بعد مرور 61 عاماً على نكبة عام 1948، باتت الأقلية العربية داخل الخط الأخضر في مواجهة تحديات هامة، في مقدمتها دعوة بعض الإسرائيليين -وعلى رأسهم وزير الخارجية الإسرائيلي العنصري أفيغدور ليبرمان- إلى طرد أكبر عدد ممكن من العرب الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر إلى الضفة الغربية أو إلى خارج حدود فلسطين التاريخية، كما دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى طرد الأقلية العربية من إسرائيل، وسجل ذلك عبر توصيات عديدة في مؤتمرات إسرائيلية وفي المقدمة منها مؤتمرات هرتزليا التي عقدت بشكل دوري منذ عام 2000.

وبالعودة إلى أدبيات الحركة الصهيونية نرى أن نجاح مشروعها في إنشاء الدولة اليهودية بفلسطين واستمرارها كان يكمن في القدرة على طرد السكان الفلسطينيين من ديارهم و إحلال المستوطنين اليهود من كافة بقاع الأرض عوضاً عنهم، واستطاعت الحركة الصهيونية -بعد 49 عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني في مدينة بازل السويسرية من إنشاء الدولة، أي يوم 15 مايو/أيار 1948- إقامة إسرائيل على نحو 78% من مساحة فلسطين البالغة 27009 كلم2، وتمً طرد نحو 850 ألفاً من الفلسطينيين خارج أرضهم كانو يمثلون 61% من مجموع السكان العرب الفلسطينيين في عام 1948.

ومنذ العام المذكور اعتبر أصحاب القرار في إسرائيل مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطراً عليها، فانتهجت حيالها إستراتيجية استهدفت الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين، وتبعاً لذلك قام الجيش الإسرائيلي وقبله العصابات الصهيونية: الشتيرن والهاغانا والإيتسل، بارتكاب العديد من المجازر كمجزرة اللد والرملة وكفر قاسم وقبية والطنطورة وبلد الشيخ لدفع العرب خارج أرضهم.

سياسات إسرائيلية محكمة
وبعد ذلك اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت في نفس الوقت استيعابها ودمجها في المجتمع الإسرائيلي ولكن على هامشه. وعملت السلطات الإسرائيلية جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.

مر العرب داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2009، وتميزت الفترة الأولى (1948-1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي باستصدار إسرائيل 34 قانوناً لمصادرة الأراضي العربية، سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو لأصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر يقطن جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة قرب قريتهم التي طردوا منها عام 1948 ويمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 260 ألف عربي فلسطيني.

وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في مارس/آذار 1976 حيث تمت مصادرة إسرائيل لنحو 21 ألف دونم من قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك قامت الأقلية العربية في أرضها بانتفاضة يوم الأرض في 30 مارس/آذار 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض وضد مصادرتها من قبل سلطات الاحتلال.

الأقلية العربية والقوانين العنصرية
وتبعاً لمصادرة الأراضي العربية من قبل الجيش الإسرائيلي تحت حجج وضرورات الأمن، فإن الفلسطينيين ورغم ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو 1.4 مليون يمثلون نحو 20% من سكان إسرائيل، لا يملكون سوى 3% من الأراضي التي أقيمت عليها الدولة الإسرائيلية عام 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية.

إضافة إلى ذلك يعاني العرب داخل الخط الأخضر من تمييز إسرائيلي واضح في مجال العمل والتعليم والصحة، الأمر الذي انعكس على المؤشرات ذات الصلة، فبينما بلغت معدلات البطالة بين اليهود في سوق العمل الإسرائيلي إلى ما بين 8 و9% خلال الأعوام الأخيرة، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى نحو 19%، وبسبب ضعف الخيارات فإن 44% من الأطفال العرب يرتادون رياض الأطفال، في مقابل 95% للأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات.

ويعاني أكثر من ربع الأطفال العرب داخل الخط الأخضر من ظاهرة الفقر المدقع، إضافة إلى ذلك يمنع العربي من العمل في القطاعات الإسرائيلية الإستراتيجية خاصة العسكرية منها. ونتيجة التمييز في موازنات التعليم ارتفعت معدلات الأمية بين العرب خلال الأعوام الأخيرة لتصل إلى 12% مقابل 5% بين اليهود.

ومحاولةً منها لتهويد الأراضي العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل وكسر التركز العربي في المنطقة المذكورة، وذلك عبر مسميات مختلفة في المقدمة منها ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020، حيث تهدف تلك المشاريع وغيرها إلى إخلال التوازن السكاني لصالح اليهود في المنطقة الشمالية التي تضم مدن الجليل، مثل الناصرة وحتى وادي عارة.

وبعد تشكيل حكومة نتنياهو الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل ستواجه الأقلية العربية تحديات جمة في المقدمة منها مخططات الترانسفير التي يدعو إلى تنفيذها أكثر من وزير وعضو كنيست.

وقد تم اقتراح مشاريع قوانين عنصرية من قبل وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لترسيخ فكرة يهودية الدولة وتهميش الكفاح الخاص الذي تمارسه الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، ومن بين تلك المشاريع مشروع قانون يحرم الأقلية العربية من إحياء ذكرى نكبتهم، ومشروع قانون آخر يتم من خلاله القسم لأي شخص يحمل الهوية الإسرائيلية ليهودية الدولة، الأمر الذي يهدد بسحب الهوية الإسرائيلية من الأقلية العربية ويهيئ الظروف لطردهم في نهاية المطاف.

