تابعت ، كما بالتأكيد تابع كثير غيري ، خطاب "أوباما" في جامعة القاهرة ( 4-6-2009م ) ، ولكن ما يهم الإشارة إليه و التعليق عليه من هذا الخطاب هو ما يلي :
أولا - مقاربته للمسألة أو القضية الفلسطينية و الصراع العربي- الإسرائيلي .
ثانيا - مقاربته للمسألة الديمقراطية و حقوق الإنسان و الأقليات و المرأة .
ساترك مناقشة المقاربة الأمريكية ( مقاربة- أوباما ) لحل الصراع العربي الإسرائيلية ، و حل القضية الفلسطينية إلى مقالة منفصلة ، و اتجه لمناقشة المقاربة الأمريكية و" أوباما " للمسألة المهمة الأخرى :
هي مسألة تحقيق و تعزيز الديمقراطية و حقوق الإنسان و المرأة .
جميل أن يتكلم الرئيس "أوباما" عن الديمقراطية ، و متلازماتها من القضايا الحقوقية للشعوب العربية و الإسلامية عموما و لبعض فئاته خاصة . و لكن المشكلة لا تكمن في إطلاق الكلام ، كما هو في مقاربته للمسألة الفلسطينية ، و إنما في تناقضها مع الواقع المعاش ؛ فمن ناحية أولى ، الإدارة الأمريكية تدغدغ عواطف و أماني شعوب عربية و أسلامية ، و ربما غيرهم على شاكلتهم في مناطق أخرى من العالم ، حكامهم هم في الوقت نفسه حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية ذاتها ، و لكنهم حكام مستبدون قامعون لشعوبهم مفرغون بلادهم حتى من الحد الأدنى من الحقوق و الحريات ، بل منتهكون لها على نطاق واسع و على مسمع و مرأى من العالم اجمع ، و الولايات المتحدة ، و إدارتها تحديدا ، تعلم تلك الحقيقة علم اليقين . لذلك فالأمر فيه أو حوله استفهام ؟؟؟ و تعجب !!!.
من الناحية الأخرى ، إذا افترضنا حسن النية و أن الامر هو مجرد بداية ، كما شدد عليه اوباما شخصيا ، فالأمر يحتاج أيضا للإقناع و الشعور بالتفاؤل ، بان تتبنى الإدارة الأمريكية ، كما هي في القضية الفلسطينية ، سياسات عملية نحو الدفع بتلك المسألة الديمقراطية و الحقوقية نحو التحقق و التعزيز و الحماية ، و إلا فلا فائدة من الأقوال من دون الأفعال : من ذلك مثلا ، كان على الرئيس "أوباما" ، أو هكذا عليه أن يفعل في القادم من الأيام ، أن يربط تعاونه و تحسين و تطوير علاقات بلاده في كافة المجالات ( الثقافية و العلمية ، و التجارية و الاقتصادية، و المساعدات المالية و التعاون الأمني و العسكري ، و الدبلوماسية و السياسية ... الخ ) بكافة الدول عربية أو إسلامية كانت ، أو غيرها من العالم ،أسيوية أو أمريكية-لاتينية ، بمسار و مدى ما يتحقق من خطوات التقدم على مسطرة تلك القضايا الديمقراطية و الحقوقية ، التي تحققه هذه الدولة أو تلك .
