في حين أن المملكة المغربية ما فتئت تتصدر قائمة دول العالم التي يستشري فيها الفساد وقمع حرية التعبير وإبداء الرأي المسالم لكن المخالف وعدم تمتيع القضاء بسلطته و باستقلالها و عدم مساءلة و محاسبة الجناة من موظفي الدولة الرسميين وعدم تنفيذ باقي الالتزامات القانونية المستمدة من معايير حقوق الإنسان(التزامات الاحترام والتزامات الحماية والتزامات الوفاء)خاصة في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتنموية والبيئية،،، فإنها ، كذالك ، تكاد اليوم و بعد حوالي عقد من الزمن ، تنفرد وحدها بمواصلة الاعتماد على ما يسمى قانون مكافحة الإرهاب في اتهام الأفراد و المجموعات و جعل غيرهم من المعارضين بمثابة رهائن (خاضعين للحراسة النظرية أو للتحقيق أو الاعتقال الاحتياطي أو للسجن أو للتصنت و غيره من أشكال المراقبة عن كثب ،،،)إلى حين قد يطول أو يقصر تبعا لأجندة مالكي القرار السياسي و المالي الداخليين و خطط حلفائهم الدوليين ، و ذلك مع إغفال أنه حتى المملكة العربية السعودية بدأت تعيد سيف مثل هذا القانون إلى غمده و مصر وباكستان توقفتا بالتمام عن إخراجه بل إن معظم الدول التي تسمي نفسها " دول محور الخير " ما عادت تلوح به، إذ على العكس من ذلك تم الاكتفاء ، هنا في المملكة المغربية ، قبل بضعة أشهر بإطلاق مزاعم فتح حوار تصالحي بين الدولة و " السلفية الجهادية " عبر شيوخها المعتقلين في شتى سجون البلاد ، لكن سرعان ما تم توقيف العملية بشكل مفاجئ و دون أية مبررات .
قضية نموذجية
من نماذج القضايا ذات الصلة بهذا السياق التهم التالية "المس بسلامة أمن الدولة الداخلي وتكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف والقتل العمد ومحاولة القتل بواسطة أسلحة نارية مع سبق الإصرار والترصد ونقل وحيازة أسلحة نارية وذخيرة بغرض استعمالها في تنفيذ مخططات إرهابية وتزييف وتزوير وثائق رسمية وانتحال هوية وتقديم وجمع أموال وممتلكات وقيم منقولة بنية استغلالها في تنفيذ مشاريع إرهابية وتعدد السرقات وتبيض الأموال". تهم بادر ثلاثة وزراء ( وزير الداخية و والوزير الأول و وزير الاتصال ) قبل أن ينطق بها القضاء إلى إفشائها لنا ابتداء من يوم 20 فبراير/ شباط 2008 ضد 35 فردا تم نعتهم بأنهم ينتمون إلى أخطر خلية إرهابية عرفها تاريخ المغرب أطلق عليها اسم " شبكة / خلية بلعيرج " من بينهم 05 قيادات سياسية وصحفي هم :المصطفى المعتصم أمين عام حزب البديل الحضاري، محمد المرواني أمين عام حزب الأمة ، محمد الأمين الركالة الناطق الرسمي باسم حزب البديل الحضاري،العبادلة ماء العينين قيادي بحزب العدالة و التنمية،حميد ناجيبي قيادي بالحزب الاشتراكي الموحد وعبد الحفيظ السريتي صحفي مراسل قناة "المنار" اللبنانية. وبالإضافة إلى انتهاك الوزراء إلمذكورين لسرية البحث التمهيدي و حرمان قاضي التحيق هيئة الدفاع من نسخ من محاضر ووثائق الملف ، ألح الوزراء إياهم على التهديد بالمتابعة لكل من تسول له نفسه التشكيك في الرواية الرسمية وفي صكها الاتهامي،،، و إلى ذلك أصدر الوزير الأول بشكل غير مشروع في يوم 21 فبراير / شباط 2008 مرسوما يقضي بحل حزب البديل الحضاري، كما تم استصدار حكم قضائي بإبطال تأسيس حزب الأمة ، و كل ذلك قبل أن تتم إحالة هؤلاء المعتقلين على قاضي التحيق بمحكمة الإستيناف بمدينة سلا يوم 28 فبراير2008 و الذي لم يشرع في استنطاقهم تفصيليا إلا بعد مضي ثلاثة أشهر عن هذا التاريخ ، و لم يتم الشروع في تقديم أول هؤلاء المعتقلين السياسيين الستة ( حميد النجيبي ) إلى المحكمة إلا ابتداء من يوم 28 فبراير / شباط 2009 حيث طعنت هيئة دفاعه في محضر ضابطة الشرطة القطائية الذي أنجزته له بالزور ، و أعلن هو عن الاحتيال الذي مارسه رجال أمن بزي مدني في سبيل اعتقاله و نقله إلى مخفر الشرطة ، و أن التحقيق معه كان يجري و هو معصوب العينين ومكبل اليدين و أن المحققين معه " استعملوا العنف و الصفع كلما سمعوا إجابات لم ترقهم ، و كذا الخنق باليدين والركل والسب " و أنهم لمجرد أنه أستاذ لمادة التكنولوجيا الصناعية