المغرب : عام آخر من هدر الحق في حرية التعبير و تدفق المعلومات

 المصطفى صوليح

 

 

في يوم 18 نونبر 2005 ، حيث كنت ضيفا على " تلفزيون العالم " ببيروت ، أحسست بنوع من الاعتزاز   و الفخر لكن المشوب بقلق غير عادي حين كنت أجيب على أسئلة السيد توفيق شومان من خلال برنامجه " تحت الرماد " المذاع بشكل مباشر على الساعة 20 بتوقيت غرينويتش من كل يوم جمعة . كانت الحلقة خاصة بلغز اختطاف المناضل المغربي المهدي بنبركة . و فيما كنت أنا في البلاطو كان كل من نجل المهدي السيد البشير بنبركة و عميل " الكاب 1 "[1] سابقا السيد أحمد البخاري على اتصال مباشر بالصورة و الصوت ، الأول من باريس و الثاني من مدينة الرباط ، و كان السيد سعد بنبركة هو بدوره مشاركا عبر الهاتف . فمثلا ، بخصوص مصير هذا الرجل الذي جمعت شخصيته بين البعد الوطني ، باعتباره كان مناهضا للاستعمار الفرنسي  و الإسباني في المغرب و مقاوما له ، و البعد الفكري و السياسي المعارض لنظام الحكم الذي كان قد بدأ يسود البلاد بعد استرجاعها لاستقلالها السياسي و خاصة إثر تولي المغفور له الحسن الثاني عرش المملكة ، و البعد الأممي ، و ذلك بالنظر إلى مساهمته الفعلية في دعم و تطور نضالات حركات التحرر في شتى أنحاء العالم ... أجبت : إن ما هو مؤكد إلى الآن هو أن المهدي قد تعرض للاختطاف بالقرب من مقهى ليب بباريس في يوم 29 أكتوبر 1965، و هو منذها و على مدى الأربعين سنة الماضية ما يزال في وضعية الحي – الميت ، و أنه سيبقى كذلك بالنسبة لأسرته و رفاقه و معارفه و كذلك بالنسبة للحركة الحقوقية الوطنية و العالمية إلى أن : أ ـ تطلق فرنسا ، البلد الذي وقعت الجريمة فوق ترابه ، سراح كل ما تزال تخفيه في أرشيفاتها من وثائق ذات صلة ،  و تبادر كل من الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل ، البلدان المشاركان في إعداد الجريمة ، و السلطات المغربية ، المتهمة بشكل رئيسي في تدبير الجريمة و تنفيذها ، هي بدورها ، إلى تحرير مثل تلك الوثائق .     ب ـ يقوم القضاء الفرنسي بتصحيح مجريات المحاكمتين المنجزين في شأن هذه الجريمة خلال سنتي 1966   و 1967 ، و يتمكن قاضي التحقيق بمحكمة الجنايات بباريس من إتمام مهامه المتعلقة بمتابعة البحث المفتوح ضد مجهول حول " اختفاء " المهدي بنبركة . ج ـ تعلن الحقيقة كاملة ، و ذلك بما تتضمنه من حقيقة الجريمة و حقيقة الجناة ، و ما تقتضيه من عدم إفلات من العقاب و من جبر للضرر و حفظ / إنعاش للذاكرة ... و بخصوص سؤال حول تحديد المسؤولية في هذه الجريمة ، أجبت بأن الأمر يتعلق بثلاثة أنماط من المسؤوليات : النمط الجنائي   و هو النمط الملتصق بأفراد الأجهزة البوليسية و العسكرية المغربية و الفرنسية و الأمريكية و الإسرائيلية ،  و متعاونيهم ، الذين قاموا ، على درجات من التفاوت ، بتدبير الجريمة و تنفيذها و التستر على مسارها . و النمط السياسي و هو النمط المرتبط بمصدر قرار ارتكاب الجريمة إياها و غيره من المسؤولين السياسيين، على درجات هنا أيضا من التفاوت، داخل كل من فرنسا و المغرب حيث تم نسج الخيوط الأخيرة للجريمة و حيث وقعت أفعالها . و النمط الميتافيزيقي ، و هو النمط الذي قد يكون حدث لعديد من الأفراد ( عملاء، أعوان ، ضباط .. ) فشلوا في فعل شيء إيجابي في وقت كان فيه من الممكن إيقاف الجريمة أو الحد منها .

