حسناً، ها أن الرئيس الخطيب المفوًّه الأمريكي يعود ليقف على مسرحنا من جديد ليتكلم عن قضايانا، ضمن المسرحية المملًّة إياها. لكأنًّ الرئيس الأمريكي يعلمنا بلطف واعتذار بأنه لا مسرح في بلاده يستطيع الوقوف عليه ليتحدث عن مسائلنا بنفس الطَّلاقة والحرية، فالمتفرجون هناك سيصفٍّرون ويقاطعون. من هنا فإننا لانعتقد أن الرئيس جاء ليزور مصر وإنما قدم ليقف على خشبة مسرح مصر.
ولذلك ومنذ البداية ليسمح لنا بأن نطلب منه قبل إلقاء خطابه بأن يتذكر قولاً لجورج إليوت: "مبارك هو الرجل الذي، بسبب معرفته بأنه ليس لديه ما يقوله، يفطم نفسه عن إعطائنا البيٍّنات الكلامية عندما يتحدث عن حقائق الواقع". فالمشاهدون العرب قد شبعوا من سماع البيٍّنات والشهادات والوعود الكلامية التي تشرح وتبرٍّر الواقع. إنهم يطمعون في قرارات وأفعال تغيٍّر الواقع الذي فرضته ظلماً وعدواناً على وطننا العربي آلات الحرب والخداع والتآمر الأمريكية عبر العديد من العقود.
دعنا نكن صريحين معك أيها الرئيس المرحَّّب بمقدمه. فنحن لدينا مشكلة مع كل الرؤساء الأمريكيين الذين استمعنا إليهم قبلك. إنهم جميعاً دون استثناء كانوا يجسٍّدون في خطبهم قولاً مأثوراً للكاتب الانكليزي أوليفر غولد سمث: إن الاستعمال الصحيح للخطابات ليس التعبير عما نريد قوله بمقدار التعبير عما نريد إخفاءه ". إن قضيتنا ليست فيما تقولون وإنما هي فيما تخفون. فكم خطاب جميل قيل، وكم وعود مبهرة قد أعطيت، ليظهر فيما بعد أنها لم تصدر عن دفق سخاء القلب، كما يوصي إنجيلكم، وإنما عن العقل المكيافيلي الذي يحكم سياساتكم.
إن شعوبنا يا أيها الرئيس المثقف، صاحب الحساسية تجاه أوجاع الحياة، لم تعد تنخدع بالخطاب الأمريكي، في أيٍّ مكان وأية مناسبة يتلى. لكنها، وهي تعرف خلفيتك الثقافية، تشفق عليك شخصياً، إذ أنك ستضطر، ومن على مسرح مصر، أن تعيش وتجسٍّد في خطابك المنتظر قول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه من أن أكثر الكذب انتشاراً هو الكذب على النفس. وفي حالتك فإننا واثقون بأن قوى العنصرية الصهيونية في فلسطين المستباحة وفي واشنطن، وبأن الآلة العسكرية- المالية- الصناعية الأمريكية المتحالفة مع الأصولية المسيحية الأمريكية المتصهينة، واثقون بأن تلك الجهات ستضطرك لخداع النفس إن أردت البقاء في منصبك أو أردت إعادة انتخابك بعد أربع سنوات. إن بلادك، أيها الرئيس، تدعم في فلسطين المحتلة أقبح حركة استعمارية استيطانية عنصرية عرفها التاريخ وتمدٌّها بالمال والسلاح والحماية السياسية. وبلادك قد دمًّرت وأذلًّت ونهبت، ولا تزال، وطن العراق وشعبه. وهي على الأغلب ستتركه من الباب لتدخله من الشبًّاك إلى أن يصبح جيفة لاحياة فيها. عند ذاك فقط ستسمح لكم القوى الصهيونية الحاقدة المهووسة بالانتقام والثأر من التاريخ بأن تغادروا الجثًّة المتقيٍّحة. وبلادك تسعى إلى إثارة بركان مدمٍّر في لبنان ومنطقة الخليج بعربه وعجمه، وإلى تقسيم السودان العربي، وإلى تركيع سورية، وإلى دعم أصدقائها المستبدٍّين الجاثمين على أنفاس الأمَّة، وإلى إطلاق أيادي حلفائها في اللًّعب بمقدًّرات الصومال العربي. بلادك متشابكة مع بترولنا واقتصادنا وأمننا وثقافتنا وديننا ومستقبل تنميتنا، بحيث ماعدنا نعرف من أين نبتدئ وإلى أين ننتهي عند التعامل مع حكومتك ومؤسسات مجتمعك. ومع ذلك فاطمئن، إذ أنك لن تمارس خداع النفس لوحدك. ذلك أن أكبر خداع للنفس تمارسه الغالبية الساحقة من مسؤولينا العرب عند تعاملهم مع سياسات بلادك. ولكن الفرق هو أنك ستقوم بكل ذلك على مسرح مفتوح وأمام العالم كلٍّه. أما المسؤولون العرب فانهم يمارسون خداع النفس، وبالتالي خداع شعوبهم، في حجر مغلقة عندما يزورونكم في واشنطن برؤوس منكًّسة ووجوه مستجدية مستعطفة.
سيدي الرئيس، لعبة الخداع والانخداع هي التي تلعبونها ونلعبها نحن معكم، لنسلٍّي جميعاً تاجر البندقية في تل أبيب.
الطليعة 11-06-2009