا به الأجيال القادمة، أقصد استقلالنا السلبي، والآخرية العربية، واغتراب الذات العربية ثقافياً!
"نحن شعوب متخلفة، وهنا يكمن خلاصنا!"، مقولة رائعة للراحل لينين، أراني أفدت منها كثيراً أنا كاتب هذه السطور! فلولا اغراق أمتى الكسيرة في التخلف، ما هُتك أمامي ستر الآخرية العربية/المحلية، ولظللت كغيري أضرب في تيه الاغتراب الثقافي على غير هدى! ولظللت جاهلاً بأبي العلاء وفرانز فانون وإقبال أحمد وإدوارد سعيد وغيرهم من رواد فكرنا الأنسني، في شتى الأنحاء..
أبهرني كثيراً وصف شابة كردية يانعة للحياة بأنها "وقفة عز!"، وأدركت مدى جناية الآخرية العربية/المحلية الآثمة على بناتنا، شكلاً ومضموناً! فالحفيدة في بلادي تتفوق كثيراً على جدتها في مناهضة الفكر النقدي والتجربة التحررية! وهو ما يشي، للأسف الشديد، بتواضع حظوظ الفكر الأنسني في ربوعنا الحائرة!
قارئي الكريم، إن الأعمال العظيمة في حياتنا، نحن معشر البشر، لا يمكن أن تُنجز إلا في أجواء تخضع لأحكام القيم الانسانية! لأنها إنما تتم بمعرفة أولئك الذين تتعرض حكمتهم دائماً لتحدي النقد! والوحدة التلقائية بين الأحرار، بشراً وأمماً، إنما تكون في النهاية أرسخ بنياناً من تشكيلات الضغط والارهاب ذات النسق الواحد. وعلى مر الأيام لا يمكن أن يكون ثمة حكمة دون أن تتهياً فرصة الخلاف في الرأي، أو تقدم دون تنوع، واختلاف أو عظمة دون اضطلاع بمسئولية الحياة. ولسوف يظل الأمل في الخلاص قائماً، مهما توحشت الآخرية..
بعوض الآخرية العربية/المحلية يسكن مستنقع الاغتراب الثقافي، فلنجففه!
الهوامش:
ــــــــــ
(1) لا يختلف مفهوم الحضارة عن نظيره الخاص بالثقافة كثيرا، فكلاهما يشير إلى طريقة حياة شعب معين، غير أن الحضارة هي الكيان الثقافي الأوسع، أو بمعنى آخر هي أعلى تجمع ثقافي من البشر وأعرض مستوى من الهوية الثقافية يمكن أن يميز الإنسان عن الأنواع الأخرى. وهى تعرف بكل من العناصر الموضوعية العامة مثل اللغة، والتاريخ، والدين، والعادات، والمؤسسات، والتحقق الذاتي للبشر. وهناك مستويات للهوية لدى البشر، فساكن القاهرة قد يعرف نفسه بدرجات مختلفة من الاتساع: مصري، عربي، مسلم. والحضارة التي ينتمي إليها هي أعرض مستوى من التعريف يمكن أن يعرف به نفسه، أي أنها "نحن" الكبرى التي نشعر ثقافيا بداخلها أننا في بيتنا، في مقابل "هم" عند الآخرين خارجنا. وقد تضم الحضارات عددا كبيرا من البشر مثل الحضارة الصينية، أو عددا قليلا مثل الكاريبي الأنجلوفوني. وعلى مدى التاريخ وجدت جماعات صغيرة كثيرة ذات ثقافات مائزة وتفتقر إلى معين ثقافي أوسع لهويتها. وكانت الفروق تتحدد حسب الحجم والأهمية بين الحضارات الرئيسية والفرعية أو بين الحضارات الرئيسية والحضارات الجهيضة. وطبقا لهنتنجتون تتمثل الحضارات الرئيسية المعاصرة في الصينية، واليابانية، والهندية، والإسلامية، والغربية، والروسية الأرثوذوكسية، والأمريكية اللاتينية، فضلا عن الأفريقية. إلا أن الباحثين وإن اتفقوا بشكل عام في تحديدهم للحضارات الرئيسية في التاريخ وتلك الموجودة في العالم الحديث، فإنهم غالبا ما يختلفون على إجمالي الحضارات التي وُجدت في التاريخ. لمزيد من المعلومات راجع: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، صدام الحضارات ـ إعادة صنع النظام العالمي، (القاهرة: سطور، 1998)، ص 67 ـ 80.
