الدكتورة فيوليت داغر
تونس
: بين قمة المعلومات وقمع الحريات
انتهت في 18
نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 أعمال المرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع
المعلومات التي احتضنتها على مدار ثلاثة أيام العاصمة التونسية بقصر المعارض
بالكرم. شارك في القمة ممثلون عن حوالي 170 بلدا بينهم
عدد من رؤساء الدول والحكومات، خاصة من إفريقيا والشرق الأوسط.
كذلك ممثلون من الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص (23 ألف
مشارك حسب الاتحاد الدولي للاتصالات المنظم للقمة) حضروا فعاليات القمة الرسمية
وتظاهراتها الموازية والمعرض الدولي الذي نظم بهذه المناسبة وتم خلاله عرض آخر
الابتكارات في المجال التكنولوجي.
سعت القمة لإيجاد أجوبة للأسئلة التي
طرحتها المرحلة الأولى منها التي جرت منذ سنتين في جنيف، مثال التصرف في موارد
الانترنت وتمويل صندوق التضامن وسد الفجوة الرقمية والملكية الفكرية. مواضيع ذات أهمية
كبرى تنطوي على رهانات أساسية، خاصة للمجتمعات النامية التي تأمل أن تمثل قمة تونس
فرصة لإعلان مبادرة من قبل الدول المتقدمة وتنازلات تكفل الشروط الموضوعية لجسر
الهوة الرقمية وتمكين الشعوب النامية من تأهيل بناها التحتية التنموية والاتصالية.
ذلك بما يمكنها
من مكافحة الفقر والأمراض وبناء اقتصاديات متينة تواكب التطور العالمي وتفتح فرصا
أكبر لسكانها للاستفادة من مكاسب هذا العصر وحضارته.
عملت قمة مجتمع
المعلومات على تجسيد حلول تقنية، كربط المناطق الريفية النائية
والمعزولة في بلدان كثيرة بشبكة الانترنت، وتقليص كلفة الارتباط بالشبكة عبر حث موزعي
الانترنت على عرض الخدمات التي يقدمونها بأسعار معقولة، ووضع الأطر التشريعية
لتيسير النفاذ إلى الشبكة وترشيد استعمال مضامينها وحمايتها من كل أشكال الاقتحام.
وقد تم إعلان عدد كبير من المشاريع تتطلب استثمارات
بملايين الدولارات، منها ما كشف عنه الباحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حاسوب
محمول يمكن أن يعمل بذراع يدوي في مناطق لا توجد بها إمدادات كهرباء يعتمد عليها.
وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن مبادرة جديدة تتمثل في توفير هذا الحاسوب
لفائدة الأطفال في العالم حيث لا تناهز كلفة الواحد منه مائة دولار. بالطبع فوائد
انتشار الحاسوب تنسحب على المعاقين والعاطلين عن العمل بما توفره لهم من إمكانية
التواصل مع العالم وتخفيف مشكلة الاغتراب عن مجتمعاتهم.
للدلالة على
اتساع حجم الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية نورد بعض الأرقام، حيث في
الوقت الذي تضاعف فيه منذ سنتين عدد مستعملي الهواتف المحمولة في العالم، ما زال نصف
سكان العالم بدون هاتف وربعهم لم يجر طوال حياته مكالمات هاتفية. أما الحاسوب، فخمسة
مليارات شخص لم يستعملوه بعد، وفي الصين فقط 4 % من سكانه يملكونه في حين تعتبر
الصين البلد الثاني المرتبط بالشبكة بعد الولايات المتحدة. وتشير منظمة اليونسكو في
تقرير لها إلى أن 11 بالمائة فقط من سكان العالم تتوفر لهم خدمة الانترنت وال90%
من الأشخاص الذين يتمكنون من الوصول لهذه الشبكة يعيشون في الدول الصناعية. وفي
تقرير لمنظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة يرد أن حوالي 3% فقط من
الأفارقة استطاعوا النفاذ إلى هذه الشبكة عام 2004 مقابل 55.7 % من
أمريكا الشمالية.
