taharlabidi@free.fr  

باريس كانت يوم الجمعة 5 جوان 2009 محطة فارقة في الحراك المهجري التونسي من حيث التنوع والتعدد والالتقاء حول الممكن الوطني المشترك، تقابل فيها الحقوقي مع السياسي، لتبرز معاني التجالس والتخاطب، من أجل قضايا الحرية وحقوق المواطنة، ومؤازرة المساجين السياسيين، من خلال سهرة تضامنية مع معتقل الرأي الدكتور الصادق شورو، ومساندة لمساجين الحوض المنجمي، دعت لها العديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية التونسية والأجنبية من مختلف البلدان الأوروبية، وحضرها العديد من زعماء المعارضة التونسية، بمشاركة فرقة الزيتونة التي جاءت خصّيصا من سويسرا لتنشد أغاني ملتزمة، تفاعل معها جمهور القاعة، وأعادت للحاضرين تلك الأيام الخوالي، حين كانت تونس تغني سنفونيات أولاد المناجم، وفرقة العاشقين، والحمائم البيض، وعشاق الوطن، وجلال القارسي، ومحمد بحر، وغيرهم من الفرق التي لا زالت منقوشة في الذاكرة النضالية، لتنقسم السهرة إلى قسمين:

ابتدأت بالجزء الحقوقي الذي أشرف على تنشيطه رياض بالطيب عضو جمعية التضامن التونسي، حيث استهل الأستاذ حسين الباردي المحامي لدى المحاكم الفرنسية، تدخله بوصف ظروف وملابسات محاكمة مجموعة الرديف، مشيرا إلى حالة العسكرة التي كانت عليها مدينة قفصة أثناء المحاكمة، متطرقا للخروقات القانونية، وآثار التعذيب على أجساد المعتقلين رغم مرور مدة على حبسهم، ليسجل في الأخير أن هذه المحاكمة لا تتوفر فيها أي شروط قانونية، كما تطرّق إلى وضعية الدكتور الصادق شورو، باعتباره أحد محاميه، ملخصا إعادة سجنه بأنها مظلمة تاريخية، معبرا عن إكباره لمنوبه، الذي كما ذكر ظلت معنوياته مرتفعة رغم المأساة الإنسانية والقانونية التي يعيشها، ليفسح المجال بعده للأستاذ مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان، الذي بدوره تناول الوضع الحقوقي من العديد الزوايا، ابتداء بمساجين الحوض المنجمي، ومرورا بقضية الصادق شورو، وانتهاء بمساجين ما يسمى بقانون الإرهاب، معتبرا أن هؤلاء الشباب يحاكمون على النوايا...

ليأتي بعده السيد طارق بن هبة، عن اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس، ليقوم ببسطة تاريخية عن أحداث الحوض المنجمي، ومعاناة أهاليهم ومحنتهم كمساجين وكيفية محاكماتهم، وتناول بالأرقام وبكثير من التفاصيل هذا الملف والتهم الباطلة كما يراها، معبرا عن مساندته للدكتور الصادق شورو وكل مساجين الرأي بتونس، وقد كانت لمنظمة منفيون تونسيون مساهمة في هذه السهرة من خلال أحد ممثليها نور الدين ختروشي، الذي قام باستعراض أفقي وعمودي لانبثاق هذه المنظمة، التي اعتبرها خروجا عن الصمت تجاه قضية المهجّرين، وآن الأوان لأن يكون الداخل هذه المرة ملحقا بالخارج، طالما كل السنين الماضية كان المهجر منصبّا على هموم ومشاغل الداخل، وأن منظمة منفيون تونسيون استطاعت في خلال سنة من النقاشات والحوارات وتنضيج الرؤى، أن تخرج بإعلان مؤتمرها التأسيسي، الذي سيقام بسويسرا أيام 20 و 21 جوان 2009، ليختم قوله أن هدف المنظمة هي العودة الكريمة والآمنة لكل المهجرين..

ليعقبه السيد العربي القاسمي رئيس جمعية الزيتونة بسويسرا، الذي عرّج على تاريخية حركة النهضة، بمناسبة مرور 28 سنة على ذكرى تأسيسها في 6 جوان 1981، مشيرا إلى محنة الصادق شورو، لينهي تدخله بإعلان تضامنه مع مساجين الحوض المنجمي...