قد يقول قائل : و ما علاقة كل هذه الحكاية بكون المغرب يعرف عاما آخر من هدر الحق في حرية التعبير  و تدفق المعلومات ؟

من جهة ، إن مبعث اعتزازي و شعوري بالفخر ، هو أني أمكنني أن أتحدث بتلقائية و حرية أمام الملإ حول قضية أصبحت ترمز في بلادي لكل ملفات " الاختفاء " القسري بله و تعتبر مفتاحا لكل باقي ملفات الانتهاكات الجسيمة ضد حقوق الإنسان في ماضي هذا البلد و حاضره .

من جهة ثانية ، إن مبعث القلق الذي شاب شعوري إياه هو أني كان علي أن أقطع آلاف الكيلومترات و أقضي عدة ساعات ذهابا و إيابا بدون أهداف في مطار ميلانو و خاصة في طابقه التحت أرضي ، السيئ جدا، المخصص بشكل عنصري للرحلات من و إلى العالم الثالث ، و أن أصرف أثناء التنقل نقودا زائدة و غير معوضة ، و أن أسدد ضريبة تأشيرة الدخول إلى لبنان، و ذلك لكي أتحدث بضعة دقائق من داخل قناة تلفزيونية توجد في بلد آخر غير بلدي . فرغم أن المغرب يتوفر على القناة الأولى و القناة الثانية و صيغتها الفضائية               و القناة الرابعة و قناة القرآن الكريم ، و كلها قنوات تلفزيونية رسمية ، فإن الرأي الآخر فيها لا يشمل إلا أعراض القضايا ، أما جوهرها و الذي يمكن أن يكون من قبيل ما يعرف بـ " المقدسات " ، أو تدقيق لمسؤوليات في ما يتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان أو بالفساد أو بنهب المال العام ، أو تحديد لأسباب عميقة بخصوص إخفاقات متواترة ، أو تفكير بصوت مرتفع في عوائق نظام الحكم الحالي ، أو تذكير بأن الحكم الدستوري ليس هو الحكم الذي له دستور و إنما هو ذاك الذي يستند إلى الشرعية الدستورية ، أو تأمل في قضاء البراءة و الحرية و قضاة البراءة  و الحرية، أو غيرها مما قد يمس الفرضيات قبل النتائج ... فلا يمكن تداوله في أي من برامج هذه القنوات ، لأن وضع اليد على الجوهر هو ممنوع ، ممنوع ، في العقول كما في تأويل القانون .

و من جهة ثالثة ، إنه منذ شهر نونبر 2004 إلى شهر نونبر 2005 ، و كما هو الحال بالنسبة لباقي أشهر السنوات المنصرمة ، لم تنعم المادة 19 من كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية بالاحترام المستحق لها . و من أدلة ذلك  :

مواصلة إخضاع الصحفيين للإكراه البدني و دون محاكمة عادلة

1 ــ بتاريخ فاتح نونبر 2005 ، بعثت منظمة مراسلين بلا حدود برسالة إلى السيد وزير العدل المغربي تلفت فيها نظره إلى وضعية الصحفي عبد الرحمان البدراوي ، المدير سابقا لجريدة " الملاحظ السياسي " ، المعتقل منذ يناير 2002 ، حيث تم نقله في يوم 05 أكتوبر 2005 من سجن بمدينة سلا ( مجاورة لمدينة الرباط و بالتالي لأسرته ) حيث كان يتقاسم الزنزانة مع غيره من معتقلي الرأي إلى سجن بمدينة المحمدية ( على بضع كيلومترات من مدينة الدار البيضاء ، و 150 كلم من سكنى الأسرة ) حيث أصبح يقبع في زنزانة من 40 متر مربع يشغلها 41 من معتقلي الحق العام ، و تعرض في يوم 26 أكتوبر 2005 لاعتداء من قبل أحد حراس السجن مصحوب بمسجونين آخرين . و فيما تثمن منظمة مراسلين بلا حدود عملية توقيف هذا الحارس إثر التحقيق الذي فتحته إدارة السجون و تذكر السيد الوزير بواجبه في ضمان السلامة الجسدية للصحفي المعني، فإنها تجدد طلبها بإطلاق سراحه فورا و دون شروط لأنه معتقل ، أصلا ، بسبب " خطإ قضائي " . أما مؤدى هذا " الخطإ "، فتعود تفاصيله إلى نهاية سنة 2001 حين حرر عبد الرحمان البدراوي مقالة حول فضيحة مالية عرفتها مدينة القنيطرة ، و أتبعها بإجراء تحقيق حول اختلاسات ارتكبت من قبل بعض أطر الشرطة في مدينة تمارة ، فتم اعتقاله و محاكمته مرتين حول نفس الدواعي و هي المتمثلة في كونه سبق أن اتهم في سنة 1998 بجريمة " انتحال وظيفة " ، لكن رغم أن المتابعة ضد مؤسس جريدة " الملاحظ السياسي " سرعان ما توقفت بعد أن أدلى بالوثائق الرسمية التي تثبت وظيفته الصحفية فبرأته محكمة الرباط من هذه الجريمة ، فإنه أعيد اعتقاله و بنفس الداعي في يناير 2002 و أصدرت في حقه المحكمة الابتدائية بالرباط  حكما بالسجن لمدة خمس سنوات ، خفضته في ما بعد محكمة الاستئناف إلى أربع سنوات ، و هي المدة التي ما يزال يقضيها و ضمن الشروط المذكورة أعلاه ، علما بأن الوكيل العام بمحكمة الرباط كان قد فتح تحقيقا ضد الشرطة القضائية في نفس المدينة متهما إياها بالعمل من أجل إخراس صحفي ، و علما كذلك بأن هذا التحقيق ما يزال جاريا ؛

