مشروع بطاقة التعريف الإلكترونية بين فساد صفقة إنتاجها
و القلق من مسار استخدام بياناتها
المصطفى
صولـــيح
El Mostafa Soulaih
إجراءان ممتازان ، ضمن سلسلة أخرى من الإجراءات ، و عد
بهما السيد الوزير الأول إدريس جطو ممثلي الأمة المغربية في آخر تصريح حكومي له .
تمثل الأول في مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية لتعزيز شروط
الشفافية و منح هذه الصفقات و تنفيذها . و تمثل الثاني في إدخال إصلاحات عميقة في
المساطر الإدارية بإلغاء الوثائق غير الضرورية ( الوثائق البليدة ) و تبسيط
إجراءات و طرق الحصول على الوثائق الأكثر تداولا، و ذلك باعتماد بطاقة تعريف وطنية
إلكترونية ( بطاقة ذكية ).
و هما إجراءان ممتازان لأن الإجراء الأول ، متزامنا مع
مزاعم نفس التصريح الحكومي بإحداث لجنة مستقلة للوقاية من الرشوة ، و مراجعة
القانون المتعلق بالتصريح بالممتلكات بما يخضع الموظفين العموميين و خاصة منهم الممارسين لمهام
حساسة لمراقبة صارمة ، سيكون بمثابة إعلان رسمي عن القطيعة مع عنكبوت الفساد ، و سيعطي بذلك مصداقية للأجهزة الحكومية الوطنية
في علاقتها مع المؤسسات المالية الدولية و المقاولات الداخلية و سائر الأفراد و
المجموعات و بالتالي سيسمح بتنمية و تنويع مصادر التمويل و الاستثمار و يسهل عملية تهديم جدار صلب ظل دائما يشكل واحدا من أهم عوائق الإقلاع
الاقتصادي للبلاد . و نفس الحال بالنسبة للإجراء الثاني ، و ذلك باعتباره سييسر إعمال
الحكومة و الإدارة الإلكترونيتين في المغرب ، و سيمكن البلاد من بنية تحتية
بيومترية ، و فوق ذلك فإنه ( بناء على أقوال أدلى بها السيد مصطفى الساهل وزير
الداخلية أمام مجلس المستشارين ) سيعفي المواطن المغربي بواسطة بطاقة تعريف صغيرة الحجم
( 85,6 × 53,9 ملم ) مجهزة برقاقة ( puce ) شبيهة بتلك المدمجة في بطائق
الإتمان البنكي من استخراج عديد من الوثائق من قبيل شهادة السكنى و شهادة الحياة و
شهادة الجنسية و كذا عقد الازدياد و غيرها من الشواهد الإدارية
المختلفة ،، كما سيعفيه من كثير من مشاق استخراج جواز السفر و رخصة السياقة، و
سيوفر له في علاقته مع غيره من المواطنين و مع مختلف الإدارات العمومية و الخصوصية
و أثناء الترشح للانتخابات
أو التصويت فيها عنصر الأمان المتبادل ضد الغش و التزييف و التزوير و الارتشاء،،،
غير أن المثير في هذا الصدد ، هو
أنه في ذات الوقت الذي يتم فيه انتظار أن تقوم السلطة المعنية بوضع حيز التنفيذ النوايا
تلك المعبر عنها من قبل الحكومة ، و ذلك
بإصدار نص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة
الفساد التي وقع عليها المغرب في أكتوبر 2004 ، و صادق عليها المجلس الحكومي في
شهر مارس 2005 ، في الجريدة الرسمية إيذانا بالشروع في تطبيق مقتضياتها مع الحرص
على ملاءمة التشريعات الوطنية المعنية مع محتوياتها، و بإخراج مشروع القانون الخاص
ببطاقة التعريف الوطنية الجديدة من دواليب الأمانة العامة للحكومة ليأخذ مجراه التشريعي الطبيعي ،،، إذا بشيوع
أخبار هي بقدر ما تطعن في المسطرة التي اتبعتها الإدارة العامة للأمن الوطني في
تفويت الصفقة العمومية المتعلقة بإعداد نظام لإنتاج بطاقة العريف الوطنية المنوه
عنها أعلاه ، بقدر ما تزيد من حدة القلق إزاء مدى ما ستراعيه عملية إنتاج البطاقة
إياها من مبادئ حقوق الإنسان و من ضمنها المبادئ التوجيهية الأممية ذات الصلة
بتنظيم البيانات الشخصية المعدة بالحاسبة الإلكترونية.