فكما هو معلوم
تهيمن الولايات المتحدة على الانترنت بوصفها البلد الذي يستضيف غالبية الأنظمة
الرائدة ويمول القسم الأعظم من عمليات التطوير التي يجري إدخالها على الشبكة
الدولية باستمرار(تسيطر هيئة (ايكان ICANN) الأمريكية التي أنشئت عام 1998 ومقرها كاليفورنيا على سوق
"خدمات الانترنت" في العالم). وقد حمي خلال أعمال القمة وطيس النقاشات
بين الولايات المتحدة وبقية الدول التي تطالب أمريكا بالمشاركة في التحكم في
الشبكة العالمية للانترنت حيث كانت ترفض حتى الحين مناقشة الأمر. وكان الاتحاد
الأوروبي قد دعا إلى تخويل مهمة مراقبة الانترنت إلى هيئة دولية تابعة للأمم
المتحدة. بلجيكا اقترحت من ناحيتها إنشاء "منتدى دائم" مع ممثلي القطاع
الخاص والجمعيات لمناقشة موضوع رقابة الانترنت.
توصلت القمة في
النهاية إلى صيغة اتفاق حول المسائل الأساسية حيث تم تحقيق تقدم
بخصوص مسألة إدارة الانترنت التي كانت إحدى النقاط الأساسية في جدول الأعمال. ذلك من
خلال إقامة منتدى دولي لمناقشة هذه المسألة، لكن دون السماح بالمساس بهيمنة
"إيكان". المنتدى الجديد ينتظر أن يدخل حيز التنفيذ خلال النصف الأول من
السنة القادمة حيث سيعقد اجتماعا في أثينا بدعوة
من الحكومة اليونانية ويضم كل الجهات المعنية من
حكومات ومجتمع مدني وقطاع خاص.
من شأن
هذا المنتدى أن يساعد في إيجاد الحلول
للصعوبات الناجمة عن الاستخدام السيئ لشبكة الانترنت التي
تشغل بال المستغلين العاديين.
وهذا القرار يشكل منعرجا في مجال تدويل إدارة
الانترنت إذ إن الدعم المطرد في مجال التصرف في موارد الانترنت على المستويات
الإقليمية والوطنية من شأنه أن يضمن حقوق كل بلد في التصرف في موارده الخاصة
للشبكة مع إجراء تنسيق على الصعيد الدولي.
ينتظر أن تجرى حصيلة شاملة لنتائج القمة من قبل الأمم المتحدة
في عام 2015 وأن تقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 17 أيار/مايو من كل سنة يوما
عالميا لمجتمع المعلومات.
في اختتام أشغال
القمة صادق قادة الدول على وثيقتين : "التزامات تونس" و"أجندة تونس لتكنولوجيا
المعلومات" التي هي إستراتيجية دولية لتمكين الدول الفقيرة من النفاذ إلى
مجتمع المعلومات. لقد تحاشت الوثيقة إلزام الدول الغنية بتمويل برامج سد الهوة
الرقمية واكتفت بمطالبة هذه الدول بدعم "ّصندوق التضامن الرقمي العالمي"
الذي أنشئ بفكرة من الدول الفقيرة لسد الهوة الرقمية بين الشمال والجنوب. أما
وثيقة "التزامات تونس" فقد دعت إلى ضرورة احترام حرية التعبير والتنقل
الحر للمعلومات، كما تنص
على ذلك الشرعة
الدولية
لحقوق الإنسان.
تحركات المجتمع ا لمدني
بالرغم
من سعي تونس لتأمين أفضل شروط النجاح المادي والتنظيمي لهذا الحدث الكوني البارز
الذي يمثل على أكثر من صعيد محطة مفصلية في تاريخ البشرية لما ينطوي عليه من
رهانات كبرى سياسية وتكنولوجية وثقافية وحضارية، انتقادات كبيرة وجهت للسلطات
التونسية بشأن تعاملها القمعي مع مواطنيها وانتهاك حقوقهم الأساسية بما فيها حرية
التعبير وانتقال المعلومة الذي نصت عليه الوثيقة. فالانترنت في تونس مراقب بشدة
و"وسائل الإعلام محتكرة من الحزب الماسك بالسلطة منذ خمسين سنة وتكوين
الأحزاب والجمعيات مثله مثل نشر الصحف خاضع للسلطة التقديرية لوزير الداخلية، كما
أنه لا وجود لسلطة قضائية فعلية بسبب خضوع القضاء للسلطة التنفيذية. ولا غرابة في
مثل هذه الحالة أن يتعرض الآلاف من المواطنات والمواطنين من مختلف النزعات الفكرية
والسياسية للتعذيب الوحشي وسوء المعاملة والمحاكمات الجائرة والسجن في ظروف
قاسية" حسبما ذكر المضربون عن الطعام في رسالة وجهوها للأمين العام للأمم
المتحدة بمناسبة انعقاد قمة مجتمع المعلومات.
