بطلب من ألمانيا وعدة دول غربية، عقد مجلس حقوق الإنسان في جنيف دورة خاصة حول أحداث سريلانكا اعتبرتها دول تنتمي إلى مجموعات عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي وأخرى عربية وإفريقية "مضيعة للوقت". ومع أن النقاش الذي شهده المجلس أظهر استمرار سياسة الكتل التقليدية، إلا أن المجموعات الجغرافية تبادلت "الأدوار" هذه المرة في عدم اكتراث تام بواقع الضحايا وباحترام حقوق الإنسان في سريلانكا.

من تابع النقاش الذي شهدته الدورة الخاصة التي عقدها مجلس حقوق الإنسان حول أحداث سريلانكا يومي 26 و27 مايو، بعد أخذ ورد ومناورات للحصول على النصاب الضروري، يجد أن الدول الأعضاء استخدمت فيها نفس الأساليب وحافظت على نفس الانتماءات الجغرافية والإيديولوجية.

لكن الجديد هذه المرة هو ملاحظة "تبادل في الأدوار" حيث تحول المدافعون بالأمس عن ضرورة تحرك المجلس لاتخاذ إجراءات مستعجلة ولازمة لحماية حقوق الضحايا في صراعات الشرق الأوسط، إلى معارضين اليوم لأي تحرك، بينما تحول المناهضون لأي تحرك بالأمس إلى دعاة متحمسين لإجراء التحقيقات ولاتخاذ الإجراءات الضرورية لتقديم الجناة للعقاب.

ولعل النقطة الوحيدة التي اتفق عليها الطرفان اقتصرت على اعتبار حركة نمور التاميل الإنفصالية التي خاضت حربا مريرة ضد القوات الحكومية السريلانكية "حركة إرهابية استخدمت السكان المدنيين كدروع بشرية".

التكتلات القديمة.. ثابتة

لقد حافظت الدول الأعضاء في المجلس على الإنتماءات الجغرافية والأيديولوجية منذ بدء النقاش حول ضرورة عقد جلسة خاصة حول أحداث سريلانكا، حيث طالبت الدول الغربية بزعامة ألمانيا، بعقد الدورة في الوقت الذي عارضتها مجموعات دول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي إضافة إلى بلدان افريقية وعربية.

وخلال النقاش، لُوحظ أن الدول الأعضاء تطرقت للموضوع من منطلق الإنتماءات الجغرافية والأيديولوجية، وحافظت تبعا لذلك على التكتلات التي كثيرا ما تميزت بها مناقشات لجنة حقوق الإنسان (سابقا) ومجلس حقوق الإنسان منذ قيامه في عام 2005، وهي التكتلات التي كثيرا ما تم انتقادها على اعتبار أنها "تسييس" لمحفل أممي يُفترض أن لا يتناول الملفات والقضايا إلا من منطلق احترام حقوق الإنسان لا غير.

الدول الغربية تطالب بتحقيق

مشروع القرار الذي تقدمت به سويسرا وأيدته العديد من الدول الأوروبية والغربية لم يذهب الى حد المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، نظرا للتخوف من عدم حصوله على النصاب الضروري من الأصوات، بل اكتفى بالتركيز على "ضرورة احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بالنسبة لكل سكان سريلانكا بدون تمييز، بما في ذلك الأقليات العرقية والدينية".

في المقابل، لم تتردد بعض الدول الغربية التي دعت لعقد الدورة الخاصة، والتي كانت دوما تعرقل مطالبة مجلس حقوق الإنسان بالتحرك في مواضيع الشرق الأوسط، في استخدام العبارات الضرورية للمطالبة بإجراء تحقيق مستقل في أحداث سريلانكا.

في هذا السياق، طالب الممثل التشيكي باسم دول الاتحاد الأوروبي الحكومة السريلانكية بـ "ضرورة فتح تحقيق مستقل وغير منحاز بخصوص كل الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وتقديم الجناة للمحاسبة". أما ممثل ألمانيا، فقد خص بالذكر "معاقبة مرتكبي انتهاكات التعذيب والمعاملة المهينة"، في الوقت الذي أشار فيه ممثل كندا إلى "تضييق الحكومة على وصول وسائل الإعلام لمنطقة الصراع والحد من حرية التعبير"، ولم يتردد في التطرق إلى حالة "اغتيال رئيس تحرير إحدى الصحف".

من جهته، ذكّر ممثل بريطانيا بـ "مسؤولية حكومة سريلانكا في حماية كل المواطنين"، كما أشار إلى ورود "أخبار عن اختطافات وإعدامات خارج نطاق القانون".

أما ممثل فرنسا، فقد استخدم تعابير متوقعة في مثل هذه الحالات، وهي "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، إلا أنه حرص على الإستشهاد بها من خلال ما جاء في كلمة المفوضية السامية لحقوق الإنسان حيث قال: "لقد اقترحت المفوضية السامية في كلمتها اعتبار ذلك بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

وكانت السيدة نافيم بيلاي قد وصفت - منذ الساعات الأولى لبدء المواجهات بين الجيش السريلانكي ومقاتلي جبهة نمور تحرير تاميل إيلام - ما يحدث في منطقة النزاع بـ "جرائم حرب"، وهو ما لم تجرُؤ على ذكره بهذا الوضوح أثناء الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.

