لم يمض أكثر من 24 ساعة على إطلاق الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعده بمعاقبة كل من يعكر صفو الأجواء الإنتخابية ويشكك بنزاهتها، حتى انتقل لتنفيذ أكثر هذه الوعود انسجاما مع تكوينه المهني والصفة الأبرز في حقبة حكمه: أي الملاحقة الأمنية اللصيقة والمنهجية والتحويل لشبه محاكمات بعد تركيب تهم تطال العمل المدني العام والإنتاج الصحفي والثقافي وتخلطها بجرائم الحق العام على اعتبار كل صوت مستقل متهمٌ قبل أن تثبت براءته، إن أجيز لها أن تثبت.
في آخر الأخبار الواردة من تونس، تعرض مساء الأربعاء 28/10/2009 الصحفي سليم بوخدير أمام منزله بالضاحية التونسية لاعتداء واختطاف، بعد ساعات من تصريحات أدلى بها لمحطة بي بي سي البريطانية عن الكتاب الصادر مؤخرا في فرنسا عن سيرة ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس بن علي. وقد تم تحويل وجهته بالقوة إلى مكان خال بغابة "البلفيدير" القريبة من وسط العاصمة، حيث انهالت عليه مجموعة من الأشخاص بالضرب بالأيدي والأرجل ثم استولت على كل ما يحمل بما فيها ملابسه وحذائه وتركته ينزف. وقد جاء في التقرير الطبي الذي حصلت اللجنة العربية لحقوق الإنسان على نسخة منه أن الاعتداء خلف للمصاب ضررا في مستوى العين وكسرا في الأنف إضافة إلى الكدمات في جميع أنحاء الجسم. وكان سليم بوخدير مراسل القدس العربي وعضو المؤتمر من أجل الجمهورية قد أمضى ثمانية أشهر في السجن قبل أن يطلق سراحه بعد حكم قضائي على خلفية التعبير عن الرأي.
كذلك اعتقلت السلطات التونسية اليوم الصحفي والشاعر التونسي المعروف دوليا توفيق بن بريك بعد أن كان قد توجه لمركز الأمن الوطني بالمنارات لمواصلة "البحث في شكاية عدلية لأمر يهمه" إثر استدعاء عمدة حي النصر له صباح الإثنين 26 أكتوبر، كما جاء في رسالة مركز الأمن التي تسلمها الشاعر وأعلمنا بالهاتف بنصها قبل التوجه إلى الفرع المذكور بحضور ومعرفة شخصيات تونسية سياسية ومدنية ومسئولين دبلوماسيين أجانب. وقد أحيل بن بريك إلى مركز التوقيف في بوشوشة وأعلم أفراد عائلته عن نية تقديمه للمحكمة الابتدائية في تونس غدا الجمعة.
كان الشاعر توفيق بن بريك قد نشر بالفرنسية مقالة ساخرة بعنوان "توب بن علي بابا والأربعين حرامي" يستعرض فيها الأسماء المؤرقة للرئيس التونسي، كذلك من جملة ما نشر مقابلة متخيلة مع الرئيس. بعدها مباشرة تعرضت سيارته لصدمة من سيارة أخرى حيث حاولت السائقة استفزازه، لكنه تجنب الاحتكاك بها لقناعته بنكليفها من الأمن التحرش به.
موقع الجزيرة نت تم حجبه أيضاً من طرف السلطات التونسية ليضاف لمواقع حقوق الإنسان المحجوبة بما فيها موقع اللجنة العربية لحقوق الإنسان وكل المنظمات الدولية.
أما في 3/11/2009 فسيمثل الناشط الحقوقي المعتقل حاليا بسجن المرناقية، زهير مخلوف، أمام القضاء بتهمة "الإساءة للغير عبر شبكة الإنترنت". وذلك بعد نشره على الإنترنت تحقيقا مصوّرا عن ظروف العمل في مصانع الخزف بمحافظة نابل شرق العاصمة، علما بأن زوجته ماجدة المؤدب مضربة عن الطعام منذ العشرين من هذا الشهر.
كذلك ما زال التضييق على راضية النصراوي وعائلتها مستمرا، مما أرغم حمة الهمامي رئيس حزب العمال الشيوعي التونسي للدخول في شبه حالة سرية تجنبا لاعتقال سياسي الدوافع.
هذه الاعتداءات التي تنال شخصيات معروفة هي جزء يسير من جملة الانتهاكات لحقوق المواطن التونسي والتي تعود أحيانا لأسباب لا تتعدى تعليقا ساخرا على الحملة الانتخابية.
إن التقليد القائم على صدور قرار بالعفو التشريعي العام عند ولاية رئاسة جديد يبدو أنه لن يصيب الصادق الشورو ومئات المعتقلين في قضايا رأي وقضايا مطلبية والمتهمين بالإرهاب، وكأن النية عند السلطات التونسية إثقال قائمة المعتقلين وتوسيع الضغوط على المعارضين. وهذا النهج لا يبدو أنه سيحيد قيد أنملة عما عرفناه في السنوات الطويلة الماضية في سجل مثقل بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في تونس.
باريس في 29/10/2009
|