هذا
الوضع المتردي حدا برئيس الكونفدرالية السويسرية صامويل شميد للقول خلال الجلسة الافتتاحية:
"لا يمكن للأمم المتحدة أن تضم في عضويتها دولا تعتقل مواطنيها لأنهم انتقدوا
حكوماتهم على الاأنترنيت أو في الصحف" مؤكدا: "إني أنتظر أن تشكل حرية
التعبير وحرية الصحافة محاور رئيسية في هذه القمة... من البديهي بالنسبة لي هنا في
تونس أن يتمكن كل فرد، داخل هذه القاعة
وخارجها، من مزاولة النقاش الحر... فذلك يشكل بالنسبة لسويسرا
شرطا لا بد منه لنجاح هذا المؤتمر الدولي".
بالطبع
حديث من هذا النوع ترتب عليه قطع في البث المباشر حيث كانت وقائع الجلسة تنقل على
الهواء عبر قنوات التلفزيون الرسمي التونسي،
كما لم تترجم هذه الكلمات في القاعة. مما نجم عنه بعد انتهاء القمة استدعاء سفير
تونس في سويسرا للمساءلة.
أصلاً كان قرار عقد القمة العالمية
لمجتمع المعلومات في تونس، عندما اتخذ قبل عدة سنوات، خلافياً جداً بسبب سجل
الحكومة الرديء على صعيد حقوق الإنسان. سبعة وثلاثون بلدا من بينهم سويسرا كانوا
قد عبروا قبل أيام من انعقاد القمة عن قلقهم إزاء موقف تونس من موضوع مشاركة
المجتمع المدني في القمة. وذكروا أنه لا يمكن، بذريعة
محاربة الإرهاب، التضييق على حرية التعبير، وأن واجب الدول يتمثل في ضمان حرية
الوصول إلى المعلومة.
ففي حين شاركت جمعيات المجتمع المدني من
أنحاء العالم في أعمال القمة، كانت المضايقات والمنع حليف ممثلي المجتمع المدني
التونسي. لقد ضيقت الحكومة التونسية الخناق بشكل خاص في الأشهر الأخيرة على
منتقديها، ملتجأة كالعادة للاعتداءات الجسدية في الشوارع والاعتقالات والرقابة
وحملات "التشهير" من قبل وسائل الإعلام المملوكة للدولة. وقد جرت أعمال
قمة المعلومات في ظل رفض التونسيين لزيارة وفد
إسرائيلي للبلاد برئاسة شالوم، بعد أن كان من المقرر
أن يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون البلاد لأول مرة إثر توجيه الدعوة
له لحضور القمة. هذه الزيارة رفضتها المعارضة التونسية بشدة وتعهدت بعرقلتها،
كما حصلت احتجاجات في الأوساط الطلابية والنقابية وأعلن مدرسو التعليم الأساسي
والثانوي إضرابا، لكن الحكومة أصرت عليها وتحدت مشاعر مواطنيها باستقبال الوفد
الإسرائيلي بتنظيم برنامج سياحي خاص كما لم تفعل مع أي وفد آخر.