فلسطينيو 48.. التمييز الإسرائيلي بالأرقام
أوضحت معطيات حديثة أصدرها مركز ركاز التابع لجمعية الجليل داخل الخط الأخضر مدى التمييز الذي لحق بالمجتمع العربي، وذلك من خلال إجراء بحث ميداني شمل نحو 3270 أسرة فلسطينية من الشمال والجنوب في فلسطين المحتلة، واعتمدت هندسة العينة على طريقة إحصائية شملت 1650 أسرة في منطقة الشمال، من 41 بلدة عربية تشمل 570 أسرة في منطقة حيفا عبارة عن 11 بلدة، 540 أسرة من منطقة الجنوب من 7 بلدات معترف بهم و8 قرى غير معترف بها، 510 أسر في منطقة المركز شملت 11 بلدة.

وأظهرت النتائج حول السكن والسكان العرب داخل الخط الأخضر الذين يصل مجموعهم إلى 1.4 مليون فلسطيني عام 2009 أن 58.4% من الأسر الفلسطينية في إسرائيل تحتاج لوحدة سكنية على الأقل خلال العشر سنوات القادمة، فيما لن تتمكن 43% من مجمل الأسر الفلسطينية من بناء أي وحدة سكنية إضافية. وثمة 94.5% من الأسر تمتلك البيوت التي تسكنها.

واللافت أن 86% من الأسر الفلسطينية تبعد أماكن سكناها عن أقرب مستشفى مسافة 5 كلم وأكثر. وبالنسبة لاستخدام شبكة الإنترنت أشارت النتائج إلى أن 34% من الأسر العربية تمتلك شبكة إنترنت، في حين تصل النسبة بين اليهود إلى أكثر من النسبة المذكورة بكثير.

وفي السياق نفسه أظهرت نتائج البحث معطيات حول قوة العمل واتجاهات تطورها، ومن تلك المعطيات تدني مشاركة المرأة العربية في العمل، فبينما تعمل 19% من النساء العربيات تصل النسبة إلى 56% عند النساء اليهوديات. أما معدلات البطالة فقد بلغت قوة العمل العربية في إسرائيل 10%، بينما ترتفع لدى النساء إلى 13.5% مقابل 9% لدى الرجال. وثمة 45% من النساء يعملن في قطاع التعليم.

وتعتبر مؤشرات مستويات المعيشة بين الأقلية العربية من أهم المؤشرات التي أتى عليها البحث، وبهذا الصدد أشارت النتائج إلى أن 32.5% من الأسر العربية تعتمد على المخصصات الحكومية كمصدر دخل رئيسي.

وقد بلغ معدل الصرف الشهري غير الصافي للأسرة العربية 6878 شيكلا (الدولار = خمسة شيكلات) مقابل 13245 شيكلاً للأسرة اليهودية، أي أن معدل صرف الأسرة اليهودية يصل إلى ضعف ما تصرفه الأسرة العربية، وقد يكون ذلك ناتجاً عن اتساع الخيارات المتاحة للعامل والفرد اليهودي في الاقتصاد والحياة العامة مقارنة بضعفها وتدنيها عند الفرد العربي.

كما أظهرت النتائج مؤشرات هامة حول الواقع التعليمي بين الأقلية العربية، فقد وصلت نسبة القراءة والكتابة بين الفلسطينيين إلى 95%,  في حين بلغ معدل التسرب في المدارس إلى 5.60% بسبب عدم الاهتمام بالدراسة.

وتصل نسبة الذين يقرؤون الصحف 40% في الفئة العمرية فوق عشر سنوات، وبالنسبة لمعدلات استخدام الحاسوب فثمة 50% من الأسر العربية تمتلك الحاسوب، و65% من العرب الفلسطينيين في إسرائيل يمتلكون الهواتف النقالة.

وفي نفس السياق تشير دراسات مختلفة إلى وجود تمييز في مجالات الأجور والولادات في المشافي والعمل في الجامعات الإسرائيلية، حيث لا يعمل في الجامعات الإسرائيلية كمدرسين سوى عشرة أكاديميين من الأقلية العربية التي تصل نسبتها نحو 18% من سكان إسرائيل. وتصل الولادات بين اليهوديات إلى ضعف الولادات عند العربيات في المشافي الإسرائيلية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات عن النساء الفلسطينيات بسبب الولادة مقارنة مع اليهوديات.

الأقلية العربية والكفاح الوطني

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر شارك في كافة مراحل العمل الوطني الفلسطيني وفق تعبيرات مختلفة ممكنة، كان أهمها التعبير عن الوحدة الوطنية في بداية انتفاضة الأقصى في نهاية سبتمبر/أيلول 2000، حيث سقط في الناصرة 13 شهيداً برصاص الجيش الإسرائيلي، كما أن كافة الأحزاب العربية ترفع شعارات ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشريف، هذا في الوقت التي تسعى فيه إلى تحقيق شعارات مطلبية في المقدمة منها المساوة في العمل والدخل والموازنات التي تخصص للمدن والقرى اليهودية من جهة والعربية من جهة أخرى.

لكن يبقى الوجود العربي المادي الكثيف وتعزيزه داخل المناطق المحتلة عام 1948 وتحسين الظروف المختلفة هو الأهم في المدى البعيد، وذلك بغية تفويت الفرصة لتحقيق أية أهداف إسرائيلية وخاصة القوانين العنصرية التي تعتبر مقدمات لعمليات الطرد التي دعا لتنفيذها أكثر من مسؤول إسرائيلي خلال مؤتمرات هرتزليا السنوية وكذلك العنصري المستحدث ليبرمان في الآونة الأخيرة.

 

المصدر: الجزيرة نت