دول عدم الانحياز تعتبر الدورة "تضييعا للوقت"

دول عدم الانحياز المدعومة بمجموعات دول منظمة المؤتمر الإسلامي والمجموعات الإقليمية الإفريقية والعربية، حولت الدورة إلى منبر للإشادة بحسن تصرف الحكومة السريلانكية، ولم تتردد الدول المنتمية لهذه الكتل، التي تحدثت باسمها الشخصي أو باسم مجموعاتها الجغرافية، في التشديد على أن "الصراع السريلانكي صراع داخلي وأن أي تدخل فيه هو مساس بالسيادة الوطنية".

والطريف أن هذه الدول استخدمت هذه المرة تبريرا، كثيرا ما كانت تستخدمه الدول الغربية ضدها أثناء تناول المواضيع المرتبطة بالصراع في الشرق الأوسط، ألا وهو "الإستفراد ببلد بعينه دون غيره".

فممثل كوبا هنّـأ باسم دول عدم الانحياز "الحكومة السريلانكية على إنهاء صراع داخلي دام 25 سنة"، مشددا على "حق وسيادة سريلانكا في محاربة الإرهاب والانفصال"، وهو الذي كثيرا ما كان ينتقد سياسة محاربة الإرهاب التي انتهجتها الولايات المتحدة على مدى السنوات الثماني الماضية. وذهب الممثل الكوبي في الكلمة التي ألقاها باسم بلاده إلى حد اعتبار انعقاد هذه الدورة الخاصة "محاولة من قبل بعض القوى الإستعمارية السابقة للإستفراد ببلد نامي صغير".

إضافة إلى ذلك، ندد الممثل الكوبي بالطريقة التي اتبعتها الدول الغربية الداعية لعقد الدورة الخاصة، عندما لجأت إلى العواصم لانتزاع موافقتها على المقترح بدل التفاوض مع السفراء المعتمدين في جنيف، وهو ما رأى فيه "عودة إلى أساليب كانت متّـبعة أثناء (عمل) لجنة حقوق الإنسان سابقا".

الناطق باسم منظمة دول المؤتمر الإسلامي والممثل الباكستاني "هنأ الحكومة السريلانكية على انتصارها على إحدى أكبر وأخطر المنظمات الإرهابية وعلى إعادة وحدتها الترابية"، قبل أن ينتقد انعقاد الدورة الخاصة، معتبرا أن "الدعوة لها قبل أيام من انعقاد دورة عادية للمجلس، تُـعتبر مضيعة للوقت والأموال"، خصوصا وأن "سريلانكا ليست من البلدان التي تعرف انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو البلدان التي تحتل أرضا أجنبية، مثلما هو الحال في بقاع (أخرى) من العالم"، على حد قوله.

أما ممثل مصر، الذي ذكّر باسم المجموعة الإفريقية بأن مجموعته لم تكن مؤيدة لعقد الدورة الخاصة، فقد اعتبر أن "الصراع ضد نمور التاميل صراع داخلي"، مشدّدا على "ضرورة دعم الحكومة السريلانكية الآن في إعادة الإعمار".

محاولة مجموعة من خارج التحالفات

أمام استفحال هذا الانقسام بين مناصر ومعارض يتبادلان الأدوار وفقا للحالة المعروضة على مجلس حقوق الإنسان، رأت حفنة من الدول أن هناك ضرورة للعمل على إخراج هذا المحفل الدولي الهام من منطق التحالفات الجغرافية والأيديولوجية، ومن بين هذه الدول سويسرا.

فسويسرا، التي تبنّـت مشروع القرار الثاني المعروض على هذه الدورة الخاصة حول أحداث سريلانكا، ترى على لسان سفيرها أن "الكنفدرالية حاولت منذ البداية العمل على توفير جو حوار بين كل الوفود، للسماح بعقد الدورة في جو تعاون ومشاركة للجميع".

ويقول السفير دانتي مارتينيللي إن "مجموعة من خارج المجموعات الجغرافية، تنتمي اليها سويسرا، تحاول العمل بشفافية للتوصل الى نتائج مقبولة من قبل الجميع وتسمح بالرد على تطلعات المدنيين".

وأشار السفير إلى أن نص مشروع القرار الذي تقدمت به سويسرا باسم هذه المجموعة غير الرسمية "تم إرساله للجميع قبل تقديمه كنص رسمي"، كما أنه "يعبر بوضوح عن الرغبة في الحوار والإعتدال، مع التركيز على النقاط التي يجب مراعاتها في مجال احترام حقوق الإنسان لسكان المنطقة في المرحلة الحالية وفي تعاون تام مع السلطات السريلانكية".

في المقابل، وُصف هذا الإعتدال المصحوب برغبة في التوصل إلى حل وسط من طرف مجموعة التوافق هذه، بـ "المهزلة" من جانب منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" غير الحكومية، المعروفة بدعمها لإسرائيل والتي كثيرا ما انتقدت مشاريع القرارات المقدمة ضد الدولة العبرية باعتبارها "غير متوازنة"، وهو ما يسلط الضوء مجددا على معضلة ازدواجية المعايير (من جانب بعض منظمات المجتمع المدني وعدد من الدول على حد السواء) في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان المطروحة للنقاش داخل مجلس حقوق الإنسان.

وفي انتظار بروز وتعزيز المجموعة التي تعتبر نفسها "خارج التحالفات"، ستظل نتائج النقاش الدائر داخل المجلس في دوراته العادية والاستثنائية، مرهونة بالإنتماءات أكثر من مراعاتها لمدى احترام حقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي أو لمتطلبات ضحايا انتهاكات تلك القوانين والمبادئ