الإجراءات الأمنية المشددة لم تهدف فقط لتأمين
حماية الضيوف والرسميين وكذلك الترويج لصناعة السياحة التي تمثل
اكبر مورد للعملة الصعبة وأكثر القطاعات تشغيلا بعد القطاع الزراعي، وإنما انسجاما
مع نهج ثابت في تعامل الدولة مع المواطن. فخلافا للمسار العام للدول العربية الذي
يشهد بعضا من الانفتاح، يعيش أبناء هذا البلد تدهورا مطردا على صعيد حقوقهم بعد أن
كانت تونس قد قطعت شوطا لا بأس به في مجال الحريات وحقوق الإنسان وسبقت الكثيرين
خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة. كان حضور رجال الشرطة الذين ارتدوا ثيابا مدنية
مكثفا خلال انعقاد قمة مجتمع المعلومات، إن في داخل المقر حيث هم في كل زاوية، أو خارجه خاصة الأماكن التي يرتادها
الوافدون. من المقاهي إلى الفنادق كانوا منتشرين في كل مكان وطابق، على السلالم
وأمام المصاعد، يطلبون هويات الناس من أبناء البلد وكأنهم يحرسون الأجانب منهم أو
لمنعهم من الاتصال بهم. لم يكن يصل لقصر المعارض سوى المحظوظين المشاركين بالقمة. أما
أهالي تونس فكأنهم غير معنيين وخاصة أبناء المنطقة القريبة منها الذين، حسبما
علمنا من ناشطين حقوقيين، سحبت من بيوتهم زجاجات الغاز التي يستعملونها لطهي
طعامهم، كما تم سحب الأولاد من الأحياء الفقيرة ووضعوا في مراكز توقيف خلال هذه
الفترة.
لقد كان من المقرر أن ينفذ المحامون إضرابا
عاما في المحاكم يوم افتتاح أعمال القمة دفاعا عن مطالبهم، لكن قرارا بإعطاء عطلة طويلة
لخمسة أيام للموظفين وللطلبة والتلاميذ ابتداء من يوم الافتتاح شلّ حركة البلد. لقد أبعد أبناء
تونس العاصمة عما يجري على بعد عشرة كيلومترات في منطقة الكرم، إضافة لما سببه ذلك
من خسائر اقتصادية خاصة بعد عطلة طويلة أيضا سبقتها بأسبوع بمناسبة الأعياد.
أليس من المفارقات أن تنظم في تونس قمة
مجتمع المعلومات وهناك أشخاص من أمثال المحامي محمد عبو الذي دخل السجن مطلع مارس/ آذار
الماضي إثر كتابته مقالا على شبكة الإنترنت انتقد فيه دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي
أرييل شارون للمشاركة في القمة؟ أو شبان مدينة جرجيس جنوب تونس، الذين اعتقلوا إثر
دخولهم مواقع على شبكة الإنترنت اعتبرت السلطات التونسية إنها مواقع إرهابية، فصدرت
بحقهم أحكام وصلت إلى 13 سنة سجن لبعضهم ؟ لقد أغلقت مواقع على الشبكة
الدولية مثل مواقع الأخبار والمعلومات, حيث يسيطر البوليس على البريد الالكتروني
والمقاهي الالكترونية ويعمد لكل أنواع المضايقات بما فيها قطع الاتصالات والتنصت. أضف
لذلك منع تعبيرات التعددية الفكرية بالرقابة المشددة على الصحف وعدم السماح بالتنوع
في محتويات الأخبار ووجود محطة إذاعية واحدة وقناة تليفزيونية واحدة, كلاهما مملوكين
لشخص يدين بالولاء لرئيس البلاد.
قبل
بدء القمة حدثت سلسلة من الإنتهاكات الخطيرة ضد صحافيين منهم أجانب، كما وتعرض
نشطاء من جمعيات المجتمع المدني، ممن خططوا
لعقد منتدى للمواطنين مواز لقمة مجتمع المعلومات، للإعتداء
والاحتجاز لفترة قصيرة، وذلك إثر محاولتهم القيام باجتماع تحضيري في
المركز الثقافي للسفارة الألمانية في العاصمة تونس.
