يوم الاثنين15/06/09 وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر و15 دقيقة، كنت في أحد أروقة بلدية غرداية مع صديقي قاسم سوفغالم نائب رئيس بلدية غرداية، وفجأة وبدون سابق إنذار هجم علي مجموعة أشخاص مدنيين لا أعرفهم، وقبل أن أقوم بأي ردة فعل، قبض علي أحدهم من ذراعي الأيمن والثاني من ذراعي الأيسر وعندما بدأت في محاولة تحرير نفسي من هذا الهجوم الغادر، قال لي أحدهم "نحن الشرطة"، دون تقديم أي وثيقة أو توجيه أي اتهام، جرى هذا كله أمام مرأى ومسمع الموظفين والمواطنين وعندما طلبت منهم أن يطلقا ذراعي وأن يتوقفوا عن هذه التصرفات البدائية والعدوانية التي ليس لها أي داعي، وأخبرتهم بأنني سأرافقهم إلى حيث يشاءون فقط أن يخبروني عن سبب هذا كله، ومن خلال نظرات كلها حقد وتشفي وانتقام و في جواب مقتضب "سترى وستعرف كل شيء عندما نصل إلى هناك !!" ونقلوني على متن سيارة للشرطة كانت في الانتظار في ساحة البلدية.
لدى وصولنا إلى مخفر الشرطة الرئيسي، أجلسوني في أحد المكاتب و مباشرة نزع مني الهاتف النقال دون أي تفسير أو توضيح أو حتى الجواب عن كل تساؤلاتي و بعد الانتظار لحوالي ساعة، قرروا أخيرا أن يستجوبوني وعندها سألت الضابط المسؤول عن سبب كل هذه الانتهاكات للقانون و لأبسط حقوق الإنسان وكذلك القواعد الأخلاقية أجاب بكل بساطة "أنا موظف وأتبع التعليمات " وبأنه "ليس لديه أي مشكل شخصي مع أحد" وبأنه " بمجرد الإجابة على التهم الموجهة لي سوف أغادر إلى منزلي بدون تعطيل!! " وبعد ذلك استخرج رزمة من ملفات التهم الموجهة لي وكانت عبارة عن اتهامات غريبة وجهها عدد من التجار بتحريض من أشخاص ينتمون لحزب النهضة والتابعين لتنظيم طفيلي شكلته السلطة والمعروف "بالأعيان" والذين كانوا وراء المحاولة و بكل الوسائل، لكسر الإضراب التضامني مع الشاب المظلوم "محمد بابا نجار" وتعود غرابة هذه الاتهامات "بتحطيم قفل محل تجاري" إلى كونها لم تكن موجهة لي ولكن كانت موجهة إلى حزب سياسي وهو حزب جبهة القوى الاشتراكية!!
سايرت الضابط المسئول وفي قرارة نفسي لم أكن مقتنعا بأن كل هذا الاستعراض للعضلات وكل هذه التجاوزات و الخروقات القانونية، كانت من أجل هذا الملف السخيف "حزب سياسي يحطم قفل محل تجاري !!"
وفي حوالي الخمسة مساء وعندما طلبت من الضابط أن استرجع هاتفي النقال وأعود إلى منزلي حينها احضروا له ملفا آخر أكبر حجما وتظاهر بأنه يراه لأول مرة!! وبأنه يحاول فهم محتواه وبعدها بدأ يقرأ التهمة الموجهة لي وهي جناية "التحريض على حرق سيارة تابعة للشرطة" و واصل مسترسلا وموضحا- أمام دهشتي واستغرابي - إن السيد "لمدهكل عمار" المسجون بتهمة حرق سيارة شرطة بتاريخ 27/02/ 2009 ، قد صرح في محضر سماع لدى الشرطة: "أن الدكتور فخار كمال الدين مسؤول حزب الأفافاس بغرداية هو الذي طلب منه القيام بهذا الفعل وذلك مقابل 40000 دج!!" و"بأن كمال الدين فخار أخذه إلى طبيب مختص بالأمراض العقلية ليعطيه شهادة طبية تحميه من المتابعات القضائية!! "
كان الموقف معقدا، فمن جهة ومنطقيا كان يجب أن أكون مطمئنا إلى أقصى درجة، فأنا لا أعرف هذا السيد "لمدهكل عمر"إطلاقا وبالكاد أحاول أتذكر عن سماعي لقصة حرق لسيارة شرطة ومن جهة أخرى ونظرا لمعرفتي الجيدة بجهاز العدالة بالجزائر الأداة الطيعة بيد السلطة والتجارب السابقة معه ابتداء من "أحداث غرداية 2004" بعد الإضراب السلمي لتجار غرداية حيث أصدر جهاز العدالة في
غرداية أوامر بالقبض في حقي وفي حق الناشطين في حزب الأفافاس وفي الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ولفقت لنا جميعا جملة من التهم: (الحرق العمدي، الاعتداء بالسلاح الأبيض على رجال الأمن، التجمهر...الخ )،وكذلك "قضية محمد بابا نجار" حيث حاولوا الضغط ومساومة الشاب محمد بابا نجار لإلصاق تهمة التحريض على القتل على أحد قياديي الأفافاس بغرداية، مقابل إطلاق سراحه وهو ما رفضه الشاب الشجاع صاحب المبادئ وهو يدفع إلى يومنا هذا ثمن هذا الموقف الشجاع، فهو محكوم عليه بالمؤبد بعدما كان محكوما عليه بالإعدام...
