El Mostafa Soulaih
أعتذر لقراء هذا المقال، فما يتضمنه لا يلزمني لأنه بكل بساطة اعتراف أحد الأصدقاء. يقول هذا الصديق : بعض الناس يعتقدون أني شيوعي، والبعض يظنون أني من عتاة المدافعين على الرأسمالية، و البعض الآخر يخالني ليس أكثر من طوبوي أو فوضوي أو أي آخر من هذا القبيل. أما أنا فلا أستطيع تصنيف نفسي. الذين يعتبرونني شيوعيا يستحضرون انتمائي و حركيتي في فترة الشباب. و لا يفوتهم أن يحاججوا بادعائهم عضويتي في اليسار الاشتراكي الموحد سابقا و الحزب الاشتراكي الموحد حاليا و تعاطفي مع حزب النهج الديمقراطي و حزب الطليعة. و الذين ينعتونني بكوني من إيديولوجيي الرأسمالية يسترجعون زعمهم انقلابي من "المثقف" الذي كان يدعي أنه أحد منظري "التحالف العمالي الفلاحي"،و"لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو"و"الثورة الوطنية الديمقراطية"،إلى متخل عن الطبقة لفائدة شيء لا سحنة له يسمى الإنسان.أما الذين يصفونني بالفوضوي فيحيلون على أني لا أعلن ولاء،نسبيا أو مطلقا،لأي فرد أو مجموعة سواء في داخل بلادي أو في خارجها،و أني غالبا ما أتصرف على هواي.لذلك لا أرضي لا الزوجة و الأولاد و لا الأصدقاء أو الإخوان أو الرفاق و لا حتى المخزن،بطبيعة الحال،رغم أنه الغول الجاثم فوق الجميع.أما أنا،فلا أدري بالضبط من أنا.
كل ما في الأمر أني مواطن لا أهمية لأن أكون عاديا أو فوق العادي.كل ما في الأمر أني حين أفيق صباحا و أخرج إلى الشارع العام في اتجاه عملي أو في أي اتجاه غيره أقرره وحدي مع نفسي أو رفقة أي كان أو أية كانت،آمل في ألا يعترضني أي كان في لباس رسمي أو مدني و يطلب مني أن يتحقق من هويتي و هوية صحبتي ثم يساومني بعد ذلك من أجل تحرير سبيلي،فأنا مواطن و المغرب وطني و لي كامل الحق في أن أدعي بأني فوق كل الشبهات التي قد يلصقها بي المشبوهون الحقيقيون.
و لكوني أعتقد أن كرامتي هي وحدة متكاملة،أي أنها ليست حقوقا و حريات مدنية و سياسية فحسب، بل هي أيضا حقوق اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و تنموية و بيئية،أعيب على أعزائي من حقوقيي بلادي أنهم،من جهة،يولون أكبر الاهتمام للنخبة من ضحايا الاعتقال السياسي و إبداء الرأي المخالف(أي الرفاق و الأصدقاء و الإخوان)دون غيرهم من آلاف المواطنين الذين يتعرضون يوميا لحالات الاعتقال التعسفي و الحط من الكرامة في المخافر و غيرها من الإدارات العمومية،،،و أنهم،من جهة أخرى،يكادون أن يتغاضوا عن وضعيات الملايين من المستعبدين في الوطن من شدة الفاقة و الأمية و الخوف.
لكوني كذلك أشجب تأويل الدولة السلبي لفحوى البند 1 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية
والاجتماعية و الثقافية وأذكرها بلزوم وفائها بالتزاماتها تجاه مختلف مواد و بنود هذا العهد،و في مقدمتها التزامها"بكفالة حق الكفاف لجميع الأفراد"بغض النظر عن الموارد المتاحة في البلد،و أن تعتمد مفهوم"المحتوى الأساسي"لقياس مجموعة الضمانات "العامة"و"المفردة"المقررة بمقتضى أي من الحقوق ذات الصلة،و مفهوم"الحد الأدنى الأساسي"لقياس الحد الأدنى من الضمانات المتعلقة بكل من تلك الحقوق التي يكون على الدولة أن تكفلها لجميع الأشخاص مهما كانت الظروف بما فيها تلك الغير مواتية،و إلا فلتعلن أن فشلها في ضمان مستوى معيشي كاف للأفراد المعنيين هو أمر خارج عن نطاق سيطرتها.أما الأفراد فليسوا معنيين بالبرامج الملقبة بخطط التنمية البشرية المستدامة و ما قد يصاحبها من تقديم لخدمات أساسية أو ثانوية بقدر ما هم معنيون بالعمل في سبيل إعمال و تفعيل حقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية.