اتهموه بصناعة المتفجرات لفائدة خلية بلعيرج ، و أنه نفى لديهم أية علاقة جمعته بالزعيم المزعوم لهذه الخلية ،،، و إلى أن تأتي البقية و تتضح الأمور أكثر مع الاستماع إلى المعتقلين السياسيين الخمسة الباقين و ملاحظة مدى توفر أو انعدام معايير المحاكمة العادلة ، يجدر التذكير بأن عديدا من الفعاليات السياسية والنقابية والحقوقية والثقافية لم تستسغ الرواية الرسمية فبادرت بتاريخ 21 أبريل 2008 إلى تأسيس لجنة وطنية للتضامن معهم ، وأن المتتبعين لهذه القضية يميزون فيها بين ملف يعود إلى عهد وزير الداخلية المعزول و المتوفى إدريس البصري يدخل في إطار مخابراتي بين دولي قد يكون لعب فيه المتهم الرئيسي عبد القادر بلعيرج دورا مزدوجا لفائدة كل من المغرب و بلجيكا موضوعه اختراق الحركات الإسلامية في الخارج و جمع المعلومات عن نواياها و تحركاتها و ان الأسلحة المزعوم العثور عليها بمدينتي الناظور و الدار البيضاء إنما كانت ، مع مطلع تسعينيات القرن الماضي ، من أجل دعم مغربي لصالح جبهة الإنقاذ الجزائرية ضدا على الموقف الرسمي للجزائر المناوئ للمغرب في قضية الصحراء، و أن إخراج هذا الملف الآن بالضبط فيدخل في إطار التخلص من هذا الرجل و شبكته بعد أن تبين لأجهزة المخابرات الجديدة بأنه لم تعد هناك حاجة إليهما ،،، و أما الملف الثاني فيدخل ، من جهة ، في إطار ضرب العصفور الأول و عصفور آخر بحجر واحد عبر الزج بستة أفراد ، في نفس القضية ، تم انتقاؤهم بشكل غير ذكي ، على قاعدة أن فلانا أو أكثر كانت تجمعه ببلعيرج و ذلك قبل عقدين من الزمن علاقة تنظيمية أو أن بلعيرج سبق أن جلب دواء من بلجيكا إلى والد معتقل آخر ،،، إلخ من أجل تثبيت اتهام إيران و حزب الله و قناته الفضائية بالإرهاب وهو ما تؤكده الحملة الديبلوماسية والأمنية القائمة خلال الشهرين الأخيرين ضد الشيعة و التشيع و الكتب الشيعة في مختلف أرجاء المملكة ، و يدخل ، من جهة ثانية ، في إطار تهديد مشفر موجه إلى أحزاب و مجموعات أخرى . كما يدخل ، من جهة ثالثة ، في تبرير وجود أجهزة أمنية معينة . والواقع أنه إذا كانت تصريحات هيئة الدفاع تؤكد براءة المعتقلين السياسيين الستة من كل ما نسب إليهم وتفند الرواية الرسمية و تلح على تمتيعهم بكافة حقوقهم ،،، فإن خطابهم أكبر دليل على هذه البراءة . كيف ذلك ؟
رسالة إلى باراك أوباما
في مداخلتها تحت عنوان " ظروف وملابسات اعتقال السياسيين الستة " التي شاركت بها في ندوة "حقوق الإنسان في المغرب" التي نظمتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان بمالاكوف ـ باريس يوم 13/9 /2008 ، قالت السيدة سكينة قادة منسقة عائلات المعتقلين الستة بالمغرب : "... إن هؤلاء المناضلين السياسيين شخصيات معروفة وطنيا ودوليا ولم يكن ضروريا لجوء السلطات إلى إجراءات مخلة بالكرامة والحقوق ومنافية للقانون من أجل التحقيق معهم . (...) هؤلاء الرجال الشرفاء مشهود لهم وطنيا و دوليا بإيمانهم بالعمل في إطار القانون والدستور واعتماد الاعتدال في مواقفهم و رفضهم المطلق و المبدئي اللجوء لكل أشكال العنف و التطرف والغلو والإرهاب و إيمانهم بالعمل السياسي المشروع و قناعاتهم بثقافة الحوار و الديمقراطية " و بالإضافة إلى ذلك فالمعنيون هم متزوجون و آباء لأطفال و يحرصون على تمدرس أبنائهم في نفس مؤسسات التعليم و التربية المتاحة ، و مسجلون في اللوائح الانتخابية و يشاركون في حملاتها و يصوتون فيها ، كما أنهم يساهمون في مختلف النقاشات التي تثيرها حاجات المجتمع المغربي مفردة أو في امتداداتها الإقليمية أو الدولية سواء بواسطة تأليف الكتب و إصدارها أو إعداد المداخلات و المقالات و استعراضها أو تعميم نشرها في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية أو حضور و المساهمة في المؤتمرات ذات الصلة،،،و في كل هذا و ذاك إن خطاب هؤلاء يخلو بالتمام والكمال من أي محتوى إرهابي . و يكفي العودة إلى الرسالة التي بعثوا بها إلى باراك أوباما بمناسبة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية للتدليل على ذلك .