جعل الصحفيين و المفكرين في وضعية الرهائن

2 ــ  في العدد 33. 2-8 يونيو 2005 من جريدة " الأسبوعية الجديدة " ( جريدة مستقلة ) أجرى الصحفي عبد العزيز كوكاس مدير النشر استجوابا مطولا مع السيدة ندية ياسين بنت زعيم جماعة " العدل و الإحسان " السيد عبد السلام ياسين ، مما جاء في إجاباتها على أسئلته :

  " سؤال : نقلت عنك بعض الصحف قولك في جامعة بركلي بأن الأصلح للمغرب هو النظام الجمهوري بدون ملكية. في أي سياق كان ذلك، وما هي حيثيات هذا الرأي؟

جواب : إن هذا كُتِب بعدما رجعت من أمريكا، ليأخذ الأمر شكل تصريح هناك، والأمر ليس كذلك. لقد ألقيت مداخلة في جامعة بركلي لم ترد فيها كلمة جمهورية، ونص المداخلة متوفر في موقع الجماعة على الإنترنيت. لا أقول هذا خوفا، لقد قلت فعلا بالجمهورية، لكن في سياق آخر، حينما التقيت مع أحد الباحثين في الجامعة المذكورة، وهي قناعة شخصية لا تلزمني إلا أنا، وأتكلم بصفتي مثقفة أحلل حيثية معينة، غير أنه حينما نقول بأن الملكية لا تناسبنا فإن هذا يفرض الإتيان ببديل، ما حدث هو أنني وضعت في موقع الاختيار بين الملكية أو الجمهورية..

سؤال : اخترت الجمهورية؟

جواب : بالطبع الجمهورية، وهذا رأي أكاديمي، ذلك أنه في الاختيار بين الأوتوقراطية أو الجمهورية فإنني أختار هذه الأخيرة، وهذا ما قلته في إطار جامعي ولا يلزمني إلا أنا، فلست ناطقة رسمية للجماعة، بل لدي قناعاتي أعبر عنها بصراحة، وأنا لم أقل بذلك في أمريكا وكأنني أحتمي بالخارج لأعبر عن رأيي، بل كان الأمر في السياق الأكاديمي الذي ذكرته، وما نشر في الموضوع ليس نوعا من البريكولاج الخبري مع أنني قلت نفس الرأي منذ سنوات في الصحافة الوطنية.

سؤال : ما الذي استجد في المغرب المطبوع بنظام ملكي متوارث منذ قرون لتقولي من وجهة نظر أكاديمية أن الأصلح للمغرب هو النظام الجمهوري بدون ملكية؟

جواب : حينما نتحدث في إطار أكاديمي فهذا معناه أننا محكومون بما هو نظري واستراتيجي، وهو ما لا يتفق مع الواقع السياسي، فحسب هذا الأخير فإن المغاربة ليسوا مستعدين للجمهورية، إننا نؤمن بأن السياسة لا يمكنها أن تتم إلا إذا كان الشعب مشاركا فيها، فنحن نحترم الاختيار الشعبي، وأعتقد أنه إذا أجرينا الآن انتخابات أو استفتاء بإشراف الأمم المتحدة، لأنه لا ضمانة بألا يتم تزوير، لنطرح على الشعب هذا السؤال : هل أنتم تريدون الملكية أو الجمهورية؟ فأنا واثقة بأن الجواب الغالب سيكون مع الملكية، ذلك لأنه ليست لدينا ثقافة سياسية.

