french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr

International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations


وضعية المرأة في العالم المقلوب - محمد المزوغي

 

2009-09-18

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

                



العالم المقلوب (verkehrten Welt) عند نيتشه هو عالم الأخلاق الغربية المستمدة تعاليمه من الديانة اليهودية ـ المسيحية، والذي تبنّته الحركات الاشتراكية الحديثة. إنه عالم يغلب عليه طابع الشفقة والرحمة، والطموح إلى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وفي مقابل هذا العالم المقلوب ينتصب العالم القويم الذي هو عالم الأرستقراطية والإنسان الأعلى. أخلاق الأرستقراطية المُهيمِنة، هي أخلاق الوحوش الضارية التي لها في ميزانيتها « سلسلة بَشعة من جرائم القتل والحرائق والاغتصابات والإعدامات التي يقومون بها بكبرياء وهدوء، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون سوى عمل طائش من أعمال الطلبة1».
نموذج الإنسان الأرستقراطي هو الحيوان الأشقر الذي يتجوّل بحثا عن الفريسة وعن النصر، ويحتاج إليهما كمتنفس لعدوانيته. هذا الحيوان الأرستقراطي هو واحد في كل الثقافات « لا فرق في ذلك بين الأرستقراطية الرومانية والعربية والجرمانية أو اليابانية، ولا بين أبطال هوميروس والقراصنة الاسكندينافيين. فالأعراق النبيلة هي التي تَركت فكرة كونها "همجية" مرسومة على الطرق التي سلكتها، وأعلى درجات ثقافتها تشي بوعيها بذلك، بل بافتخارها به…جرأة الأعراق النبيلة هذه، وهي جرأة حمقاء وعبثية وتلقائية، كما أنها طبيعة أعمالهم التي هي أعمال لا يمكن توقعها أو تصديقها ـ يُشيد بيركليس خاصة بلا مبالاة الأثينيّين بأمان الجسم وبالحياة والرفاهية واحتقارهم لهذا كله، يشيد بالمرح الكبير والفرحة العارمة اللذَين يشعرون بهما عند كل تدمير وعند التلذذ بالنصر وممارسة القسوة ـ كل هذا يتلخص لدى من كانوا ضحاياه في صورة "الهمجي" أو "العدوّ الشرير"2».
ولنا أن نتصوّر بأن في هذا العالم الأرستقراطي الفج ليس هناك من مكان للضعفاء والمرضى والفاشلين والمشوهين: يجب، بكل حزم، حماية الأقوياء الناجحين، ضد المحيط الطاعوني للمرضى. إن هؤلاء يُجسّدون في ذاتهم الخطر الأكبر الذي يُهدد الأصحاء، فتعاسة المعافين لا تأتي ممّن هم أقوى منهم بل ممن هم أضعف منهم3. نيتشه يشدّد، عديد المرات على هذه النقطة، وهو أن ما يُهدّد حاضر الإنسانية ومستقبلها ليس العداوات والحروب، والفقر والاستعمار والكوارث الطبيعية؛ لا، أبدا، التهديد يأتي من أضعف أفراد المجتمع: « المُعتَلّون هم أكبر خطر يهدد الإنسان، وليس الأشرار أو "الحيوانات المفترسة". الفاشلون والمهزومون وذوُو العاهات والضعفاء جدّا هم الذين يلغمون الحياة ويسمّمون ثقتنا فيها وفي الإنسان وفي أنفسنا ويَضعونها موضع سؤال كبير4». ما الحلّ إذن؟ يجب قلب العالم، يجب منع هؤلاء حتى من التنهّد، أو تمنّى أن تُفرج عنهم كربتهم يوما ما، عليهم أن يبقوا كما هم أي أعشابا طفيلية، نباتات مسمومة، ماكرة ومتظاهرة باللطف. هذه إدانة لأرقى المشاعر الإنسانية، إدانة للأخوة والتضامن والرفق. نيتشه، عوضا أن يُوجّه إدانته إلى تجاوزات المجتمع الأرستقراطي الاستغلالي، أو إلى المجازر التي يقوم بها الغربيون في مستعمراتهم، يوجهها إلى العدالة، إلى مشاعر الشفقة والرحمة. الصراع، لا يتموقع في صلب تناقضات النظام الرأسمالي الشرس الذي يفرض الاستغلال في الداخل والاستعمار في الخارج، بل الصراع الحقيقي يدور « بين المرضى والأصحاء (Kampf der Kranken gegen die Gesunden)».