لكي نتجاوز الحساسية من العقدة الأمريكية و المركزية الغربية عموما في مقاربة الديمقراطية و حقوق الإنسان ، بما في ذلك الأقليات و تمكين المرأة ، أرى أن الامر و هذه المسائل لابد أن تأخذ أبعاد أكثر عالمية ؛ من هنا فأنني ، وكوني عضو في اللجنة العربية لحقوق الإنسان ( باريس ) ، أتوجه إلى اللجنة و زملائي بها ، و إلى المنظمات الحقوقية المدنية المستقلة في كافة أنحاء العالم ، بتبني اقتراح محدد ، سبق و أن طرح فكرته الأولى ، على عجالة ، الإعلامي الليبي محمود شمام** ،
و هو : أن يصاغ مشروع قرار أممي ( يصدر عن الأمم المتحدة ) في مسألة تحقيق و تعزيز الديمقراطية و حماية حقوق الإنسان و الأقليات و المرأة ، و يقدم إلى الأمم المتحدة لاستصداره على شكل قرار و ينص فيما ينص على أن أية دولة عضو في الأمم المتحدة و قد التزمت بميثاقه ( وكثير منها وقعت و وافقت على مواثيق حقوق الإنسان ،إقليمية و دولية ، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و كذلك وثيقتي الحقوق في الشق المدني و الشق الاقتصادي و الاجتماعي ... الخ ) عليها أن تحرز تقدما سنويا ( أو تحافظ على المستوى من التقدم ) ، على طريق الديمقراطية و حقوق الإنسان و الأقليات و المرأة ، على أن تحصل الدولة ( أية دولة ) على نقاط لا تقل على 50% ، أو لنقل تقدير " متوسط/ أو جيد " من مقياس مركب الديمقراطية ( مقياس الديمقراطية يمكن أن يتكون من صفر إلى 100 نقطة بحيث الحصول على المائة نقطة يمثل الحالة المثالية و العكس صحيح .
طبعا يمكن تطوير مقياس للديمقراطية من عدة عناصر، مثالا عليها لا حصرا لها هنا :
1- و جود و وقوع انتخابات دورية نزيه لمجلس نيابي
2- المجلس النيابي المنتخب دوريا ، تمثيل للشعب و للأقليات و للمرأة ( المرأة لا تقل حصتها في المجلس عن 25% ) ، و تكون له صلاحيات تشريعية و رقابية و محاسبة تجاه و على الحكومة ( السلطة التنفيذية ) و سياساتها و مسئوليها
3- و جود مدونة مفعلة للحقوق و الحريات ، بما في ذلك حق التعبير و الرأي و النقد و الكتابة و قانون لحرية الصحافة ، وحق و حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني على نحو مستقل ، وكذلك وجود و عمل الأحزاب السياسية
4- و جود سلطة قضائية مستقلة بمعايير استقلال القضاء الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة ، بما في ذلك وجود محكمة عليا للبت في مشروعية و شرعية القوانين و الأنظمة ، فضلا عن دورها في حماية الحقوق و الحريات و العدالة للناس أفرادا أو جماعات ، وكذلك أن تكون المحاكمات علنية عادلة ، و إشراف قضائي مستقل على التحقيق و السجون و الانتخابات ... ، كذلك مدى احترام بعض الدول في ظروف الاحتلال لحقوق الإنسان و للاتفاقيات الدولية المتصلة بهذا الشأن ( و هذا ينطبق على دول مثلا و تحديدا : إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين ، و أمريكا في العراق ، و في افغانسستان الخ .
هذه العناصر و ربما يضاف عليها غيرها يمكن أن تأخذ قيم ما بين:
1- لا يوجد ( أو ضعيف جدا ) و تأخذ قيمة # صفر
2- ضعيف و تأخذ قيمة # 1؛
3- متوسط أو جيد، وتأخذ قيمة # 2؛
4- قوي، و تأخذ قيمة # 3؛
5- قوي جدا، وتأخذ قيمة # 4.
هذه القيم يتم تقديرها من قبل خبراء في الحقوق و القانون و الفقه الدستوري و في الإحصاء و الدراسات الكمية في العلوم الاجتماعية و قياسات الرأي ، ترشحهم المنظمات الحقوقية المدنية المستقلة في كل أنحاء العالم ، و كذلك الجامعات و مراكز الأبحاث المشهود لها بالنزاهة ، و يختار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة 15 خبيرا منهم ، و لمدة خمس سنوات على أن يكون هناك تمثيل للقارات بينهم بحيث لا يقل عن 2 من كل قارة من القارات ألأساسية ، و الباقي يمثلون المنظمات الحقوقية المدنية المستقلة . القيم الإجمالية( الكلية ) لكل دولة من خلال جمع مضاعفات قيم عناصرها ، ترتب في شكل جدول واضح القيم ( رقميا و كميا ، أو نوعيا و كيفيا ) تنازليا أو تصاعديا بما حصلت علية من قيمة أو كتقدير من الأسوأ ديمقراطيا إلى الأكثر ديمقراطية و محافظة على حقوق الإنسان ، أو العكس .