سؤال : لنظل في إطار ما هو أكاديمي، كيف تبررين القول بأصلحية النظام الجمهوري على الملكي في المغرب؟

جواب : لأن النظام الجمهوري أقرب لما نتصوره نحن ( ... ) "

أما النتيجة ، فهي تقديم كل من ندية ياسين و عبد العزيز كوكاس للمحاكمة ، بناء على الفصل 41 من قانون الصحافة ، بتهمة المس بالمقدسات ، و هي التهمة التي رد عليها دفاع ندية ياسين في العدد 218، 06/12 يوليوز 2005 من نفس الجريدة بما يلي : " نحن كدفاع، نعتبر هذه محاكمة لوجهة نظر أكاديمية حول النظام السياسي دون عنف أو دعوة إليه. ونعتبر أن الفصل 41 من قانون الصحافة والذي ستتابع من أجله الأستاذة ياسين جاء فضفاضا ولم يحدد على سبيل المثال أو الحصر وصف قول أو فعل مسا بالنظام الملكي. فهل الخوض في أشكال الأنظمة السياسية المتبعة في الوقت الحالي وتقييمها في طرح أكاديمي أمر يمس بمقدسات هذا البلد. إذ أن الإشكال المطروح في هذا الملف هو التعارض القائم بين الحق في ممارسة الحريات العامة كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية والتي صادق عليها المغرب، هذا المبدأ الذي يعطي للأستاذة ندية ياسين الحق في التعبير عن مواقفها بكل حرية، ومبدأ التجريم لهذا الحق بنصوص فضفاضة وغير دقيقة.لأن الحق في حرية التعبير كما فسرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عدة قضايا "لا تهم فقط الأخبار والأفكار التي يمكن تلقيها بارتياح أو بصفتها غير مؤذية أو مبالية، بل أيضا تلك الأفكار التي تؤذي وتصدم وتقلق، هذا ما تريده التعددية والتسامح وروح التفتح، بدونها لا وجود لمجتمع ديمقراطي".

و رغم أن الملف كان جاهزا ، و الدفاع مسجلا و لم يطالب بأية مهلة أخرى ، فإن المحكمة فاجأت الجميع بتعليق الملف ، و ذلك بدعوى تمكين دفاع المتهمين من تهييئ دفاعهم .و يرجع المتتبعون هذا الـتأخير إلى أجل غير مسمى إلى تدخل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي يبدو أنها قد شملت ببرنامجها الرامي إلى فتح الاتصال و الحوار مع حركات الإسلام السياسي في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط  " جمعية العدل و الإحسان " المغربية؛

تهديد الجرائد و المجلات المستقلة بالإفلاس

3 ــ  في يوم 15 غشت 2005 ، أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة الدار البيضاء حكما بالسجن لمدة شهرين موقوفي التنفيذ و بغرامة قدرها 25000 درهم مع تعويض تبلغ قيمته 01 مليون درهم في حق كل من رضا بنشمسي ( مدير نشر مجلة "  Tel Quel" ) و كريم بخاري ( رئيس الأخبار بهذه المجلة ) ، و ذلك إثر شكاية مباشرة تقدمت بها النائبة البرلمانية السيدة " حليمة عسالي " بخصوص قذف و سب و شبهة زعمت أنها كانت ضحية لها من خلال مضمون ورقة صحفية وقعها الصحفي كريم بخاري تحت عنوان Secret d'une brune ، يرسم عبرها كيف أصبحت " شيخة " ، أي مغنية و / أو راقصة شعبية ، منتخبة برلمانية ، و ذلك دون أن يذكر اسم السيدة حليمة عسالي في ورقته .