إذا تموقع الصراع الاجتماعي التاريخي بين هذين القطبين فإننا حتما لن ننتظر أية إصلاحات اجتماعية، ولا حتى بصيص أمل في التغيير. كلها، حسب نيتشه، ليست إلاّ محاولات يائسة يعمد إليها « هؤلاء المشوّهون فيزيولوجيّا وذوو العاهات» لِقَلب عالمه الرائع. ما الحلّ إذن؟ يجب دحر الضعفاء إلى الهاوية: « وجهة النظر الراقية هي التي يجب أن تقول: إلى الوراء "أيّها العالم المقلوب (verkehrten Welt)"5».
من الهيّن الآن حدس وضعية المرأة في هذا العالم المقلوب: لقد أرجع نيتشه فكرة احترام الرجل للمرأة إلى منبعها الأصلي الذي هو ـ حسب رأيه ـ الميل الديمقراطي للمجتمعات الأوروبيّة الحديثة. لكن المرأة ما عادت ترغب في التحرّر فقط بل أصبحت تتطاول على الرجل وتنازعه الصدارة. وهذا الأمر، بالنسبة إلى رجل لم يُخفِ ازدراءه وكرهه للنساء، هو عين الهرطقة والمروق. أجل، بفعلتها تلك المرأة بدأت « تفقد الحياء … تفقد الذوق أيضا. إنها تتعلّم أن لا تخاف الرّجل: لكنّ المرأة التي تتعلّم أن لا تخاف الرجل تتخلّى عن أكثر فطرها أنوثة6». المصطلحات التي استعملها نيتشه هنا، هي إرث كلّ الرجعيين من الإسلاميّين والمسيحيين واليهود، وشرائح المتطرّفين اليمينيين المعادين للمرأة، والذين يؤبّدون دونيّتها ويحقّرون من وضعها الاجتماعي فقط لأنها أنثى: اضمحلال حياء المرأة، فقدان الرقة، انعدام الخوف من الرجل، التخلي عن فطرة الأنوثة، هذه هي المخاوف التي يلوّحون بها ضدّ المدّ التحرري النسوي. حقّا إنه تحالف غريب جدّا ومحيّر، بل ومحرج لعقل الفيلسوف: الظلاميون والرجعيون جنبا إلى جنب مع نيتشه. كيف يمكن ذلك ونيتشه ـ كما يزعم أتباعه ـ هو الذي هشّم المعتقدات الدينية، أجهز على ركائزها الأسطورية ونادى بموت الله؟ كيف يجتمع هذا التفكير التدنيسي التدميري مع التفكير التقديسي الإيماني؟ كيف يتواءم الضدّان؟
لكن، كما قلت سابقا، لا يمكن لأتباع نيتشه أن يُجيبوا عن هذه الأسئلة ويبرؤوا ساحته لغرض إنقاذه من براثن الفكر الظلامي، إلاّ إذا تغاضوا عن نصوصه الصريحة المناقضة لأطروحاتهم، أو عمدوا إلى تأويل كلامه بإخراجه من معناه الأصلي وإضفائه معنى رمزيا. ويبدو أن الكفّة مرجّحة للظلاميّين على حساب فلاسفة التبرير.
خذ مثلا تعدّد الزوجات: إن مؤسسة عبودية قروسطية من هذا القبيل، مرفوضة ومدانة من طرف كل المفكرين التنويريين، ومن المفروض، إن كان نيتشه فيلسوفا تنويريا، كما يصرخ أتباعه، أن يكون أول من يناهضها. لكن، طبقا لصريح نصوصه، نيتشه لا يرفض مبدئيا فكرة تعدّد الزوجات ولا يدينها في ذاتها، بل يعتبر إدانتها مجرّد حُكم مسبق (Vorurtheil)، مُسَلَّم به عن مضض. المؤكّد مبدئيا، والذي لا يقبل التنازل أبدا، هو عدم تساوي المرأة والرجل في كل شيء، ولا حتى في الشأن الأكثر حميمية، أعني حقوق الحبّ. كلا! المساواة "هذا لا يكون أبدا (diese gibt es nicht)7". حبّ المرأة للرجل ينبغي أن يكون فقط إيمانا، خضوعا كليا، دون حق المطالبة بأكثر.