طبعا هناك مقاييس للديمقراطية و الحريات و الشفافية ، كما هو مؤشر الشفافية العالمي من " دار الحرية - Freedom House " مثلا ، و لكن يمكن تطوير مؤشر أكثر موضوعية و بمشاركة عالمية قانونية و حقوقية ( من كافة المنظمات الحقوقية و المدنية المستقلة من جميع الدول و القارات ) لكي نبعد الحساسية السياسية من بعض المؤشرات الصادرة عن بعض المؤسسات المعنية بالديمقراطية . طبعا الدول غير الديمقراطية عربية و إسلامية أو غيرها في هذا المقام ، بما في ذلك دول كبرى كالصين مثلا ، قد تعمل على عرقلة صدور مثل هذا القرار و هذا التوجه ، و لكن العمل الحثيث من قبل المنظمات الحقوقية و المدنية المستقلة و بدفع من الشعوب و الدول الحرة في الشرق و في الغرب في الشمال و في الجنوب ، سيصل في النهاية إلى هكذا قرار ، تذعن له الدول جميعا .
في حال أن دولة ما ( أية دولة ) حصلت على 50% فاقل ، أو لنقل أقل من تقدير " متوسط أو جيد " فإن الأمم المتحدة تصدر" بيان " ( و ليس قرار ) يوبخ الدولة تلك ، وكذلك تفعل المنظمات الحقوقية و المنية في مؤتمرات صحفية دورية و متتالية متعاقبة على مدار السنة . تعطى تلك الدولة مهلة سنتين أو في حدودها لتحسن وضعها ، فإن لم تحسن وضعها يصار إلى إجراءات اشد ؛ مثل تخفيض تمثيلها في المؤسسات الدولية ، و قد يصل الامر إلى منع سفر شخصيات دبلوماسية في تلك الدولة . إذا استمرت الدولة في تجاهلها لفترة أطول و خاصة بعد مرور سبع أو عشر سنوات مثلا ، دون أي تغيير، رغم تذكيرها من وقت لآخر ، في وضع الدولة على مسار الديمقراطية و حقوق الإنسان يصار إلى تعليق عضوية الدولة تماما من المؤسسات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة نفسها ، لأن تلك الدولة أخلت بالتزاماتها تجاه ميثاق الأمم المتحدة ، فضلا عن الإخلال بذلك القرار و روحه . فوق هذا ، إن استمرت الدولة في وضعها ، لفترة تتجاوز عشر سنوات ، يصار إلى توجيه تهما ، شريطة أن تكون مقرونة بدلائل و قرائن مؤكدة لا لبس فيها ، لشخصيات بعينها بارتكاب " جرائم ضد حقوق الإنسان " ، و من ثم يصار إلى إصدار مذكرة اعتقال و إحالة إلى محكمة دولة تنشأ لهذه الغاية( ضمن مشروع القرار الاممي ) .
طبعا من الأهمية بمكان ملاحظة أن ليس في هذا القرار ما يتضمن أو يدعو إلى غزو أو تهديد بالغزو و لا بحصار للشعوب ذاتها ، و إنما التركيز على المسئولين فيها الذين تثبت الأدلة ضدهم مع مهلة قد تصل إلى عشر سنوات ، و هو أمر قد يكون من المستحيل حدوثه ، بمعنى أنه من الصعب أن تجد دولة تعاند ضد التقدم و الديمقراطية على طول تلك الفترة في عالم متحول ، و مكوناته و قواه و أطرافه متفاعلة و متقاربة بشكل سريع .
الدول التي تأخذ قيمة إجمالية فوق 50% أو لنقل تقدير " متوسط / أو جيد " فما فوق من مقياس الديمقراطية و لكنها لا تصل إلى 80% فما فوق أو اقل من تقدير " قوي " ، تطالب هي الأخرى بالتقدم و تعطى ثلاث فرص كل فرصة لمدة سنتين ، إلا أن تكون قد تحسنت فكان بها ، و إن لم تتحسن يصار إلى عقوبات مناسبة يحددها القرار ، وهكذا . على كافة الدول الأخرى أن تلتزم بهذا القرار و بما يترتب عليه من التعاضد في سبيل تحقيق غاياته أو تنفيذ عقوبات ترتبت أو سوف تترتب على دولة ما.