و في 24 أكتوبر 2005 ، أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة الدار البيضاء حكما ضد مجلة " Tel Quel "                ( مجلة مستقلة ) بأداء غرامة تبلغ 10000 درهم و بتعويض قدره 900000 درهم لفائدة السيدة تريا الجعايدي رئيسة إحدى جمعيات مساعدة الأطفال ، و ذلك بتهمة القذف في حق هذه الرئيسة ، حيث و كما جاء أيضا في ثلاثة جرائد أخرى هي : " الأحداث المغربية " ، " الأيام " ، " الأسبوعية الجديدة " ( جرائد مستقلة )، نشرت  " تيل كيل " خبرا قصيرا مفاده أن السيدة الجعايدي قد تم استدعاؤها من قبل الشرطة لاستفسارها حول اختلاسات مست مالية جمعيتها. و بحكم أن الخبر اعتبر في ما بعد غير صحيح، فقد أسرعت الجرائد الأربعة على التو إلى نشر تكذيب . لكن ، و بالنظر إلى أن السيدة الجعايدي تقدمت رغم ذلك بتظلمها ضد هذه الصحف ، فإنه و خلافا للحكم ضد " تيل كيل "  عوقبت جريدة " الأسبوعية الجديدة " بأداء 30000 درهم ، و كل من " الأيام                    و الأحداث المغربية " بأداء 100000 درهم .

و في يوم 28 نونبر 2005 أجلت هيئة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء البت في القضية الأولى إلى يوم 05 دجنبر 2005 من أجل الاستماع إلى تعقيب دفاع المشتكية حليمة عسالي التي تطالب بـ 300 مليون درهم كتعويض عما تدعي أنه لحقها من مس بكرامتها و شرفها . و هي التهمة التي ينفيها دفاع المجلة موضحا بأن الشكاية إياها لا تتضمن البيانات اللازمة بما فيها توصيف التهمة ، و أن الورقة الصحفية ( العمود ) موضوع الشكاية هي جنس ينتمي إلى الكتابة الصحفية الساخرة التي توظف المجاز و غيره من أنواع البلاغة اللغوية في التعبير ، و ليست تهكمية ، و أنه إذا كان القصد في جرائم القذف فرضيا فإن حسن النية هو الأساس . كما تساءل هذا الدفاع عن المعايير التي تكون المحكمة قد اعتمدتها في تحديد قيمة التعويض و عمن في مصلحته إخضاع مجلة " تيل كيل " للإفلاس .

الضغط بأشكال أخرى على الصحافة المستقلة

4 ــ بتاريخ 24 نونبر 2005 ، أخضعت الفرقة الجنائية بولاية أمن مدينة الدار البيضاء الكبرى السيد نور الدين مفتاح مدير نشر جريدة " الأيام الأسبوعية " لاستنطاق دام أربع ساعات حول ملف نشرته الجريدة في عدد سابق تحت عنوان " أسرار حريم القصر بين ثلاثة ملوك " . و قد تمركزت أسئلة الاستنطاق ، كما صرح بذلك نور الدين مفتاح لجريدة " الأحداث المغربية " في عددها 2491 ليوم 25 نونبر 2005 ، حول " مصادره و صحة الوقائع و الصور المنشورة " و حول ما إذا كانت لديه " النية في الإساءة لسمعة و شرف البلاط " و حول " ألا يحمل هذا الملف إهانة للملك ؟ " و " ألا ترون أنكم بنشركم لهذه الوقائع تروجون لأخبار زائفة تمس الأمن العام؟" و " لماذا لم تأخذوا إذن الديوان الملكي لنشر صورة الغلاف و باقي صور الأمراء و الأميرات حسب ما ينص عليه الظهير الصادر في هذا الشأن ؟ " .

و في بحر إجابته ، يضيف مقال " الأحداث المغربية " ، نفى مدير نشر أسبوعية " الأيام " هذه التهم مبينا أن هيئة التحرير قد أكدت " في تقديم الملف على أن التكتم الذي يلف الموضوع الذي تطرقت له الجريدة أنتج عدة أساطير و تمثلات و استيهامات ( ... ) إن ما نشرناه لا يدخل في أي خانة يحرمها القانون ، و لم نخرج عن قواعد العمل الصحافي الميداني و المسؤول ، لذلك فإن كل متابعة قضائية ستكون مجانبة للصواب ..."      

 

 

* كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة .

من كوادر اللجنة العربية لحقوق الإنسان . صدر له ، عن أوراب و اللجنة العربية لحقوق الإنسان و الأهالي ، كتاب تحت عنوان : " نقد التجربة المغربية في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " 2005 .

elmostafa.soulaih@menara.ma

 



[1] - جهاز " أمني " ، ورثه المغرب عن نظام الاحتلال الفرنسي ، شكل اليد المنفذة بشكل رسمي لأغلب جرائم التصفية الجسدية                و الاعتقال التعسفي  و الاختطاف و " الاختفاء " القسري ضد المعارضين لنظام الحكم ، و ذلك خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال إلى غاية مطلع السبعينيات من القرن العشرين .