العالم الشرقي الآسيوي هو النقيض الطبيعي للروح الإغريقية عموما، وللثقافة الأوروبية خصوصا، ولكن في نقطة واحدة هذا العالم الغريب يصبح نموذجا وقدوة، أعني في كيفية تعامله مع المرأة. الإنسان الأوروبي الحديث له تصوّر خاطئ عن المرأة وعن دورها في المجتمع. فالقضية تُختزل بين خيارين: إما المساواة التامة أو نقيضها. وكل من تشبّث بالخيار الأوّل فهو يستحق لقب الرأس المسطّح، أما الخيار الثاني فهو حكر على الطباع الشرقية العميقة: « أن يغلط الرجل بخصوص المشكلة الأساسية: "الرجل والمرأة"، وأن ينكر، بصدد ذلك، التناحر البعيد الأغوار ووجوب التوتر العدائي أبدا، وأن يخطر له أن يحلم بالمساواة في الحقوق والتربية والمتطلبات والواجبات، فإن ذلك علامة مميزة للرأس المسطَّح وأي مفكر أثبت أنه مسطح في هذا الموضوع الخطر ـ مسطح في الفطرة […] أما الرجل العميق في روحه كما في رغباته … فلا يمكن له أن يفكّر في المرأة إلاّ شرقيا دائما (immer nur orientalisch denken)8». وما هي خاصيات هذا التفكير الشرقي مع المرأة؟ الإجابة: « أن ينظر إلى المرأة بوصفها ملكا، بوصفها ملكية يُقفَل عليها، بوصفها شيئا كُتب عليه أن يخدم وأن يَجِد كماله في ذلك». نيتشه المتشبث بيونانيته الأسطورية، ثم بقوميته الجرمانية، وأخيرا بأروبيّته الطيبة، مستعد أن يتخلى عنها جيمعا ويميح إلى الشرق فقط لكرهه الشديد للنساء. الرجل العميق « عليه أن يركن هنا إلى فهم آسيا العظيم وإلى تفوّقها الفطري: شأنه في هذا شأن الإغريق القدامى، وهم أفضل تلامذة آسيا وأحسن ورثتها، وقد صاروا، كما هو معلوم، وخطوة خطوة، مع تزايد الحضارة وسعة القوة، ابتداء بهوميروس ووصولا إلى عهد بيريكليس، أشد صرامة تجاه المرأة أيضا، وباختصار، أكثر شرقية». كل هذا يثير اليأس في نفوس النساء ويضرب في العمق تطلعاتهن التحررية، لكن بالنسبة إلى نيتشه، هذا الأمر لا ضير فيه لأنه « ومنطقي، بل مستحب من الناحية الإنسانية9»
الرجال الذين لا يتّبعون النموذج الشرقي ويحاولون تجاوز منطق التسلّط، باحترامهم المرأة في ذاتها، أو بمبادلتها نفس المشاعر هم ليسوا برجال البتة (keine Männer). منطق كاره النساء ثابت لا يتحوّل، وهو أن يتعامل الرجل مع المرأة كمتاع؛ كشيء يَنحلّ في مفهوم الملكية، وبالتالي فإن المرأة السوية هي تلك التي ترغب في رجل يأخذ فقط، لا يعطي نفسه ولا يتخلى عن نفسه. هذه سنّة الطبيعة السرمدية ولا شيء قادر على هتك سترها "لا عقد اجتماعي ولا أفضل إرادة سيُمكّنان من التغلب على هذا التناقض". إذن ما الحلّ؟ الحل الوحيد هو ألاّ نصطدم بالطبيعة، وألاّ نعاكس ناموسها، بل يجب أن ننصاع صاغرين إلى ديناميكيتها اللاأخلاقية، وعليه فللمرأة الوفاء والاقتصار على الرجل الواحد، وللرجل الخيانة وتعدد النساء.
نيتشه السوسيولوجي له أطروحة "علمية" لتفسير انتفاضة النساء ضد العالم الحديث: السبب في مناداة المرأة بالحرّيّة وبِإتاحة فُرص مساوية بينها وبين الرجل لا يعود إلى استفاقتها، ولا إلى الرغبة في خرق تراكم اضطهادها الذي دام قرونا عديدة، كل هذه العوامل الواقعية لا تعنيه، وهي عديمة القيمة. لقد موضع المسألة في المجال العزيز عليه، أعني في منطق علاقة القوة والضعف: « أنْ تَتَجرّأ المرأة على رفع رأسها حين يكفّ الرجل عن أن يريد، وعن أن يُنمّي ما فيه يبعث الخوف، وما هو، لِنقُلها بكلّ صراحة، الرجولة فيه10».