و في ذلك آمل في أن يجد ابني أو ابنتي مقعدا في المدرسة الابتدائية و الثانوية الإعدادية و التأهيلية و في المعهد العالي أو في كلية الجامعة التي أختارها و إياهما،و أن تكون التعلمات التي يكتسبانها جيدة،فإن كان الأمر من مسؤولية الدولة و حكوماتها المتعاقبة على صرف أموالنا،بالنظر إلى الضرائب التي تقتطع من راتبي من"رأس الماء"دون استشارتي و عمليات التضامن التي أشارك فيها،فذاك.و إن كان علي أن أدفع أقساط الرسوم الشهرية و أتكلف بمصاريف التغذية و النقل و الأدوات المدرسية و أتحمل بعد ذلك عواقب الفشل المدرسي و تحويل طفلي من شخص وديع إلى متطرف،أو منضو تحت لواء الاحتجاج اللامنتهي ضد العطالة أمام البرلمان و تحت هراوات الأجهزة القمعية،،،فعلى الدولة أن تمكنني من المداخيل التي تتيح لي ذلك.و أرجو حين أمرض أو تمرض زوجتي أو أحد أبنائي أن نجد سريرا في أحد المستشفيات اللائقة و لا يهم إن كان لا بد من أن أدفع أموالا مقابل الخدمات الصحية التي قد نتلقاها،فقط من المفروض أن نكون قادرين على ذلك و أن نتوفر على كل الضمانات التي تحمينا من ألا يتم استرخاصنا إلى حد وضعنا في أقذر الأماكن و أكثرها تعرضا لما أصبح من المعتاد تسميته في مغربنا الحبيب بـ "الأخطاء الطبية"القاتلة بشكل متكرر .
و لأني أقر بأن البطالة هي بدورها ظاهرة كونية لا أعيب على واضعي برامجنا التنموية كون مضيق البوغاز ينوب عنهم يوميا،بابتلاع الأجساد و الأرواح،في التخفيف من حصيصات عشرات الآلاف الذين يتكبدون مرارتها،لكني مع ذلك أتمنى أن يجمعوا مواطنينا هؤلاء في أقرب الآجال،و ينسبوا القرار لمن يشاؤون،و يعلموهم بأن دولة المؤسسات و الحق و الحداثة و التقويم الهيكلي والديمقراطية و الإقلاع الاقتصادي و التناوب السياسي و التضامن و العشريات و حقوق الإنسان و المواطنة و نبذ الكراهية والتطرف و الإرهاب و تخليق الحياة العامة و المساواة،،،فكرت مليا،و ضربت أخماسا في أسداس،و استحضرت تجارب الدول المتمدنة، ثم حزمت أمرها على أن تتحمل مسؤولية تعويض كل مواطن لم تنجح إلى الآن في تشغيله و ذلك إلى أن توفر له منصب عمل.
كما أحلم بسكن مريح لكل الناس،أما ثمن تملكه أو تسعيرة اكترائه فليس مهما تحديدهما أو حتى تقنينهما،إنما الأهم من هذا و ذاك هو أن يكون الناس قادرين على التسديد. و أحلم بكل بلادي موفورة أسواقها و خاوية طرقاتها و مقاهيها و حاناتها و أرصفتها و محطاتها الطرقية و مدارات شوارع مدنها من المتسولين و أطفال الشوارع و ماسحي الأحذية.
و لأني أعتقد أن النظرة السليمة للإنسان هي تلك التي لا تعتبره فردا معزولا بل تعتبره جزءا من المجتمع و من النظام البيئي كله،أتساءل في حالة ما إذا قامت السلطات العمومية المغربية بإصدار قانون يحظر على الباعة المتجولين و أصحاب العربات المجرورة بالحيوانات و المهنيين في"الموقف"و"الفراشين"الاستمرار في القيام بهذه الأعمال و ذلك بدعوى أنهم لم يعد لهم مكان في مدن عصرية كولاية الدار البيضاء الكبرى و ولاية الرباط ـ سلا لأن أسلوب اكتسابهم للرزق لم يعد يلائم الحياة فيهما:هل معنى ذلك أن الحكومة لا تتحمل أية مسؤولية عن تهميش هذه الفئات؟و هل أن تمكين هؤلاء الأفراد من أسلوب حديث لكسب الرزق يجب أن يتم إرجاؤه إلى غاية تمكن الدولة من تحقيق التنمية الاقتصادية؟و ألا يتعلق الأمر بافتراء مفضوح حين الادعاء بأنه مادام هؤلاء الناس يتمتعون بحقوق تحميهم من الاعتقال التعسفي و التعذيب و القتل،فلا ضرورة لأن يتمتعوا،بشكل مستعجل،بحقوق تكفل لهم رفاهيتهم الاقتصادية و الاجتماعية؟
و أحلم،،،أحلم كذلك بألا يتدخل أي كان في علاقاتي بالله.
أحلم (بصيغة الأمر) يا صديقي،أحلم شيوعيا كنت أو مستلبا بالرأسمالية أو إنسانيا ، لكني لا أنفي لقراء هذا المقال بأن ما قاله صديقي غالبا ما يدور في خلدي أنا أيضا،و بأني أعتقد أنه يدور في خلد الكثيرين ،،،،
*كاتب و باحث من المملكة المغربية