كنت وما زلت مشغولا بهذا الموضوع من زاوية إنسانية بحتة , وقد أثرته بأكثر من شكل وأكثر من طريقة , كتبت في جريدة التجمع الوطني (الموقف الديمقراطي ) عدد 81 شباط 2003 مقالا افتتحته كما يلي:
(المجردون مدنيا في سوريا جرح نازف مفتوح على الوطن , وهو جزء من ملف أشمل يضم السجناء السياسيين- محكومين أو غير محكومين - والمبعدين عن الوطن لأسباب سياسية والمطاردين في الفترة السابقة , ولكنني اخترت أن أثير هنا موضوع المجردين من الحقوق المدنية لما في وضعهم من خصوصية , ولأنني أتصور إمكان حل مشاكل البلاد بالتدريج , ولقناعتي ان من كبّر الحجر لم يضرب .)
واختتمته بالدعوة لمساعدة هؤلاء من قبل التجمع على قاعدة الآية الكريمة – لا يكلف الله نفسا الا وسعها – ريثما تنصفهم الدولة وتعيدهم الى وظائفهم, أسوة برفاقهم غير المحكومين .
وفي 2/4/2005 وجهت رسالة مفتوحة للسيد الرئيس عبر نشرة كلنا شركاء الالكترونية بعد سماع نبأ عدم تصديقه على حكم محكمة امن الدولة التي جرّمت الطالبين مهند الدبس ومحمد عرب رجوته فيها أن يصدر عفوا عاما عن من حكمتهم تلك المحكمة وجردتهم من حقوقهم ,اختتمتها كما يلي :
(ان مصداقية أي حكم تجاه شعبه تقاس الآن محليا وعالميا بمقدار احترامه للإنسان وحقوقه الفردية , ونحن نتمنى ان ينظر الى معاناة هؤلاء من جديد كأفراد مظلومين , وان يتم العمل على رفع الظلم عنهم .)
وفي 6/6/2005 أرسلت رسالة مفتوحة الى مؤتمر حزب البعث الذي كان منعقدا في دمشق ختمتها كما يلي :
(من نافل القول أن وضع هؤلاء ازداد سوءا على سوء ولم يقم التجمع المعارض ولا منظمات حقوق الانسان في مساعدة واحد من هؤلاء لتوفير فرصة عمل لأي منهم, فهل يسجل مؤتمركم قصب السبق على الجميع ويهتم بوضعهم ؟ نتمنى ذلك ونتمنى لمؤتمركم النجاح أيضا .)
استمر وضع هؤلاء في التدهور بشكل غير منطقي رغم ابتعاد غالبيتهم عن السياسة والسياسيين في زمن كثر فيه الزعيق عن الانسان وحقوقه , قال أحدهم- لم يسمي اسمه - في مقابلة مع قدس بريس , قضيت في السجن خمسة عشر عاما , لم أتمكن بعدها من العودة الى وظيفتي بسبب الحكم الصادر بحقي , ولم يسمحوا لي بمغادرة القطر , ولم يساعدني احد داخله في الحصول على فرصة عمل , أعيش على الصدقات والهبات من الأهل والأقارب والأصدقاء . بعضهم انتهت مدة تجريده مدنيا والقانون السوري يبيح له العودة الى وظيفته اذا أصبح حسن السيرة, ولكن لم يتمكن احد من العودة الى وظيفته ممن أنهوا مدة تجريدهم المدني وحصلوا على شهادة حسن سلوك وهوية نظيفة لايكتب عليها بالقلم الأحمر (محكوم ) وتقدموا بطلبات نظامية لدوائر وظائفهم , وبعضهم أمضى في خدمة الدولة ما يزيد عن عشرين عاما لم يتمكن من أخذ قرش واحد كتعويض عن تلك السنوات . الطريف في الأمر هنا قول أحد المسئولين السوريين في معرض رده على عدم إعطاء أي منهم ما يستحق من تعويضات . – فليعلم هؤلاء ان أموال الدولة ليست سائبة , وأنها لا تشجع على إعطاء أموال لمن لم يكن على رأس عمله لأي سبب كان – ولكن هذا الحرص لم يترجم من الدولة على من سرق أموالها , مع ان تعويضات هؤلاء جميعا لا توازي عقار من عقارات السيد حسن مخلوف ولا ثمن دكان من دكاكين أولاد عبد الحليم خدام .
ومع قناعتي بأن النظام العالمي الجديد متقدم عن السابق ولو لم يكن كذلك لما فرض وجوده , الا أن حالهم ساء في بدايته كسائر الفقراء في أنحاء العالم بعد النصر السهل لأمريكا على الاتحاد السوفياتي السابق ومحاولة تكييفه عبر الإدارة الأمريكية السابقة ليزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا بحجة نشر الديمقراطية وحقوق الانسان .
استغلت الحكومة السورية أخطاء ادارة النظام الجديد بذكاء ورفضت الانفتاح في الداخل على المظاليم في الفترة السابقة كرد فعل على ضغط الخارج وتبجحه في الدفاع عن حقوق الانسان ,
ترى ما هي حجتها الآن بعد أن انعدمت هذه الضغوط وأصبحت علاقتها في فرنسا واوروبا وأمريكا سمنا على عسل ؟ ولماذا كل هذا الاستقواء على الضعفاء أمثال هؤلاء الذين تضررت عائلاتهم بسبب حمل أبائهم وجهة نظر في هذه الحياة !!!
أما بالنسبة للمعارضة فقد زادها النظام العالمي الجديد تعقيدا على تعقيد .
- بعضهم يرى أن النظام السوري نظام ممانع لمشاريع الامبريالية , ولا يجب الضغط عليه لئلا نشوش على ممانعته ضد الأعداء , والموضوع يحتاج الى قرار سياسي علينا الانتظار حتى يلهم الله تعالى قيادتنا الممانعة لكي تصدره .
- بعضهم وصل الى قناعة نظرية مفادها - تغيير المعارضة أولا- وبالتالي الكف عن التفكير في السلطة والعمل ضمن المجتمع بما فيه مساعدة هؤلاء الذين تضرروا من السياسة , ولكنه مشغول بالنظرية وليس لديه وقت يضيعه في البحث عن عمل لرب عائلة من هؤلاء التعساء .
- بعضهم سعى وما يزال يسعى بكل إمكانياته لمساعدة هؤلاء بقدر ما يستطيع.
الخلاصة ان وضع العائلات التي فقدت مورد رزقها بسبب أحكام امن الدولة التعسفية - وما زالت تلهث وراء الرغيف والرغيف يركض امامها - تربي أولادها على القاعدة التالية
- اياك والسياسة يابني ففيها خراب بيتك -
– اللاذقية: ( كلنا شركاء ) .