، فالأكيد أن ملف التهمة قد حضر بعناية خاصة بعد فشلهم الذريع والكشف عن تفاصيل المؤامرة في"قضية محمد بابا نجار" ولهذا فالأكيد أنهم لم يقدموا على مثل هذا التوقيف الاستعراضي وتوجيه مثل هذه التهمة التي ليصدقها أي عاقل إلا بعد حياكتهم وتحضيرهم لأدق التفاصيل، خاصة أن المتهم الرئيسي في هذه القضية الذي وجهت لي التهمة عن طريقه هو شخص معروف لدى الجهات الأمنية فهو مدمن وذو سوابق عدلية و انطلاقا من كل هذه الاعتبارات فهمت و تأكدت بسرعة من أن السلطة وكما كنت أتوقع و أنتظر دائما قد حضرت جيدا لسيناريو قذر جديد، لتضع حدا لنشاطي في مجال المعارضة السياسية وكذلك المطالبة السلمية بالحقوق والحريات، و أعلنت مباشرة بعد ذلك لمحافظ الشرطة عن دخولي في إضراب مفتوح عن الطعام، وبأنني لن أجيب على أي سؤال ولن أمضي على أي وثيقة وبأن يفعلوا ما يشاءون.
في حوالي الساعة السابعة والنصف مساء سمحوا لأفراد من عائلتي بمقابلتي، استغليت الفرصة لأطلعهم على التهمة الخطيرة المفبركة ضدي وطلبت منهم أن يبلغوا الجميع بذلك...
في حوالي الثامنة مساء نقلت إلى الزنزانة التي تقع في دهاليز مبنى الشرطة،والغريب في الأمر انه على مدى مدة إيقافي تحت النظر حوالي ثلاثين ساعة لم تقدم لي ولم يقترح علي أية وجبة طعام أو حتى فنجان قهوة إطلاقا!! هل هو التنظيم المعمول به لجميع من قاده حضه السيئ إلى مثل هذه المكان أم أنها معاملة واستقبال خاص بالسياسيين المعارضين والناشطين الحقوقيين ؟؟
في اليوم الموالي الثلاثاء 16/06/2009 وحوالي العاشرة صباحا نقلت إلى محكمة غرداية لتقديمي لوكيل الجمهورية لمواصلة الإجراءات الروتينية في مثل هذه الحالات وطال الانتظار أمام مكتب هذا الأخير رفقة المحامي والأخ الصديق الأستاذ أحمين، وبعد حوالي ساعتين استدعيت للمثول أمام وكيل الجمهورية الذي رفض في بادئ الأمر حضور المحامي وبعد ذلك قبل حضوره؟! كان اللقاء مقتضبا لم يدم أكثر من دقائق معدودات ثم أمر بالانتظار خارجا...بعد حوالي الساعة اقتادتني الشرطة للمثول أمام قاضي التحقيق.
كان الانتظار لمدة ساعات أمام مكتب قاضي التحقيق بدعوى أن الملف ما زال لم يصله!! وفي حوالي الخامسة مساء بدأ في استدعاء أطراف القضية وكانت البداية مع المدعو "حموده علي" وبعده المتهم في هذه القضية المدعو"لمدهكل عمار" وبعد حوالي ربع الساعة خرج من المكتب بمعية قاضي التحقيق الذي وجه له السؤال المباشر " هل تعرفت عليه من بين هم أمامك ؟؟" وكنت في ذلك الوقت جالسا مع المحامي في الرواق أمام مكتب قاضي التحقيق، نظر إلي المتهم مباشرة، وقال بصريح العبارة "أنا لا أعرف هذا السيد الجالس أمامي !! " وعندما أعاد قاضي التحقيق سؤاله ملحا وموضحا " ألا تعرف فخار؟؟" أجابه مؤكدا نفيه "أنا لا اعرف هذا الشخص!! " هل انقلبت الأوضاع فجأة؟؟ مالذي يجري؟ فلأول مرة منذ أكثر من ثلاثين ساعة سمعت شيئا مختلفا، كتمت أحاسيسي في انتظار نهاية سيناريو القصة، بعد حوالي عشرة دقائق خرج المتهم "لمدهكل عمار" من مكتب قاضي التحقيق وبعده استدعي شخص آخر هو المدعو "مونه حمو" لا أدري علاقته المباشرة بالموضوع.