لقد انكشف السرّ وسقط القناع: تحرّر المرأة هو ليس إلاّ نتيجة لتخنّث الرجل، هذا هو الاكتشاف الباهر لنيتشه. لكن، بعيدا عن المزاح، تفسيره لظاهرة التحرر هو تفسير خيالي رجعي قروسطي. الفيلسوف الراهني جدا، نيتشه، قد يُصيب أحيانا في سبر واقع عصره، مثل تحسساته للتحرّكات الشعبية وبالأخصّ منها التحركات النسوية وما تبع الثورة الصناعية وانخراط المرأة إلى سوق العمل. لكن تفسيراته مغروسة في حقل خيالي، ومواقفه لها دائما نفس المنحى الرجعي المعادي لأي نوع من أنواع التحرر، أو حتى كسر أغلال المعتقدات المسبقة. نيتشه المتشبث بماض أرستقراطي وهمي لا يمكن أن يرى في صيرورة العالم الحديث إلاّ الانحطاط والتقهقر، بحيث ينعكس هذا الأمر سلبيا على المرأة: « وهو ما يحدث اليوم. فلا نخدعنّ بهذا الصدد! أينما انتصر الروح الصناعي على الروح العسكري والأرستقراطي، نراها تسعى إلى الاستقلال الاقتصادي والحقوقي الخاصّ بالشغيل. " المرأة شغيلا "، ذاك ما هو مكتوب فوق بوّابة المجتمع الحديث الذي هو قيد التشكّل». الوجه الآخر لتحرّر المرأة هو فتور غريزة الأنوثة فيها: لقد ذهبت ضحيّة تلاعب مُخاتل لفصيلة من الرجال المخنثين "الأغبياء" الذين دفعوها إلى المناداة بحقها في أن تكون إنسانا. لكن، بالنسبة إلى نيتشه، المرأة الجميلة أي الذكية ـ لأن الجمال من شيماء الفطنة والذكاء ـ يجب عليها أن تخجل أشدّ الخجل من توقها للتحرّر. لقد استهترت المرأة الآن بكلّ مقومات أنوثتها، من حاسة الشمّ، إلى إهمال التدرّب على مزاولة فنون الفتنة النسوية، أي التحلّي بالتواضع اللطيف الماكر، لكسب ودّ الرجل وعطفه. كلّ هذه الخصال وقع إهمالها وأصبحت المرأة تبغي التحرّر من سلطة الرجل الذي كان في يوم ما « يحوطها ويرعاها ويحميها ويرفق بها»، بل هي الآن تبحث باستياء أخرق للتخلّص من تلك العبودية التي اتصف بها وضع المرأة في نظام المجتمعات القديمة « وكأن العبودية حُجّة ضدّ كلّ حضارة راقية. وليست بالأحرى شرطا لها ولكلّ ترقٍّ حضاري». إن هذا المنعرج الاجتماعي هو من الخطورة بحيث إنه أدى في النهاية إلى ضعضعة فطرة الأنوثة وخلع المرأة رداء فتنتها ووقارها.
النزعة التحررية النسوية يُسيّرها أولئك الذين يدعوهم نيتشه بـ"الحمير المتعلّمين من الرجال"، أصدقاء النساء ومفسديهن، الذينّ ينصحونهنّ بأن يَحسِمن مع أنوثتهنّ ويقلّدن الحماقات التي أصيب بها الرجل الأوروبي، في صميم رجولته؛ لا بل إن الأمر يتعدّى هذا الحدّ لأن هناك مِن بين أولئك "الحمير المتعلمين من الرجال" « مَن يريد الهبوط بالمرأة إلى مستوى "الثقافة العامة" وجرّها حتى إلى قراءة الجرائد ومزاولة السياسة. وهنا وهناك، من يريد جعل النساء أرواحا حرّة وأدبيات11».
لكنه هو المتمرّس بالنساء ـ «من جُملة مكتسباتي الديونوزية12» ـ يعرف صنفا واحدا من النساء: «الأنثى الخالدة». أما النساء المتحررات، المنخرطات في الدفاع عن الحقوق المشروعة للمرأة، فهنّ استثناء أمام الأنثى الخالدة، بل هنّ «شقيات…تعوزهنّ القدرة على الإنجاب». شبقيته الديونوزية جعلته، على كل حال، يتفادى فتنة الصنف الأوّل، ويُدين وضاعة الصنف الثاني. خطورة الصنف الأوّل تكمن في الإغراء، في حبّ المرأة المُمزِّق: « مِن حسن حظي هو أنه لا نيّة لديّ في أن أدع نفسي أتمزّق؛ فالأنثى الحقيقية تكسّر وتمزّق إذا ما أحبّت… أعرفهنّ جدّا أولئك الفاتنات