(2) المقصود بالفكر الأنسني هنا رؤيتي المقترحة له، وفيها لا تعني الأنسنية سوى أن يُحقق الإنسان، أي إنسان، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية..إلخ، أكبر قدر ممكن من التطابق بين أقواله وأفعاله، شريطة انطواء تلك الأقوال والأفعال على تثمين لقول الأنسنية بالإنسان كأعلى قيمة في الوجود، وهدفها الماثل في التمحيص النقدي للأشياء بما هي نتاج للعمل البشري وللطاقات البشرية، تحسباً لسوء القراءة وسوء التأويل البشريين للماضي الجمعي كما للحاضر الجمعي. وكذا شريطة وقوعها في إطار الخصائص العامة للأنسنية والتى تتمثل فيما يلي: 1ـ معيار التقويم هو الإنسان. 2ـ الإشادة بالعقل ورد التطور إلى ثورته الدائمة. 3ـ تثمين الطبيعة والتعاطي المتحضر معها. 4ـ القول بأن التقدم إنما يتم بالإنسان نفسه. 5ـ تأكيد النزعة الحسية الجمالية. للمزيد راجع للكاتب: مقالات في الفكر الأنسني، كتاب منشور على الانترنت.
(3) أعنى بالاغتراب الثقافي تنازل الإنسان عن حقه الطبيعي في امتلاك ثقافة حرة ومتطورة، إراحة لذاته وإرضاء لمجتمعه! للتعرف على هذه الظاهرة راجع للكاتب: الاغتراب الثقافي للذات العربية، (القاهرة: دار العالم الثالث، 2006).
(4) في تثمينها لقدر الإنسان في الزود بشرف عن حرية عقله وقلبه، تذهب رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني إلى القول بأن تطور التاريخ الإنساني إنما يُعد نتاجاً لصراع طويل ومرير بين إنسان (ذات) لا يملك سوى حرية عقله وقلبه التي وهبه الخالق إياها، ليستعين بها على ترويض الحياة، وبين (آخر) يُصر على الاستئثار بالحرية، ليتسنى له العبث بمقدرات رفاق الحياة! فـ (الآخر)، في رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني، عادة ما يعمد إلى آليات بعينها لتكريس تنازل أخيه (الذات) عن حقه في نقد وتطوير ثقافته، أي طريقة حياته الشاملة، ليظل هذا الأخ المسكين (الذات) تابعاً ذليلاً طيلة مقامه في ضيافة الحياة، يستهلك فقط ما يجود عليه به عقل (الآخر)، حتى أنه بمرور الزمن، يفقد هذا التابع الذليل تماماً قدرته على النقد والتطوير ويُصبح مسخاً عاجزاً، لا يملك سوى الانتظار!
(5) معلومات هذه الجزئية مُستقاة من المرجع التالي: ادوارد سعيد وابراهيم أبو لغد وجانيت أبو لغد ومحمد حلاج وإيليا زريق، الواقع الفلسطيني ـ الماضي والحاضر والمستقبل، (القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1986).
(6) راجع نص خطاب بلفور: دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وثائق فلسطين ـ مائتان وثمانون وثيقة مُختارة 1839ـ1987، (بدون بلد نشر: دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، 1987)، ص 92ـ93.
(7) راجع نص التوصية: نفس المرجع، ص 81ـ82.
(8) صامويل هنتنجتون، م.س.ذ، ص 338 – 339.