بعد حوالي ربع ساعة، استدعاني قاضي التحقيق بحضور المحامي الأستاذ "أحمين" وبعد الإجراءات الروتينية طلب مني إفادته بمعلوماتي عن التهمة الجناية الموجهة لي، كررت تصريحاتي السابقة بعدم معرفتي السابقة للمتهم وعن عدم صلتي المطلقة لا من قريب أو بعيد يهده القضية، وذكرته بالتصريح العلني للمتهم الرئيسي في القضية "لمدهكل عمار" عندما مواجهته المباشرة لي "أنا لا أعرف هذا الشخص" وهذا ما أعاد تأكيده قاضي التحقيق الذي قال بصريح العبارة "لم يتعرف إليك أحد من أطراف القضية وأنكروا جميعهم معرفتهم السابقة لشخصك ابتداء من المتهم "لمدهكل عمار" وكذلك "حموده علي" و"مونه حمو" !! "
وحينئذ وبكل عفوية كنت أظن أن الكابوس سينتهي، وبأنني سأغادر إلى المنزل بعد أن أتلقى الاعتذار عن ما عانيته وعانته عائلتي وكل أصدقائي بسبب هذا الاتهام الذي ثبت بطلانه ولكن قاضي التحقيق أصدر قرارا لا يستند إلا أي منطق أو قانون، بالرغم من إنكار المتهم الرئيسي ومن معه عن أي علاقة لي معهم أو بالموضوع أصلا!! ويقضي هذا القرار بوضعي تحت المراقبة القضائية أي احتجاز جواز السفر والتوقيع كل يوم أربعاء في مكتب قاضي التحقيق، حيث لن أتمكن من السفر إلى الخارج، ولن أتمكن من الغياب أكثر من أسبوع عن مكان إقامتي أي سأكون في وضع يشبه الإقامة الجبرية.
لماذا كل هذه الخروقات المفضوح للقانون؟؟ ولماذا كل هذا الحقد والكراهية؟؟ ولماذا هذه الرغبة في الانتقام والعقاب بكل الوسائل اللاأخلاقية وباستعمال وسائل الدولة وعلى رأسهما الجهاز الأمن وخاصة جهاز العدالة؟؟ كل هذا ضد مواطن ينشط في إطار القانون في حزب سياسي معتمد عريق ومنظمات حقوقية معتمدة من أجل الديمقراطية والدفاع عن الحقوق والحريات بالطرق السلمية.
ولكن وكما يقال فرب ضارة نافعة فمقابل كل هذا الحجم من الشر والخبث و الظلم والحقرة والتعدي والتعسف تجسدت وبقوة في سماء الجزائر مظاهر نبيلة من التضامن والتعاطف العلني والمكثف والوقوف مع الحق وعن المدافعين عنه مهما كانت قوة الظالم وجبروته واغتنم هذه الفرصة لأقدم شكري العميق وعرفاني الدائم لكل الأصدقاء والأخوة داخل الجزائر وخارجه الذين استطاعوا بضغطهم السريع والمتواصل أن يمنعوا ويفضحوا هذه المؤامرة وبالتالي إنقاذي من سجن أكيد وادعوهم أن نعمل معا لإلغاء القرار الظلم والمجحف لقاضي التحقيق بفرض المراقبة القضائية، التي لا تختلف كثيرا عن الإقامة الجبرية.
وأتعهد بدوري على مواصلة النضال المستمر مهما كانت التحديات والتهديدات من أجل إقرار الديمقراطية والعمل من أجل احترام حقوق الإنسان وضمان كل الحريات وأدعو كل الإخوة والأصدقاء إلى تشكيل جبهة موحدة من أجل العمل المنسق والمتواصل معا كل حسب اختصاصه ومكانته ومهما كان توجهه لتغيير هذا النظام الفاسد المتعفن الذي طال أمده أكثر من اللازم واستمر ظلمه ولم يبقى أي أمل يرجى منه.