وكانت لمنظمة صوت حر عبر رئيسها الدكتور نجيب العاشوري كلمة تحدث فيها عن معاناة الصادق شورو الذي قال انه قضى 18 سنة في السجن، منها 14 سنة في العزلة الانفرادية، ليعود للاعتقال بعد إطلاق سراحه لأقل من شهر، ليختم حديثه بإعلان تضامنه مع الصحفيين والناشطين، الذي يعانون من التضييق والمحاصرة، وهنا اختتمت المداخلات الحقوقية، لتنطلق المائدة السياسية التي اشرف على تنشيطها السيد حسين الجزيري، الذي حيّا الحاضرين وأثنى على رؤساء الأحزاب الحاضرين وثمّن جهودهم وتاريخهم الطويل في النضال، كما طلب من الحاضرين الوقوف تحية للسيدة زليخة الغربي، التي تمكنت من إقناع القاضي بعدالة قضيتها، ليبدأ بتقديم الأستاذ نجيب الشابي مرشح الانتخابات الرئاسية المقبلة، الذي افتتح حديثه بالقول أنني كلما آتي لباريس لمدة أربع أيام، أحسّ بالغربة وسرعان ما يتملكني الشوق والحنين إلى تونس، فكيف بمن قضوا كل هذه السنوات في الهجر القصري، وأضاف الشابي أني جربت المنفى لمدة 7 سنوات، وأعرف معنى الإحساس بالحرمان من العودة للوطن وأشعر بما تشعرون، ممّا جعل الحضور يقاطعه بالتصفيق الحار، مواصلا الحديث عن الوضع السياسي بالبلاد ومشاركته في الانتخابات الرئاسية، والأوضاع الحقوقية، وواقع الصحافة المعارضة التي تعاني من المضايقات المستمرة، مؤكدا في الأخير على مواصلة النضال من أجل أن تكون تونس بلد الحرية والمواطنة دون استثناء، مناديا بإطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي الذي اعتبر قضيتهم شكلا من أشكال القصاص السياسي، كما طالب بإطلاق سراح الدكتور الصادق شورو لأنه من غير الممكن السكوت عن هذه المظلمة، لينهي تدخله بأننا جميعا معنيون بالحرية، ومعنيون أن تكون تونس تتسع للجميع...

وتحدث السيد لطفي الهمامي عن حزب العمال الشيوعي في هذه المناسبة، ليذكرّ بموقف الحزب الذي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات من موقع نضالي، مشددا على مساندته لكافة المساجين السياسيين في تونس، والتضامن مع أهالي مدينة الرديف..

ليعقبه الدكتور منصف المرزوقي رئيس التجمع من أجل الجمهورية، مفتتحا مداخلته بالتحية والإكبار للدكتور الصادق شورو، واعتباره عميد السجناء التونسيين، وعبّر عن تضامنه مع كل سجناء الحرية، مضيفا انه يحترم كل الاجتهادات السياسية المعارضة، وأن الجميع وصل إلا قناعة بأن ألأوضاع تحتاج إلى تغيير،  ملخصا أن الوقت حان لأن يكون بيننا توافق سياسي على النقاط المشتركة، لخلق جبهة معارضة ومقاومة مدنية..

لتختتم هذه التظاهرة بمساهمة السيد وليد البناني ممثل حركة النهضة، الذي عرّج على أوضاع المساجين المسرحين وكيفية محاصرتهم وأوضاعهم الصحية والاجتماعية وواقع المحاصرة والتضييق، والثمن الباهظ الذي دفعه أنصارها سواء في الداخل أو المهجر وتناول واقع حركة النهضة في المشهد السياسي، باسطا اليد للمعارضة من أجل المشترك السياسي..

هذا والملاحظ في هذه التظاهرة التي التحم فيها الحقوقي بالسياسي، بروز حالة من التوافق في القضايا المشتركة بين الأطياف السياسية الحاضرة في هذا التحرك، وكان لافتا ظهور ملامح من التقارب الحميمي بين مختلف الأطراف...    

 / باريس