اللطيفات. يا لهنّ من كواسر صغيرة، خفية، متسلّلة وخطيرة! ولذيذات جدّا مع ذلك! … المرأة أشد خبثا بكثير من الرجل وأكثر حيلة13». أما النسوة المضادات للأنوثة والرقة، أي المتحررات «اللواتي يدعون بالأنفس السمحة فلهنّ دوما وضع فيزيولوجي غير سعيد يعانين منه. إن الصراع من أجل مساواة الحقوق هو في حد ذاته عرض مرضي ـ كل طبيب يعرف ذلك. فالمرأة كلما كانت أكثر أنوثة، إلاّ وتصدّت بيديها وقدميها لكل أنواع القوانين والحقوق: فالوضع الطبيعي، وضع الحرب الدائمة بين الجنسين يمكنها من تبوّء مرتبة الفوز بتفوّق هائل». إن رغبة المرأة في التحرر هي دليل على المعاناة من عاهات خطيرة، والدواء الوحيد لتخليصها من مرضها هو هذا: «أن تُمنح ولدا لأن المرأة في حاجة دوما إلى أطفال14 ». ومن هنا ندرك الدوافع الثاوية وراء كل ذاك الصخب النسوي: لا شيء وراءها إلاّ «غريزة حقد المرأة الفاشلة أي تلك العاجزة عن الإنجاب تجاه المحظوظة، وليس الصراع ضد الرجل سوى وسيلة وتعلّة وخطة مراوغة، ليس ألاّ. إنهنّ لا يفعلن عبر الإرتقاء بأنفسهنّ تحت عنوان المرأة بذاتها والمرأة الراقية والنمط المثالي للمرأة سوى الحطّ من منزلة المرأة بصفة عامة15». إلى أي حدّ تصل به الأحقاد ضد التحرر النسوي لا أدري حقا. وإلى أي حدّ يتطابق خطابه هذا مع أي خطاب ديني مناهض لتحرّر المرأة فهذا شيء مذهل حقا. يكفي مواصلة الاطلاع على أحكامه التي وصفها هو نفسه بأنها قاسية. يقول: « ليس من وسيلة أضمن لبلوغ هذا الغرض [التحرر] من تعليم المعاهد، والبنطلونات والحق السياسي للدابة المنتخِبة. وفي الواقع إن المتحررات هن الفوضويات في عالم الأنثى الخالدة، الفاشلات التي يعمّر الحقد غرائزهن الدفينة16». ضع هذا الخطاب، الواضح في تعابيره والجليّ في مقاصده، بين يدي أي رجعي ومن أي ملة كان، رجعي كاره ومُحِبّ للنساء في نفس الوقت: كاره لتحرّّرهنّ ومحبّ لإرضاء رغباته الحيوانية، ماذا ينتج عن ذلك؟ سوف لن يبرّر هجمته المعادية للنساء عن طريق ما يُقدّمه له تراثه المقدّس فقط، بل إنه سيُدعّم آراءه تلك بما تُوفّره له الثقافة الغربية من سند. لا يمكن أن يرجع إلى أفكار ماركس أو إنجلس أو لينين ولا إلى التراث الثوري النسائي، بل إنه سيتشبّث بالفيلسوف الذي هو أكثر رواجا في الساحة الثقافية العالمية الآن، أعني فريدرك نيتشه.
الإحالات:
1- ف، نيتشه، جينيالوجيا الأخلاق، فقرة: 11.
2- ن. م، ن. فقرة. انظر الترجمة العربية، ص، 33.
3- ف. نيتشه، جينيالوجيا الأخلاق، م. س، فقرة: 14. ترجمة عربية، ص، 108.
4- ن، م. ن، فقرة.
„Die Krankhaften sind des Menschen grosse Gefahr, nicht die Bösen, nicht die Raubthiere“
5- ن. م، ن. فقرة. (Fort mit dieser verkehrten Welt!)
6- نيتشه، ما وراء الخير والشرّ، فقرة 239. ص، 206 من الترجمة العربية.
7- نيتشه، العلم المرح، ضمن الأعمال الكاملة ج. 3، الكتاب الخامس، فقرة 363.
8- ف. نيتشه، ما وراء الخير والشرّ: 238. ت. ع، ص، 206.
9- ن. م. ن. ص.
10- ف، نيتشه، ما وراء الخير والشرّ، فقرة 239. ص، 206 من الترجمة العربية.
11- ن. م، ن. ص.
12- ف. نيتشه، هذا هو الإنسان، م. س، ص، 75.
13- ن. م، ص، 76.
14- ن. م، ن. ص.
15- ن. م، ص، 77.
16- ن. م، ن. ص.
عن الأوان

 

 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها

الصفحة الرئيسة