ذلك في حين كان
يواصل ثمانية من نشطاء حقوق الإنسان إضرابهم عن الطعام منذ شهر للفت أنظار العالم
للظروف الصعبة التي يعيشون فيها وحيث لم يعد لديهم سوى جسدهم للمطالبة بحرية
التعبير والصحافة والتنظم وإطلاق
سراح المساجين السياسيين وإقرار العفو التشريعي العام. وقد تضامن قبل وخلال القمة معهم،
ومع قرابة 400 معتقل سياسي
معظمهم منذ بداية التسعينات
يعانون من ظروف قاسية جدا، مواطنون لهم في جنيف وفرنسا وتونس بأشكال مختلفة، كان منها
الإضراب عن الطعام. هذا الشكل من التعبير بات وكأنه الوسيلة المتبقية لتجسيد المعاناة
من القهر والظلم عندما لم يعد يملك الإنسان سواها، فلجأت إليه عائلة حاتم زروق المضرب هو أيضا عن الطعام في زنزانته وأعلنت زوجته سهام
وابنته الصبية بلقيس إضرابهما عن الطعام لمساندته. لقد وجدناهما في وضع مأساوي بعد
أيام جوع طويلة عندما قدمنا كمدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين أجانب ومواطنين لمنزلهما
للتعبير عن تضامننا. مما استدعى إسعافهما على الفور ونقلهما للمشفى بعد مفاوضات
معهما للقبول بالعدول عن الإضراب. لكن معاناتهما تواصلت نتيجة المعاملة المهينة
لهما من طرف الشرطة وهما في وضعهما القاسي هذا.
لقد
أصرت مكونات المجتمع المدني التونسي بدعم من منظمات حقوق إنسان دولية على تنظيم
ندوة صحفية في اليوم الأول للقمة داخل مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق
الإنسان بعدما ألغيت اعتباطيا الحجوزات في صالات أخرى في فنادق المدينة. وذلك في
تحد لإصرار السلطات على منع تنظيم أية
تظاهرة تتم خارج الإطار الرسمي لقمة المعلومات. وافتتحت السيدة شيرين عبادي، المحامية الإيرانية الحائزة على
جائزة نوبل للسلام، الجلسة التي حضرها حوالي مأتي شخص حشروا في قاعة صغيرة في مقر
الرابطة وعبر فيها شخصيات ودبلوماسيون أجانب عن تضامنهم مع المجتمع المدني في
تونس.
وفي
حين أشاد بيان لممثلين من الصحافة العربية والأجنبية بالتنظيم التونسي للقمة معبرين
عن شكرهم للسلطات التونسية على التسهيلات الكبيرة التي
وفرتها لهم للقيام بعملهم في أحسن الظروف من حسن وفادة وترحاب
وتوفير لوازم العمل وتامين حرية إجراء الاتصالات مع مختلف مصادر الخبر، وأكدوا
أنهم لم يتعرضوا خلال تواجدهم بتونس لآي نوع من المضايقات التي أفرطت بعض
الأطراف الأجنبية في الحديث عنها بطريقة "انفعالية وبأسلوب الإثارة والتحامل المجاني"،
طالبت مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي
عنان بفتح تحقيق في الاعتداءات وبالطلب على وجه السرعة من
السلطات التونسية وضع حد للهجمات على المجتمع المدني
وعلى حرية التعبير، ليس أثناء المؤتمر فحسب، بل وبعده أيضاً.
لقد عدل الدستور التونسي أواخر سبتمبر
2005 لمنع محاسبة رئيس الجمهورية على أفعاله خلال أداء مهامه وبعد خروجه من
السلطة. لكن القانون الذي يفترض أن يحكم بالعدل على سائر البشر ألا يجب أن يطبق
ليس فقط على من لا يملكون موازين القوى؟ ففي احترام القوانين ما يؤمن الحماية ليس
فقط للضحية وإنما أيضا للخارج عن القانون نفسه لوقايته من ذاته ومن الاستمرار
بالعبث به. أما أزلام السلطة فقد تغلبت السلوكيات اللاواعية لديهم على المحاكمة
العقلية والمنطقية للأمور. فأذعنوا للأوامر واستزادوا من الأفعال التي تدلل على أن
العقلية الأمنية التي تتسرب في النظم القمعية عاموديا من رأس الهرم السياسي تطبع
أجهزتها بطابعها اللاعقلاني. فيشعر كل فرد وكأنه مكلف بتمثيلها ومخول بسلطات ليست
له أصلاً، لحمايتها وحماية نفسه من ردود فعل من كانوا ضحية استعماله المفرط
للسلطة. فهل لنا أن نتفاءل بتغييرات إيجابية ذات معنى بفضل ترجمة الأقوال بالأفعال
من قبل المجتمع الدولي ؟ أم أننا لم نشهد سوى استعراضا للنوايا الطيبة بحيث ستترك
آليات التدمير والتدمير الذاتي خارج إطار التحكم بها ويصح المثل القائل: علي وعلى
أعدائي يا رب؟