على طول هذه الرسالة المتألفة من 2929 مفردة ، الموزعة على مدى 06 صفحات من حجم A4 وقعها المعتقلون السياسيون الستة داخل سجنهم يوم 6/11/2008 ، لن يجد القارئ أي أثر مباشر أو ضمني لعبارات من قبيل : الكفار ، الصليبيون ، اليهود ، الشيطان الأكبر، القيم الإسلامية مقابل القيم الغربية ، الجهاد ، أتباع الهدى، المنافقون ، الدستور الوضعي الجاهلي ، الدستور الكفري ، الردة ، دولة الحق مقابل دولة الباطل ، موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين ، قوى الكفر و الطغيان والاستكبار مقابل الأمة الإسلامية ، غزوة نيويورك وواشنطن، الحكومات الطاغوتية و الأمم الكافرة ، التحالف الصليبي اليهودي العالمي ، الحرب المقدسة ، الكفر العالمي ، العزة للإسلام و النصر للمسلمين ،،، بل و على العكس أيضا مما قد يعتقده المرء من أنهم يرمون التودد إليه من أجل التدخل للعفو عنهم ، يستهلون رسالتهم بما يلي : " السيد باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتخب بتاريخ 4 نونبر 2008 ، اختاركم الشعب الأمريكي رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ، و كان فوزكم تاريخيا من حيث نسبة المشاركة ، و من حيث الفارق مع منافسكم الجمهوري . لقد انتخبكم و منحكم أغلبية ساحقة في تعبير شعبي أمريكي على ما تمثلونه من أمل في التغيير . و بهذا التتويج ، أصبحتم تتحملون مسؤولية كبيرة هي بحجم التحديات المطروحة أمامكم على مستوى بلدكم و على مستوى العالم " . و لأنهم سياسيون و يحملون آراء حول قضايا وطنهم و إقليمهم الجغرافي و حول السياسات الدولية ذات الصلة و في مقدمتها السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ، فبعد أن فسروا له أساب مراسلتهم له المرتبطة بالمسار السياسي والأمني والعسكري الذي سار عليه سلفه الرئيس بوش ، ملتمسين منه أن يجيبهم عنها ، حددوا انتظاراتهم و تطلعاتهم انطلاقا من الشعار الذي رفعه منذ حملته الانتخابية المتمثل في " نريد التغيير " ، وهي : 1 ـ إحداث ثورة ثقافية ؛ 2 ـ إعادة الاعتبار والأولوية لمسألة الديمقراطية و حقوق الإنسان و قضايا التنمية في جدول الأعمال الدولي ؛ 3 ـ مراجعة وتصحيح السياسة الأمريكية في العالم العربي و الإسلامي ؛4 ـ من أجل تعاقد مالي عالمي جديد مبني على الشفافية والتقنين؛ 5 ـ مراجعة و تصحيح السياسة الأمريكية في البيئة ؛ 6 ـ إصلاح الأمم المتحدة وإعادة الاعتبار لها و تفعيل دورها في تدبير النزاعات الدولية . أما المنهجية و المفردات و العبارات التي يمكن أن يكشفها التحليل العلمي لمحتوى الرسالة فهي جميعها لا تخدم أغراض لا التعصب الفكري الإيجابي أو السلبي ، حيث على عكس ذلك تؤكد بالاستناد إلى معايير الحجاج و البرهنة على لزومية الحوار بدل الصدام و مقولات " الفوضى الخلاقة " و " الحرب الوقائية"، و على الإقرار بالعيش " في عالم متعدد الثقافات و الحضارات " و لا تدعي أن أصحابها هم المالكون للمعرفة الصحيحة و الحقيقة المطلقة مع إبداء الاحتقار للمعرفة التي قد تكون تكونت لدى المستهدف برسالتهم (بوش أو أوباما ). كما أنها لا تخدم أيا من أجندة التطرف الفكري ، حيث تخلو من كل سب و قذف و تحرش و تبني محتواها على المناقشة المرتكزة إلى المكاشفة و الاحترام المتبادل ، ومن أمثلة ذلك قولهم :" ... فتح سلفكم .. الباب على مصراعيه أمام التضييق على الحريات في العالم ، فتزايدت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و لم تسلم حتى الولايات المتحدة ذاتها من ذلك . نعم، إنه من حق الولايات المتحدة الأمريكية أن تدافع على أمن مواطنيها، ولكن الدفاع عن الأمن لا يكون بشن الحروب وانتهاك الحقوق والحريات، بل بتدابير سياسية جدية ومسؤولة أولا وابتداء.