ففي حين كان التنافس حول هذه
الصفقة قائما بين عدة شركات ، أوضح بلاغ موثق صادر عن الجمعية المغربية لمحاربة
الرشوة ( ترانسبرنسي المغرب ) أن الإدارة العامة للأمن الوطني بتفويتها المباشر
للصفقة إياها إلى إحدى الشركات الأجنبية، و هي المعروفة أصلا و بشكل ممنهج بعمولاتها
غير القانونية ، هو " تنكر للفاعلين المغاربة في قطاع التكنولوجيا " و
" تفنيد لما يعلن عنه رسميا من رغبة سياسية لتقوية الشفافية في الصفقات
العمومية و محاربة الرشوة " ، و طالبت هذه الجمعية من خلال بلاغها هذا
الحكومة بفتح تحقيق مشددة على أنه " لا حديث عن مصداقية للإستراتيجية
الحكومية لمحاربة الرشوة المعلن عنها أخيرا دون إجراء تحقيق في هذا الملف و إعلان
نتائجه بأمانة للعموم " .
و هكذا ، و إلى حين تعرف مآل هذا
المطلب المشروع ، يكون جديرا بالتذكير أنه سواء تعلق الأمر بمشروع القانون المحدث
لبطاقة التعريف الجديدة أو بمرسوم إلغاء باقي الوثائق التي تعوضها المعطيات
الرقمية التي ستدمج في هذه البطاقة ، فإنه من المسؤوليات الخطيرة الملقاة على عاتق
الحكومة ألا تضيع الفرصة ، كدأبها المعتاد ، مرة أخرى فتساير نموذج وزارات
الداخلية و الأمن السائدة في البلدان غير الديمقراطية و من بينها الدول العربية
فتجعل من هذه البطاقة أداة لرصد أنفاس الناس و هتك حرمة الحياة الشخصية الخاصة بكل
فرد و كل أسرة و كل مجموعة ، و ذلك خاصة و
أن المعلوميات بحسب مدخلاتها لا يفلت أي واحد ، مها كان ، من مخرجاتها . فهي قد
تستعمل ضد الخصوم لأسباب شخصية خارج حتى الدواعي السرية للدولة ، كما في تلفيق
التهم و في التآمر ضد الديمقراطية نفسها و في التحرش بالديمقراطيين ،،، و لذلك ،
فبدل سجن الناس داخل مقتضيات برمجيات الحواسيب المحلية و الجهوية و الحاسوب الأعظم
في المركز بنفس الشروط التي تنص عليها المشاريع قيد التنفيذ في بلدان بعينها ( كما
هو حال النموذج السوري ) حيث لا يعترف للفرد المواطن بقيمة الكرامة البشرية
المتأصلة فيه و لا تكفل له أية ضمانات قانونية آمرة و ملزمة لحماية خصوصياته
الفكرية و السياسية و آرائه و انتماءاته التنظيمية الحزبية و النقابية و الجمعوية
، و علاقاته و توجهاته المجتمعية الأخرى ،،، و حيث يتحول كل فرد بلغ سن الثامنة
عشر إلى رقم وطني ، و يحمل كل قاصر رقم أسرته ، رقمان بمثابة المفتاح للوصول إلى
بياناتهما أينما وردت في السجل المدني أو في غيره من السجلات غير الفعالة أو بناء
على شجرته العائلية على الصعيد الوطني أو في أية مؤسسة تتطلب التعريف الآلي بالشخص
،،، بدل ذلك يلزم أن تتم مراعاة كامل حقوق الإنسان التي يهددها هكذا مشروع ، و أن
يتم التقيد، سواء أثناء وضع خطة المشروع أو وضع خطة تنفيذها أو وضع مراحل تنفيذ
المشروع أو قراءته و مناقشته أو إعماله و تفعيله ، بقرار الأمم المتحدة 45 / 95
المؤرخ في 14 دجنبر 1990 الذي بموجبه تم اعتماد و نشر على الملإ " مبادئ
توجيهية لتنظيم ملفات البيانات الشخصية المعدة بالحاسبة الإلكترونية ". و هي
المبادئ التي تتمفصل حول شقين أساسيين : شق ( أ ) و يحدد المبادئ العشرة التي تنص
على ضمانات دنيا يجب إدخالها في التشريعات الوطنية ، من بينها : 1 – مبدأ
المشروعية و النزاهة ، بحيث " ينبغي عدم جمع المعلومات المتعلقة بالأشخاص أو
تجهيزها بأساليب غير نزيهة أو غير مشروعة أو استخدامها لأغراض مخالفة لمقاصد ميثاق
الأمم المتحدة " . 2 – مبدأ الصحة ، و يفرض أن " يلتزم المسؤولون عن
إعداد ملفات البيانات أو المسؤولون عن حفظها بالتحقق من دقة البيانات المسجلة و