(9) راجع كتاب الاستعمار الجديد لسارتر: جان بول سارتر، ترجمة عايده وسهيل إدريس، الاستعمار الجديد، (بيروت: منشورات دار الآداب، 1964). وراجع أيضاً كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند، وهو أمريكي قضى القسم الأعظم من حياته العملية في منطقة الشرق الأوسط. شغل منصب نائب القنصل في سوريا، الا انه عاد إلى واشنطن في عام 1949 ليساعد في تنظيم وكالة المخابرات المركزية المريكية التى انشئت يومها. عمل مستشاراً أعلى لمؤسسة ضخمة مختصة في العلاقات الحكومية: مايلز كوبلاند، ترجمة مروان خير، لعبة الأمم ـ اللأخلاقية في سياسة القوة الأمريكية، (بيروت: الانترناشنال سنتر، بدون تاريخ).
(10) راجع حديث هيكل عن تسليح الآخرية الغربية للنخب الحاكمة في إسرائيل، واستخدامها هذه النخب في تخويف النخب العربية الحاكمة: محمد حسنين هيكل، نحن وأمريكا، (القاهرة: دار العصر الحديث، بدون تاريخ)، ص 39.
(11) راجع: برنارد لويس، ترجمة محمد محمود عمر، الساميون والمعادون للسامية ـ بحث في الصراع والكراهية، (بدون ناشر أو تاريخ ومكان النشر!).
(12) راجع مقالتي "الحضارة الغربية والبروميثية الغائبة"، وهي ضمن مجموعة المقالات الموجودة في كتاب: تهافت الآخر، المنشور على الانترنت.
(13) نقلاً عن المرجع التالي: برنارد لويس، م.س.ذ، 233 ـ 234.
(14) جيف هالبر، "اسرائيل: امتداد للامبراطورية الأمريكية"، في إسرائيل شاحاك وبيير تريستام وجيف هالبر، ترجمة مازن الحسيني، التنوير والأصولية، (رام الله ـ فلسطين: دار التنوير للنشر والترجمة والتوزيع، 2006)، ص 67ـ95.
(15) راجع على سبيل المثال: مئير كهانا، ترجمة غازي السعدي، شوكة في عيونكم، (عمان: دار الجليل للنشر، 1985).
(16) راجع هذا الكتاب المهم الذى يضم حصيلة بعض الحوادث والأحداث والمناقشات المهمة التي وقعت في أقل من شهرين بين نخبتين شهيرتين من النخب العربية حول قضايا فلسطينية، ابتدأت خلال الأسبوع الذى انعقد فيه مؤتمر رؤساء الحكومات العربية يوم 26 أيار 1965 في القاهرة: دار الأبحاث والنشر، مواقف الثوريين من قضايا فلسطين، (بيروت: دار الأبحاث والنشر، 1965).
(17) لنتذكر مثلاً الشعار المُغرض والمُضلل الذى رفعته النخبة المصرية الحاكمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وهو: "لاصوت يعلو فوق صوت المعركة"! شعارات مُشابهة لابد وأنها تُستخدم حتى الآن من قبل النخبة السورية!
(18) راجع على سبيل المثال: محمد مورو وأيمن نور، من قتل سليمان خاطر، (القاهرة: مطبعة اخوان مورافتلي، 1986).
(19) لاحظ احتفاء الآخرية العربية بكتب من نوعية، بروتوكولات حكماء صهيون، والأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية لجارودي، مع تجاهلها لكتابات إدوارد سعيد وفرانز فانون وإقبال أحمد وغيرهم من مناهضي الآخرية المحلية!
(20) العبارة مأخوذة من رائعة فرانز فانون: "معذبو الأرض".
(21) للمزيد راجع: إدوارد سعيد، "غزة ـ أريحا" سلام أمريكي، (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1994).
(22) ياسر عرفات، أوراق سياسية ـ لقاءات ومقابلات صحفية مع الأخ أبو عمار، (الكويت: منظمة التحرير الفلسطينية، 1985)، ص 30 ـ 33.
(23) حول أيلول الأسود Black September , (Beirut: Palestine
Liberation Organization , Research Center , 1971) .
|