في 21 يناير/كانون الثاني 2009، وقّع الرئيس الأمريكي على التزام بإغلاق معتقل غوانتانامو خلال عام من تاريخه. هذا المعتقل الذي وصله أول سجين بعد أربعة أشهر من وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة، أي في 11 يناير/كانون الثاني 2002، بعد أن أجاز الكونغرس الأميركي للرئيس جورج بوش استعمال القوة ضد البلدان والمنظمات والأشخاص المتورطين في الهجمات. عندما أعلن الرئيس الأمريكي الحالي وضع حد لمعتقل العار، 245 معتقلا كانوا ما زالوا يقبعون في هذه الأقفاص التي سميت زنازين، وهم من تبقى من أصل 775 شخصاً من 36 بلداً أطلق عليهم تسمية "مقاتلين أعداء". هذه التسمية التي كان لها أن تضعهم حسب الفتوى الأمريكية المبتكرة خارج قواعد اتفاقيات جنيف. وذلك استناداً إلى ما يعرف بالأمر التنفيذي (أكتوبر 2001) الذي يرسم قواعد التعامل مع العدو كبديل لهذه الاتفاقيات.
سنة ونيف مرت على بدء تشغيل المعتقل قبل أن توجه أول تهمة لمعتقل، وعام ونصف قبل ان تُصدر المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكماً يتيح لمعتقلي غوانتانامو الطعن أمام محكمة اتحادية أميركية في اعتقالهم، وقبل أن تنشئ الادارة الأمريكية "لجان عسكرية للمراجعة" مهمتها تحديد وضعية المعتقلين. وسيمر حوالي ثلاث سنوات على المعتقلين في خليج كوبا قبل أن تصادق هذه الإدارة في30 ديسمبر/كانون الأول 2004 على قانون يسمح للمعتقلين بتقديم الطعون في اعتقالهم أمام محكمة الاستئناف في واشنطن.
لكن سيلزم أربع سنوات ونصف ليغير الرئيس بوش رأيه ويأمر، في12 يوليو/تموز 2006، بتطبيق اتفاقيات جنيف على معتقلي غوانتانامو، كما وليوافق البنتاغون، مع تسلم روبرت غيتس منصب وزارة الدفاع أواخر 2006، على تبني تقييم منظمات حقوق الإنسان للمعتقلين بأنهم "غير مقاتلين وغير أعداء". كون سبب اعتقال الكثير منهم كان سوء طالعهم فقط وتواجدهم في لحظة من حياتهم في مكان وزمان غير مناسبين. حتى نصل لذلك كان لنا أن نسمع بانتحار ثلاثة معتقلين في زنزاناتهم وبأخبار مشينة ومخيفة عن عمليات التعذيب النفسية والجسدية التي تمارس بحقهم، من أبرزها تحقيقات دون توقف وحرمان من النوم خلال ساعات طويلة وتعرية اجبارية واهانات جنسية ودينية ولجوء لكلاب بوليسية وتغطيس وموجات صوتية قوية وحرارة شديدة القساوة هبوطاً وارتفاعاً وأدوية متعددة للتأثير على سلوكاتهم وغيره من 24 طريقة "ضغط" تم استعمالها دون القبول حتى بتصنيفها وسائل تعذيب.
لم يكتفوا بذلك فقط، بل استكملت منظومة غوانتانامو بعناصر أخرى من مثل فرض سجون سرية في بلدان عدة، واعتقال وتوقيف مواطنين أميركيين بدون مذكرة احضار قضائية وأحيانا لمجرد شبهات وشكوك، ومنع من السفر، ومحاكم استثنائية وعسكرية، وقرارات خطيرة على صعيد الحقوق الدستورية تخضع لما سمي بالأدلة السرية، وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي داخل وخارج الولايات المتحدة. الأمر الذي نتج عنه اعتبار المحكمة العليا الأمريكية أن الرئيس تجاوز صلاحياته. كما وتم رفض إقرار صلاحيات المحاكم العسكرية الاستثنائية التي كانت واحدة من أركان المنظومة. لكن سننتظر سنتين اخريين كي تقر هذه المحكمة أن الدستور يضمن حقوقاً للمعتقلين، ومنها حق الطعن في قضية اعتقالهم أمام المحكمة الاتحادية في واشنطن.