ملاءمتها و العمل على استكمالها بانتظام أو لدى استخدام المعلومات التي تحتويها
الملفات ". 3 – مبدأ تحديد الغاية ، إذ " ينبغي أن تكون الغاية التي
أنشئ الملف من أجلها محددة و مشروعة و معلنة قبل إنشائه (... ) " حتى يتسنى فيما بعد التحقق مما
إذا كانت تلك البيانات ماتزال ذات صلة بالغاية المستهدفة ، و أنها لا تستخدم أو
تفشى لغايات أخرى لا يوافق عليها الشخص المعني ، و" أن مدة حفظ البيانات الشخصية ما تزال هي المدة
التي تتيح بلوغ الغاية المحددة " . 4 – مبدأ وصول الأشخاص المعنيين إلى
الملفات ، و يؤكد على أنه " من حق أي شخص يثبت شخصيته ، أيا كانت جنسيته أو
محل إقامته ، أن يعرف ما إذا كانت تجري معالجة آلية لبيانات تتعلق به ، و أن يخطر
بذلك بشكل مفهوم ، دون تأخير أو رسوم لا داعي لهما . و أن يلبى طلبه بإجراء عمليات
التصويب أو المحو الملائمة في حالة البيانات التي تفتقر إلى المشروعية أو اللزوم
أو الدقة . و ينبغي توخي سبل الانتصاف . و في حالة التصويب تكون التكاليف على نفقة
المسؤول عن الملف " . 5 – مبدأ عدم التمييز ، و ينص على أنه " فيما عدا حالات الاستثناء المنصوص عليها
على سبيل الحصر تحت المبدإ ( 6 ) لا يجوز تسجيل البيانات التي من شأنها أن تؤدي
إلى تمييز غير مشروع أو تعسفي ، و على وجه خاص المعلومات المتعلقة بالأصل العرقي
أو الإثني أو اللون أو الحياة الجنسية أو الآراء السياسية أو المعتقدات الدينية أو
الفلسفية أو غيرها و كذلك الانتماء إلى الجمعيات أو النقابات ". 6 – سلطة
الاستثناء ( ... ) . 7 – مبدأ الأمن ، و ينص على أنه " ينبغي اتخاذ التدابير
الملائمة لحماية الملفات سواء ضد المخاطر الطبيعية ، مثل فقدها عرضيا أو تلفها ،
أو المخاطر البشرية مثل الاطلاع عليها بغير إذن أو استخدام البيانات بشكل غير أمين
" . 8 – الرقابة و العقوبات ، بحيث " ينبغي أن يحدد قانون كل بلد السلطة
المكلفة بمراقبة مراعاة المبادئ السالفة الذكر ، وفقا للنظام القانوني الداخلي ، و
ينبغي أن توفر هذه السلطة ضمانات الحياد و الكفاءة الفنية . و في حالة انتهاك
أحكام القانون الداخلي المنفذة للمبادئ المذكورة ، ينبغي توخي عقوبات جنائية و
كذلك سبل الانتصاف الملائمة " . 9 – تدفق المعلومات عبر الحدود( ... ). 10 –
نطاق القانون ( ... ). أما الشق ( ب ) ، فيتعلق بتطبيق المبادئ التوجيهية على
الملفات التي تحتوي على بيانات ذات طابع شخصي ، و التي تحتفظ بها المنظمات
الحكومية الدولية ، و كذا الحال بالنسبة للمنظمات الدولية غير الحكومية ....
و أما بعد ، فهل ستتوج حكومة بلدنا
العزيز جهودها في هذا المجال بإصدار مشروع نزيه و غير معيب ؟ الواقع أنه مادام قد
"خرج من باب الخيمة على بردعة مايلة " ، يصعب التخمين في ذلك على نحو
إيجابي . لكن ، و إلى حينه، إن ما هو مؤكد حاليا أن مشروعا كبيرا مثل هذا إذا كان
حقا قد تأسس على صفقة عمومية فاسدة فمعناه أنه لن يختلف عن غيره من المشاريع التي
تنسجها عديد من أنظمتنا السياسية العربية للزيادة من تضييق الخناق على "
رعاياها " ، فالمرتشي العمومي لا يكون غرضه دائما هو استحصال الريع و غيره من
الفوائد وحدها ،،، إذ في حالات كثيرة غالبا ما يسعى ، بالضبط ، إلى إشراك راش فاعل
و ذلك من أجل ضمان موافقته على جميع طلباته و خاصة منها غير المشروعة بخصوص ميزات
المشروع موضوع الصفقة و كفالة احتفاظه بأسرار ذلك . أرجو ألا يكون الأمر هكذا
بالتمام و الكمال .
المصطفى صولــــــيح El Mostafa Soulaih
كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق
الإنسان و المواطنة .
من كوادر اللجنة العربية لحقوق الإنسان .