هذه فكرة قد تحتاج مزيد من المناقشة و البلورة باتجاه إنضاجها و تطويرها من قبل الجمعيات و المنظمات الحقوقية و المدنية و الناشطين في القضايا الحقوقية و الديمقراطية و المثقفين المعنيين بالأمر ، و كذلك من الشعوب و الدول الحرة ، أينما كانت ، فضلا على أن على الأمم المتحدة ذاتها من خلال مجلس الحقوق التابع لها ، و من خلال أعضاءه و خاصة من الدول الحرة و المنظمات الحقوقية و المدنية المستقلة و المنظمة إلية ، أن تدعم هكذا مشروع أممي عالمي لتحقيق الديمقراطية و حماية حقوق الإنسان و الأقليات و المرأة في كل مكان من العالم و بدون أن تثار خصوصيات أو ثقافات بعينها ، و بدون أن تطلق طلقة واحدة و بدون حروب و غزوات و احتلال تحت مزاعم تحقيق الديمقراطية و حماية حقوق الإنسان و الأقليات و المرأة . بل أن حتى الدول المحتلة بما في ذلك إسرائيل و الولايات المتحدة هي في موضع المسآءلة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان و الشعوب تحت الاحتلال ، و هي بالتأكيد يجب ألا تستثنى ، و إن كانتا ستعملان ما في وسعهما للإفلات من المسآءلة و المحاسبة و العقاب .
انه مشروع أنساني عالمي يشارك فيه الجميع : الذين لا يشاركون فيه أو لا يرغبون به أو يعارضونه هم أولئك الذين يخافون لأنهم ببساطة ينتهكون حقوق الإنسان ، هم الذين يمارسون التلذذ باستعباد الناس و مواصلة إذلالهم و الحط من كرامتهم البشرية ، تلك الكرامة التي أكدها الله سبحانه و تعالى ، قبل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، حيث يقول ؛ " و لقد كرمنا بني أدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير من الخلق تفضيلا ( 70- الإسراء ) ، كما أكدها الخليفة عمر الخطاب حين التزم بما قال ؛ " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ؛ هذه المقولة اشتهر بها المفكر الفرنسي " جان جاك رسو" حين قال في أطروحاته و العقد الاجتماعي : " الناس يولدون أحرارا ، ولكنهم في الأغلال و القيود في كل مكان " . تلقفت تلك المقولة الثورة الفرنسية والأمريكية و ضمنتها دساتيرها و مواثيقها ، و تبنتها الأمم المتحدة في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في 10-12-1948م .
إن من يقف في طريق تحقق وتعزيز و حماية الكرامة الإنسانية ، أي كان ( أفراد أو جماعات أو دول أو سلطات ) ، إنما ، فوق انه عدو لنفسه و مجتمعه ، فهو عدو للإنسانية جمعاء ، و التاريخ بكل تأكيد لن يتوقف عند هؤلاء ، إلا بقدر ما يسجلها و يفضحها كحالة مظلمة في تاريخ البشرية أو لبعض منها على الأقل . ذلك التاريخ البشري الذي لن يتوقف هو الذي يسلك طريق الانعتاق و الحرية و الكرامة فالتقدم و الإبداع و المنافسة . الذين لا ينخرطون و يساهمون في صناعة هذا التاريخ، تاريخ الحرية و الكرامة الإنسانية، إنما هم مسئولون عن وضع شعوبهم في هوامش التاريخ و مخلفاته. أنهم ، على أية حال ، لن يفلتوا من العقاب و سوف يحاسبون يوما ما مهما طال هذا اليوم أو قصر.
=============================
7-6-2009
** أدين للأستاذ محمود شمام، بأساس الفكرة حيث لمح لها سريعا في برنامج أحدى القنوات الفضائية في عام 2005م. و لكنها لم تأخذ نصيبها من الدفع و التطوير ، وهو ما أقوم به هنا .