في الذكرى السابعة لهذا المعتقل سئ الصيت، طالعنا الرئيس اوباما باعترافه بأن إغلاقه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته لا يمكن أن يتم، بعد أن كان قد وعد بذلك خلال حملته الانتخابية. ليأمر في 21 يناير/كانون الثاني 2009 بتعليق المحاكمات لمعتقلي غوانتانامو لمدة 120 يوماً. ثم تبدأ المباحثات الماراتونية للإدارة الأمريكية مع ممثلين لبلدان عدة من أجل ترحيل المعتقلين افراداً ومجموعات لبلدانهم أو لبلدان أخرى تقبل استضافتهم. كان يتم البحث عن وسائل تفكيك ما صار يعرف بمنظومة غوانتانامو. هذه المنظومة التي اغتصبت جملة القيم والمفاهيم التي أقرتها الجماعة الدولية بهدف الحفاظ على الحد الأدنى من الكرامة للعدو وللخاسر في زمني الحرب والسلم. وكان الطريق طويلاً قبل الموافقة على نقاش السيناريوهات الممكنة مع أطراف بين حكومية (كمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا)، أو غير حكومية مثل "التنسيق العالمي لإغلاق غوانتانامو"، وطلب المساعدة على ايجاد مخرج أكثر أمناً للأميركيين وإنسانية للمعتقلين.
اليوم في ذكرى ميلاده الثامنة، لم يغلق بعد معتقل غوانتانامو. ما زال يُحتجز 215 شخصاً، على الأقل 180 منهم لن يحاكموا لعدم وجود ملفات قضائية جدية بحقهم، بل يحتاجون بالتأكيد لاعادة تأهيل بعد اطلاق سراحهم. غوانتانامو لم يغلق لكنه آيل للاغلاق لا محالة، والبحث جارياً عن بلدان مستقبلة وعن مراكز اعتقال عربية للذين ترفض الدول الأوروبية استقبالهم. أما الذين يعتبرون الأكثر خطورة فقد يصار لتحويلهم لسجن حماية مشددة داخل الأراضي الأميركية. لم يكن هناك من رؤية واضحة عن تاريخ اغلاقه عند الكثيرين في البدء.
في بداية المشوار، الذي كنا نحن في اللجنة العربية لحقوق الإنسان من أوائل من خاضه بكل فخر واعتزاز، ايماناً بالإنسان وبحقه بالحياة الكريمة التي يضمنها احترام حقوقه ولا يبررها عنجهية وصلف المتحكم بالقرار أياً كان ومهما بلغت شدة بأسه، كنا ثلة صغيرة اجتمعت في باريس وتداعت في الذكرى الأولى لافتتاحه لاعلان "التنسيق العالمي لإغلاق غوانتانامو". ثم تحرك الاتحاد الأميركي للحريات المدنية ومركز الحقوق الدستورية ومجموعة منظمات دولية وإسلامية انضمت لها فيما بعد منظمة العفو الدولية وآخرين. خاض المعركة ايضاً البرلمان الأوروبي الذي أصدر عدة قرارات تطالب بإغلاق المعتقل، كذلك منظمة الأمن والتعاون في أوروبة، لنصل الى ما وصلنا له اليوم وهو ليس بعد نصراً كاملاً. خالد بن مصطفى وصابر الأحمر بيننا اليوم في هذه المناسبة وسيدلون بدلوهم. وقبل أن أحيل لهما الكلام، أنهي بالقول أنه حتى ولو اغلق هذا المعتقل الذي بات وصمة عار للقوة الكبرى التي تعمل على التخلص منه، نأمل أن لا نجد بديلاً آخر له في زمن قادم ضمن منطق ما بات يسمى بمنظومة غوانتانامو. هذه المنظومة التي حكمت الرؤى والتصرفات، كانت بعض عناصرها موجودة قبل أحداث 11 ايلول، لكنها اكتملت بعدها بشكل محكم. هي للأسف ما زالت تفعل فعلها اليوم، وكأن شيئا ما لم ولن يتغير بتغير الرؤساء في بلد يعتبر أن قوته تجيز له استباحة الحقوق والحريات على الصعيد الدولي. كما تبيح له أن يكون الدولة الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي تستعمل الفيتو بشكل لا مثيل له لفرض ارادتها على شعوب العالم وسياساتها، ومنها أكثر من 80% من العقوبات الاقتصادية المفروضة على دول العالم. فهل ستبقى حالة الخوف من أن تحدّ المعايير الدولية حرية القوة العظمى غير المقيدة، إضافة لحالة الغطرسة بأن لا شئ تتعلمه من دول العالم، هي من يتحكم بسلوكات المسئولين في قمة الهرم السياسي ؟ ماذا عن موقف الرئيس الحالي ازاء هذا التراجع عن قوله يوم تنصيبه: "الليلة برهنا مرة أخرى على أن الحالة الصحية لقوة أمتنا لم تتأت من الحروب أو حجم الثروات، وإنما من صمود قيمنا: الديمقراطية والحرية والتلاؤم والأمل العنيد"؟ العالم بالمرصاد، والتاريخ سيشهد، والحساب قريب لا محالة.
مداخلة في ندوة اللجنة العربية لحقوق الانسان والتنسيق الدولي لإغلاق غوانتانامو بمناسبة الذكرى الثامنة لمعتقل غوانتانامو في 13/01/2010 في بيت الجمعيات في مالاكوف-فرنسا
|