بعد صراع عنيد ونبيل مع المرض، وأيام وليال لم تستطع النيل من صحوته الفكرية ودماثته المعروفة وأخلاقه المتميزة ولطفه الخاص في أقسى لحظات الألم، توقف قلب محمد السيد سعيد عن الخفقان، وكأنه يحملنا جميعا أمانة تختصرها جملته عندما عاد من مصر بعد استلامه مكتب الأهرام في واشنطن لفترة: "شوقي لرائحة مصر وسماع صوت الناس من حولي يتوجعون ويضحكون وضجيج المدينة وتلوثها الذي يسمح لي باستنتاج خطط الطريق".
في أقسى لحظات الألم، كان يسألنا عن الحصار على غزة وتقرير غولدستون، يطلب برنامج التعليم في المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان الذي يتشرف بوجود محمد السيد في مجلس أمنائه، يسأل عن مهزلة الانتخابات في تونس، عن أوضاع المعارضة السورية، عن أسباب اعتقال عبد المنعم أبو الفتوح، عن نتائج الدعوى القضائية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين في النرويج. تحولت غرفته في المستشفى لملتقى، ورغم كل إنهاك المرض للجسد، تسامت الروح وبقي صفاء الذهن يحدثنا ويشاركنا لأول مرة منذ ولادة اللجنة العربية لحقوق الإنسان (التي انتسب لها منذ 11 عاما)، في القضايا اليومية والنضالات المباشرة.
غادرنا محمد السيد سعيد تاركا في عنقنا أمانات فكرية وحقوقية، غادرنا وهو باق معنا وبيننا، لأنه أقوى من الموت. وكانت زميلته ورفيقته في مسيرة الألم والأمل نور الهدى زكي صامدة قوية كبيرة ولها الدور العظيم في تحمّل هذه الفترة العصيبة من حياة صديقنا الكبير.
لفقيدنا الكبير الرحمة، ولكل أحباء محمد الصبر والسلوان.
باريس في 11 أكتوبر 2009
|