(... ) إننا لنعتقد صادقين أن ترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وصيانة الحريات وإعادة الاعتبار والاهتمام بقضايا التنمية هي طريق سيار وآمن نحو استعادة الأمن. وإننا لنأمل أن تضعوا سياسات حقيقة تعيد الاعتبار والاهتمام والأولوية للديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة في العالم."، و على نفس المنوال تواصل رسالة هؤلاء المعتقلين السياسيين التماسها من الرئيس أوباما تطليق سياسة سلفه بوش المضرة بالشعب الأمريكي و بمصالح الولايات المتحدة كما بصورتها لدى الشعوب والدول الأخرى قائلة في شأن منطقة المغرب العربي : " إن الولايات المتحدة الأمريكية، بما تملك من إمكانات سياسية ودبلوماسية، لقادرة على الدفع بحل سياسي نهائي عادل ودائم على قاعدة المبادرة السياسية المغربية (مشروع الحكم الذاتي الموسع)"، و مضيفة بخصوص منطقة الشرق الأوسط :" نحن لا نطالبكم بتغيير صداقاتكم أو علاقاتكم الدولية، فذلك شأن يعنيكم كدولة ذات سيادة؛ ولكن نطالبكم بإنصاف الشعب الفلسطيني ... (وبعدم)الخلط بين " الإرهاب " و بين المقاومة التي تعتبر حقا مشروعا كفلته الشرائع السماوية و الوضعية في مواجهة الاحتلال ... و نراهن على دور سياسي أمريكي صارم يقضي بجلاء شامل للاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي العربية ( أي الجولان السوري و مزارع شبعا اللبنانية) ... و بوقف معاناة الشعب العراقي ... و سحب الجيوش الأمريكية و الأجنبية من العراق على أن يتم العمل مع المنتظم الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لرأب الصدع بين أبناء الشعب العراقي وتمكينه من إعادة إعمار أرضه واستعادة الأمن والاستقرار".و سواء تعلق الأمر بالملف الإيراني أو بإقليم دارفور أو بالإجابة عن سؤال " لماذا يكرهوننا ؟ " الذي تطرحه الولايات المتحدة على نفسها تجاه " الآخر " أو بـ "المخاطر التي تتهدد الأرض و البيئة " أو بـ " إصلاح الأمم المتحدة و بخاصة مجلس الأمن " تستمر لفظية الرسالة إياها و معانيها في الارتكاز إلى كل أركان التسامح ( و ليس التساهل ) الفكري الخمسة : الحق في التعبير وإبداء الرأي ، الحق في المساواة ، الحق في حرية المعتقد ، الحق في حرية الاختلاف و الحق في الاحترام المتبادل، و ذلك قبل أن يختموها بما يلي :" هذه هي التحديات أمامكم، السيد الرئيس، فهل نتكلم عن مستحيل؟. لقد قلتم أنكم تريدون التغيير. وأكدتم أنكم تستطيعون، ونتمنى صادقين أن تتوفقوا في تصحيح صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم وأن تنجحوا في ترجمة شعار التغيير بما يخدم مصلحة شعوب العالم قاطبة.
على أمل أن نتلقى ردكم، تفضلوا، السيد الرئيس، بقبول تحياتنا وتقديرنا ".
فهل هم إرهابيون ؟
* كاتب و باحث من المملكة المغربية