بعد عشرة ايام (15/1/2010) تحتضن بيروت "الملتقى العربي الدولي لدعم المقاومة" الذي دعت اليه 66 هيئة عربية واسلامية ودولية عابرة للاقطار بعد مبادرة اطلقها المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن في اجتماع تحضيري انعقد في 20 تموز/يوليو الماضي، ليشكل حلقة جديدة من سلسلة ملتقيات عربية ودولية، بدأت قبل عامين ونيف في ملتقى القدس في اسطمبول (2007) وملتقى حق العودة في دمشق (2008)، وملتقى نصرة السودان في الخرطوم (ربيع 2009) وملتقى الجولان (القنيطرة المحررة في خريف 2009)، والتي شكلت تطوراً، في الكم والعدد، في آليات تواصل القوى الحية في الامة والعالم وتضامنها مع قضايانا العادلة ونواة جبهة عربية واسلامية وعالمية تشكل قطباً شعبيا جاداً في معادلة القوى على المستوى الدولي، وتحيي نهجاً عالمياً غير منحاز لهذا القطب الدولي او ذاك كما تجلّى في مؤتمر باندونغ عام 1955 الذي اطلق حركة عدم الانحياز رغم ما تعانيه اليوم من شحوب بعد غياب قادتها التاريخيين من جمال عبد الناصر الى نهرو( الهند)، وتيتو (يوغوسلافيا)، وسوكارنو (اندونيسيا)، وسيكوتوري (غينيا)، وصولاً الى كاسترو (كوبا) والعديد من قادة حركة التحرر في الستينات من القرن الماضي.
وتتلخص اهمية الملتقى الجديد في زمان انعقاده ومكانه في آن، كما في الرسالة المهمة التي يحرص على ايصالها، والمناخ الذي يسعى الى اشاعته...
فالزمان هو الذكرى الاولى لصمود غزة في مواجهة واحد من أشرس حروب العصر واكثرها همجية، وهي حرب ما زالت مستمرة بالحصار على غزة، وبمخطط تهويد القدس، واستمرار التوسع الاستيطاني السرطاني الاستعماري بما فيها جدار الالتهام والتهجير العنصري، كما باعتقال اكثر من 11 الف فلسطيني ناهيك عن عمليات الاغتيال والملاحقات اليومية لابناء فلسطين، وعن الخطر الذي بات يشكله الانقسام الداخلي على مجمل المشروع الوطني الفلسطيني.
والزمان أيضاً هي الذكرى الخامسة والتسعين لميلاد جمال عبد الناصر الذي كان هو الاخر محاصراً في غزة عام 1948، والذي من قلب حصاره في قرية الفلوجة انطلقت فكرة ثورة 23 يوليو التي جددت دور مصر القومي والاقليمي والعالمي، وجعلتها تتحول الى قوة رئيسية، عربياً واقليمياً وعالمياً، تشارك في صياغة عالم الخمسينات والستينات من القرن العشرين.
اما المكان: فيبدا الملتقى اعماله في بيروت، في العاصمة التي انطلقت منها رصاصات المقاومة الاولى عام 1982، ثم يعلن بيانه الختامي في اقصى الجنوب حيث حررت المقاومة الارض دون قيد او شرط عام 2000، وحيث خاض المقاومون عام 2006 واحدة اهم من معارك التحوّل الاستراتيجي والتاريخي في صراعنا مع العدو الصهيوني...
هنا اذن الزمان مكان والمكان ايضاً زمان.
ولاتنحصر رسالة الملتقى في دلالات الزمان والمكان فحسب،ـ بل إنها تتعداها لتعلن عبر الالاف من المشاركين فيه نهاية ذلك الربط الاستعماري – الصهيوني الفاجر والمتعسف بين المقاومة والارهاب، ولتعلن ان المقاومة هي حق للشعوب المحتلة ارضها، بل هي واجب عليها ، فيما الارهاب هو صناعة يومية لا تجيدها سوى الجهات الصهيونية والاستعمارية والتي تريد وصم المقاومة به.
وبالاضافة الى هذا البعد المبدئي والاخلاقي لهذه الرسالة، هناك بعد استراتيجي وتاريخي أيضاً حيث ان انعقاد الملتقى بهذا الحضور النوعي والكمي المتميّز والكثيف، والمتنوع فكرياً وسياسياً وجغرافياً هو للتأكيد على ان المقاومة في امتنا ليست مجرد بؤر متناثرة هنا وهناك، او تنظيمات محاصرة تقاتل في هذا الموقع او ذاك، بل انها باتت حركة تاريخية صاعدة متنامية ومتكاملة تقدم لكل المقهورين في امتنا والعالم نهجاً للخلاص وطريقاً للحرية وخياراً للتحرر والتقدم والنهوض وتحصيناً للاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي على كل صعيد، بل انها ثقافة ورؤية ورافعة واداة توحيد وطني وقومي وانساني.
وبقدر ما هي اساسية رسالة الملتقى هذه، فان المناخ الذي يسعى هذا الملتقى لاطلاقه بالغ الاهمية أيضاً، وهو مناخ تعزيز وحدة المقاومة في امة واحدة، حيث سيلتقي في رحاب الملتقى مقاومون من كل تنظيمات المقاومة الراهنة او الرائدة، لا سيما في فلسطين والعراق ولبنان، ومن كل التيارات الفكرية والسياسية التي تزخر بها الامة، فيوطدون الجسور بينهم، بل بينهم وبين احرار الامة وشرفاء العالم أيضاً. ويؤسسون لصيغ التفاعل والتكامل والتواصل بينهم مدركين ان انتصار المقاومة في العراق او افغانستان هو اتنصار للمقاومة في فلسطين ولبنان، والعكس صحيح، وان عصر اللعب على التناقضات والتباينات بين اصحاب الهم الواحد قد انتهى، واننا على طريق تجسيد شعار بسيط وكبير في آن واحد " مقاومة واحدة لامة واحدة"..
|